بسم الله الرحمن الرحيم
(بَلْدَةٌ
طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) سورة سبأ. أية15
الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة
حجة (مديرية قارة)
جبالها تعانق الكواكب.. ومساكنها معلقة في السماء
إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. يسرني أن أقدم لك في هذا
العدد من صحيفة الثورة الغراء مديرية قارة؛ بجبالها التي تعانق الثرياء ومساكنها
المعلقة في قمم الجبال، ومأذنها المبتهلة بالدعاء، ووديانها التي تتخللها الغيول
والعيون الدافقة بالماء التي تمد الإنسان في هذه الأرض بالحياة، وجروفها وكهوفها
التي تحكي أسرار التاريخ والسياسة، وأرضها التي تحوي رُفات العديد من أعلامها من
الملوك والسلاطين والأئمة والعلماء والمبدعين، وكذا حصونها ومواقعها التي تعتبر
آية في الإبداع، ومغاراتها التي تحكي أسرار الصراع بين اليمنيين والتواجد العثماني
الأول في اليمن..
وهذه المديرية تحتاج إلى زيارة العديد من الباحثين
اليمنيين والعرب والأجانب لفك طلاسم وشفرات تاريخها من قبل الإسلام وبعده..
أخي القارئ.. عند زيارتك لهذه المديرية ستخرج
بالعديد من الحقائق الهامة وهي:
أولاً: أن اليمن بحاجة إلى نهضة شاملة لصيانة
وترميم حصونها وقلاعاها، واستثمارها استثماراً يمكنها من رفد اقتصادها بالأموال
التي تجعل بلادنا مستقلة استقلالاً حقيقياً..
ثانياً: الاستعانة بالدول الصديقة والشقيقة
والصناديق المانحة لبلورة مشاريع حقيقية ليست صورية لمساعدتنا في تحقيق الهدف
المذكور..
مديرية قارة
القارة عند العرب الأكمة وجمعها قار مثل راحة وراح وساعة
وساع. وتسمى بقارة حجور الشام نسبة إلى حجور بن أسلم بن عليان بن زيد بن جشم بن
حاشد.
وهي إحدى المديريات التابعة لمحافظة حجة. تقع في الجزء
الشمالي الشرقي لمحافظة حجة، وتبعد عن مركزها الرئيسي بحوالي 225كم تقريباً. يحدها
من الشمال مديرية بكيل المير، ومن الجنوب مديرية كشر، ومن الشرق مديريتا: حرف
سفيان وقفلة عذر، ومن الغرب مديريتا: بكيل المير ووشحة. ومركز مديرية القارة:
مدينة قارة.. وتبلغ مساحة المديرية 298كم2، وبلغ عدد سكان المديرية 28.901 نسمة
وذلك حسب التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.. تضم المديرية 69 قرية تشكل
مركزاً سكانياً واحداً هو عزلة القارة..
ومديرية قارة حديثة الإنشاء، حيث تم إنشاءها في العام
2001م، وتمتلك مديرية قارة تاريخاً يبهر من يطلع عليه ويجعله يقف ملياً بين سطوره،
ففي هذه المديرية الكثير من الآثار التي أصبح معظمها أطلالاً خربة بسبب عبث وإهمال
الناس وعوامل التعرية الطبيعية على مدى السنون..
تتمتع المديرية بتضاريس أغلبها جبلية، سفوحها شديدة
الوعورة والانحدار ويتخللها عدد من الأودية العميقة، وتعتبر جبالها موقعاً حصيناً،
حيث يوجد فيها العديد من الكهوف والملاجئ الطبيعية، وعلى قممها توجد المنازل التي
يسكن فيها أبناءا لمديرية، وتشكل هذه الجبال مستطيلات صخرية عالية مثل مراكز
المراقبة. إضافة إلى الكهوف والأجراف الصخرية التي يمكن اتخاذها ملاذاً بإقامة
جدران صخرية على امتداد الجوانب المفتوحة يستفاد منها كمأوى طبيعي للوقاية من القصف
أثناء الحروب، فأكثر هذه الجبال تحوي العديد من هذه الكهوف، يتضل كل منها بالآخر..
واسم المديرية ارتبط بالتاريخ كثيراً، وتردد ذكرها عبر إذاعات
وكالات الأنباء العالمية، حيث شهدت أحداث تاريخية
هامة. ففي العام 1006هـ أعلن اليمنيون ثورتهم ضد التواجد العثماني في اليمن
بزعامة الإمام القاسم بن محمد فدارت حينها أول معركة بين الجانبين في هذه المنطقة،
وتمكنوا بعد ذلك من توحيد اليمن في كيان واحد امتد من الحجاز حتى ظفار.
ومن زار مناطق هذه المديرية ممن ساعده حظه، سيشاهد من المناظر
الطبيعية التي أبدعها ربنا سبحانه وتعالى تجعله يتوقف أكثر من مرة أمام أكثر من
منظر، مثل الجبال الشامخة شديدة الانحدار في الأعلى، وأودية كثيرة ومتعرجة في
الأسفل تتخلل هذه الأودية مساحات خضراء، وقرى ذات ألوان جمالية متعددة تتوزع في
أكثر من اتجاه ناهيك عن تلك القلاع والحصون التي بنيت جميعها بالحجارة وبأشكال
مختلفة منها ما هو بشكل دائري، ومنها ماهو بأشكال أخرى من البناء المعماري الذي
يحكي حقباً تاريخية متعددة ولا زال أطلال البعض منها قائماً.
ومن اودية مديرية قارة: وادي حيران الذي ينتهي في البحر
الأحمر، ووادي حسارة ويصب في وادي مور، وهناك أودية أخرى في الجزء الشمالي منها
مثل وادي العليب، ووادي أحمد, ووادي الأبطح وجميعها تنتهي إلى وادي حرض..
يعمل معظم سكان المديرية بالزراعة، وخاصة الذرة الحمراء
والرفيعة، وبعض أنواع الفواكه والخضروات بالإضافة إلى الرعي وتربية المواشي. كما
تتميز بإنتاج الأواني الحجرية (الحرض والمقالي) المنحوتة من الحجر التي تحفظ حرارة
الطعام لفترة غير قليلة.. وكذا صناعة الأدوات الفخارية والخزفية والظلل، والمصنوعة
من أشجار (الطفي) القبعات التي تقي الفلاحين والفلاحات من حرارة الشمس والحياكة،
وتختلف هذه المشغولات باختلاف المنطقة سواء أكانت جبلية أو سهلية.
من المعالم الأثرية
والتاريخيةفي مديرية القارة
مديرية القارة كغيرها من مديريات محافظة حجة يتواجد فيها
الكثير من المواقع الأثرية من مقابر ومساجد تاريخية، ومعالم دينية وخرائب ومواجل،
وبرك المياه المحفورة والمنقورة في الصخور الصماء بالإضافة إلى الكهوف المنتشرة
والكبيرة التي وجدت بفعل الطبيعة وتكوينها الجيولوجي وتضاريسها الجبلية، وقرى
متناثرة البنيان لها حكاية وحكايات يسعى
المختصون والمهتمون فك شفراتها وطلاسمها.. ومن هذه المعالم:
1- موقع مسجد الرحمن: مبنى مستطيل الشكل
أبعاده (13×10م)تقريباً، جدرانه سميكة مشيدة بأحجار صلبة مهندمة ومصقولة وله مدخل
في جداره الجنوبي عليه باب خشبي يؤدي إلى قاعة مستطيلة الشكل مبطنة من الداخل بالجص،
وتتوسط جداره الشمالي حنية المحراب، وهي عميقة وبارزة إلى الخارج، وتفتح في جدران
القاعة نوافذ وطاقات مصمتة ويغطيها سقف من الخشب يقف على واجهة القاعة وعلى عقدين
نصف دائريين يرتكزان على دعامات حجرية سميكة تتوسط أرضية القاعة، ويتقدم واجهة
القاعة الأمامية ساحة مكشوفة إلى الطرف الجنوبي منها بركة واسعة وعميقة محفورة في
باطن الصخر ومبطنة بالقضاض..
2- موقع مسجد القلفعة: بناء مستطيل الشكل
أبعاده (15×12م) تقريباً، محاط بسور خارجي وله مدخل يفتح في الشمال الشرقي يؤدي
إلى ممر مستطيل الشكل، يتوسط جداره الغربي مدخل يفتح على حجرة ملاصقة لجدار السور
الشرقي والمدخل الآخر في جدار الممر الجنوبي ويفتح على الساحة المكشوفة التي تتقدم
بيت الصلاة، وهي قاعة مستطيلة الشكل جدرانها سميكة ولها مدخل يفتح في جدارها
الجنوبي تقابله في جدار القبلة حنية المحراب، وتتوسط أرضية القاعة دعامات من الحجر
تحمل عقدين نصف دائريين يقف عليها سقف بيت الصلاة الخشبي، ويلاصق جدار السور
الجنوبي من الناحية الشرقية مبنى من عدة طوابق اندثر سقفه وانهارت معظم جدرانه،
وتجاور بيت الصلاة من الناحية الغربية بركة واسعة وعميقة جدرانها مبطنة بالقضاض
وتتسع لخرن كمية كبيرة من المياه..
3- موقع البداح: عبارة عن حصن منيع في قمة
جبل شاهق الارتفاع يطل على هاوية من الناحية الشمالية مكون من كتلة كتلة معمارية
مستطيلة أبعادها (35×30م) تقريباً، وجدرانه سميكة مشيدة بأحجار صلبة ومهندمة ومقسم
إلى: المقدمة مبنى مستطيل الشكل مكون من طابقين تتقدمه ساحة مكشوفة، ويتوسط واجهته
الجنوبية المدخل الرئيسي للحصن وهو عبارة عن فتحة معقودة بعقد نصف دائري متوج بعقد
آخر بارز، وعلي يسار المدخل نافذتان مفتوحتان في جدار الواجهة والمدخل يفتح على
ممر تفتح على جانبيه مداخل غرف الحراسة، وسلم درجي يؤدي إلى الطابق العلوي للمبنى
المكون من ممر مستطيل يفتح عليه عدد من السقوف تطل على الخارج بنوافذ مفتوحة،
ويتوسط الحصن ساحة مكشوفة مقسمة إلى قسمين وهو محاط بسور تتخلله مزاغل للرماية
ومتاريس للحراسة بالإضافة إلى عدد من المباني الملاصقة لجدار السور من الناحيتين
الشرقية والشمالية وبرك ومدافن الحبوب..
4- موقع حصن القاسم: يقع في قمة جبل حديد
التاريخي، وفي المكان دارت أول معركة بين أنصار الإمام القاسم بن محمد والأتراك
العام 1006هـ/1597م، وذلك في عهد الوالي حسن باشا. الموقع مطل على وادي حيران
الشهير ووادي حسارة، يتم الوصول إليه من خلال طريق فرعي ترابي وعرة صعب المسالك من
الاتجاه الشرقي الذي يمكن الوصول منه إلى وادي حسارة، وطريق مستحدثة حالياً من
اتجاه الشمال تمر من خلالها السيارة مروراً بالعبيسة. والمبنى في الوقت الحاضر
عبارة عن بقايا أساسات مبان أصابها التلف، وتعرضت للهدم والتخريب بفعل الإهمال وقد
قام الأهالي بإزالة أحجارها وأخشابها وإعادة استخدامه في بناء منازلهم الحديثة،
ويوجد بالقرب من ساحتها مسجد صغير عبارة عن مربع الشكل مكون من بيت الصلاة، وبركة
ماء مياهها من السماء أي بدون مجرى. يقوم البناء جميعه بالأحجار الصلبة ومطلي من
الداخل بالطين والنورة المصنوعة محلياً إلى وقت قريب، ولهه سقف من الخشب المحلي
تهدم وتراكمت مخلفات البناء وسط تلك الأساسات وبجوانبها حتى غمرت معظم
محتوياته، بالإضافة إلى بقايا أبنية مهدمة
منه بركة مياه مستديرة الشكل محفورة ومبنية بالأحجار ومكسوة من الداخل والخارج بمادة
القضاض. كما يقال بأن هنام ممراً سرياً في الجهة الشرقية تمكن المحاصرين في الحصن
من الخروج بسلام إلى منطقة كانت مكسوة بأشجار البن. ويبدو من خلال الموقع
الاستراتيجي الذي يحتله الحصن، وعوامل الطبيعة وصعوبة المسالك المؤدية للوصول إليه
يجعلنا نتكهن أن موقع المبنى مع ما يحتويه من مرافق وعوامل المقاومة والبقاء
والصمود أطول فترة، والمتمثل في الوسائل القائمة من تخزين كميات كبيرة من المياه
والمؤن والبناء المحكم كان قاعدة متقدمة للجيوش، ونقطة مراقبة وحماية لمرور
القوافل المتجهة من الجنوب إلى الشمال والمحملة بالبضائع والمؤن والمسافرين، فكل
الشواهد القائمة والمتمثلة في أبراج الحراسة المندثرة على ضفتي وادي حيران تؤكد
ذلك، واليوم أصبحت كل هذه المباني وملحقاتها أطلالاً وذلك بسبب الإهمال وعبث البشر
مع دعوتنا للمهتمين والمتخصصين والباحثين في هذا المجال لإنقاذ ما تبقى، والقيام
بدارسة أثرية لهذا الموقع، ومعرفة هويتها التاريخية لعلها تعود إلى زمن الدولة
الحميرية.. ويمكن الوصول إليها من اتجاهين: الاتجاه الشرقي الخط الإسفلتي المار
بخمر حوث القفلة مور، ثم الاتجاه غرباً، ومن هنا تبدأ رحلة شاقة فيها من العذاب ما
لا يوصف خصوصاً في موسم الأمطار الذي تنعدم فيه حتى معالم الطريق!. الطريق الأخرى
الاتجاه الجنوبي حرض عاهم وصولاً إلى عاهم وصولاً إلى المنطقة وهي لا تختلف عن
سابقتها كثيراً.
من أعلام مديرية
قارة المعاصرين
- عباس يحيى محمد المؤيد: تربوي، إداري
متمكن، له مشاركات فاعلة في الجانب التربوي، والسياسي وله محاولات شعرية. يتميز
بحبه للقراءة والاطلاع وتنوع الثقافة والإدراك. ولد في منطقة القمة عام 1972م
بمديرية قارة – م/حجة. درس الإبتدائية، الإعدادية، والثانوية في كل من قارة،
كشر،حجة. التحق بجامعة صنعاء وتخرج عام 1998م حاصلاً على بكالوريوس قسم (لغة
عربية).. التحق بالحياة العلمية بعد تخرجه فعمل مدرساً ومديراً لمدرسة قرية
الأهنوم قارة، عين في العام 2001م مديراً للمركز التعليمي في المديرية حتى العام
2008م، عين مديراً للمركز التعليمي في مديرية وشحة وحقق انجازات ملموسة في المجال
التربوي وشهد له الجميع بذلك. وفي حركة التنقلات التربوية في المحافظة عام 2011م
عُين مديراً للمركز التعليمي لمديرية قارة.. عضو اتحاد طلاب اليمن م/حجة، عضو
نقابة المهن التعليمية والتربوية..
- عادل يحيى محمد المؤيد: تربوي، إداري،
حقوقي، ناشط في أوساط المؤتمر الشعبي العام.. ولد في منطقة القمة عام 1973م
بمديرية قارة م/حجة.. تخرج من جامعة صنعاء عام 2000م حاصل على بكالوريوس شريعة
وقانون.. رئيس قسم الاختبارات بمركز التربية والتعليم بمديرية قارة، مسئول الشاب
في المؤتمر الشعبي العام بمديرية قارة، يعمل حالياً في المحاماة في محافظة حجة...
- عبدالرحمن محمد حسين الشريف: شاعر،
إداري، كاتب، من الناشطين في حزب التجمع اليمني للإصلاح، مولده في قرية القمات عام
1962م بمديرية قارة م/حجة.. حفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية، وتلقى تعليمه
النظامي في المدارس وبمعهد المعلمين في مدينة حجة، حصل على شهادة البكالوريوس من
جامعة صنعاء في اللغة العربية عام 1994م ثم الماجستير في النقد الأدبي من جامعة
الجزيرة في السودان عام 2000م.. شغل أميناً عاماً للتعاون الأهلي للتطوير بمديرية
وشحة، عضو المجلس المحلي، رئيس اتحاد طلاب اليمن بمحافظة حجة، نائب عميد المعهد
العالي للمعلمين في مدينة حجة.. له العديد من المؤلفات الشعرية منها: عصارة
الأيام، أغاني الأفراح، إليك إلهي أمد يدي، بال علان، صور من بلادي.. وغيرها..
من المراجع التي رجعنا إليها عند إعداد
هذا المقال: (حجة معالم وأعلام/
للباحث يحيى محمد جحاف/ الطبعة الأولى 1434هـ 2013م/دار الكتب اليمنية)، (هجر
العلم ومعاقله في اليمن/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (نتائج المسح
السياحي في الفترة 1996-1999م)، (موسوعة اليمن السكانية/ تأليف الدكتور محمد علي
عثمان المخلافي/ الطبعة الأولى2006م)، (الموسوعة اليمنية/الطبعة الثانية)، (معجم
البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/إبراهيم بن أحمد المقحفي/
طبعة2011م)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، ، (اليمن
الكبرى/ للمرحوم العلامة حسين بن علي الويسي)، خريطة المديرية المرفقة من إعداد م. أحمد غالب عبدالكريم المصباحي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق