الجمعة، 31 يوليو 2015

بسم الله الرحمن الرحيم
الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عمران
مديرية شهارة معقل الملك السبئي أسعد الكامل ومقر الأئمة والعلماء منذ ألف سنة


إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
تضم مديرية شهارة الكثير من الكنوز الحضارية من الحصون والقلاع والآثار، وكذا الكثير من العلماء الأعلام الذين شع نور علمهم على جميع أنحاء اليمن والعالم العربي، وتعدى ذلك إلى العالم الإسلامي.
كما أنني أردت في هذه المقدمة القصيرة أن أنقل إلى القارئ الكريم كلمات تترجم الوضع الراهن لبلادنا، هذه الكلمات كتبها السياسي الكبير – شفاه الله وعافاه – عبدالملك الطيب قبل إعلان الوحدة المباركة في عام 1990م، حيث كتب كلماته تحت عنوان (هل حقاً يريدون الوحدة) أورده ضمن كتيب ألفه تحت عنوان (الرأي الآخر .. ولكي لا يطول الضياع).. ونص ما كتبه هو: (فإلى الذي يحبون الوطن. إلى الذين يتوقون إلى الحرية. إلى الذين يريدون الديمقراطية. إلى الذين يدعون إلى الشورى. إلى الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار والطمأنينة. إلى الذين يعمر قلوبهم الإخلاص لأوطانهم ومواطنيهم. إلى الذين جاهدوا أو ناضلوا أو سافروا أو سهروا أو سجنوا أو تشردوا أو سيطر عليهم الخوف من بطش الجبابرة وأخطاء المستبدين، أو أوذوا في أبدانهم أو أولادهم أو أنفسهم، أو مصادر عيشهم أو وظائفهم أو مناصبهم من أجل غاية مثلى، من أجل الوطن، أو من أجل المواطنين، أو دفاعاً عن الذات، أو عن الحرية أو عن القيم. إلى الذين يريدون لليمن العزّ بوحدته. والذين يرون في الوحدة انقاذاً لشعب اليمن. وإلى الذين يتخّيلون اليمن أرضاً واسعة تشرف على بحرين. وتسيطر بوحدتها على ممر دولي من أهم ممرات العالم. إلى الذين يتطلعون إلى تجميع الثروة وتجميع العقول وتجميع الجهود لصياغة المستقبل.
هل تريدون الوحدة حقاً؟؟؟ إذا كنتم تريدون الوحدة فلا يمكن أن تحصلوا عليها قبل أن تحصلوا على الحرية والديمقراطية. ولا يمكن أن تحصلوا على الحرية والديمقراطية إذا سارت الأمور على ما تسير عليه، واستمريتم متباعدين وربما متباغضين ومستهينين بالعواقب تسليم، واستسلام، وتواكل، وتهرب، وتخوف...ولذلك فمن المحتمل أن تصل المساعي والاتفاقيات بين القيادتين إلى نجاح، وتعلن الوحدة. وهذا مكسب عظيم..
مدينة شهارة
شهارة بضم الشين كما في القاموس. وبكسرها كما هو شائع عند أهل اليمن. بلدة في رأس جبل يعد من أعظم معاقل اليمن وأمنعها، قيل أن أول من اتخذها معقلاً هو الملك التُبَّع أسعد الكامل. تقع مدينة شهارة على الجبلين المتقاربين الشرقي والغربي والذي يطلق عليهما (شهارة الفيش)، و(شهارة الأمير)، والجبلان قديماً كانا يعرفان بجبل مِعَتِّق ، وكان يفصل بينهما أخدود شديد الانحدار يبلغ ارتفاعه من أسفله إلى أعلى قمة الجبل ما يقارب (200متر)، وفي عام 1323هـ الموافق 1905 ميلادية تمت عمارة جسر على الأخدود الفاصل بينهما، وبعد إكمال عمارته والمرور عليه أصبحتا كمدينةٍ واحدة..
ومدينة شهارة مدينة جميلة كانت فيها برك للماء وعين ماء كان يطلق عليها (المقل)، ومباني المدينة قوامها الأحجار تتخللها المساجد والقباب، وفيها أيضاً حصن الناصرة ودار سعدان وفيها جامعٌ حسنٌ، وفيها سبعة مساجد غير الجامع. وقد ذكر المرحوم القاضي حسين السياغي في كتابه (معالم الآثار اليمنية) أن شهارة الأمير هي الأثرية ففيها المباني الفخمة، والدور التي يبلغ عددها إلى نحو مائتين وخمسين دارا. والمساجد المقامة نحو اثنى عشر مسجداً، منها المسجد الجامع: فيه البرك العظام الأثرية. وهي هجرة علم قوية، ومشهورة بالعلماء والمتعلمين. وتقتصر الدروس على العلوم الشرعية، والدينية. وقد تخرج منها عدة علماء مؤلفون.
ولشهارة طرق محكمة بين الجبال، وأبواب لكل طريق، منها: باب النصر، وباب النحر، وباب السرو، وعلى كل باب هناك حراس يقومون على حمايته. فكان لا يدخل أحد إلى شهارة ولا يخرج منها إلا بفك من أميرها.  وبعد أن تم حديثاً شق طريق للسيارات إليها أصبحت شهارة مدينة مفتوحة.
وقد ورد في كتاب (نتائج المسح السياحي) أن مدينة شهارة التاريخية لا تزال قائمة بكل مكوناتها المعمارية (شهارة الأمير، شهارة الفيش)، وكذا الجسر الهندسي المعماري الذي يعكس مدى قدرة إبداع المعمار اليمني، كما أن المعالم الآثرية القديمة التابعة لشهارة من حصون، وأسوار، وأبواب قديمة، ومساجد، ومدارس تاريخية، وأحياء عتيقة وصهاريج المياه، ومدافن الحبوب، جميعها بحالة جيدة، إلا باب النصر فقد تم إزالته أثناء شق طريق للسيارات إلى المدينة، بالرغم من أن الباب كان واسعاً وبالإمكان مرور السيارات من خلال البوابة التاريخية، ويقع هذا الباب في الجهة الغربية للمدينة، وقد صنعت جميع الأبواب من خشب الطنب الذي يعتبر من أقوى أنواع الأخشاب المقاومة لعوامل التقادم الزمني، وتوجد بعض الأبراج المحيطة بالأبواب مهدمة،  وأجزاء من السور مهدمة أيضاً، كما تتميز المدينة بوجود أحواض ماء منحوتة في الصخور (مآجل وجمعها مواجل) التي تستخدم لحفظ المياه.
وتشمل شهارة سلسلة جبلية يطلق عليها اسم سلسلة جبال الأهنوم نسبة إلى قبائل الأهنوم التي تسكنها، ومن هذه السلسلة جبل "شهارة الفيش" وجبل "شهارة الأمير"، وجبل سيران الغربي والشرقي وجبل ذري، وجبل المدان، وجبال القفلة وعيشان ثم جبال ظليمة وبني سوط، وهي بالجنوب من السلسلة، ثم جبال الجميمة وبني جديلة، يحد هذه السلسلة الجبلية من الشمال وادي الفقم النازل من العشية إلى مور، وجنوباً وغرباً وادي مور النازل من أخرف والبطنة، وشرقاً سهل العصيمات وعذر، وقد قسمت شهارة إدارياً إلى مديريتين (مديرية شهارة، ومديرية المدان).
مديرية شهارة
وتشكل شهارة اليوم مديرية من مديريات محافظة عمران، وتقع إلى الشمال من مركز المحافظة بحوالي 90كم، يحدها من الشمال مديريتا قفلة عذر والمدان، ومن الجنوب مديرية ظليمة حبور، ومن الشرق مديرية قفلة عذر، ومن الغرب مديريتا المدان وصوير. وتبلغ مساحة المديرية 176كم2، تضم (186)قرية تشكل بمجموعها (4)عزل، هي: ذري، سيران الشرقي، سيران الغربي، شهارة. ومركز المديرية مدينة شهارة، وبلغ عدد سكان مديرية شهارة (43938) نسمة، حسب ما ورد في التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
من أهم معالم شهارة
تحتوي شهارة على العديد من المعالم التاريخية والأثرية التي امتازت بها عن غيرها من المناطق، ولكي نظهر هذا التنوع وهذا الثراء في هذه المعالم لابد أن نعود أولاً إلى تاريخ شهارة، فنجد شهارة عبر التاريخ كانت معقلاً للكثير من الدول المتعاقبة على حكم المنطقة خصوصاً واليمن عموماً.
فقد ذُكر أن ممن سكن شهارة قبيلة فيشان القبيلة اليمنية القديمة التي ظهرت في نهاية (الألف الثاني قبل الميلاد)، وتعود تسمية جبال شهارة باسم (شهارة الفيش) نسبة إلى هذه القبيلة، وقد لعبت هذه القبيلة دوراً بارزاً في تكوين مملكة سبأ، التي كان تكوينها ناتجاً عن اتحادات قبلية بدأت باتحاد قبيلة سبأ وقبيلة فيشان وتكونت بعدها المملكة السبئية، وتؤكد بعض المراجع التاريخية أن المنطقة كانت معمورة في عصور ما قبل الإسلام. فقد ذكر الإخباريين أن الملك السبائي المشهور بـ"أسعد الكامل" قد سكن في شهارة في (القرن الخامس الميلادي). في حين تورد بعض المصادر التاريخية أن شهارة بدأت بالظهور في الفترة الإسلامية خاصة في منتصف (القرن الخامس الهجري) عندما اتخذها الأمير ذو الشرفين "محمد بن جعفر بن القاسم بن علي العياني" المتوفى في سنة (478 هجرية) حصناً منيعاً خاصاً به، بعد تعقب الصليحيين له، واستمر الأمير "ذو الشرفين" في شهارة حتى وفاته بها في سنة (478 هجرية)، وقد نسبت مدينة شهارة إليه، فسميت (شهارة الأمير). وفي الفترة الأولى لحكم العثمانيين اليمن، استطاع العثمانيون اقتحام مدينة شهارة في سنة (955 هجرية)، واستمر تواجدهم فيها إلى العقد الثاني من (القرن الحادي عشر الهجري) وقد بنو فيها عدة منشآت إلى جانب رصف الطرق المؤدية إلى المدينة، ومن أهم منشأتهم فيها (دار الناصرة) أو ما يسمى بحصن الناصرة، و(دار سعدان). وقد اتخذها الإمام المرحوم "القاسم بن محمد" عاصمة لدولته وجعلها منبراً لتدريس ونشر المذهب الزيدي، وبعد وفاته في سنة (1029 هجرية)، خلفه ابنه الإمام المرحوم "محمد بن القاسم" الذي اشتهر ببناء جوامع العبادة ومدارس العلم التي تولت نشر المذهب الزيدي، وتوفي في سنة (1045هجرية).
ثم وصل إلى شهارة الإمام المرحوم يحيى بن محمد حميد الدين وهو ابن الإمام المرحوم المنصور محمد بن يحيى حميد الدين (1322 ـــ 1367هجرية) هرباً من العثمانيين الذين وصلوا من تركيا خلال الفترة لثانية لقمع تمرد اليمنيين على الدولة العثمانية ـ التركيةـ؛ خاصة بعد فرار ممثل السلطان العثماني من صنعاء إلى زبيد عقب دخول الإمام "يحيى" صنعاء ومعه قبائل همدان وحاشد والأهنوم، وقد وصلت القوات العثمانية بقيادة الباشا "أحمد فيضي" إلى صنعاء مزودة بأحدث المعدات من مدفعية ثقيلة وأسلحة نارية خفيفة، ولم تلبث تلك القوات سوى بضعة أيام حتى تحركت قاصدةً شهارة بقوة تتألف من عشرة طوابير بكامل معداتها، ولم تعترض تلك القوات أي مصاعب في الطريق من صنعاء إلى شهارة، وعندما وصل إلى أسفل جبال شهارة فوجئ بتجمع القبائل التي توحدت تحت قيادة الإمام المرحوم "يحيى"، واندحرت القوات العثمانية وفر قائدها وبعض من قواته التي نجت بعد معركة ضارية، وفي هذه المعركة استخدم اليمنيون طريقة دفاعية فريدة تمثلت في إسقاط وقذف الأحجار الضخمة من قمم جبال شهارة على القوات العثمانية الجاثمة في الوديان الضيقة.
وقد أورد القاضي المرحوم/ عبدالله بن محسن العزب المتوفى عام 1365هـ في كتابه (تاريخ اليمن الحديث"فترة خروج العثمانيين الأخير")، التي قامت بنشره "منشورات المدينة" وقام بتحقيقه الأستاذ/ عبدالله محمد الحبشي – أطال الله عمره – ، وصدرت الطبعة الأول منه عام 1407هـ - 1986م، قصيدةً وصفها بأنها قطعة من الشعر الرصين الجزل وأنها آية في الإبداع ودرة من درر البيان؛ وهي من إنشاء جدنا القاضي المرحوم الأديب/حسين بن أحمد العرشي صاحب كتاب (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملك وإمام) الذي قمت بتحقيقه ونشرته الهيئة العامة للكتاب عام 2013م وهو أيضاً صاحب كتاب (بهجة السرور في سيرة الإمام المنصور) والذي قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الصحفي والكاتب محمد البخيتي وأسميناه(حوليات القاضي حسين بن أحمد العرشي المسمى بهجة السرور في سيرة الإمام المنصور) والكتاب لا يزال تحت الطبع. نذكر من هذه القصيدة الأبيات التالية:
وأمَّت بغاة العجم حصن شهارة


ومن دونه حفظ من الله يغلب

فما رجعوا إلاَّ على متن شرّ


لهم فيه باب خلفه الغر مشعب

شهارة ذات الفخر والمجد والتي


لها المثل الأبهى الذي كان يضرب

سماء بناها الله من صخرة رست


على منبت بالعز والفخر مشـرب

إذا أوقدت فيها المصابيح ليلةً


ففي كل برج حين أبصـرت كوكب

وسقف يحاكي النجم يحوي معارجاً


على كل معراج حروس ونُوَّب

كأن سناميها الأميري وفائشاً


سِنَامَا بعيرين لذا ذاك يعقب

يطوقها حزم وعزم وشاهق


وآساد حرب والحديد المذرّب

لأحجارها ما للسيوف مبيدة


تقدّ وتفري وهي ترمي وتقلب

عمرت بها الأبراج وهي حصينة


وزدت بها نقباً من الصخر يثقب

تروساً ترد (الطوب) عما يريده


فما برقه إلاّ كما قيل خلَّب

واسْقَيْتَها ماء الحياة فلم تكن


لذي ريبة منها سوى الموت مشـرب

خلعتَ عليها حلة المجد فاغتدت


تتيه بها فوق الجبال وتعجب

وطيبَّتها بالعز وهي جديرة


به والمحل المثمر العزَّ طيب

 ومن أهم معالم شهارة، نورد الآتي:
1-    جسر شهارة: أقيم هذا الجسر للربط بين جبلي (شهارة الفيش)، و(شهارة الأمير)، وقد كانت الطريق بينهما تتطلب الكثير من الوقت والجهد حيث كان الأهالي يلجأون للنزول إلى أسفل الأخدود الفاصل بين الجبلين ثم الصعود إلى الجبل الآخر، وهذا هو الأمر الذي جعل نقل الماشية والبضائع بين الجبلين يعتبر شبه مستحيل لصعوبة الطرق والأخاديد الفاصلة بين الجبلين ذات الانحدار الشديد، أما بالنسبة لتاريخ بناء الجسر فقد بني في عام 1323ه الموافق 1905 ميلادية في عهد المرحوم الإمام يحيى بن محمد حميد الدين وتعتبر الهندسة المعمارية للجسر واحدة من أهم سماته، فقد أقيم على أخدود شديد الانحدار يفصل بين جبلي شهارة الفيش وشهارة الأمير يبلغ ارتفاعه من أسفله إلى أعلى قمة الجبل حوالي (200 متر)، أقيم هذا الجسر على ارتفاع (50 متراً) من أسفل الأخدود، في منطقة يبلغ مسافتها (20 متراً) ونتيجة للارتفاع البالغ (50 متراً) من قاع الأخدود فقد بنيت في الأسفل عدة جسور ونوبة ـ برج ـ تم الاعتماد عليها في إقامة هذا الجسر إذ كانت تستخدم لنقل الأحجار ومواد البناء إلى أعلى المنطقة التي اختيرت لإقامة الجسر والتي مُهدت قبل البدء بالبناء عليها لأن صخورهـا ملساء، بعد ذلك أقيم جسما الجسر على الجبل الشرقي وعلى الجبل الغربي بلغ ارتفاع كل منهما (10 أمتار)، وبالاستناد على ذلكما الجسمين تم عمل عقد الجسر الذي ربط بين الجسمين ليصل بعدها طول الطريق بين الجبلين إلى (20 متراً) وعرضها (3 أمتار)، ولا زالت آثار الجسور التحتية التي استخدمت لنقل مواد البناء إلى الأعلى قائمة، أما النوبة فقد تهدمت مبانيها. هذا وقد أقيمت على جسم الجبل الغربي طريق حجرية مرصوفة تبدأ من بداية الجسر إلى الأعلى ؛ ونتيجة للانحدار الشديد للصخور فقد اضطر المعمار إلى بناء عقود لكي تقوم عليها عمارة الطريق المرصوفة وتعتبر الطريق المرصوفة والجسر تحفة معمارية رائعة وعملاً هندسياً عظيماً، إلى جانب أهميته في تسهيل حركة التنقل بين الجبلين.
2-    حصن الناصرة: حصن الناصرة أو دار الناصرة هو واحد من المباني التي أقامها العثمانيين في الفترة الأولى لحكمهم اليمن، فقد بُني في أواخر (القرن العاشر الهجري)، ويقع على ربوة مرتفعة في المدينة من جهة الغرب، ويشرف على مدينة "شهارة الأمير" وعلى معظم جبال الأهنوم من جهة الجنوب، يتكون الحصن من سور يحيط بمبنى مكون من أربعة أدوار، ويتم الوصول إلى داخل الحصن من خلال بوابة أقيمت في الجهة الغربية وقد أقيم عليها غرف استخدمت للحراسة. وبعد تجاوز البوابة ستجد هناك بركة ماء كبيرة(صهريج) يطلق عليها اسم (الشحنة) والتي كانت تستخدم للحامية العسكرية العثمانية، كما يوجد مسجد صغير، ومبانٍ ملحقة بالحصن مثل أبراج الحراسة. أما مبنى الحصن الرئيسي فهو مبنى كبير مكون من أربعة أدوار، يتم الصعود إلى الأدوار العليا عبر سلمين داخليين، ويحتوي كل دور على غرفة متسعة يطلق عليها(المفرج) إضافة إلى الكثير من الغرف الصغيرة.
شهارة هجرة للعلم والعلماء:
إضافة إلى أن شهارة احتوت على الكثير من المعالم الآثرية والتاريخية فيما يخص الأرض وتأهيلها وبناءها، فإنها قد أهتمت ببناء الإنسان، علمياً، وذهنياً، وفكرياً، وقد ذكر المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم و معاقله في اليمن) أن شهارة أزدهرت بالعلم في عهد المرحوم الإمام القاسم بن محمد، وفي عهد ابنه وسائر إخوته  وأولادهم، وأنها كانت مقصودة لطلب العلم من أماكن مختلفة من اليمن حتى صارت من أعظم معاقله، وكان فيها العديد من خزائن الكتب النفيسة، وانتشر في شهارة علم السُنة، وذلك بعد أن هاجر إليها الإمام المجتهد المرحوم محمد بن إسماعيل الأمير سنة 1140هـ بعد عودته من مكة المكرمة، وتصدّر للتدريس فيها وقصده الطلاب من سائر هجر الأهنوم (والأهنوم منطقة معروفة في الشمال الغربي من صنعاء فيها قرى كثيرة وجبال شامخة وحصون منيعة ومدارس علمية ومساجد عامرة ومزارع طيبة، وهي من بلاد همدان سميت باسم الأهنوم بن الحارث بن حديق ... بن جشم بن حاشد)،  وعندما وصل الإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين إلى الحكم، كلف المرحوم القاضي عبدالله بن أحمد الشماحي وعلماء أخرين كانوا مقيمين عنده في الأهنوم بالانتقال إلى شهارة وغيرها من الهجر لنشر العلم.
وقد ترجم المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ(124علماً من أعلامها). نورد من أشهرهم على النحو التالي:
1-    عبدالله بن عبدالوهاب بن محمد الشماحي: عالم محقق في الفقه أصوله وفروعه، وله معرفة بعلوم العربية، شاعرٌ أديبٌ، خطيب مؤرخ حفاظةٌ للشعر. عينه الإمام يحيى عضواً في محكمة الاستئناف بصنعاء. اشترك مع الأحرار في نشاطهم، ولا سيما بعد مقتل الإمام يحيى سنة 1367هـ في ثورتهم، وقد اعتقل بعد فشل الثورة الدستورية، وسيق إلى حجة حيث بقي سجيناً فيها بضع سنين، ثم أفرج عنه، وعينه الإمام أحمد عضواً في الهيئة الشرعية في تعز. بعد قيام ثورة 1962م تولى منصب وكيل وزارة العدل، ثم عين مستشاراً لها. مولده في شهارة يوم السبت 16ذي القعدة سنة 1326هـ ، ووفاته في صنعاء ليلة الجمعة 10ربيع الأول سنة 1406هـ. من آثاره: (نظم اختيارات الإمام يحيى حميد الدين وشرحها، مطبوع)، (اليمن الإنسان والحضارة)، (اليمن في طريق الحقيقة، مخطوط)، (بحث بعنوان "الهجرات اليمنية"، من بون صنعاء إلى البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا)، (بحث بعنوان القضاء في اليمن عبر التاريخ).
2-    محمد بن محمد بن إسماعيل بن مطهر المنصور – أطال الله عمره – : وهو عالم في علوم الفقه والتفسير والأصولين والنحو الصرف، أديب شاعر. تولى أعمالاً كثيرة للإمام المرحوم يحيى حميد الدين ولولده المرحوم الإمام أحمد، عين وزيراً في مجلس الاتحاد حينما انضمت اليمن في اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958م وتولى في العهد الجمهوري مناصب عالية فكان عضواً في مجلس الرئاسة ثم وزيراً للعدل، ووزيراً للأوقاف، وكان عضواً المحكمة الاستئنافية العُليا، إلى جانب عمله كناظر للوصايا من سنة 1368هـ إلى سنة 1410هـ. مولده في شهارة يوم الخميس 8جمادي الأولى سنة 1333هـ.
3-    القاضي العلامة/محمد بن حسين العرشي (1313هـ - 1390هـ) عالم قاضي شاعر، من مواليد مدينة شهارة تلقى تعليمه الأولي؛ من حفظ القرآن الكريم ومبادئ الخط والحساب في مدينة شهارة، كما تلقى العلوم الشرعية والإسلامية على العلماء الذين كانوا مشهورين في ذلك الوقت في مدينة شهارة والسودة والأهنوم والكبس. وكان من زملائه الإمام أحمد بن يحيى والعلامة قاسم بن إبراهيم، وقد بلغ من العلم مرتبة الاجتهاد، ولم يكن يرى أن هناك تناقضاً بين السنة وحب آل البيت، تعين عاملاً لناحية عبس وعاملاً وحاكماً لناحية جبن وعاملاً لمسور حجة في عهد الإمام يحيى، وكان شاعراً يقول الشعر الحكمي والشعر الحميني. وقد عرف بالنزاهة وهناك قصة – أحكيها كشاهد عيان عليها – تدل على نزاهته وحرصه على المال العام، حيث بلغ المرحوم الإمام أحمد أن القاضي محمد لا يملك بيتاً في صنعاء، فأمر نائبه السيد علي زبار بالبحث عن أحسن بيت  في صنعاء وشراءه وتمليكه للقاضي محمد، وقام نائب الإمام بإبلاغ القاضي محمد بذلك، فاستأذن منه أن يكتب البصيرة باسمه، لكن القاضي محمد طلبمنه مهلة يومين حتى يستخير الله، وبعد يومين أبلغه بعدم موافقته؛ لأنه لا يستحق البيت المشترى له؛ لأن قيمته من بيت مال المسلمين. والقاضي المرحوم محمد هو نجل القاضي حسين بن أحمد العرشي المؤرخ المشهور، بينما يكون المرحوم القاضي محمد هو جد المهندس عبدالملك بن أحمد العرشي رئيس الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات – أطال الله عمره – ، وجد المرحوم الأستاذ أحمد بن أحمد بن محمد العرشي المتوفي في 2 ذي الحجة1431هـ الموافق 8/11/2010م.
ومن المراجع التي رجعنا إليها عند إعداد هذا المقال:  (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (موسوعة اليمن السكانية/ تأليف الدكتور محمد علي عثمان المخلافي/ الطبعة الأولى2006م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني)، البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل الأكوع)، (معالم الآثار اليمنية/ إعداد المرحوم القاضي حسين أحمد السياغي/ من إصدارات مركز الدراسات والبحوث اليمنية – صنعاء)، (هجر العلم ومعاقله في اليمن/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، (اليمن دراسة موجزة للمحافظات/ تأليف المرحوم الأستاذ عبدالله بن أحمد الثور/ مطبوعات مطبعة الاستقلال الكبرى – القاهرة)، (الإكليل/ للهمداني/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة – صنعاء/ مطبوعات 2004م)،  (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملكٍ وإمام/ للقاضي المرحوم حسين بن أحمد العرشي/ تحقيق الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي)، (الرأي الآخر.. ولكي لا يطول الضياع/عبدالملك الطيب)، (اليمن الإنسان والحضارة، للقاضي/عبدالله بن عبدالوهاب الشماحي، من إصدارات وزارة الثقافة 2004م)، (سيرة الأميرين الجليلين الشريفين الفاضلين.. نص تاريخي يمني من القرن الخامس الهجري/ تأليف مفرِّح بن أحمد الرَبَعي/ تحقيق ودراسة رضوان السيد وعبدالغني محمود عبدالعاطي)، (ومن المراجع الالكترونية موقع المركز الوطني للمعلومات (www.yemen-nic.info).




بسم الله الرحمن الرحيم
الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عمران
مديرية ريدة
مسكن لسان اليمن المؤرخ الكبير الهمداني، صاحب الإكليل وصفة جزيرة العرب


إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. يسرني أن قدم إليك هذه الحلقة عن مديرية ريدة، ولا شك أن محافظة عمران تضم الكثير من الكنوز الحضارية من الحصون والقلاع والآثار، وكذا الكثير من العلماء الأعلام الذين شع نور علمهم على جميع أنحاء اليمن والعالم العربي، وتعدى ذلك إلى العالم الإسلامي، ومن خلال اطلاعنا على الحلقات السابقة عن الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عمران، نستنتج الحقائق التالية:
أولاً: أن اليمن كانت هي أحد مصادر الإشعاع الحضاري والفكري للحضارة الإسلامية قبل الإسلام وبعده.
ثانياً: أن اليمن كان منهجها هو الوسطية، وعلى مدى تاريخها الطويل، سواءً في عهد السلاطين أو الأئمة والملوك والرؤساء، وبالتالي نبغ منها علماء أثروا الفكر الإسلامي والعالمي منهم: العلامة المؤرخ الكبير الحسن بن أحمد الهمداني (280هـ – ما بين 350 و360هـ) مؤلف كتابي (الإكليل، صفة جزيرة العرب)، والعلامة محمد بن إبراهيم الوزير (775هـ –840هـ) صاحب كتاب (العواصم والقواصم)، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير(1171هـ –  1195هـ)، والعلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني (1173هـ – 1250هـ). وغيرهم من معظم المحافظات اليمنية.
ثالثاً: أن ما نستنتجه من التاريخ أن معظم من حكم اليمن عبر تاريخها الطويل، لم يستمر حكمهم إلا لأنهم حافظوا على الوحدة الوطنية، والنسيج الاجتماعي لليمن الموحد.
رابعاً: لن يحدث أي استقرار في أي مجتمع إلا إذا حدث توازن بين اندفاع الشباب، وبين حكمة الشيوخ، بحيث يكون بينهما توازن، ويكون اندفاع الشباب هو مصدر التغيير والتجدد، ويكون تأني الشيوخ هو مصدر الاستقرار ومصدر المحافظة على منجزات الشباب، وهذا ما تعلمناه من علم الاجتماع ومن علم التاريخ.
ريــــــدة
وردت ريدة في قواميس اللغة (لسان العرب لابن منظور، وشمس العلوم لنشوان الحميري) على النحو التالي: الرَّيد: حرف من حروف الجبل، وهو الحرف الناتئ منه. والرَّيدة: الريح اللينة، وريح ريدة ورادة وريدانة: لينة الهبوب. والرَّيدة اسم يوضع موضع الارتياد والإرادة.
وتقع مدينة ريدة شرق مدينة عمران على بعد (22كيلومتراً)، وريدة مركز قبيلة خارف من حاشد، وهي بلدة أثرية تكلم عنها الهمداني بأن بها قصر ويقول الهمداني وبعض المفسرين أنها المعنية بالآية الكريمة {وبئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مشيد}، وتشتهر مدينة ريدة بـ"ريدة البون" نسبة إلى "قاع البون" الذي تقع مدينة ريدة في شرقه، و(ريدة) اسم شهير فهناك كثيراً من المواضع تحمل نفس اسم ريدة خاصة في حضرموت.
وتشتهر ريده بواديها الذي يسمى باسمها (وادي ريدة) والذي يأتي من شرق حَمدَة، ومن رأس غُولَة عجيب، ويسير هذا الوادي بمسيلاته في مضيق ذيبين، إلى شُوَابه فوادي الجوف.
مديرية ريدة
وريدة إحدى مديريات محافظة عمران تقع إلى الشمال من العاصمة صنعاء على مسافة 70كم، وشمال شرق مدينة عمران بمسافة 22كم، يحدها من الشمال مديرية خمر، ومن الجنوب مديريتا: عيال سريح وجبل عيال يزيد، ومحافظة صنعاء (مديرية همدان)، ومن الشرق مديرية خارف، ومحافظة صنعاء (مديرية أرحب)، ومن الغرب مديريتا: جبل عيال يزيد، عيال سريح. وتبلغ مساحة المديرية 218كم2، حيث تضم هذه المديرية 39 قرية تشكل 4 عزل هي: حمده، ذيفان، ريدة، غولة عجيب. وبلغ عدد سكان المديرية 46814نسمة في التعداد العام للسكان والمساكن 2004م.
يعتبر اسم ريدة؛ اسم قديم أول ظهور له كان في النقوش اليمنية القديمة "ريدت"، وهي مدينة أنشأها السبئيون في مرحلة الاستيطان السبئي في القيعان، (قاع البون – قاع صنعاء – قاع جهـران)، وذلك في مطلع (القرن الأول الميلادي)، وكانت تقيم فيها قبيلة بكيل أرباع ذريدت، إلى جانب خليط من الناس الذين تعود أصولهم إلى نفس المنطقة. وكانت الإلهة (ذات بعدان) هي الإلهة الرسمية بمدينة ريدة، كما جاء في النقوش، ويحتمل وجود معبد خاص بها في خرائب المدينة القديمة، والإلهة (ذات بعدان) تدخل ضمن نطاق الآلهة السبئية التي عرفت عبادتها في معظم المناطق السبئية، وهو ما يؤكد أن المدينة أنشئت من قبل السبئيين. ويذكر "الهمداني" مدينة ريدة في كتابه "صفة جزيرة العرب" ويقول:(إنها من قرى همدان في نجدها، وبها البئر المعطلة والقصر المشيد وهو(تلفم)، وربما كان الأصح، كما هو في النقوش (تلقم)، أما أهم بقايا مدينة ريدة القديمة فهي تلك الخرائب التي تنتشر في شرق المدينة، وتشتمل على جبل ريدة الذي أشار إليه "الهمداني" إلى أنه يضم خرائب قصر تلقم في قمته، كما تنتشر على الأكمات المجاورة لمدينة ريدة العديد من الخرائب التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، خاصة بقايا الأعمدة الحجرية المزينة برسوم لعناصر مختلفة إلا أن الأهالي ـ حالياً ـ يقومون بنزع الأحجار القديمة من الخرائب لبناء منازل حديثة لهم، وسنستعرض هنا لخرائب قصر تلقم وهويته ثم سنلحقه بأسماء العلماء والباحثين الذين اشتغلوا في آثار مدينة ريدة أو زاروها فقط.
أبرز معالم مديرية ريدة
اشتهرت ريدة عبر العصور بمعالمها التاريخية، حيث يعتبر اسم ريدة قديماَ؛ كان أول ظهور له في النقوش اليمنية القديمة باسم "ريدت" المدينة التي أنشأها السبئيون في مرحلة الاستيطان السبئي في القيعان، (قاع البون – قاع صنعاء – قاع جهـران)، وذلك في مطلع (القرن الأول الميلادي)، وفي العصر الإسلامي اشتهرت مدينة ريدة بمعالمها الكثيرة، ومن أشهر وأبرز هذه المعالم، نورد الآتي:
1-     قصرا ناعط: لقد سبق أن ذكرنا بأن الهمداني حدد قصرين في ناعط، باسميهما قصر يعرق، وقصر ذي لعوة المكعب، إضافة إلى عشرين قصراً أخرى كبار، ونود هنا أن نصحح ما جاء عند الهمداني الذي يحدد بأن ذلكما القصرين كانا للملوك، وأن أسفلهما مبان خاصة لحاشية الملك، وفي الحقيقة – وبحسب ما جاء في النقوش القديمة التي عُر عليها في ناعط – فإن ذلكما القصران هما بناءان لمعبدين قديمين للآلهة التي كانت تعبد في ناعط، فالقصر الأول هو خاص بالإله (عثتر) – معبود قدماء اليمنيين – وهو المعبد الذي كان يسمى (ثنين). وهو الاسم الذي يطلق – أيضاً – على الجبل الذي تقع ناعط في قمته، أما المعبد الآخر فهو خاص بالإله (تالب ريام) وكان يسمى (حدثنين) وذلك كما جاء في النقوش القديمة، أما بقية القصور العشرين عند "الهمداني" فهي معابد للآلهة المحلية الصغيرة للقبائل التي كانت تستوطن ناعطاً وما جاورها، وتؤكد – أيضاً – صدق ما ذهبنا إليه تلك القطع الأثرية التي عُثر عليها في خرائب القصرين، فهي قطع تستخدم للأغراض الطقوسية داخل المعبد، وليست من القطع الأثرية التي توضع في المنازل، ونؤكد هنا بأن الملوك وخاصة – ملوك مملكة سبأ كانوا يديرون أمور الدولة من المعبد وليس من القصر، فقد كان المعبد يحتوي المجلس الإداري للدولة إلى جانب كونه مخصصاً للأغراض الدينية، واسم (ذي لعوة) الذي أطلقه "الهمداني" على أحد القصرين ظهر في النقوش كاسم لقبيلة كانت تستوطن ناعطاً، وليس كاسم لمعبد. وقد ورد في (كتاب نتائج المسح السياحي 1996-1999م) وهو من إصدارات الهيئة العامة للتنمية السياحية 1999م، أن الموقع الآثري أصبح عبارة عن خرائب مدمرة تماماً، ويوجد بقايا أعمدة أسطوانية متناثرة. وفي بعض رؤوسها تيجان مزخرفة وبقايا الأحجار القديمة وشظايا فخاريات، ولم يبق إلا عمودان صخريان قائمان على قواعد صخرية ضخمة مساحة الواحدة حوالي (4مترات)، وهذان العمودان بارتفاع (8مترات) وسمك (مترين)، لا يزالان شاهدين على عظمة تلك الحضارة، كما توجد بقايا صهاريج المياه المنحوتة في الصخر بعضها مدمر والبعض الآخر لازال يؤدي وظائفه في حجر المياه وبالذات صهريجان كبيران ما زالا صالحين للاستخدام، وبجانب الموقع استحدثت قرية صغيرة معظم أحجارها من الخرائب الأثرية تسمى عند الأهالي – قرية العصا – ينسبونها إلى عصا الملك الحميري "أسعد الكامل" كما يعتقدون. وعلى مسافة (ربع كم) من القرية يوجد مبنى يسمى قصر القصير بقمة الجبل، قوام بنائه أحجار البلق لا زال بحالة جيدة ومدخله في الجهة الجنوبية.
2-     قصر تلقم: لقد دار جدل طويل حول الاسم فيما إذا كان (تلفم) أو (تلقم) أو (تلثم) فقد ذكره "الهمداني" باسم (تلفم) في الجزء الثاني من الإكليل إلا أن النساخ لهذا الجزء من كتاب الإكليل قد نقلوه مرة (تلقم) ومرة أخرى (تلثم) ونقطة الخلاف تدور حول الحرف الثالث من الاسم فيما إذا كان (ف، أو ق، أو ث) ولكن ظهر اسم (تلقم) في النقوش اليمنية القديمة التي عُثر عليها في مدينة ريدة والمناطق المجاورة لها، وبذلك زال الشك في الاسم، وتلقم كما جاء في النقوش – وخاصة النقوش الموسومة بـ(RY.533,Nami.23,;RES.4193) – هو اسم لمدينة (هـ ج ر ن/ت أ ل ق م)، وهي مدينة مجاورة أو ملاصقة لمدينة ريدة كما يفهم من النقوش، وكان فيها معبد خاص بالإلهة (شمس) صاحبة معبد (تألقم)، وعليه فإن القصر الذي ذكره الهمداني ما هو إلا مبنى معبد الإلهة (شمس) والذي يحمل الاسم القديم (تألقم) وهو الذي تنتشر الآن أعمدته ونقوشه وأحجاره في أجزاء متفرقة من المدينة وبعضها الآخر استخدم في بناء المباني الحديثة، وقد أكد وجود المعبد بل المعبدين في مدينة ريدة العلماء والباحثون الذين زاروا ريدة وفي مقدمتهم المستشرق النمساوي (إدوارد جلازرـGlaser.E) الذي زارها في شهر ديسمبر من عام (1883م)، ونقل منها نقوشها كما قدم وصفاً لبقايا مبانيها القديمة، ثم زارها "يحيى خليل نامي" في سنة (1936م)، ونقل منها نقشين كانا يزينان أحد المباني في مدينة ريدة آنذاك، ثم زارها المستشرق (بارثوكس ـBarlhoux.j) في عامي (36 - 1937م)، ثم زارها المستشرق الروسي (جرياز نيفتش) في إبريل (1971م)، وأخيراً البعثة الأثرية الفرنسية (MAFRAY) في أكتوبر (1972م)، وهي التي أكدت أن في مدينة ريدة يوجد معبدان للآلهة القديمة هما معبد للإلهة (شمش) الذي سبق وأن ذكرنا بأن الهمداني سماه قصر(تلفم)، أما الآخر فهو معبد للإله (سمع) ولكن نتيجة للتوسع العمراني في مدينة ريدة لا يمكن تحديد موضعه بالضبط.
 كما يوجد الآن في مدينة ريدة مسجدها المشهور بجامع الحسين، وهو جامع بني بالكامل بأحجار أثرية من خرائب المدينة القديمة وفيه قبر الإمام "المهدي الحسين بن القاسم" المتوفى في سنة (404هجرية).
3-     ناعـط ـ قرية العصا: قرية من قرى مديرية ريدة، تقع في بلاد خارف من حاشد شرق مدينة عمران وتبعد عنها حوالي (12كيلومتراً) تقريباً، وتبعد عن مدينة ريدة حوالي (20كم) إلى الجنوب الشرقي منها، وهي بلدة مشهورة كثيراً بالآثار التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وقد وصفها "الهمداني" في كتابه الموسوعي الإكليل الجزء الثامن بقوله: (قد نظرت في بقايا مآثر اليمن وقصورها سوى غمدان فإنه لم يبق منه سوى قطعة من أسفل جدار، ولم أر مثل ناعط، ومأرب، وضهر، ولناعط الفضل، وهي مصنعة بيضاء مدورة، منقطعة في رأس جبل ثنين، وهو أحد جبال البون ومرتفع مقابل لقصر تلفم، وهو جـبل في سرة همدان، وهي ريـدة مسكن الهمداني، فمن قصور ناعط قصر "الملكة الكبير" الذي يسمى "يعرق"، ومنها قصر "ذي لعوة المكعـب"، وذلك لكعاب خارجية في معازب حجارته والمعازب جمع معزب وهي قطع الحجارة الضخمة الموقصة ـ المهندمة ـ على هيئة الدرق الصغار، وذرعت في معزب منه (سبعة أذرع إلا ثلث بالذراع التامة)، وبها عمر هذان القصران ما يزيد على عشرين قصراً كباراً، سوى أماكن الحاشية، وكان عليها سور ملاحك (متلاحم) بالصخر المنحوت، وما فيها من قصر إلا وتحته كريف للماء مجوف في الصـفاء مصهرج، فما نزل من السطح ابتلعته، وفيها الإسطوانات العظيمة، طول كل واحدة منها (نيف وعشرون ذراعاً مربعة)، ولا تحضن الواحدة منها إلا رجلين، وفيها بقايا مسامير حديدية، قيل إنها كانت مراقي إلى رؤوسها، وإنه كان يثقب عليها الشمع إذا أرادوا الصرخة فتنظر النار من جبل سفيان الذي يشرف على عيان، ومن جبل حضور ورأس مدع، وجبل ذخار، وظاهر حزقان..)، وذلك الوصف جعل الكثير من الباحثين والدارسين لحضارة اليمن القديم، يقومون بزيارة ناعط للتأكد مما أورده "الهمداني"، وفي مقدمتهم المستشرق النمساوي (إدوارد جلازر ـGlaser .E)، الذي زارها في (1882م) ثم مؤخراً في (1936م) زارها المصري "خليل يحيى نامي"، والذي قام بجمع ونشر مجموعة من نقوشها القديمة، ومن خلال الوصف الذي قدمه "نامي" لناعط نجد أن "الهمداني" قد أجاد في وصف المدينة والنقوش التي تزين جدران قصر ناعط، ونضيف إلى وصفه قصيدته التي يصف فيها ناعطاً - أيضاً - شعراً:
فمن يك ذا جهل بأيام حميـر


وآثارهم في الأرض فليأت ناعـطا

يجـد عمداً تعلو القنا مرمرية


وكرسي رخـام حولـه وبلائـطا

ملاحك لا ينفـذ المـاء بينها


ومبهومـة مثل الفـراخ خرائـطا

أما الاسم ناعط فهو الاسم القديم للمدينة ، والتي تطلق عليها النقوش ـ أيضاً ـ مصطلح مدينة فنجد مثلاً النقش الموسوم بـ(CIH . 107/2)، يذكر (هجر همو/نعطم)، وتقع ناعط في قمة جبل ثنين، وهو ـ أيضاً ـ مذكور في النقوش القديمة بنفس التسمية (ث ن ي ن).
4-     قرية الغولي: "قرية الغولي" إحدى قرى مديرية ريدة ويطلق هذا الاسم على جبل مرتفع في أقصى قاع البون من جهة الشمال الغربي ويبعد عن مدينة ريدة قرابة (8 كيلومتراً)، والاسم له تفسير قدمته النقوش التي عُثر عليها في خرائب المنطقة، فقد جاء اسم ( ع ج ب م ) كاسم لأسرة كانت تسكن المنطقة، أما الغولة فهو يطلق على منطقة ذات تشكيلة طبوغرافية معينة. وأول من زار غولة عجيب كان الباحث اليمني "أحمد حسين شرف الدين" في منتصف (عقد الستينات من هذا القرن)، وقد أشار إلى الجبل الذي يطلق عليه عجيب بأنه جبل يقع في وسط منطقة غنية بالآثار ومن حول الجبل تتناثر خرابات عديدة، وفي وسط النقيل أو في قرية الغولي بالضبط يوجد آثار قصر ضخم يسميه الأهالي هناك (قصر شاهر) ثم زار هذا الجبل المستشرق الروسي (جريازنيفتش ـP.A.Grjaznevic)، ومـؤخراً زاره المستشرق الفرنسي (كريستيان روبان ـChristian Robin)، وهو الذي قام بدراسة لهذه المنطقة، وجمع من (غولة عجيب) عدة نقوش ومخربشات، أهمها نقش طويل يذكر الاسم القديم للمدينة التي كانت تقوم في (غولة عجيب)، وهي مدينة (ذمطتم)، (هـ ج ر ن/ذ م ط ت م)، وقد كانت تضم هذه المدينة ضمن مبانيها معبداً ضخماً شيد للإله (المقة)، وكان يسمى (ر ي م ن)، وبقاياه أو خرائبه تقع في ذلك الموضع الذي يطلق عليه الآن (قصر شاهر)، والذي سبق أن شاهده "أحمد حسين شرف الدين"، ويبدو من خلال ذلك النقش الذي نشره (كرستيان روبان) أن (غولة عجيب) كانت تتبع بشكل أو بآخر مقولة "شبام أقيان" التي كانت "شبام كوكبان" حاضرتها.
من أشهر أعلام ريدة: لسان اليمن المؤرخ العلامة الكبير الهمداني
هو أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني – نسبة إلى قبيلة همدان المشهورة – بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة. ولد في مدينة صنعاء في يوم الأربعاء الموافق 19 صفر 280هـ. أبرز أساتذة الهمداني ومشائخه، شيخه أبو نصر محمد بن عبدالله اليهري الحميري، ومحمد بن عبدالله الأوساني الحميري، ومحمد بن يونس الأبرهي الحميري، وغيرهم.
انتقل الهمداني إلى مدينة صعدة، ومكث فيها عشرين سنة تلقى فيها العلوم الكثيرة وتعرف إلى قبائلها اليمنية والمناطق التي تحيط بها، رحل بعدها إلى مكة المشرفة لأداء فريضة الحج وللانتهال من مناهلها العذاب، فأخذ الحديث عن الخضر بن داود وسائر المساند، والسنن وسيرة ابن إسحاق، كما أخذ عن العلامة أبي علي الهجري في اللغة، والجغرافية، وعن العلامة اللغوي النحوي أبو رياش القيسي، أما عن الأعراب ورؤسائها فقد أخذ الشيء الكثير، ومكث في مكة المشرفة سبع سنوات. عاد بعدها إلى صعدة، ثم ارتحل إلى صنعاء، ولكنه لم يمكث طويلاً حتى زج به في غياهب السجن في 24شوال319هـ، لبث في السجن سنتين، وكان سبب حبسه نتيجة شكوى الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي الرسي إلى ملك اليمن أبي حسان أسعد بن أبي يعفر الحوالي بأن الهمداني تناول الجناب المقدس. ارتحل الهمداني بعدها من صنعاء فحط ركابه في رحاب سيد همدان أحمد بن محمد بن الضحاك الحاشدي وكان مقر عزه في (ريدة) الواقعة في سرة همدان والتي تبعد شمالاً عن صنعاء عشرين ميلاً، فنعم بالحياة وألف الإكليل وغيره في هذا الجناب الرحيب الذي لقي في شخصية الزعيم الحاشدي كل تقدير واحترام.  ولعل أهم سبب دعاه للبقاء في مدينة ريدة وجود سند عائلي وقبلي، فقد كان من سكانها "آل القاسم العثاريون" أصهار "آل جد الهمداني الأول يعقوب بن يوسف بن داوود بن سليمان" الذي نعتهم الهمداني برهطة، ورهط الهمداني من بكيل وينتمون وفق سلسلة النسب عـنده إلى همدان، وكانت قاع البون آنذاك هي بلاد همدان، ومن أسباب استقرار "الهمداني" في مدينة ريدة وقوعها على مقربة من العديد من مواقع الآثار اليمنية القديمة التي عني "الهمداني" بزيارة واستقراء نقوشها، ويتكرر في مؤلفاته ذكر قراءته لنقوش ناعط وتلقم وريدة وعمران، كما ذكر الهمداني بأنه نقل كثيراً من أخبار البونيين ـ نسبة إلى سكان قاع البون ـ عن زبور قديم بخط "أحمد بن موسى" عالم أهل البون والأرجح أنه اتخذ ـ أيضاً ـ من مدينة ريدة منطلقاً لتنقلاته في أنحاء اليمن، وفيها اشتغل بالتأليف الغزير، ففيها كتب الإكليل بأجزائه العشرة ليكون موسوعة الحضارة اليمنية، وقد أشار في أكثر من موضع في كتاباته أن إقامته في مدينة ريدة كانت أغنى فترات التأليف عنده، ومؤلفات "الهمداني" التي وصلتنا في مجالي التاريخ والآثار تمتاز بكونها تتجاوز في كثير منها طابع الخرافة والقصص إلى روايات تاريخية وإلى تدوين علمي لما شاهده بنفسه من آثار اليمن القديمة وبقايا أبنية وقصور وسدود، وقد كشفت التنقيبات الأثرية مؤخراً عن مصداقية لكثير مما روى أو رأى، وكتابه المعروف بالإكليل يعتبر اليوم دليلاً هاماً للمشتغلين بالآثار اليمنية القديمة، كما يعتبر كتابه "صفة جزيرة العرب" أول عمل علمي جغرافي في (القرن العاشر الميلادي) في إطار الحضارة الإسلامية إذ يحوي مادة جغرافية محددة المعالم وواضحة الإطار في عهد لم يكن علم الجغرافيا علماً قائماً بذاته، وقد استطاع أن يقيم في كتاب واحد كل معارف عصره الجغرافية ومناهجها، وهي معارف ومناهج قل أن ترد إبان ذلك العصر في كتاب واحد، كما كان "الهمداني" إلى جانب ذلك كله فقيهاً وشاعراً ولغوياً وفلكياً وفيلسوفاً متعدد المشارب، غني بالمعارف أسهم في إثراء التراث العربي الإسلامي إسهاماً بيناً، وهذا ما رفعه إلى مصاف علماء المسلمين البارزين.
اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته ولكن محقق كتاب الإكليل أشار إلى أن وفاته كانت فيما بين سنة 350-360هجرية، وأنه دفن في مدينة ريدة وفيها كان مستقره الأخير ومثواه.
ومن المراجع التي رجعنا إليها عند إعداد هذا المقال:  (شمس العلوم/ للعلامة الموسوعي نشوان الحميري)، (لسان العرب/ لأبن منظور)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني)، (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (معالم الآثار اليمنية/ إعداد المرحوم القاضي حسين أحمد السياغي/ من إصدارات مركز الدراسات والبحوث اليمنية – صنعاء)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، (موسوعة الألقاب اليمنية/للأستاذ الباحث الكبير إبراهيم المقحفي)، (اليمن دراسة موجزة للمحافظات/ تأليف المرحوم الأستاذ عبدالله بن أحمد الثور/ مطبوعات مطبعة الاستقلال الكبرى – القاهرة)، (الإكليل/ للهمداني/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة – صنعاء/ مطبوعات 2004م)،  (اليمن الكبرى/ للمرحوم العلامة حسين بن علي الويسي)، (الموسوعة السكانية/للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (الموسوعة اليمنية/ من إصدارات مؤسسة العفيف الثقافية)، (اليمن الإنسان والحضارة/ تأليف القاضي عبدالله بن عبدالوهاب المجاهد الشماحي/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة صنعاء عاصمة الثقافة العربية2004م)، (بهجة الزمن في تاريخ اليمن/ تأليف تاج الدين عبدالباقي بن عبدالمجيد اليماني/ تحقيق عبدالله الحبشي ومحمد أحمد السنباني/ دار الحكمة اليمانية)، ومن المراجع الالكترونية موقع المركز الوطني للمعلومات (www.yemen-nic.info).