السبت، 12 ديسمبر 2015

مديرية وصاب العالي

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
وصاب (الحلقة الثالثة)
مديرية وصاب العالي
موطن المرحوم العلامة أحمد بن عبدالله السلمي الوصابي الشهير بالسانة

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... ولا سيما أبنائي الشباب من أبناء اليمن الموحد، يسرني أن أقدم لكم الحلقة الثالثة من وصاب، وخصصتها عن وصاب العالي، وأورد لك هنا علم من أعلام وصاب العالي هو مؤلف كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان.. في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرآن، وتتماتٍ تروق الطالب والذاكر والكاتب والشاعر والمثابر على نصح السلطان) وهو العلامة صفي الدين أحمد بن عبدالله السلمي الوصابي الشهير ابالسانة، وهو كتاب تعجز الطباع البشرية أن تؤلف مثله؛ هذا ما قاله خبراء الاتحاد الدولي للاتصالات عندما اطلعوا على كتاب الشرف الوافي، وهو يشمل على أربعة علوم لا يستطيع الإنسان في هذا العصر أن يؤلف مثله، ويحتاج إلى برنامج كمبيوتر لطباعته فما بالك بكتاب الإعلان الذي يشمل على إثنى عشر علماً..
كتاب الإعلان من وصاب وقصة تحقيقه.. لقد قام ثلاثة من أعلام اليمن أخي الأستاذ القدير الوفي/ عبدالخالق بن حسين المغربي، وأخي الإعلامي والإداري الكبير (أبا نشوان) الأستاذ علي صالح الجمرة – شفاه الله وعافاه – وكاتب هذه الحلقة؛ بتحقيق هذا الكتاب وإخراجه إلى حيز الوجود بعد أن تبين لهم أنه مخطوطة نادرة على مستوى اليمن والعالم العربي والإسلامي والدولي، ولقد دفعهم إلى ذلك حبهم لليمن، وأحبوا أن يقدموا بلادهم من خلاله، وهذه المخطوطة للعلامة المرحوم أحمد بن عبدالله السلمي الوصابي الشهير بالسانة المتوفى سنة 1122هـ - 1725م. ولقد استغرقوا في تحقيقه خمس سنوات، وكلفهم الكثير من الجهد والمعاناة والمال، وتبنت طبعه شركة التبع والكبريت برئاسة الشيخ توفيق صالح في عام 2010م، وقدم الكتاب الأديب الكبير الأستاذ خالد عبدالله الرويشان، وقرضه الشاعر الكبير حسن عبدالله الشرفي، وقد ساعدهم بصفه وإخراجه بكامل مسوداتها البالغة عشر مسودات الولد الخلوق/ وليد محمد الذعواني، وقام بتصميم غلافه الأخ عادل الماوري.. وقُدِّمَ في الكتاب شكر وتقدير للرئيس السابق علي عبدالله صالح لاهتمامه ورعايته بإخراج الكتاب إلى النور، وقد تم إهداء الكتاب إلى روح مؤلفه المرحوم العلامة أحمد عبدالله السلمي بمناسبة مرور 300 عاماً في العام 2010م على وفاته.. والكتاب يكاد أن يكون معجزة على مستوى العالم كما وصفه الشاعر والأديب الدكتور إبراهيم أبوطالب، وقام المحققون في هذا الكتاب بالترجمة لـ(44)علماً من علماء ومبدعي اليمن من القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري..
كما تطرق محققوا هذا الكتاب إلى أسباب التراكم الكمي والنوعي في جميع أنواع المعرفة في اليمن لدى علمائها وأعلامها، وذكروا أن من هذه الأسباب؛ إخلاص اليمنيين للدعوة الإسلامية من بدايتها. مشاركة اليمنيين في تأسيس وبناء المدن والبلدان والحطط. مبادرتهم في منتصف القرن الأول الهجري إلى جمع الحديث النبوي وإلى تفسير القرآن الكريم. مبادرتهم إلى جمع الحديث النبوي وتدوينه. انتشار المذاهب الفقهية في اليمن في عصر مبكر مثل المالكية والحنبلية والشافعية والإسماعيلية والأباضية والزيدية. انتشار المراكز العلمية في القرن الأول الهجري متمثلة في المساجد والجوامع. إنشاء المدارس الإسلامية في عهد الدولة الأيوبية. كثرة الجوامع العلمية والهجر والأربطة والمدارس الإسلامية. تبني ملوك الدولة الرسولية للنهضة العلمية وحركة التأليف والإبداع عبر سنوات حكمهم. تشجيع ملوك الدولة الرسولية للعلماء والأدباء والشعراء ومنحهم المكافآت والجوائز. 
وكانت علاقتنا نحن المحققون قد بدأت مع هذا الكتاب في العام 2004م..، 

مديرية وصاب العالي

تقع في محافظة ذمار في الجزء الجنوبي الغربي منها، يحدها من الشمال مديرية عتمة، ومحافظة ريمة (مديريات: مزهر، كسمة، الجعفرية)، ومن الجنوب مديرية وصاب السافل، ومحافظة إب (مديريتا القفر وحزم العدين)، ومن الشرق مديرية عتمة، ومحافظة إب (مديرية القفر)، ومن الغرب مديرية وصاب السافل.
مركز المديرية: مدينة الدن. تبلغ مساحة المديرية 592كم2، وبلغ عدد سكانها عام 2004 ضمن نتائج التعداد العام للسكان والمساكن 162.864 نسمة..
تضم المديرية 850  قرية تشكل 73 عزلة، هي: عزلة الأثلوث (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. أهم قراه: الجِدهان، الزَعلاء، الحَسكه، ذي نمير، ذي عليان، السلفه، الصومعه، ذريب)، الأجبار، أجبار سوافل، أجبار عوالي، الأجعود، الأصلوح (مركز إداري من مديرية وصاب العالي، محافظة ذمار، أهم بلدانه: جدوه، المرون، المحصن، مذلب، الميدان، الشرف، معارنه.)، بلاد السدح (بفتح فكسر. قلعة وقبيلة في وصاب العالي. من ديارهم: حكلان والحمراء والمعصرة.)، بني الحبيشي (من حُبيش. بضم ففتح فسكون. يعود أصلهم إلى حبيش محافظة إب، ومنهم من في قرية حرف وصاب المعروفة باسم "الحبيشية" سكنوا الحرف من حوالي القرن الرابع الهجري. ومن أعلامهم؛ نذكر: محمد بن عبدالله الحبيشي المتوفي سنة 850هـ كان بمنزلة الوزير في دولة بني طاهر، وقد أناطوا به أمور الناس لتصريفها. عبدالله بن محمد بن أبي بكر الحُبيشي من أعلام المئة التاسعة، وكان مُفتي مدينة المقرانة والمدرس بها .كما كان والده قاضياً لبلاد جًبن في رداع. محسن بن علي بن عمر الحبيشي، عالم، كان ظهير الوزير الكبير المرحوم صالح بن علي الحريبي وزير المهدي صاحب المواهب وتوفي سنة 1140هـ. عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن بن عمر بن محمد الحبيشي، المذحجي الوصابي، مؤلف كتاب "الاعتبار في التواريخ والأخبار" عن تاريخ وصاب. وكانت وفاته سنة 782هـ. كما كان جده من العلماء المبرزين وتولى القضاء في وصاب وغيرها، وله مؤلفات منها "أحكام الرئاسة في آداب أهل السياسة" و"آداب المسافر والمقاصد")، بني الحداد (مركز إداري من مديرية وصاب العالي.  وهو كثير القرى والزروع)، بني حفص (مركز إداري من أعمال وصاب العالي في غربي قفر يريم. من بلدانه: عثوره، مشيرعه، ذو خرفان)، بني ربيعة (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. يقع في محاذاة حصن السانة)، بني شنيف، بني كنداش، بني كنده، بني المصنف، بني النمار، بني الوائلي، بهوان، البيادع، جبل خيور، جبل مطحن، الجدلة (بخفض الجيم وسكون الدال. مركز إداري من مديرية وصاب العالي وأعمال ذمار. يتصل بحصن الشرف وبه قرى كثيرة منها: الكدحه، النَّجَارى، القرضي، الثَّجه، وادي عُنْقُب، مَقرُوضه، وغيرها.)، الجراني (بنو جرَّان: بفتح فتشديد الراء)، حبر (بفتح فضم. مركز إداري من مديرية وصاب العالي. من بلدانه: الظهره، الصلول، الأحواف، الهيجه)، حلبة والمعشار (بلدة ومركز إداري من مديرية وصاب العالي، فيها بعض قبائل بني مُسَلَّم)، حمير (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. إليه ينسب العلامة الفقيه أحمد بن مطهر بن محمد بن موسى الحميري، من علماء القرن التاسع الهجري، وكان متصدراً للتدريس والإفتاء في مدينة إب ثم في بلاده وصاب)، خدمان، الديادير (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. يشتمل على عدد من القرى والحصون والمزارع، وإليه نُسب "آل الديداري" منهم الفقيه العلامة إسماعيل بن علي الديداري من علماء القرن السابع الهجري وقد ترجم له الخزرجي في العقد الفاخر الحسن، ومنهم الفقيه عبدالملك بن عمر بن علي الديداري المتوفي سنة 692هـ.) ، ذي حمد (بفتح فضم الميم. بلدة في أسفل حصن الشرف في وصاب العالي. وهي بلدة القاضي جمال الدين محمد بن عبدالسلام السُوادي المتوفى بها سنة 912ه)، الروضة (قرية في وصاب العالي شمال حصن الدن. سكنها الفقيه العلامة علي بن أحمد بن إبراهيم أبي الرجال وتوفي بها سنة 1051هـ وهي مركز إداري)، زاجد (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. وهو منطقة جبلية وفيها آل الجابري)، سبن الرقعي، السنة، السيف، شجب (شجبان: بفتح فسكون. وادٍ أسفل جبل وصاب العالي. نسب إلى شجبان بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويصب في وادي رماع)، الشراقي، الشرقي، شرقي جعر (بفتح فضم. حصن منيع في وصاب العالي من أعمال ذمار. وصفه الحبيشي مؤلف كتاب "الاعتبار في التواريخ والآثار" فقال إنه من أعلى جبال وصاب وأحصنها، وهو مشرف على جبال وصاب كلها، ومن أعلاه يمكن مشاهدة حصون الشرق إلى البحر والتهائم وكل جبال ريمه وكذا جبال حراز وغير ذلك. وقد كان اسم الحصن قديماً جبل رَفُود، وفي جانبيه قلعتان أحدهما شرقية يقال لها مدنن، والثانية غربية يقال لها شَنَاخِب. ويطلق اسم  الحصن على مركز إداري من مديرية وصاب، يضم مجموعة قرى منها: حبره، والقرن، والضلاع، والمحل. كما كان اسم جَعُر يطلق سابقاً على جبال بني كنده وبني حفص وحذمان وبني مُسِيع وبني الحبيشي وشرقي الأحواف وغيرها.)، شرقي كبود، الشركاء، الشوكاء، الصلول، ضلاف، ضوة، الظاهر (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. يشمل جملة قرى وفيه قلعة تحتوي على آثار قديمة)، ظفران (بفتح فكسر ففتح. حصن منيع في جبل وصاب العالي. وصفه الحبيشي في تاريخ وصاب بأنه كاللوح المنصوب لا يعلم مكاناً أشد وعورة منه في الحصون، ولا يطلعه أحد لوعورته، وهو الحصن الذي ليس له نظير في تحصنه ولا يتصور أن يُستولى عليه قهراً. واسمه يُطلق اليوم على مركز إداري من وصاب العالي ويشتمل على جملة قرى)، ظَهَر (بلدة في وصاب العالي، سكنها العلامة الفقيه إسماعيل بن علي الديداري المتوفي سنة 670هـ وقد ترجم له الخزرجي في العقد الفاخر الحسن)، العتب، عراف (مركز إداري من مديرية وصاب العالي إليه يُنسب آل عراف الذين اشتهروا بالفقه في القرن الثامن الهجري، قال الحبيشي في كتاب "الاعتبار" كانوا أهل فضل وصلاح وتقوى سكنوا "المناره" وانتقل بعضهم إلى قرية "جُدَاهد" بالقرب من جبل الثومي ولهم ذُرية هناك)، عرف السمينة، العنين (بفتح العين وكسر النون. قرية في منطقة بني سعد كانت تتبع مديرية وصاب السافل وفي التقسيم الإداري الجديد تتبع وصاب العالي. قيل أنها كانت أعلى جبل كثير الاشجار ومأوى للأسود، ثم سكنها في القرن السادس الهجري الفقيه أبوبكر بن يوسف الغيثي التِبَاعي وابتنى فيها مسجداً وهجرة علم ومن هنا كانت عمارتها، وما زالت حية إلى اليوم. كما سكنها ولده المقرئ الشهير محمد بن يوسف الغيثي المتوفى سنة 654هـ)، الغربي السافل، الغربي العالي، غربي كبود، الغول، غيثان (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. كان محل سكن بني الحيدري من ولد حيدر بن محمد الشامي الذين اشتهروا بالفقه في القرن الثامن الهجري)، قاعدة، القدمة (بضم فسكون ففتح. مركز إداري من مديرية وصاب العالي، تقع بلدانه في جبل يتوسط بين "نَعمان" و "بني مسلم" وفيه حصون وآثار قديمة وخاصةً في قرية ذي يحصب وقلعة الظاهر)، قض رماع، القواتي (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. إليه ينسب الفقيه أبوبكر بن وليد بن إسحاق القُواتي، من فقهاء القرن الثامن الهجري، له ترجمة في كتاب "الاعتبار في التواريخ والآثار" للحبيشي)، كالة (بلدة في منطقة بني مُسَلَّم من مديرية وصاب العالي. تقع بالغرب من وادي رِماع)، الكلبين، الكلبين الجنوبي، المحجر، محزر، المربعة (حصن وبلدة في منطقة بني مسلم من مديرية وصاب العالي)، مغرم الوسط، المنارة (حصن ومركز إداري من مديرية وصاب العالي. يضم مجموعة قرى صغيرة، منها: المشايم، الميقاع، بيت الوادي، بيت المَدْيَر، الشعب، الدُمن، الظهره، مضر، وغيرها)، الموسطة (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. من بين قراه: براقه، ذي قشط، غشمر، الغدير، ذي كرب، وادي النقيعي، ذي عسنه، القابل، مسلقه، وغير ذلك.)، نعمان (حصن ومركز إداري أعلى جبل الدَّكَن من مديرية وصاب العالي. تقوم في سفحه الجنوبي بلدة "الدَّنْ" مركز وصاب العالي. وهو في موقع شاهق تحيط به الجبال من كل جهة ولا يتم الوصول إليه إلا عبر سلالم. وقد كان سابقاً مقراً للملوك الشراحيين ملوك وصاب، كما سكنه الصليحيون. وفيه أنهار جارية طوال العام. ومن مكونات الحصن الإنشائية: جامع وبِركتان، والطريق الوحيدة الموصلة إليه خشبية. كما أن من مكوناته البيت الكبير المُشاد من أربعة طوابق والمكون من 64غرفة تقريباً. ويمر من تحت البيت نفق يمتد إلى الخارج ويتصل بالقلعة الأخرى البنية أسفل والتي يوجد فيها عدد من المدافن التي يصل طول كل مدفن ما بين 15 و 20متراً تقريباً. كما أن من المعالم الموجودة في هذا الحصن بئر ذات فتحة صغيرة أشبه ما تكون بثغرة والتي لا تسمح بأكثر من المشاهدة المحدودة وجلب الماء باستعمال دلو واحد لا أكثر. ويحيط بالحصن سور طوله 300متر وبارتفاع 10 أمتار. ويكفي لتبيان أهمية موقع حصن نعمان أن نُشير إلى إمكانية أن من يصل إليه يستطيع رؤية عدد من الأماكن منها: مناخه والحيمه وبني مطر وحراز وجبل النبي شعيب وجبل ماوية من الشرق، ثم الحسينية والحديدة "البحر" وحيس وزبيد ووصاب السافل وبيت الفقيه من الغرب، ثم هجده وشرعب والعدين من الجنوب الغربي، ثم ريمه وبرع وباجل من الشمال. ثم سماره والقفر وبني مسلم وبني عمر وبني سيف ويريم من الجنوب الشرقي)، الهتاري، الهجرة (مركز إداري من مديرية وصاب العالي، ويشمل نحواً من ثلاثين قرية. ولعل آل الهجري منسوبون إليها لكونها مصدر النسبة في لقب الفقيه العلامة علي بن يحيى الهجري المتوفى سنة 871هـ)، يريس (مركز إداري من مديرية وصاب العالي. يقع بجوار عاصمة المديرية، ومن بلدانه: العاسمي، قُطبه، المسدف، الرباط، سهلة بن مسلم).

من أشهر المعالم الآثرية والتاريخية في وصاب العالي

تعد خرائب مدينة عركبة من أهم المواقع الأثرية القديمة وتنتشر القلاع والحصون القديمة على قمم الجبال العالية مثل قلعة الدن وقلعة الوايلي، وقلعة مصنعة، ومن الحصون: حصن النشم، وحصن كبود، وحصن الشرم، وحصن عيثان، وغيرها. ومن المعالم الأثرية التي تزخر بها وصاب العالي:
- مسجد العفيف: أحد المساجد القديمة ويجد في عزلة بني مسلم وبه ويتميز بسقفه الخشبي ذي المصندقات الخشبية الجميلة، وتزينها زخارف هندسية وكتابية ونباتية، تسجل لتاريخ بناء المسجد .
-(قبة عراف) الواقعة على بعد (21 كم) في الشمال الشرقي من مركز مديرية وصاب العالي (الدن). ونورد عنها هنا بعض المعلومات على النحو التالي: قبة عراف: تتكون القبة من قاعدة مربعة طول ضلعها ( 9.20 م )  تنتهي بشرفة يرتفع عليها مثمن قصير يرتكز على رقبة إسطوانية عليها مقرنصات ، وتغطيها قبة دائرية، لها بابان شرقي يعلوه عقد دائري ، والآخر جنوبي عليه عقد هلالي مفصص ، كما يفتح في كل واجهة من واجهات المبنى نافذتان ، وجميع النوافذ يعلوها عقود ذات ثلاثة فصوص ، ويتوج عقود الأبواب والنوافذ إطار زخرفي من الأحجار الصغيرة مغطاة باللون الأسود ، ويوجد في منتصف جدار القاعدة ونهايتها حزامان يدوران في كل اتجاهات المبنى ، وكل حزام مكون من صفين صغيرين من الحجارة الصغيرة المغطاة باللون الأسود ، ويحصر الحزامين في كل واجهة نجمتان مثمنة مزخرفة بحجارة صغيرة ، ويتوسطها نافذة دائرية مفصصة ، ويوجد في زوايا قاعدة القبة شرفات مثلثة الشكل ، أما رقبة القبة تتكون من صفين من الحنايا الركنية تنتهي بشرفة دائرية وتدور بها شرفات على شكل ورقة نباتية وتنتهي القبة بهلال من النحاس ، أما من الداخل فقد استخدم جزء من القبة كمقبرة لأسرة " المثنى " حيث يوجد بها ( عشرة قبور ) أربعة منها توجد عليها أضرحة خشبية إلا أن كثيراً من أجزائها قد نهبت والمتبقي منها كثير من الزخارف قوامها أشرطة نباتية وكتابية وأشكال هندسية جميعها منفذة على الخشب بطريقة الحفر الغائر ويوجد في الجدار الشمالي للمبنى خزانان يتوسطها المحراب استخدمتا لوضع المصاحف . وتتكون أيضاً من المحراب:  الذي يتكون المحراب من تجويف معقود بعقد مدبب الشكل تعلوه حلية زخرفية بارزة تأخذ شكل العقد المدبب ، ويتوج المحراب عقد مفصص ذو سبعة فصوص ويزخرف الجزء العلوي من الحنية زخارف جصية تتضمن كتابات يحيط بها إطار من الزخارف النباتية والهندسية . أما الطاقية فتزينها زخارف كتابية قوامها البسملة وسورة الإخلاص على أرضية نباتية وهندسية ، وعلى جانبي المحراب حشوتان زخرفيتان تأخذان الشكل المستطيل نفذت عليها زخارف كتابية جصية ، ويحيط بكتلة المحراب شريط زخرفي عريض يأخذ شكلاً مدبباً ، وتزينه كتابات بخط الثلث المركب يتوسط قمة العقد عبارة تقرأ : ( الملك لله ) ، ويتضمن الشريط الذي يدور حول المحراب سورة تبارك : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين ) ، يـعـلـو هـذا الشريط شكل آخـر أصغر حجماً يتضمن نصاً قرآنياً : ( أنا فتحنا لك فتحاً .. ) ، وينتهي هذا الشريط بشكل دلايات تأخذ شكل الورقة الثلاثية وأشكال الدوائر ، والمنطقة المحصورة بين العقد زينت بأشكال زخرفية تنتهي من أعلى وأسفل بورقة ثلاثية ، ومن الزخارف الموجودة في الحنية  شريط كتابي عريض ملون يدور بجميع الاتجاهات من الداخل ، وفي منتصف كل ضلع من أضلاع المبنى نافذة مفصصة يكتنفها من الجانبين دائرتان مليئتان بالآيات القرآنية والزخارف النباتية . أما رقبة القبة فتقوم على أربع حنايا ركنية خالية من الزخارف وتتكون من صفين من المقرنصات الترسية يفصل بينها نوافذ صغيرة مصمتة ذات عقود زينت بكتابات قرآنية على أرضية من الزخارف النباتية ، ويؤطره من أعلى حزام زخرفي من الشرفات التي قوامها الورقة الثلاثية ، ويغطي مركز القبة آيات قرآنية ، ويوجد عليها ثمان جامات موزعة على جدار القبة ، وبصورة عامة فإن هذه تكتسب أهمية من الناحية المعمارية وطرازها الزخرفية البديعة ولها أهمية -أيضاً - من الناحية التاريخية والأثرية  .

من أشهر أعلام مديرية وصاب العالي

أبو عبدالله جمال الدين محمد بن حمير بن عمر الوصابي الهمداني المتوفى سنة 651هـ 1253م، كان ينعت بأنه شاعر الدولة الرسولية (المظفرية).. وقد اختلفت المصادر التاريخية المختلفة في تاريخ مولده وقد ذكر المرحوم القاضي محمد بن علي الأكوع محقق ديوان بن حمير أن إحدى هذه المصادر ذكرت أن مولده كان في الربع الرابع من القرن السادس أو قبله بيسير وهو ما عول عليه واعتبره الأرجح.. وكما اختلف المؤرخون والمصادر التاريخية في تاريخ مولده فقد اختلفوا أيضاً ًفي مكان ولادته ومن خلال البحث والتقصي عن مكان ولادته رجح القاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع أن مولده كان في قرية الحرف، بالحاء المهملة أوله والفاء أخره راء وهي الواقعة في عزلة جرّان من مخلاف جعير في وصاب العالي، والقرية المذكورة لازالت عامرة وكانت حافلة بأعلام العلماء من بني الحبيشي المنسوبين إلى جدهم حُبيش الذي ينتهي نسبه إلى قبيلة مذحج المشهورة.. وقد انتقل ابن حمير من مسقط رأسه قرية الحرف في وصاب العالي إلى تهامة.. قال علي بن الحسن الخزرجي: ورأيت بخط الفقيه أبي العباس أحمد بن عثمان بصيبص النحوي بيتين من الشعر يقول فيهما:
أما قصائد قاسم بن هتيمل
فمذاقها أحلى من الصهباء

هو شاعر في عصره فطن
ولكن ابن حمير شاعر الشعراء

وكان ابن حمير من أشهر الشعراء في عصره وفي عصر الدولة الرسولية، بل كان من أشهر شعراء العصر في زمنه وعلى مستوى العالم العربي بعد المتنبي.. ومن خلال رجوعنا إلى كتاب (العقد الفاخر..) وفي الجزء الرابع منه تحديداً وجدنا أنه توفي في مدينة زبيد، ودفن في مقبرة باب سهام شرقي قبر الشيخ الصالح مرزوق، وكان وفاته في سنة إحدى وخمسين وستمائة هجرية..
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الإعلان بنعم الله الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرأن/ تصنيف العلامة أحمد بن عبدالله السَّلمي الوصابي الشهير بالسَّانة/ تحقيق الأساتذة، محمد بن محمد عبدالله العرشي، علي صالح الجمرة، عبدالخالق حسين المغربي/المطبعة العصرية لبنان)،  (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (تاريخ وصاب المسمى الاعتبار في التواريخ والآثار/ تأليف العلامة المؤرخ وجيه الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن الحبيشي الوصابي/ تحقيق عبدالله محمد الحبشي/ مكتبة الإرشاد، الطبعة الثانية 2006م). (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م).
alarachi2012@yahoo.com


مديرية وصاب السافل

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار وصاب (الحلقة الثانية)مديرية وصاب السافل (موطن الحرف اليدوية التقليدية)

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم...   ولا سيما أبنائي الشباب من أبناء اليمن الموحد، يسرني أن أقدم لكم الحلقة الثانية من وصاب، ولا شك أنني أهدف من هذه الكتابة عن المناطق اليمنية أن ألقي الضوء على جغرافية اليمن الموحد بهدف تعميق الولاء الوطني في هذه الفترة الحرجة من تاريخ اليمن الموحد شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وهذه الأهداف هي:
- توجيه رسالة إلى أبنائي وأخواني من السياسيين ولا سيما المنخرطون في الأحزاب سواءً اليسارية أو القومية أو الدينية بكافة اتجاهاتها إن معرفتكم بجغرافية وتاريخ بلادكم من الأمور الهامة في حياتكم أو مسيرتكم وأن الجهل بهما سوف يترتب عليه كوارث وطنية تنعكس عليكم وعلى وطنكم.
- أن تركيزي على ثروات اليمن الموحد وكنوزه الحضارية يهدف إلى التوعية عن المخاطر الأجنبية التي تطمع في الاستيلاء على هذه الثروات بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
- أن معرفتنا بجغرافية وتاريخ بلادنا عبر العصور المتعاقبة في التاريخ ستوضح لنا العديد من الحقائق؛ أهمها:
1- أن اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه لم يشهد استقرار سياسي إلا في ظل وحدته والوئام الوطني بين كافة مكوناته، وتم استغلال الاستقرار السياسي في بناء اليمن واستغلال ثرواته.
2- أن اليمن عبر التاريخ شهدت صراعات سياسية بين شماله وجنوبه، ولم تحل هذه المشاكل إلا في ظل الوحدة اليمنية، وازدهار حضارة وتاريخ اليمن في فجر الدعوة الإسلامية أكبر شاهد على ذلك، وأن أي دعوة مناطقية أو طائفية أو مذهبية لن تؤدي إلا إلى تدمير وحدته الوطنية.
3- أن المتمعن في جغرافية اليمن وتاريخها وأنساب أسرها؛ سيجد أن اليمن موحد بطبيعته سواءً في مساقط المياه على مستوى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب أو على مستوى مسميات مدنه وجباله ووديانه، وفي اليمن ظاهرة إيجابية حيث نجد أن كافة اليمنيين تربطهم روابط النسب، فمعظمهم أخوال لبعضهم البعض باختلاف مذاهبهم أو مناطقهم أو انتمائتهم، وهذه الرسالة يجب أن يفهمها أعداء اليمن الذين يهدفون إلى القضاء على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي لليمن.

مديرية وصاب السافل

مديرية وصاب السافل: تقع في محافظة ذمار في أقصى الجزء الجنوبي الغربي منها. يحدها من الشمال مديرية وصاب العالي، ومحافظة ريمة (مديرية الجعفرية) ومحافظة الحديدة (مديرية بيت الفقيه)، ومن الجنوب محافظة إب (مديرية حزم العدين) ومحافظة الحديدة (مديرية جبل رأس)، ومن الشرق مديريتا وصاب العالي، ومحافظة إب (مديرية القفر)، ومن الغرب مديريات: زبيد، الجراحي، جبل رأس (محافظة الحديدة).
يبلغ عدد سكان مديرية وصاب السافل (148762) نسمة وفقاً للتعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.. وتبلغ مساحة المديرية 834كم2، وعاصمة المديرية مدينة الأحد. 
وتضم المديرية 853 قرية تشكل (51) عزلة، وهي: الأثبوت (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. من قراه: حُماطه، الأمان، البارده، الدَّعسَه، البَدَحه، وغيرها)، الأثلاث (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. من محلاته: وادي المزجد، المنصوره، البِطاحي، الرِسان)، الأجراف (جبل ومركز إداري في وصاب السافل، يضم مجموعة كبيرة من القُرى الصغيرة، نذكر منها: حصن شِير، المليح، المعَاين، المِقبَابه، اللَّفجه، الدَّهنه، جَعشَان، الرِجَاح العالي والسافل، اللَّكمه البيضاء، البيوت، المحرَّق، وغير ذلك، وقد شهدت المنطقة توسعاً عمرانياً وزيادة في عدد السكان)، باخش (مركز إداري من مديرية وصاب السافل ، يضم مجموعة قرى منها: القَهْدَه، الظَهْرَه، الحَبِيل، بَاخِش، النُوبه، جبل مجدره، وغيرها)، بني  أحمد السافل، بني أحمد العالي (مركزان إدريان من مديرية وصاب اليافل منهما والنسبة إليهما أيضاً: أحمَدي)، بني حسام، بني حطام (بكسر ففتح. مركز إداري من أعمال وصاب السافل. من بلدانه: الرَّونَه، المَحَاجِر، بني بُكَالي، المحاريب، بيت الغَبَّان، بني الوجيه. وإليه يُنسب الشيخ العلامة سالم بن قائد الحِطَامي، من علماء القرن الرابع عشر الهجري)، بني الرماد، بني سعيد، بني سلمة الشرقية، بني سلمة الغربية (بنو سَلَمَة بفتحات. فرع من الشراحيين ملوك مدينة العركبة في وصاب، ينحدرون من ولد ذو رعين: يريم بن سهل الجمهور. وبهم أُسْمِي مركزان إداريان من مديرية وصاب السافل هما: بنو سلمة الغربي وبنو سلمة الشرقي)، بني سوادة (من أودية وصاب السافل. يلتقي بوادي رِمَع ووادي الصنع، وينصب في أراضي زبيد في سول الرَكب. وتشكل بلدانه مركزاً إدارياً يشمل بضعاً وخمسين محلاً)، بني الشماخ، بني صالح (من أعمال مديرية وصاب السافل، ينسب إليها آ ل الصالحي)، بني عباس (جبل في وصاب السافل، يشتمل على عدد من الآثار القديمة)، بني عبدالله، بني عريف، بني العزب والأسالمة (بنو العزب: مركز إداري مديرية وصاب السافل في مشارق مدينة زبيد. من بلدانه: حَلْبُوب، هُدَافه، وادي عُقَب، الأسَالِمه. والأسالمه: مركز إداري من مديرية وصاب السافل، يضم القرى: هُدامه، جبل مدَّار، بيت الوادي، المدير، وادي العصاره، وادي عُقب، حلبوب، وغيرها)، بني علي، بني عمر، بني عياش (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. ومن ريمة الشباطي الفقيه العلامة عبدالله بن محمد بن سبأ العياشي المتوفى سنة 725هـ، ترجمه الجندي مفيداً أنه من خيار الفقهاء وكان مُدَرِّساً في المدرسة المظفرية بقرية المحاريب)، بني غشيم (جبل في بلاد وصاب السافل، وهو من الأماكن الأثرية وفيه عدد من القرى التي تشكل في أعمالها مركزاً إدارياً. وإليه ينسب "آل غشيم" مشائخ بلاد آنس)، بني غليس (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. يُنسب إليه الشيخ علي بن محمد غُليس العريقي، المتوفى سنة 596هـ. ترجمه الجندي في السلوك وقال إنه كان فقيهاً صالحاً سكن هو وأخوه العلامة عمر بن محمد غُليس في قرية الهَجَر بالقرب من جبل عنين في بلاد الشعيبي بوصاب السافل، ولهما مآثر ومحاسن في وصاب منها بناؤهما مدرسة المدير ومدرسة الأحجور وأوقفا عليهما الأراضي والبيوت والعديد من الكتب)، بني لاهب (بفتح فكسر فسكون. مركز إداري من مديرية وصاب السافل. إليه يُنسب "آل لاهب" أهل مدينتي إب وصنعاء)، بني محمد (مركز أداري من مديرية وصاب السافل. من محلاته: قرية ذي الشرع، وادي الجبه، ذي الجنه، العُدُف، جبل معبر، الخرابه)، بني مرجف (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. من قراه: بيت الكبودي، بني حِسَام، الأزمول، بيت المرير، مَحمره، الحَضَن، السُّلَف، جَاعِر، قَرضَان، قُطيبه، الشَّرَف، الكَدَشه، الصَبره، وغيرها)، بني مزيج (بكسر الميم والزاي. مركز إداري من مديرية وصاب السافل. وهو في منطقة ذات وِديان مغيوله كثيرة الزروع، وإليه ينسب "آل المزيجي أهل ذمار)، بني معانس (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. وهي منطقة تتميز بجبالها الشاهقة وتربتها الخصبة التي تعتمد على مياه الأمطار الموسمية. ومن أهم قرى المركز: المِشرافه، القاهره، المحجر، شعب الرضمه، المقاطير، الجبل العالي، المنصورة، الصرادف، ظهر برام، المبرك، الرُضُم، السَّهلَه، الأخضَري، الرِباط زبران، وغيرها)، بني مسعود، بني منصور، بني موسى (من بلدانه: المشرافه، سودان، القفر، القِلَيته، حِريز، العيينه، وغيرها)، بيت الحي، الجبة، جربان، الداشر (جبل في وصاب السافل يطل على مدينة زبيد من شرقها. وهو اليوم مركز إداري يشمل عدداً من القرى والحصون أشهرها حصن قوارير وحصن الشرف وبنو الغِتان. وهي الحصون التي انطلق منها رجال علي بن مهدي الرعيني الحميري سنة 546هـ لمحاربة دولة بنو جياش في تهامه)، الدول، ربع المقارم، شحير المحاوير، الشعاور والشماعة، الشعيب، شكر، طلحة، الظهرة، العارس، القراقرة، قرضان الصنع (مركز إداري في مديرية وصاب السافل. وهو جبل في شرقي مدينة زبيد وله سيطرة عليها، ويرتفع عن سطح البحر 1050م)، المجوحي (مركز إداري من مديرية وصاب السافل. من بلدانه: الحُصُب، الكديحا، الأشراف، المشقوب، وغيرها. تشتهر المنطقة بتربية النحل وإنتاج العسل وهي أكثر مناطق وصاب السافل إنتاجاً للعسل وأجودها نوعاً، حيث تنتشر في المنطقة أشجار العلب)، المصباح (بكسر فسكون ففتح. جبل شامخ في وصاب السافل، شرقي مدينة زبيد. يرتفع نحو 4900قدم عن سطح البحر، ويُشرف من أعلاه على بلاد زبيد والجراحي وغيرها من سهل تهامة. وهو جبل لا يخلو من آثار قديمة وإسلامية، وبالذات قلعة المصباح وقلعة الشرف وقلعة الداشر. وتمتاز قلعة المصباح بروعة جمالية وفنية في معمارها، وقد كانت مقراً للحاكم قبل أربعين عاماً عندما كانت المصباح مركزاً لمديرية "وصاب السافل" قبل أن ينتقل مركز المديرية إلى مدينة الأحد وذلك لوعورة الطريق إلى قلعة المصباح وتذهب المياه النازلة من الجبل إلى وادي سَحَمل الذي يمر جنوب المشرافه في حدود زبيد من الشمال)، المغارب، وادي الخشب (مركزإداري في وصاب السافل، يشمل: وادي زبيد، الهِيج، مغربة الحضين، الحُصُب، وغيرها).
ولأن هذه المديرية تقع في واديين زراعيين هما رِمَاع وزَبيد، فإن أغلب اشتغال السكان في مجال الزراعة لذلك تمتاز المنطقة بطبيعة ساحرة خلابة، وأكثر مزروعاتها الحبوب على اختلاف أنواعها والبن والفواكه والنخيل. كما يهتم الأهالي بتربية النحل الذي يجود بأفضل أنواع العسل المنافس للعسل الدوعني والجرداني، وذلك بفضل اتساع المنطقة وكثرة أشجارها وخاصة أشجار العلب الكثيفة التي يتغذى عليها النحل. وتوجد في منطقة المجومي وبني حسام والأجراف والدَّاثر. كما أن أهالي وصاب السافل يشتهرون بالصناعات الحرفية والإنتاجية، ومنها الحصير الذي يُصنع من سعف النخل وله استخدامات عديدة كمفارش للأرض أو لتبطين الأسرة والكراسي. كما يعملون من القصب – الموجود بكثرة في بني سُخُمّل – السِلال المختلفة الأحجام. ومن المهن الحرفية – أيضاً – صُنع الفخار المعروف باسم المدر الذي يستخدم كأواني للطبخ أو لحفظ المياه. وقد سُمي نسبةً إلى جبل مدر في بني سواده وقرضان. كما تشتهر وصاب السافل بالحياكة وصناعة المنسوجات مثل المعاوز. واللحافات والملايا والملابس المختلفة وموطنها الأصلي في بني حطَّام وبني عبدالله. كما أن عدداً – ليس بالقليل – من السكان قد اهتموا بالثروة الحيوانية والمتاجرة بالمواشي وتربيتها كالأغنام والأبقار وخاصة في بني سلمه وفي وادي الخشب وفي جربان. وهي مناطق يكثر فيها إنتاج الحُبن البلدي المعمول من لبن المواشي، وكذلك السمن البلدي، مع أن تربية الثروة الحيوانية تكاد تعم مختلف مناطق المديرية. أما تربية الجِمال فموطنها في الصنع قرضان. 
وتشمل مديرية وصاب السافل الكثير من المناطق التاريخية والآثرية والتي تضم عدداً من القرى والمآثر القديمة وخاصة في حصن المصباح الذي يُطل على سهل تهامة، وكذا في حصن يناخ وفي حصن قوارير، وفي جبل القاهرة أحد أجزاء جبال بني حَيّ، وغيرها. وهناك آثار عمارة قديمة على قمة جبل قور، كما توجد بقايا آثار متناثرة على جبال كثيرة مثل:جبل المصباح وجبل بني معانس وجبل بني علي وجبل بني حي وجبل القاهرة وجبل غراب وغيرها. شكلت جغرافية المديرية المنحدرة من الجبال العالية في الشرق حتى سهل تهامة في الغرب، عشرات الأماكن المناسبة لممارسة رياضة تسلق الجبال العالية، من ناحية أخرى يمكن ممارسة رياضة الطيران الشراعي في المديرية بسهولة وأمان. وتشتهر المديرية بالكثير من الأسواق الشعبية الموجودة فيها، منها؛أسواق أسبوعية مثل سوق الأحد وسوق الثلوث وسوق مشرافة.. 

الهجر العلمية في مديرية وصاب السافل

- المِصباح: بلدة عامرة في حصن الشرف المعروف اليوم بحصن المصباح في عزلة المصباح من وصاب السافل، ويقع إلى الشرق من زبيد على مسافة نحو ثلاثين كيلو متراً تقريباً. وقد ترجم القاضي المرحوم/ إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ "8" أعلام من أعلامها..
- ذي حيزان: قرية من أعمال حصن الشرف في بلد الشعبيين من وصاب السافل. وقد ترجم القاضي المرحوم/ إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ"2" أعلام من أعلامها..

المدارس الإسلامية

مدارس بني غُليس: كانت في مخلاف بني شعيب من مخاليف وصاب. وهي ثلاث مدارس: إحداهما مدرسة المِديَر في ظفران، والثاني مدرسة الأحجور، والثالثة لم يُذكر مكانها. بناها الشيخ علي بن محمد غليس العريقي. كان يسكن هو وأخوه عمر بن محمد غليس في قرية الهجر، بالقرب من جبل العَنِين. وكان علي بن محمد فقيهاً، فاضلاً، يتردد إلى مكة المشرفة، وارتحل إلى الشام والعراق، وجاور في المساجد الثلاثة، وكانت لديه دنيا واسعة. ابتنى ثلاث مدارس وفي وصاب، ووقف عليها من ماله ومال أخيه عمر، وأجلب لها كتباً كثيرة، ووقفها، قال الجندي: رأيت منها – أي: من هذه الكتب "الشامل كاملاً" عند المقري محمد بن يوسف المقري. وقال الحبيشي في كتابه "الاعتبار" في صدد ذكر مدرسة (المِدْيَر): بناها سنة 592هـ، وقيل سنة 594هـ، وقد جعل النظر في المدرسة إلى الفقيه أحمد بن علي بن محمد بن يزيد من قرية أعدان، وكان عالماً، صالحاً. وقال عند ذكر وقفها: "وقفها على متعلم القرآن، ودارس الفقه". وللمدارس الثلاث أوقاف على إطعام الطعام. توفي علي بن محمد لبضع عشرة وست مئة، وقال الحبيشي: سنة 596هـ، وقيل: 597هـ. ودرَّس في مدرسة الأحجور عمر بن علي – جد الفقهاء أهل ظُهُر – وكان فقيهاً عالماً تفقه على أخيه إسماعيل، وعلى الفقيه أحمد بن عبدالله بن ناجي وغيرهما، فالتزم التدريس في جامع ظُهُر، وكان قد درَّس في مدرسة الأحجور ثم مات سنة 670هـ.

من أعلام مديرية وصاب السافل 

وصاب السافل بلاد العلم والعلماء، اشتهرت على مدى الأزمان والعصور المتعاقبة بالكثير من العلماء الذين بذلوا حياتهم في خدمة العلم وطلابه، وما وجود هجر علمية في مناطق وصاب السافل إلا خير دليل على اهتمام أهلها بالعلم ونبوغهم فيه، فقد درس فيها وتعلم الكثير من طلبة العلم ورواده.. ومن أعلام مديرية وصاب السافل التالي:
- أبو العباس أحمد بن عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن سلمة الحبيشي الوصابي الفقيه الشافعي: كان فقيهاً فاضلاً، أديباً ظريفاً، نقالاً، متأدباً. وكان مولده سنة 702هـ، وكانت له شهرة طائلة، وسمة فاضلة، تفقه بأبيه أولاً، ثم أخذ عن الفقيه أبي بكر بن جبريل وعلى القاضي عبدالأكبر وغيرهم، وانتفع به جماعة كثيرون. وله تصانيف مفيدة منها: كتاب "الإرشاد إلى معرفة سباعيات الأعداد" وهو تصنيف عجيب، وله ديوان شعر، وشعره حسن جيد، لم يكن له في زمانه نظير، وكانت وفاته في سلخ المحرم أول سنة 767هـ رحمه الله.
- أبو العباس أحمد بن عبدالرحمن بن موسى بن الفقيه أحمد بن يوسف التباعي الوصابي الفقيه الشافعي: كان فقيهاً، فاضلاً، صالحاً، ديناً، خيراً، ورعاً، حسن السيرة، وكان يسمى القاضي. قال الجندي: كأنه تولى القضاء في ناحية من بلده: (وهو من بيت علم وصلاح وكان أحد أعمامه وهو: أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن يوسف فقيهاً خيراً، ديناً، ورعاً، مقرئاً، صالحاً، شريف النفس، يقوم بكفاية من أتاه من الطلبة. وكان متعبداً مجتهداً في العبادة، وصلى الصبح بوضوء العشاء أربع عشرة سنة والله أعلم). ولم يعلم تاريخ وفاة أحد منهما رحمة الله عليهما.
- أبو العباس أحمد بن يوسف بن موسى بن علي التباعي الأصابي: كان فقيهاً إماماً، فاضلاً، عارفاً، عابداً، زاهداً، تفقه بالفقيه محمد بن موسى بن الحسين العمراني، وبالفقيه عبيد المصعبي بعد تفقهه بالإمام يحيى بن أبي الخير العمراني – صاحب البيان –، وأصل بلده وصاب، وهو والد الفقيه موسى بن أحمد – شارح اللمع.
- طاهر بن عبدالله السوادي: العابد الصالح الزاهد. كانت إقامته في ذي حمد، كان عارفاً فقيهاً مجتهداً متصدياً للفتوى والتدريس انتفع به العباد. وجاءت إليه طلبة العلم من كل البلاد.
- ومن أعلام مديرية وصاب السافل الشباب؛ الولد النجيب الأديب المهندس/ أحمد بن غالب عبدالكريم المصباحي، وهو ينسب إلى الأعلام الفضلاء من آل القليصي الذين هم من أشرف وأكرم الأسر في اليمن، ومن خلال معاشرتي له ومعاشرة غيري له وجدت فيه الكثير من الصفات الجميلة، وقد قام بإعداد الخرائط التي ستتضمنها الموسوعة الجغرافية والثقافية والأدبية التي أقوم الآن بإعدادها، وقد أطلقت عليه (فقيه تكنولوجيا المعلومات) تيمناً بأبائه من الفقهاء آل القليصي، وقد أثنى عليه الأستاذ الدكتور نزار الحديثي من أكابر علماء العراق الشقيق لتعاونه معه في إعداد العديد من الخرائط الجغرافية لليمن.. وهذه نبذة من سيرته الذاتية فهو من مواليد وصاب السافل – المصباح من آل القليصي، يعمل مديراً للشئون الثقافية والعلمية بالمركز الوطني للمعلومات. ، يعمل في مجال نظم المعلومات الجغرافية في إعداد الخرائط. حاصل على بكالوريوس جغرافيا، تمهيدي ماجستير كلية الآداب – جامعة صنعاء, شارك في برنامج تدريب في التطبيقات الأساسية لاستخدام الحاسب الآلي، وفي برنامج تدريب في نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، شارك في الكثير من الدورات التأهيلية والعلمية المتخصصة في الجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية، وبناء قواعد البيانات الجغرافية، ودورات متعددة لتعليم اللغة الإنجليزية، ودورات في إعداد التقارير وكتابة البحوث، ودورة في التخطيط الاستراتيجي في المركز الوطني للمعلومات. وحضر وشارك في الكثير الندوات التشاورية، والمؤتمرات مثل المؤتمر العالمي الرابع للجغرافيين اليمنيين، وغيرها من الندوات والمؤتمرات..
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الإعلان بنعم الله الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرأن/ تصنيف العلامة أحمد بن عبدالله السَّلمي الوصابي الشهير بالسَّانة/ تحقيق الأساتذة، محمد بن محمد عبدالله العرشي، علي صالح الجمرة، عبدالخالق حسين المغربي/المطبعة العصرية لبنان)،  (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (تاريخ وصاب المسمى الاعتبار في التواريخ والآثار/ تأليف العلامة المؤرخ وجيه الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن الحبيشي الوصابي/ تحقيق عبدالله محمد الحبشي/ مكتبة الإرشاد، الطبعة الثانية 2006م). (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م).
alarachi2012@yahoo.com

مديريتا وصاب.. الحلقة الأولى

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار 
وصاب.. مسقط رأس المرحوم الشاعر اليمني الكبير ابن حمير
(الحلقة الأولى)
                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... هذه هي الحلقة الأولى عن وصاب، وقد أحببنا أن نفرد وصاب عموماً بحلقة مستقلة، نظراً لكثرة المعلومات التي دونها المؤرخون عنها.. وقد عودتُك أيها القارئ الكريم أن ألقي الضوء على بعض أعلام اليمن الميامين من أبناء المنطقة التي هي موضوع حلقتنا اليوم، وها أنا ألقي الضوء اليوم على علمنا وهو/ أبو عبدالله جمال الدين محمد بن حمير بن عمر الوصابي الهمداني المتوفى سنة 651هـ 1253م ولقد كان ينعت بأنه شاعر الدولة الرسولية (المظفرية).. وقد اختلفت المصادر التاريخية المختلفة في تاريخ مولده وقد ذكر القاضي محمد بن علي الأكوع محقق ديوان بن حمير أن إحدى هذه المصادر ذكرت أن مولده كان في الربع الرابع من القرن السادس أو قبله بيسير وهو ما عول عليه واعتبره الأرجح.. وكما اختلف المؤرخون والمصادر التاريخية في تاريخ مولده فقد اختلفوا أيضاً ًفي مكان ولادته ومن خلال البحث والتقصي عن مكان ولادته رجح القاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع أن مولده كان في قرية الحرف، بالحاء المهملة أوله والفاء أخره راء وهي الواقعة في عزلة جرّان من مخلاف جعير في وصاب العالي، والقرية المذكورة لازالت عامرة وكانت حافلة بأعلام العلماء من بني الحبيشي المنسوبين إلى جدهم حُبيش الذي ينتهي نسبه إلى قبيلة مذحج المشهورة.. وقد انتقل ابن حمير من مسقط رأسه قرية الحرف في وصاب العالي إلى تهامة.. 
وأورد هنا أبيات من شعره، وهي قصيدة قالها ابن حمير ترثية للمرحوم محمد بن الحسين البجلي المتوفى سنة 622هـ 1225م، على النحو التالي:
كنت الجمال لكل دهر باطل
فاليوم عطل كل دهرٍ خالي

من للعظائم إن فقدت يزيلها
عن حالها ويفك كل عقال

من صاحب الوجه الوسيم
وصاحبُ الجاه الجسيم وَكْعبةُ النَّزال

بعد الثريا صرت في حفر الثرى
والدهر يُرْخِصُ كل شيء غالي

بالله يا قبر "الفقيه محمد"
هل أنت عن علم برد سؤالي

بالله يا قبر "الفقيه محمد"
ماذا صنعت بوجهه المتلألي

لو أن تُربك بالترائب يُشْترى
وَازَنتُهُ المثقال بالمثقال

لو كان لي امري دفنتُكَ في الحشا
وجَعْلتُ صفَّ اللِّبن من أوصالي

عفت الديار فلا ديارُ وغاب منْ
قد كان مالاً للقليل المال

فهو الذي قد كان من أخلاقه
بَذْلُ النَّدى وهداية الضلال

ولقد كان ابن حمير من أشهر الشعراء في عصره وفي عصر الدولة الرسولية، بل كان من أشهر شعراء العصر في زمنه وعلى مستوى العالم العربي بعد المتنبي، وربما قد يقول القارئ الكريم أنني مبالغ في هذا الرأي، فما عليك أخي القارئ الكريم الأديب إلا الرجوع إلى ديوان ابن حمير والذي حققه وعلق عليه المرحوم القاضي محمد بن علي الأكوع والصادر من دار العودة ببيروت بعناية من مركز الدارسات والبحوث اليمني بصنعاء الذي يمكنك طلب صورة للكتاب منه للتأكد من كلامي ووصفي له بأنه من أشهر الشعراء في عصره..
وصاب
وصاب: بضم ففتح بلاد واسعة تشكل في أعمالها "مديريتين" تابعتين لمحافظة ذمار، هما(وصاب العالي) و(وصاب السافل). تعود تسميتها إلى: وصاب بن سهل بن زيد بن الجمهور بن عمرو بن قيس بن جُشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر. وقيل أنه من ولد سبأ الأصغر. وكانت بلاد وصاب جميعها تعرف قديماً باسم (جبلان العركبه) نسبة إلى إحدى قراها القديمة والتي كانت حاضرة وصاب ومقر سكن الملوك الشَّراحيين الذين حكموها. و"وصاب" تاريخها موغل في القدم؛ حيث يذكر الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) أن وصاب هي "جبلان العركبة" التي تشمل مخلاف "نعمان العركبة" أي وصاب السافل والعالي وهو بلد واسع رخي طيب الأرض مبارك الأجواء زكي الأرجاء وله تاريخ مستقل سكنه بطون من حمير من نسل جبلان.. وحي الصرادف من بني حي بن خولان وهي وملوكها.. ويذكر القاضي المرحوم "الحجري" في معجمه عن العلامة الحبيشي أن تسمية وصاب نسبة إلى وصاب بن سهل بن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم العظمي وينتهي نسبه إلى حمير الأكبر.. ومنهم من يقول إنها "إصاب" وهو الاسم الأصلي ثم أبدلت الهمزة واواً.. ويقول ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان أن وصاب اسم جبل يحاذي زبيد باليمن وفيه عدة بلاد وقرى وحصون.. وسكن وصاب الشراحيون؛ فهم آل يوسف ملوك تهامة من عهد الخليفة العباسي المعتصم إلى أيام الخليفة المعتمد.. والوصابيون من سبأ الأصغر كما أورده الهمداني.. وعرفت وصاب في الماضي بـ (وصاب بن مالك) وهي بطن من سبأ الأصغر وتنسب إلى وصاب بن مالك بن زيد بن أدد بن زرعه.. بينما يتوسع بعض الإخباريين في تعريف وصاب ونسبها إلى وصاب بن سهل بن زيد بن جمهور بن عمرو بن قيس بن جشم العظماء بن عبد شمس بن وائل بن الغول بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير ابن اليمن بن الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأصغر.. وعرفت كذلك بالعركبة وهي مدينة أثرية قديمة جداً تقع حالياً في إطار عزلة جباح مخلاف جعر وصباب العالي والتي لا تزال قائمة حتى الآن.
ويصف العلامة الحبيشي في كتابه (تاريخ وصاب المسمى الاعتبار في التواريخ والآثار) العركبة أنها مدينة وصاب القديمة وهي مدينة عظيمة وكان سورها على رؤوس الجبال وكان لها أربعة أبواب إلى كل جهة وبابها الغربي بين جبلين مستقيمين يدخل منه من أتى من التهائم ودون هذا الباب الغربي نهر جار دائم "ما يعرف حاليا بوادي قسيم بين مديريتي وصاب العالي والسافل" وجسر وإليها أنهارٌ من جهة المشرق يدخلونه إلى قصورهم وبيوتهم ومساجدهم ومن غربي المدينة أنهارٌ دائمة تُسقي أرض "سخمل" وسخمل مدينة قديمة من زمن الجاهلية وكان من ملوكها من الشراحيين من حمير..
وقال إن سبب خرابها السيل وانتقل أهلها إلى جبل قريب منها يسمى "عيثان " وتستمد وصاب أهميتها التاريخية من دورها الحافل بالحراك السياسي منذ مطلع العصر الإسلامي؛ حيث انفردت وصاب بحكامها الشراحيين الذين ينتسبون إلى "ذي رعين" أبرز أقيال حمير الذين حكموا مخلاف وصاب مع جزء من تهامة حتى سواحل البحر الأحمر في ظل دولة عرفت بدولة "الشراحيين" منذ مطلع القرن التاسع للميلاد وكان حصن العركبة بمثابة سند لهم.
وتتصل بلاد وصابين من شماليها بوادي رمع الفاصل بينها وبين بلاد ريمة، ومن شرقيها بمديرية عتمة وقفر حاشد وبلاد يريم، ومن عربيها ببلاد زبيد، ومن جنوبيها بلاد الحزم وجبل رأس.
وتتصف وصاب بتنوع تضاريسها، ومناخها؛ حيث نجدها تتكون من سهول واسعة تحاذي سهول تهامة غرباً، وجبالاً مرتفعة كلما اتجهنا شرقاً.. وكما تتنوع تضاريسها فإن مناخها متنوع فتجده يتدرج بين الحار والمعتدل في الأجزاء الغربية وبين البارد المعتدل في المناطق الشرقية.. وتمتاز وصاب بطبيعة جغرافية جبلية، فجبالها تعانق السحاب ترتدي في الشتاء حلة بيضاء من الضباب المخيم عليها، وبإنقضاء فصل الشتاء وبداية فصل الصيف تغير جبال وصاب حلتها البيضاء وتكتسي ثوباً أخضر، تكتسي به مدرجاتها البديعة التي تشهد على إبداع اليمني وتستمر بهذه الحلة طيلة فصول العام، فتجعل الناظر إليها مأسوراً بجمال مناظر وروعة رونقها وبهاءها، فالرائي لجمالها البديع في قمم جبالها المطرزة بالقرى والمنازل المتناثرة ذات الطابع المعماري البديع الذي يعكس إرادة الإنسان اليمني في التغلب على طبيعة الأرض الجبلية، وكذا طرق البناء ومواد البناء من أحجار منحوتة بأشكال هندسية بديعة، فتبدو صورة هذه الجبال وفيها المنازل كلؤلؤ منثور على ثوب حريري أخضر.
ووصاب تبعد حوالي 180 كم غرب مدينة ذمار، تنقسم إلى مديريتين وصاب العالي ووصاب السافل، وهماتتبعان محافظة ذمار، ويحد وصاب من الشمال محمية عتمة (محافظة ذمار) ومديريتا مزهر والجعفرية( محافظة ريمه)، ومن الجنوب مديريتا القفر وحزم العدين من (محافظة إب) ومديرية جبل رأس من (محافظة الحديدة)، ومن الشرق مديرية القفر (محافظة إب) ومديرية عتمه (محافظة ذمار)، ومن الغرب مديرية زبيد وأجزاء من جبل رأس من (محافظة الحديدة).. وتبلغ مساحة وصاب الإجمالية حوالي 1.446 كم2..
ويقطن وصاب 411.626 نسمة حسب آخر تعداد للسكان والمساكن في عام 2004م.
وتشتهر وصاب بالعديد من المناطق التاريخية والأثرية الهامة التي لا تزال فيها الكثير من الشواهد على تاريخها وحضارتها الموغلة في القدم والتي لا يزال من الصعب الكشف الدقيق عن تاريخها وحضارتها القديمة بسبب بعد المنطقة ووعورة طرقها وبعدها عن العاصمة حيث لم تصل إلى المنطقة أي بعثة أثرية او فرق متخصصة بدراسة تاريخها وحضاراتها.
ولا تزال العديد من المواقع والقلاع والحصون شامخة حتى الآن ومنها ماهو مطمور وما صار خرائب، وجزء كبير أزيل نهائياً بسبب الزحف العمراني الذي تشهده المنطقة والجهل بأهمية تلك الشواهد التاريخية.
من المواقع التي لا تزال قائمة حصن نعمان وحصن السدة مخلاف بني مسلم وحصن الحمراء والمصنعة بقاعدة وحصن جعر وقلعة الوايلي وحصن النشم -مخلاف كبود- وقبة عراف أهم المعالم البارزة التي تمتاز بمواصفاتها المعمارية الهندسية الرائعة وزخارفها البديعة حيث يوجد بداخلها عشرة قبور عليها أضرحة خشبية، يذكر أنها كانت قديماً كنيسة وتم تحويلها خلال العصر الإسلامي إلى معلم إسلامي، إلى جانب حصن السانة (مخلاف نقذ) وحصن عزان (مخلاف القائمة) وحصن الظفران عزلة الظفران الذي تذكر الكتابات أنه من الحصون الحميرية التي وجدت فيها نقوش بخط المسند، وحصن "ضهر" وحصن "رجوف" وحصن الشرف وحصن "قوارير" في الداشر وحصن يناخ بن حسام ومدينة العركبة منطقة جباح وقلعة الدن وقلعة المصباح وقلعة السرح وحصن "يريس" بالجبجب وحصن الوكر بقشط وقلعة الظاهر ببهوان وجامع الأحد وجامع المأثور بن علي وجامع الباردة وجامع الشرف وجامع العباد بجبل مطحن.. وحصن بني علي الذي لا يزال منه سوى خرائب وقلعة المدوره عزلة المحجر وقلعة "شعاف".
بالإضافة إلى مقبرة الزير سالم والتي هي عبارة عن معلم ديني وتاريخي قديم يوجد بها قبر الزير سالم- كما تذكر الكتابات -حيث يبلغ طوله حوالي 6 أمتار وعرضه مترين، وما يميز المنطقة -التي فيها المقبرة -أن العديد من أسماء المناطق مسماة بتسميات مناطق بني هلال والأشخاص الذين عاصرو الزير كبئر جساس ومنطقة كليب.. الخ.
اشتهرت وصاب خلال العصر الإسلامي بالعديد من علمائها البارزين فهم من بني الحبيشي، والحبيشي صاحب تاريخ وصاب عام 734هـ. (الاعتبار في التواريخ والأخبار) ومن أسلافه وقرابته جملة من العلماء منهم أبو محمد عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن سلمه الحبيشي المتوفي عام 780هـ ومن مصنفاته "نظم التنبيه" ومنهم أحمد وموسى أبناء يوسف بن موسى بن علي التابعي الحميري والشاعر ابن مكرمان البرعي الحميري من أعلام المائة السادسة الهجرية والأديب عبدالرحمن البرعي من أعلام القرن 11 هـ والعلامة أبو محمد الخضر بن محمد بن مسعود بن سلامة الوصابي.
وتمتاز وصاب بالعديد من المقومات السياحية الفريدة، بداية بالمناظر الباهرة لطبيعتها الخلابة، وكذا طرازها المعماري وتنوع بيئتها حيث تتواجد فيها العديد من أنواع الطيور النادرة والحيوانات والزواحف المختلفة، إضافة إلى أن جبالها تعتبر من الجبال التي تناسب هواة رياضة التسلق..
ونظراً لأن وصاب أرض زراعية خصبة، ومعظم سكانها يعملون في الزراعة، فلابد لها أن تشتهر بإنتاج العديد من المحاصيل الزراعية الهامة والتي تصدر جزء منها إلى الأسواق العربية والأجنبية والبعض الآخر إلى الأسواق اليمنية مثل المانجو الذي يزرع بأنواعه المختلفة والموز والبن والرمان والسمسم والجوافه والعمب (عنب الفلفل أو الباباي) والذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية والتين إلى جانب إنتاج نحل العسل "العسل الوصابي ذائع الصيت" والذي تشتهر به منطقة المجوحي والأجراف وبني حي وبعض المناطق الأخرى والذي تصدر نسبة عالية منه إلى بعض الدول المجاورة. وإضافة إلى الزراعة يشتغل عدد من الأهالي عدداً من الحرف الأخرى كالرعي وتربية الثروة الحيوانية.. ومن المهن والحرف اليدوية الشهيرة التي يمتاز بها أبناء وصاب صياغة الذهب والفضة وهي مهنة متأصلة منذ القدم لا تزال تمارس حتى الآن لكن بنسب قليلة،حيث اتجهت العديد من الأيدي العاملة في هذا المجال إلى المدن اليمنية المختلفة. وامتاز أبناء وصاب بإتقانهم للعديد من الحرف الأخرى كصناعة الخزف والفخار والتجارة والحدادة والنجارة وصناعة الأواني النحاسية والمداعاة.
وهو ما منح وصاب أهمية كبيرة كمركز تجاري خلال عقود طويلة، شهدتها نتيجة ازدهار هذه الصناعات والحرف اليدوية التقليدية التي كانت تسوق تباع في العديد من مدن ومحافظات الجمهورية عبر الأسواق المتناثرة فيها: كالحديدة وعدن وصنعاء وتعز. ولكن للأسف هناك مهن وحرف اندثرت واختفت نتيجة لأسباب عديدة منها انعدام المواد الخام وارتفاع أسعارها، وكذا دخول الآلات الحديثة في خط الانتاج، كما أن هجرة الكثير من أبناء المنطقة يعتبر أحد أسباب اندثار هذه المهن والحرف. وهجرة أبناء وصاب تأتي لعدد من الأسباب أهمها شحة المياه، وعدم وجود آبار ارتوازية، بالإضافة إلى انعدام معظم الخدمات الأساسية في المنطقة؛ مثل الطرق التي إن وجدت فستكون بوابة لنهضة عمرانية واقتصادية وسياحية فيها وكذا انتعاش الاستثمار، وهو ما سيعيد للمنطقة تاريخها التجاري والاقتصادي المعروفة به..
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الإعلان بنعم الله الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرأن/ تصنيف العلامة أحمد بن عبدالله السَّلمي الوصابي الشهير بالسَّانة/ تحقيق الأساتذة، محمد بن محمد عبدالله العرشي، علي صالح الجمرة، عبدالخالق حسين المغربي/المطبعة العصرية لبنان)، (ديوان ابن حمير/ حققه وعلق عليه محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي/ دار العودة بيروت الطبعة الأولى 1985م)، (الموسوعة اليمنية)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (معجم البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)،  (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (تاريخ وصاب المسمى الاعتبار في التواريخ والآثار/ تأليف العلامة المؤرخ وجيه الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن الحبيشي الوصابي/ تحقيق عبدالله محمد الحبشي/ مكتبة الإرشاد، الطبعة الثانية 2006م).
alarachi2012@yahoo.com

مدينة ذمار (مدينة العلم والعلماء) الحلقة الثالثة

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار مدينة ذمار (مدينة الظرف والظرفاء)الحلقة الثالثة

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... ولا سيما أولادي من الشباب، لا زلت أغوص في مدينة ذمار ومجتمعها مُعجباً بأعلامها وأدبها وأدبائها، وظرافة ناسها وذكاء أفراد مجتمعها ولا سيما البسطاء منهم فذكائهم النادر الذي لا يوجد في أي مدينة من مدن اليمن، وكذا قدرتهم على سرعة إيصال رسائلهم المتضمنة تلميحاتهم القادرة على النفاد إلى مسامع أولي الأمر من المستوى الأول في الدولة، والتي ستلاحظها أخي القارئ الكريم في طيات هذا المقال، وفي هذا المقال أيضاً سأقدم لك شخصية وعالم كبير من أعلام اليمن ورجالها الإمام يحيى بن حمزة بن علي بن إدريس، وهو العلامة المجتهد المبرز في العلوم العقلية والنقلية والأدبية كما وصفه القاضي أبي عبدالله الجندي بهاء الدين محمد بن يوسف الجندي في كتابه (السلوك في طبقات العلماء والملوك) والذي حققه القاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع، واستمرت إمامة يحيى بن حمزة لمدة خمس سنوات، وقد جرت حروب بينه وبين معارضيه حتى اضطر إلى أن يعزل نفسه عن الإمامة، وتفرغ للتأليف، وقد قيل أن مؤلفاته بلغت مائة مؤلف كما ذكر ذلك المرحوم العلامة المجتهد أحمد بن عبدالله الجنداري، ومن أهم مؤلفات الإمام يحيى بن حمزة (تصفية القلوب من درن الأوزار والذنوب) وقد طبع في القاهرة بتحقيق العلامة المرحوم القاضي أحمد الهيصمي والمرحوم إسماعيل بن أحمد الجرافي، وكتاب (الطراز في علوم البلاغة والإعجاز) في ثلاثة مجلدات، وقد طبع بتحقيق مجموعة من علماء اليمن وعلى رأسهم المرحوم القاضي حسين السياغي – نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، وقد قيل أن الإمام يحيى بن حمزة ولد في حوث سنة 669هـ الموافق 1270م، وقيل أنه ولد في صنعاء، وقد توفي في ذمار عام 749هـ الموافق 1348م..
الموروث الشعبي في ذمار
تشتهر محافظة ذمار بموروثها الشعبي المتنوع، (الأهازيج، الحرف اليدوية، العادات والتقاليد، والنكت (المواقف الظريفة، وغيرها) والتي تتغير وتتنوع من مكان إلى أخر، وهذا الموروث يشكل لوحة فنية رائعة بديعة، تدل على ثراء وغنى مديريات المحافظة المختلفة بهذا الموروث  كل مديرية على حده. يبدأ هذا التنوع والثراء للموروث الشعبي من شوارع ليتسع إلى يشكل الموروث الشعبي بمحافظة ذمار مشهدا فنيا مميزا تبوح تفاصيله الدقيقة بمدى الثراء الذي تزخر به مديريات المحافظة، فمثلاً أغاني وأهازيج الحدادين تختلف من مكان إلى آخر، وألعاب الأطفال كذلك تختلف من منطقة إلى أخرى. بل والأروع والأجمل في ذلك هي أهازيج الفلاحين والمزارعين، عندما يشجينا ذلك المزارع بإحدى أهازيجه التي يشدو بها مغرداً وهو يحرث بالثور أو بالحمار، وهي غير الأهازيج في منطقة أخرى التي تقال أثناء نفس العمل، ولا يمكن أن نتناسى صوت النساء بأحد المحاجل التي يترنمنَّ بهن وهن يجمعن الحشيش من الوديان.. وتمتلك ذمار موروثاً شعبياً ضخماً من العادات والتقاليد الأصيلة التي لا يزال الناس يمارسونها في المناسبات الاجتماعية العامة، مثل الأعياد الدينية، والمناسبات الخاصة، مثل حفلات الزواج، والعودة من الحج، وغالباً ما تشهد هذه المناسبات مساجلات بالشعر الشعبي بين شعراء القبائل والقرى المختلفة، ولكل مناسبة نوع معين من الشعر كالزامل المخصص للأعراس وغيرها، وهناك البالة الشبيهة بالدان، وتتم في السمرات الليلية، وهناك المَهيْد الذي يرافق الأعمال الزراعية، ثم القصيد الذي يسجل للأحداث والوقائع الوطنية أو المحلية. وترافق الاحتفالات رقصات شعبية..
ويتنوع هذا الموروث الشعبي، فهناك الموروث المرافق للزراعة والخاص بمواسمها المختلفة على مدار العام، دليل كبير على أن النشاط الزراعي في المحافظة نشاط متوارث وقديم منذ العصور القديمة، وهو تأكيد لما تناولته بعض الدراسات عن أن النشاط الزراعي في محافظة ذمار موجود منذ (7000) سنة، وقد تم التوصل إلى هذه المعلومة الهامة من خلال تحليل إرسابات التربة في سد أضرعة الموجود شرق مدينة ذمار وليس بمحض الصدفة أو غير معتمد على دراسات وبحوث أكيدة.. ويرجع الباحثون سبب ممارسة السكان للزراعة منذ ذلك الحين هو استفادتهم من تنوع تضاريس المحافظة، فنجد مناطق تشكل تضاريسها قيعان وأخرى هضاب عالية أو منحدرات وتتخللها الأودية، وهو ما يؤدي إلى كنتيجة طبيعية إلى تنوع المحاصيل الزراعية، وصارت الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، إذ تقدر المساحة الصالحة للزراعة بنحو 8ر2 مليون فدان، مُستغل منها حاليا 2ر1 مليون فدان في زراعة المحاصيل النقدية مثل الذرة والقمح إلى جانب المحاصيل البستانية التي تتفرد بها المحافظة، إذ يبلغ الإنتاج السنوي 300 ألف فدان من الخضار والفاكهة، يتم تسويقها إلى المحافظات الأخرى وبعض الدول المجاورة. وتشتهر محافظة ذمار بزراعة البن في المناطق الغربية منها.. ولم يقتصر نشاط سكان ذمار على الزراعة بل وجدت بعض الأنشطة الهامة والتي كان يعتمد عليها سكان ذمار وهي رعي الأغنام والماعز الإبل، بل أن المحافظة اشتهرت بتربية الخيول العربية الأصيلة..
ومن الموروث الشعبي لذمار إلى جانب الزراعة والرعي، هناك الكثير من الحرف والصناعات التقليدية التي اشتهرت بها هذه المحافظة، واعتمد عليها السكان في توفير متطلبات معيشتهم منها؛ صناعة وحياكة المنسوجات بمختلف أنواعها، وكذا صناعة الأواني النحاسية والأواني الفخارية بأحجام تتناسب مع الغرض من استعمالها، مثل أواني الطبخ وحفظ المياه وغيرها، ولا تزال صناعة الحلي والمجوهرات الفضية التقليدية تمارس في عدد من المناطق إلى جانب صناعة الخناجر (الجنابي، والنِّصَال). ومن الأعمال المهمة في المحافظة أيضاً، استخراج الأحجار المستعملة في البناء، إذ تنتشر في عموم مناطق المحافظة (كسارات الأحجار) مقالع الأحجار ذات المواصفات العالية، ويتم تسويقها إلى العديد من محافظات الجمهورية مثل العاصمة صنعاء.. وإضافة إلى كل ما ذكر من الحرف اليدوية فهناك حرفة تشتهر بها ذمار، بل يمكن أن نسميها (صناعات استخراجية) مثل استخراج وصناعة العقيق وتشكيله، والذي يعتبر أحد الأنشطة الحرفية المستمرة منذ ألاف السنين حتى اليوم في ذمار، وأهم مناطق استخراج وتشكيل العقيق منطقة ضوران آنس ومنطقة يعر عنس، ويعد العقيق المستخرج منهما من أجود أنواع العقيق وأكثرها شهرة.. 
ومن موروث ذمار الشعبي المتنوع، الألعاب الشعبية؛ فهناك العديد من الألعاب الشعبية التي يمارسها أبناء ذمار وتناقلوها عبر الأجيال، فهناك ألعاب يمارسها الصغار وأخرى يمارسها الكبار، وبعض الألعاب تكون مرتبطة بموسم معين.. ومن هذه الألعاب لعبة (القحطمة): وهي عبارة عن عصا طويلة يتم بها قذف عصا صغيرة موضوعة بين حجرين، ولا زالت هذه اللعبة موجودة حتى الوقت الحاضر ليس في ذمار فقط بل وفي الكثير من المناطق ومنها العاصمة صنعاء ومحافظة عمران. ومن هذه الألعاب الشعبية في ذمار؛ المدرهــــــة (الأرجوحة): يمارس هذه اللعبة الصغار والكبار، بل تمارسها النساء أيضاً، وأصبح لها ارتباطاً بموسم الحج حيث يستمر أبناء وأسرة الحاج بممارستها وترديد أهازيج محددة – مليئة بالشوق إلى بيت الله وانتظار عودة الحاج – حتى يعود من الحج.. 
وتمتلك ذمار العديد من مقومات السياحة، سواءً السياحة الأثرية والتاريخية أو السياحة العلاجية المتمثلة في الحمامات الطبيعية (الكبريتية)، ففي جانب السياحة الأثرية والتاريخية فقد تم اكتشاف أكثر من أربعمائة موقع أثري في المحافظة، تعود لفترات تاريخية متعاقبة ومختلفة، تكاد تؤرخ لجميع الفترات التاريخية التي عايشتها ذمار.. وفي جانب السياحة العلاجية فتتميز ذمار بوجود عدد من الحمامات المعدنية الطبيعية ذات المياه الساخنة (الكبريتية) التي تستعمل لأغراض علاجية، مثل حمامات جبل اللسي شرق مدينة ذمار بجوار خربة أفيق.. وحمامات المياه المعدنية التي منها حمام علي شمال غرب مدينة ذمار والتي جميعها يقصدها الناس لعلاج بعض الأمراض المستعصية وخاصة الأمراض الجلدية والروماتيزم وهناك من يشرب الماء لعلاج من عدد من الأمراض الباطنية.. أما من جانب السياحة البيئية؛ فيوجد بها الكثير من المناطق المناسبة لهذه السياحة أبرزها المحميات الطبيعية والمتمثلة بمحمية عتمة الطبيعية التي تمتاز بطبيعة خلاّبة وساحرة، فتتكون من جبال مكسوة بالخضرة على مدار العام، ووديان تتزاحم فيها الأشجار، ومما يزيد عتمة جمالاً طبيعياً المدرجات الزراعية التي تحتضنها الجبال وهي من إبداعات الإنسان اليمني، ويوجد في المحمية أنواع مختلفة من الطيور والنباتات النادرة.. والسياحة البيئية لا تقتصر على محمية عتمة وحسب بل هناك مناطق في مديريتي وصاب العالي والسافل تكاد تضاهي عتمة من ناحية الجبال والأودية من جمال المنظر وروعته، وفي مديرية جهران يوجد وادي سربة الجميل بمنعه الدائم الجريان، وقاع جهران الواسع بقراه المتناثرة، ولا تخلو ايَّا من مديريات محافظة ذمار من عناصر السياحة البيئية.. ومن المجالات السياحية الواعدة في محافظة ذمار، رياضة تسلق الجبال العالية، إذ يوجد عشرات الأماكن الجبلية المناسبة لممارسة رياضة التسلق، لا تقل مواصفاتها الفنية عن غيرها من مواصفات المواقع العالمية.
مدينة ذمار مدينة الظرف والظرفاء
مدينة ذمار هي أيضاً مدينة الأدب والأدباء والظرف والظرفاء والنكتة الجميلة التي لا تضاهيها أي مدينة من مدن اليمن ومن النكت الجميلة التي تُروى عن ظرافة علمائها وأعلامها أن شخصاً لقي العلامة السيد/ حمود الدولة وقال له: يا سيدي حمود هل سمعتم راديو عدن، أجابه: لا، قال: إن أحد الأشخاص أهدى لكم أغنية الدودحية وكانت هذه الأغنية في الأربعينيات من القرن العشرين مشهورة ومضمونها أنها أغنية غزلية، فما كان من السيد حمود الدولة إلا أن غضب ولعن الأغنية والقائل لها والدودحية. وهناك قصة تروى حدثت بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م أن رئيس الوزراء محسن العيني زار مدينة ذمار وقيل له أن هناك بئر ارتوازية هي ملك أسرة بيت الضلعي بإثنى عشر قصبه فأحب زيارة هذه البئر الارتوازية، فلما وصل إليها وإذا الشخص الذي يقوم بتشغيل هذه البئر الإرتوازية يسأل من هو هذا الشخص الذي يزورنا والذي يرافقه العديد من الجنود والحرس وهو لابس بدله، لأن أهل ذمار لا يعرفون المسئولين إلا لابسين العمائم، قالوا له: أنه رئيس مجلس الوزراء حق الجمهورية (محسن العيني)، وإذا هو ينادي يا رئيس الوزراء.. يا رئيس الوزراء، فأجابه: ماذا تريد، قال: إن الناس في ذمار يقولون لا تسلموا الزكاة للجمهورية لأنهم بيشتروا بها خمر ويسكروا بها، فقال له: وأنت ما جوبت عليهم، قال: قلت لهم باسلمها لهم وإن شاء الله يفعلوا بها كلام بطال أي يأتون بها الفاحشة مع بعضهم البعض.. ومن كتبهم التي يتداولون بها أهل مدينة ذمار وغيرهم أنه في عهد المرحوم القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري كان رئيس المحكمة في ذمار هو المرحوم القاضي علي نسر الأنسي وفي اعتقادهم أن مدته في المحكمة قد طالت فما كان من أحد أبناء مدينة ذمار إلا أن رفع برقية إلى المرحوم القاضي عبدالرحمن مضمونها هل تعتقدون يا قاضي عبدالرحمن أن ذمار هي (حَرِمَه) أي حيوان ميت، وعادة ما تحوم عليها النسور وتنهش منها فما كان من القاضي عبدالرحمن إلا أن بادر إلى عزل القاضي علي نسر الأنسي.. 
ذكاء أهل مدينة ذمار
قصة في ذكاء بعض القضاة: عُرِض على حاكم ذمار قضية اختفاء شخص لمدة طويلة حتى يئس أهله من عودته فادعى شخص آخر أنه هو ذلك الشخص المختفي لأنه يشبهه كثيراً ولبس ملابس تشبه ملابس الشخص المختفي فصدقه الناس بمن فيهم والدته إلا أن زوجته أنكرته وقالت: أنه ليس زوجي مهما اقتنعتم أنتم فذهب هذا الشخص إلى الحاكم يدعي على زوجته أنها منكرة له، وممتنعة عنه فقال الحاكم: عليك بإحضار ثلاثة شهود يشهدون بأنك ذلك الشخص الغائب، فأحضر الشهود الثلاثة وكانوا أما شهود زور أو أنهم فعلاً صدقوه، فحكم الحاكم لصالح ذلك الرجل، وحاول الدخول عليها لكنها امتنعت عنه، وذهبت إلى صنعاء تشكو إلى المهدي عباس – الإمام الحاكم حينها – فأحالها إلى شيخ الإسلام السحولي الذي تولى مشيخة الإسلام قبل الإمام الشوكاني فتعجب من أمرهم، فقال كيف تتقاضون على امرأة؟ فأصدر أمراً بإحضار هذا الرجل، وقال للمرأة هل كان زوجك يحفظ القرآن غيباً فقالت كان يحفظ نصف القرآن غيباً، وهل تعرفين خطه؟ قالت: نعم. فطلب من هذا الرجل المدعي أن يقرأ له سورة كذا غيباً، فقال أنا لست حافظاً القرآن! ثم طلب منه أن يكتب فكتب له كتابة ليست كخط زوجها، وفوراً أمر القاضي بخلع ملابس هذا المدعي ووضع المرافع (الطبول) على ظهره، وقال لهم: عزروا به في كل شوارع صنعاء، فمر شخص من إحدى القرى المجاورة لصنعاء، وقال ما شأن هذا؟ فأخبروه بالحكاية فقال: هذا الشخص أنا أعرفه فهو مزين (حلاق أو خادم) منطقتنا ومعروف بكثرة إيذائه ومشاكله، وما إن وصل الخبر إلى قاضي ذمار، خاف من أن يعزله الإمام، أو يعاقبه على حكمه الخاطئ، فذهب إلى أمير ذمار وطلب منه أن يعزله قبل أن ينكشف أمره فعزله..
الوشاية الكاذبة: كان العلامة المرحوم حسن بن زيد الديلمي يُدَرِّس في المدرسة الشمسية في مدينة ذمار علوماً دينية مختلفة ككتب الفقه والأمهات الست في الحديث وغيرها، وكان يواجه العديد من المشاكل في بعض عوام ذمار لتدريسه كتب الحديث، ومن تلك المشاكل ما يحكيها القاضي العلامة محمد إسماعيل العمراني – أطال الله عمره – حيث يقول: بينما كان العلامة الديلمي يدرس طلبته كتاب (صحيح البخاري) أراد أحد الشيعة المتعصبين أن يوقع بهذا العالم مع قبائل ذمار، فذهب إليهم مستغيثاً بأن الديلمي يريد أن يبدل مذهب أهل البيت، وأنه يبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته الطاهرين، فاستجابت القبائل المجاورة لذمار لمكيدته ودخلوا إلى ذمار وحاصروا المسجد الذي كان يُدَرِّس فيه هذا العالم، إلا أنه من ذكائه وفطنته عندما شعر بوجود القبائل حول المسجد، أمر طلابه بأن يفتحوا كتاب صحيح البخاري باب فضائل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه وأخذ يُحدِّثُ بهذه الفضائل وذكر كل الأحاديث النبوية في فضائل الإمام علي، فلما سمع القبائل ذلك تعجبوا وشكوا في أمر الواشي به، فقالوا إنه كاذب ويفتري على (ولد الديلمي لأن علياً جد الديلمي فلا يُعقل أنه يبغضه)، فها قد سمعنا ما كان يُدرس طلبته والفضائل العظيمة التي ذكرها في علي وآل البيت، وانصرفوا وهم يلعنون الذي أراد أن يسبب الفتنة في المسجد..  
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (برهان البرهان الرائض في الجبر والحساب والخطأين والأقدار والفرائض/ تأليف العلامة برهان الدين إبراهيم بن عمر البجلي/ تحقيق محمد بن محمد بن عبدالله العرشي)، (أول رحلة فرنسية إلى العربية السعيدة/ تأليف جان دي لاروك/ ترجمة منير عربش/ تقديم توميسلاف كلاريك/ من إصدارات وزراة الثقافة والسياحة 2004م)، (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (معجم البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (تاريخ مدينة صنعاء/ للرازي/ تحقيق د.حسين العمري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)،  (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (مجلة الحكمة اليمانية 1938 – 1941م وحركة الإصلاح في اليمن "دراسة ومقالات"/ تأليف د.سيد مصطفى سالم/ جمع المقالات علي أحمد أبو الرجال/ إصدارات وزارة الثقافة والسياحة 2004م).
alarachi2012@yahoo.com




الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

مدينة ذمار



الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مدينة ذمار مدينة العلم والعلماء
الحلقة الثانية

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم، يسرني أن أقدم لك في هذا المقال وعلى صحيفة الثورة الغراء مدينة ذمار (مدينة العلم والعلماء)؛ التي لي فيها الكثير من الذكريات المرتبطة سواء بالمكان أو بأعلامها، ففي فجر ثورة 26 سبتمبر 1962م كان ينزل عند عمي المرحوم القاضي عبدالكريم العرشي – نائب رئيس الجمهورية سابقاً -  القاضي المرحوم يحيى الصديق من أعلام مدينة ذمار، ولم أشعر في فجر ذلك اليوم إلا والقاضي يحيى الصديق يناديني يا قاضي محمد أكتب عندك خلافة الإمام المنصور (البدر) سبعة أيام، وكانت هذه العبارة قد حفرت في تكويني الثقافي بأن اتعاطى مع كتب التاريخ وأن أكتب عن تاريخ اليمن، وأذكر بأنه في اليوم الثالث لقيام ثورة سبتمبر 1962م استُدعيَّ عمي المرحوم القاضي عبدالكريم إلى مجلس القيادة، وتم تكليفه من قبل المرحوم المشير السلال بعمل مدير قضاء ذمار ولم تكن في ذلك الوقت محافظة واستطاع بحنكته الإدارية والقيادية وخبرته ببيئة مدينة ذمار ونفسية رجالها وعاداتها وتقاليدها أن يدير محافظة ذمار وجنبها في ذلك الوقت الكثير من الخسائر المادية والبشرية، وفي نفس الوقت وفرَّ على الدولة المركزية في صنعاء الكثير من الخسائر المادية والبشرية، ووفر أيضاً على القوات المصرية الكثير من الخسائر.. وشاءت الصدف أن تجمعني بمدينة ذمار وأحد أعلامها المعاصرين في ذلك الوقت وهو العلامة أحمد بن أحمد سلامة (1335هـ - 1916م/1407هـ- 1987م) الذي تعرفت عليه في طفولتي في منزل عمي عبدالكريم العرشي وأتذكر أنه في سنة 1966م زارني المرحوم الصفي أحمد سلامة إلى مدينة البعوث الإسلامية بالعباسية في مدينة القاهرة، وهو بزيه اليمني (العمامة والجبه) وقامته الفارعة، ولما رأوه طلبة البعوث الإسلامية تجمهورا عليه حتى أوصلوه إلى غرفتي، وفوجئت بزيارته، وكأنه زارني والدي أو أحد أقربائي، ولما علم الطلبة اليمنيون الذين كانوا في مدينة البعوث الإسلامية وصلوا لزيارته وقد قمنا بإقامة مأدبة غداء متواضعة له، شارك فيها الطلبة اليمنيون، وحضرها بعض الطلبة من الدول العربية والإسلامية، وبعد أن أدينا صلاة الظهر في جامعة مدينة البعوث الإسلامية قام الصفي سلامة بإلقاء محاضرة قيمة تضمنت تفسير سورة العصر، أعجبت جميع من حضر للصلاة في الجامع وبعد الصلاة اجتمع الطلبة من كل جنسيات العالم الإسلامي للسلام عليه والتبرك به.. ومن يرد أن يعرف الكثير عن ذمار وأعلامها فعليه بكتاب (مطلع الأقمار ومجمع الأنهار في ذكر المشاهير من علماء مدينة ذمار ومن قرأ فيها وحقق من أهل الأمصار) تأليف العلامة شرف الدين الحسن بن الحسين بن حيدرة بن إسماعيل القاسمي الحسني الطالبي، وتحقيق عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي..
مدينة ذمار
تقع في محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء على بعد 100كم. وذكر الحجري في (مجموع بلدان اليمن) أن مدينة ذمار ترتفع عن سطح البحر ثمانية آلاف قدم. وذمار: بالفتح. مدينة كبيرة جنوب صنعاء، يعود تاريخها إلى القرن الأول للميلاد، وقد سُميت باسم ذمار بن يحصب بن دهمان بن سعد بن عدي بن مالك بن سدد بن حمير الأصغر، هكذا ذكر ياقوت في معجمه، وقيل هي ذمار بن بهبر بن مالك بن سبأ وذو ريدان ورد ذكرهم في القرن الأول للميلاد. وهي في سهل زراعي منبسط وموقعها يتوسط بين صنعاء ومدن الجنوب. كان لها دور تاريخي قبل الإسلام ثم اشتهرت كواحدة من أهم مراكز الإشعاع العلمي في اليمن.
وتنقسم المدينة إلى ثلاثة أحياء: الحوطة، والجراجيش، والمحل. أما اليوم فقد إتسع عمرانها وامتد في كل اتجاه وأُقيمت أحياء جديدة. وترتفع المدينة بنحو 2700م من سطح البحر، وهي أعلى من صنعاء بـ400متر.  والمدينة عامرة بالمساجد الأثرية أهمها جامعها الكبير الذي يعود بناء أصله إلى عهد الصحابة وقيل أنه بني بعد الجامع الكبير في صنعاء وقبل جامع الجند. وقد أنيرت المدينة حديثاً بالكهرباء. وبالشرق من ذمار جبل اللِّسي على بعد 20كم، الشهير بمعدن الكبريت. وقال ابن مخرمة في كتاب النسبة إلى البلدان: ذمار بكسر الذال وقيل بفتحها ثم ميم ثم ألفاً ثم راء مهملة مدينة على مرحلتين من صنعاء سميت بقيل من أقيال حمير ومن خواص مدينة ذمار أنها لا توجد فيها حية ولا عقرب، وإذا دخل إنسان بحية أو بعقرب إلى ذمار فعند دخوله الباب تموت الحية يقال إن أرضها كبريتية لا يقيم بها من المؤذيات شيء إلا هلك، ومنها يجلب الكبريت إلى سائر مناطق اليمن ويكون عمق آبار هذه المنطقة ثلاثة أذرع (كان هذا قديماً) أما الآن فقد غار الماء وأصبحت الآبار الإرتوازية ذات أعماق هائلة. وقال الحجري في (مجموعه): أما الكبريت فمعدنه جبل اللسي، وجبل اللسي يقال له جبل الشَب.. وهو في مشارق ذمار على مسافة فرسخين، وفي كهف جبل اللسي بحر ماء حار يغلي وكل مريض يمرض من أهل البلاد يأخذ منه فدى كل على قدره يُعرى به على باب الغار وينزل وبعد ذلك يسبح في الماء وما يخرج منه إلا وهو متعافٍ. وفوق منه مدينة مدور من جبالها يستخرج وتسمى المعدن والمقر.. ومسألة الحية والعقرب يبحث عنها فإن أكثر بلاد عنس وبلاد يريم الجبلية لا توجد فيها الحيات لشدة البرد.
وذمار المدينة المشهورة جنوب صنعاء، على بعد ثلاث مراحل، وهي في وسط بلاد عنس الشهيرة والغنية بالآثار. فهي حميرية على الطبيعة، ولاتزال النبرة الحميرية ظاهرة في لهجاتهم. وذمار لها ذكر في النقوش كثير. وقد وجد في التمثال البرونزي، الذي استخرج من آثار النخلة الحمراء، والموجود الآن في متحف الآثار وبصدره كتابة حميرية، فيها لفظ (ذمار علي)، وقد عُد هذا في سلسلة ما يذكر من ملوك حمير. ولعل المدينة سميت باسمه، وذكر حكاية في معجم البلدان لياقوت، أن قريشاً لما هدمت الكعبة وجد في أساسها حجر مكتوب بالمسند، فيه "لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار" لمن ملك ذمار؟ للحبش الأشرار" لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار" لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار" ثم حار محار، أي رجع مرجعاً".
والمدينة بنفسها آثرية، وفيها من الأثار الإسلامية: المسجد الجامع، فإن أصله من بناء الصحابة، رضي الله عنهم، الذين تولوا اليمن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وسعه الملوك من بعد، حتى صار إلى ما هو عليه الآن، وقد حكى الرازي في (تاريخ صنعاء) أن جامع ذمار بني بعد جامع صنعاء بأربعين يوماً.
وفي بلاد ذمار من الآثار كثير، أجلها مطمورة تحت التراب والأنقاض، فمن الآثار الظاهرة ما بقرية "هَكِر" المعروفة في جبل زُبيد، بها آثار عجيبة تدل على عظمة البانين، ورقيهم في الفن المعماري، ومنها "موكل"، قصر أثري حميري، ويطل عليه جبل يراخ، فيه آثار حميرية، ومنها "أضرعة"، بجنبه، وكانت محل الملوك كما حكى في الإكليل، ج8ص   "وفيها آثر سدين للماء، وكذا في حصن "أفيق" من عنس السلامة، آثار حميرية. وفي المحل المسمى "قرن ذمار" آثار حميرية. وفي قرية "رخمة" بها أحجار مكتوبة بالمسند، وقد نقلت إلى عمارة البيوت الحديثة، ولعب بها الجهال، إلا ما بقي مطموراً تحت التراب. ومدينة "المجرب"، شرقي ضيق قعوان. وكذا في جبل عمد من البناء والآثار ما يدهش. وفي "هران" بقية خرائب ومدافن منحوتة. وفيها بين جبل الدار، ونجد الأسلاف عمارة ضخمة، ظاهرة على وجه الأرض بارتفاع نحو متر، كأنها سد أرضي لحجر المياه الجوفية. وفي جبل "حصة" من وادي الحار، آثار، ولا تزال مرابط الخيل فيه باقية. وعلى مقربة من قرية "ورقة الأهجر" فيها آثار باقية.
وبالجملة فإن بلاد ذمار غنية بالآثار الحميرية، تحتاج إلى بحث وتنقيب. ومن حصون بلاد ذمار والمحيطة بها: الربعة، في مخلاف وادي الحمَّام، ثم رُخمه، ثم الِّلسي، وفي قمته حمام طبيعي يقصده بالاستعمال للتداوي من الرياح والحكة والجرب. ثم حصن، الخلقة، وذي حولان، وبوادي الحمام: أنس، الحمام الطبيعي، ذو العيون الحارة المتعددة، ويقصد للتداوي في موسم خاص.
هذا، ومما ظهر من الآثار في عام 1372هـ في المحل المسمى حمَّة كلاب عنس، المقادشة، بجوار أسبيل المشهور. ويبعد هذا المحل عن مدينة ذمار بنحو 35كم، وهو عبارة عن أكمة تراب متوسطة الارتفاع، وأنه وجد بها أربعة بيوت أرضية كانت مدفونة بالتراب، منها بيت مبني بالحبش، محكم البناء، ومدرج. ويبدوا أن الذي قد ظهر منه هو الطبقة الثانية. وعلى الأبواب والنوافذ رسوم الزهرة، وبعضها القمر والزهرة. وفي بعض البيوت الأربعة ما هو صالح للسكنى، ما ينقصه إلا وضع الأخشاب والسقف. وهناك أحجار منقوشة، ورسوم شجرة العنب، وأحجار محفور بالمسند الحميرية والأعمدة الطويلة، ونحو ذلك. وسبب ظهور ذلك أن المواطنين حفروا بعض هذه الأكمة، فاكتشفوا ما ذكر، وما خفي أكثر. وبجوار هذه الحمة حمة سليمان، وحمة قارون، وتوجد بها الآثار الحميرية، وكأن الآكام في لغة حمير تسمى حمة..
كما أن المدينة من المدن الرئيسية المشهورة بالعلم والعلماء في اليمن، بل أن بعض المصادر التاريخية تفيد أن بالمدينة حوالي 254مسجداً ومدرسة علمية، ففي ذمار مساجد كثيرة غير الجامع الكبير وغير المدرسة الشمسية، منها مسجد الإمام يحيى بن حمزة الحسيني المتوفى سنة 747هـ وقبره بجوار مسجده رحمه الله، ومسجد الإمام المطهر بن محمد بن سليمان المتوفى سنة 879هـ وقبره بحوار مسجده، وبالقرب منه مشهد الحسين بن الإمام القاسم بن محمد المتوفى سنة 1050هـ ومسجد الحسين بن سلامة صاحب زبيد ومسجد الأمير سنبل بن عبدالله عمَّره سنة 1024هـ وأرّخ له بقوله: يا رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة. ومسجد الأسد بن إبراهيم بن أبي الهيجاء الكردي وهو والد فاطمة بنت الأسد زوجة الإمام صلاح الدين، وأم ولده علي بن صلاح ومن محاسنها عمارة مسجد الأبهر بصنعاء. وقبة دادية من عمارة بعض أمراء الأتراك، ولها أوقاف جليلة في بلاد خبان. ومسجد الويس ومسجد السيد صلاح ومسجد الربوع ومسجد عمرو ومسجد الشيخ ومسجد فرح ومسجد عبيلة ومسجد الصديق ومسجد دريب وإليه تنسب عقبة دريب وهي عبارة عن ثنتين درج.
وبذمار حمامان وتنقسم ذمار إلى ثلاث محلات: الحوطة والجراجيش والمحل والسوق في وسط المدينة بين الثلاث المحلات وحوله سماسر ينزلها المسافرون ودوابهم.
وممن نسب إلى ذمار: ربيعة بن الحسن بن علي الحافظ المحدث الرحال اللغوي أبو نزار الحضرمي الصنعاني الذماري الشافعي ولد في شبام حضرموت توفي سنة تسع وستمائة..ومن مشاهير البيوت في ذمار: بنو الوريث، وبنو الكاظمي، وبنو الدولة، وبنو المهدي (وكلهم من ذرية الإمام القاسم بن محمد علي)، ثم بنو السوسوه (من ولد العلامة أحمد بن محمد الشرفي مصنف كتاب "شرح الأساس" في الفقه)، وبيت الديلمي (من ولد الإمام أبي الفتح الديلمي المتوفي سنة 440هـ، وهم نحو أربعين بيتاً)، وبيت الحوثي (من أولاد الإمام ابن حمزة)، وبنو مُطَهَّر (من ولد الإمام المطهر بن محمد بن سليمان)، وبنو العنسي (من مذحج، وهم بيوت عديدة)، وبنو الأكوع (من حمير)، وبيت العيزري،وغيرهم الكثير...
من أبرز أعلام ذمار
ذمار بشكل عام والمدينة بشكل خاص تشتهر بمدينة العلم والعلماء، فأعلام ذمار كثيرون لم يقتصر وجودهم على فترة تاريخية محددة، بل على مدى العصور والأزمان.. ونحن هنا وبقدر المجال والمساحة المحددة لنا في صحيفة الثورة الغراء، سأورد بعضاً من هؤلاء الأعلام على سبيل المثال لا الحصر، ومنهم:
- عبدالله بن يحيى الديلمي: ولد السيد العلامة الشاعر عبدالله بن يحيى بن عبدالله الديلمي في مدينة ذمار في عام 1334هـ 1913م وقد نشأ يتيماً وعاش مع أخويه الأكبر والأوسط في بيت بسيط يشتهر بالعلم والأدب ومكارم الأخلاق وقد تلقى تعليمه في المدرسة الشمسية التي كانت في ذلك الوقت محطاً للعلماء وطلاب العلم الوافدين إليها من كل حدب وصوب حيث تلقى فيها العلوم الشرعية في شرح الأزهار والفرائض الشرعية وعلوم النحو والصرف والمعاني والبيبان وغيرها وقد قرأ للكثير من شعراء وأدباء العربية قديماً وحديثاً إضافة إلى أنه حفظ الكثير من الأشعار والجدير بالذكر أنه تتلمذ على يد العديد من العلماء الأفذاذ آنذاك أمثال القاضي العلامة أحمد محمد الأكوع والقاضي علي بن حسين الأكوع والسيد العلامة الشاعر أحمد عبدالوهاب الوريث وغيرهم. وله الكثير من الشعر ومنها (ملحمة السبعين "قيلت هذه القصيدة بعد حرب السبعين يوماً")، نورد منها الأبيات التالية:
تحية النهدين لصنعاء
أيه (صنعاء) يا عروس الجبال

ومقر العباقر الأبطال

أنت نور الوجود شع على الكون

علوماً مدى العصور الخوالي

نشأ الفكر بين حضنيك سمحاً

فتسامت مصانع العمال

صانك الله كم تعرضت دوماً

للعوادي وجحفل الأهوالِ

ووقاكِ من فتنة شنها العادون في

شر ما رأته الليالي

فاشكري من أحاط ناحيك حسناً

بالرواسي وعاليات التلال

جبل نقم يخاطب صنعاء:
من أراك السبعين يوماً صموداً

وقياماً بواجبات النضال

من حما أرضك الحبيبة عزاً

إذ رمتك الأحداث بالأثقال

أصحيح عيبان خانك ذوداً

وتلقى الغزاة بالإجلال

وأنبرا يرسل القذائف ناراً

من حميم الدانات والزلزال

وتهاديت للعلا بثبات

وفديناك بالدماء الغوالي

صنعاء تخاطب جبل نقم:
أنت طودي ولا أرى عيبان

ذلك إلا مراوغاً خواناً

كنتُ معتزةً بانكما الحصنان

لي قد خلقتما صنوانا

فإذا باللهيب يقذفه عيبان

نحوي ويشعل النيرانا

جار حرباً سبعين يوماً تباعاً

وأراني داناته ألوانا

ولعمري لولا دفاعك عني

كان عيبان خاط لي أكفانا

تدفعان العدوان عني ذوداً

وترداه خاسئاً ومهاناً

قومي الصيد الأشاوس طراً

لا يزالوا يهدونك الشكرانا

- عبدالله محمد بن يحيى بن محسن العيزري: عالم محقق في الفقه وعلوم العربية والتفسير، وعلم السنة، مع معرفة بتاريخ الإسلام بعامة وتاريخ اليمن بخاصة، ولاسيما تاريخها الحديث الذي كان أحد شهوده أو راويه عن شهوده الذين شاركوا في صنعه. بل كان أحد صانعيه، فقد كان داعية للإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين... مولده في ضوران في شهر ربيع الأول سنة 1278هـ وفاته في ذمار ليلة الجمعة 15 رمضان 1364هـ...
- القاضي العلامة يحيى بن يحيى بن يحيى العنسي: العميد، فقيه البيئة الزراعية في اليمن، الفلكي والخبير الوطني الغيور على وطنه، الذي دافع عن الثورة اليمنية في الأعوام الأولى من قيامها، ولد في 24ذي الحجة 1367هـ الموافق 27 أكتوبر1928م في مدينة ذمار التي اشتهرت بالعلماء والأدباء والشعراء، ولا سيما القضاة من آل العنسي، وهو سليل أسرة من العلماء توارثوا العلم والفقه لعدة قرون، درس وترعرع في مدينة ذمار، ثم التحق بالسلك العسكري، وتحصل على بكالوريوس في العلوم العسكرية من الكلية الحربية التي تخرج منها سنة1967م.  وهو من الباحثين المبدعين والمجددين في أبحاثهم، صاحب همة عالية شغوف بالعلم والمعرفة، فبرز في علم الفلك والعلوم الزراعية، وقد تماهى في حب اليمن وأرضها وفضائها، وألف مؤلفات في مجالات الفلك والزراعة في اليمن فبَهر بها كل من أطلع عليها، ولفت بها أنظار مراكز الدراسات اليمنية والغربية والأمريكية في اليمن، فتبنت هذه المراكز طباعة كتبه، منها: (الدائرة الفلكية الزراعية لليمن، طبعتها مركز الدراسات اليمني، ثم أعادت طباعتها المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (G.T.Z)). كتاب (المعالم الزراعية في اليمن)، طبع عام 1998م، على نفقة المركز الفرنسي للدراسات اليمنية، والمعهد الأمريكي للدراسات اليمنية. كتاب (المواقيت الزراعية في اليمن)، في أقوال علي ولد زايد والحميد بن منصور، طبع عام 2003م، طبعه المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية والمعهد الأمريكي للدراسات اليمنية. وتعتبر الدائرة الفلكية الزراعية لليمن، الصادرة عام 1979م، أول عمل علمي جاد يقوم على أبحاث ميدانية، حيث تنقل العلامة يحيى العنسي عند إعدادها بين محافظات الجمهورية لجمع الأمثال الزراعية اليمنية ونظراً لارتباط علم الفلك بالأمثال الزراعية فقد قام يدراسة وتحليل الأمثال الشعبية اليمنية والمقارنة بين الأمثال الزراعية اليمنية وعلم الفلك ومواقيت مواسم الرياح والأمطار حسب الفصول الأربعة المعروفة. قال عنها السيد (فرانك) مدير المركز الفرنسي للدراسات اليمنية: أن الدائرة الفلكية الزراعية في اليمن هي موسوعة حقيقية للمعرفة الزراعية التقليدية في اليمن.
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (برهان البرهان الرائض في الجبر والحساب والخطأين والأقدار والفرائض/ تأليف العلامة برهان الدين إبراهيم بن عمر البجلي/ تحقيق محمد بن محمد بن عبدالله العرشي)، (أول رحلة فرنسية إلى العربية السعيدة/ تأليف جان دي لاروك/ ترجمة منير عربش/ تقديم توميسلاف كلاريك/ من إصدارات وزراة الثقافة والسياحة 2004م)، (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (معجم البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (تاريخ مدينة صنعاء/ للرازي/ تحقيق د.حسين العمري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)،  (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (مجلة الحكمة اليمانية 1938 – 1941م وحركة الإصلاح في اليمن "دراسة ومقالات"/ تأليف د.سيد مصطفى سالم/ جمع المقالات علي أحمد أبو الرجال/ إصدارات وزارة الثقافة والسياحة 2004م).
alarachi2012@yahoo.com

محافظة ذمار



الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
محافظة ذمار موطن الملك ذمار علي، ومعجزة الإبداع في الري
الحلقة الأولى

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم، وبالذات أبنائي الشباب الذين يرغبون في الإطلاع على الجوانب السياحية والجغرافية والثقافية في بلادنا.. أقدم لكم الحلقة الأولى عن محافظة ذمار بعد أن قدمت لكم سبع حلقات عن الجوانب السياحية والجغرافية والثقافية في محافظة عدن (ثغر اليمن الباسم)، وقد يستغرب القارئ الكريم بأنني قد نشرت بعض حلقات عن محافظة ذمار في العام 2013م وفي ذلك التاريخ كانت المعلومات شحيحة بالنسبة لي، وفي هذه الحلقة أقدم لك كما عودتكم علماًً من أعلام اليمن وهو المرحوم أحمد عبدالوهاب الوريث، الذي كان يمكن أن يكون خليفة لجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ورشيد رضا، إلا أنه توفي وعمره لا يتجاوز السابعة والعشرون على أرجح الأقوال، ومن خلال مقالاته الثمانية التي وردت في كتاب (مجلة الحكمة) للدكتور سيد مصطفى سالم – أطال الله عمره، والذي جمع مقالات مجلة الحكمة هو القاضي علي أحمد أبو الرجال – أطال الله عمره، وهذا الكتاب هو من إصدار وزارة الثقافة والسياحة، والمقالات الثمانية للمرحوم الوريث التي وردت في مجلة الحكمة التي تؤيد ما ذهبنا إليه بأنه كان يمكن أن يكون أحد رواد الإصلاح في العالم الإسلامية عموماً، لولا أن المنية اخترمته وهو في العشرينيات من عمره، والمقالات هي: (حالة العرب قبل الإسلام وبعده.. ماضي المسلمين وحاضرهم "كيف يستعيد المسلمون سيرتهم الأولى") ووزع مقالاته الثمانية على هذا العنوان العريض..
والمرحوم أحمد عبدالوهاب الوريث ولد ونشأ في مدينة ذمار الواقعة جنوب صنعاء، وكان مولده في شهر رمضان سنة 1331هـ ووفاته عام 1359هـ  ونشأ بها في حجر والده، ودرس على يده كثيراً من العلوم المتداولة في عصره، كما درس على أيدي مشائخ أخرين. وقد نبغ بامتياز يشهد له من مشائخه وزملائه، وامتاز بقلمه وفكره ونضاله والتزامه صراحة الحق، كما امتاز عن زملائه ومشائخه أيضاً بثاقب الفكر ونصاعة البيان..
وعند وفاة علمنا المرحوم/ أحمد عبدالوهاب الوريث، رثاه العديد من القادة والعلماء والشعراء، ومنهم القاضي عبدالله عبدالوهاب الشماحي في قصيدته التي اشتهر فيها هذا البيت:
قبل الثلاثين بدر الشعب قد أفلا

يا للمنية ما أبقت لنا أملا

ورثاه كذلك الشاعر المرحوم زيد الموشكي، بقوله:
صاحب الحكمة أودى

فاسهري يا عين وجدا

هذه صنعاء تنادي

مصر للنوح ونجدا

والعراق الفذ كادت

نفسه تزهق وجدا|

ونرى الشام عليه

أسفاً يلطم خدا

وقد رثاه الإمام المرحوم/ أحمد بن يحيى محمد حميد الدين (ولي العهد آنذاك) في قصيدة نورد منها الأبيات التالية:
قل للبلاغة والأداب في اليمن الميـ

ـمون تبكي الذي عنها قد ارتحلا

تبكي الوقار وتبكي الفضل أجمعه

والصالحات وتبكي العلم والعملَ

ولتبكه (الحكمة) الغرا لابسة

ثوب الحداد ولا تصغي لمن عذلا

ومن أراد معرفة المزيد عن حياة الوريث فعليه الإطلاع على كتاب (مجلة الحكمة)، والدراسة الرصينة الموسعة للدكتور سيد مصطفى سالم – أطال الله عمره – عن الوريث وعصره..
محافظة ذمار
تقع محافظة ذمار إلى جنوب العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحوالي (100) كيلو متر، حيث تقع بين خطي عرض 14ْ،15ْ شمالاً و بين خطي طول (43.30)،(44.50) وتتصل المحافظة بمحافظة  صنعاء من الشمال، ومحافظة إب من الجنوب، ومحافظتا البيضاء وصنعاء (جزء منها) من الشرق، ومحافظة الحديدة و محافظة صنعاء (جزء منها) من الغرب. وتبلغ مساحة المحافظة حوالي (7.586) كم2. وتتكون من (12) مديرية، وعاصمة المحافظة هي مدينة ذمار، ومن أهم مدن محافظة ذمار معبر ومدينة الشرق. ويبلغ عدد سكان محافظة ذمار (1.330.108) نسمه وذلك وفقاً لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م، ويبلغ معدل النمو السكاني بالمحافظة (3.04%)، ويتوزع السكان بصورة مختلفة ومتباينة في مختلف أنحاء المحافظة، وذلك لعدة عوامل طبيعية واقتصادية هي المتحكمة في الكثافة السكانية والتواجد السكاني، وتتركز الكثافة السكانية في المرتفعات الغربية وتحديداً في مديريات عتمة، ووصاب العالي، ومغرب عنس، وتتركز الكثافة السكانية المتوسطة في مديريات وصاب السافل، جهران، عنس، جبل الشرق.. وتمثل مديريتا ضوران والحداء الأقل كثافة مقارنة ببقية مديريات المحافظة.
وذكر الحجري في كتابه (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) أن بلاد ذمار واسعة تتصل بها من شماليها ناحية جهران وبلاد آنس، ومن شرقيها بلاد الحدا وبلاد رداع، ومن جنوبيها بلا خُبان وبلاد يريم ومن غربيها بلاد وصاب وعتمة وبعض بلاد آنس.. وجامع ذمار من المساجد القديمة عمر بعد جامع صنعاء وقبل مسجد الجند حكاه الرازي في تاريخ صنعاء.
وقد أورد ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) ذمار بكسر أوله وفتحه وبناؤه على الكسر وإجراؤه على إعراب ما لا ينصرف، والذمار ما وراء الرجل مما يحقُّ عليه أن يحميه فيقال: فلان حامي الذمار بالكسر والفتح مثل نزال بمعنى أنزل وكذلك ذمار أي احفظ ذمارك. قال البخاري: هو اسم قرية باليمن على مرحلتين من صنعاء ينسب إليها نفر من أهل العلم..
ومحافظة ذمار مليئة بالمواقع الأثرية والتاريخية والسياحية والعلاجية، كما تشتهر وتتميز بتراثها وموروثها الشعبي، فهي قبلة لعشاق السفر والسياحة والعلاج في حماماتها المعدنية المشهورة، وكما أشتهرت بتراثها وآثارها فقد اشتهرت أيضاً بعلمائها ومفكريها ومبدعيها في كافة مجالات المعرفة، فقد تخرج منها الكثير من رجال اليمن الأحرار المناضلين في سبيل الحرية والمساواة والعدالة، والكثير من العلماء الذين نشروا العلم في مختلف مناطق اليمن والأمة العربية بل وفي العالم كذلك..
وتتميز المحافظة بتنوع تضاريسها ما بين سلاسل جبلية وسهول وقيعان على امتداد مساحة مديرياتها، حيث ترتفع المحافظة عن سطح البحر (1600 – 3200م) وتتوزع تضاريسها ما بين جبال عالية تتخللها الأودية، وهضاب وقيعان فسيحة، أشهر الجبال هي: إسبيل، اللسي، جبل ضوران، وجبال وصابين وعتمة، ويتوسط المحافظة قاع جهران أكبر وأوسع قيعان الهضاب اليمنية..  كما تتميز بمناخها المعتدل عموماً والذي يميل إلى البرودة شتاءً في وسطها وأجزائها الشرقية، ويسود المناخ المعتدل الدافئ مناطق الوديان والمنحدرات الغربية.
يعتمد سكان محافظة ذمار في معيشتهم بشكل أساسي على النشاط الزراعي، وقد أكدت الدراسات الأثرية وجود نشاط زراعي في محافظة ذمار منذ (7000) سنة، وذلك من خلال تحليل إرسابات التربة في العديد من مناطق المحافظة، وقد امتهن أبناء محافظة ذمار الزراعة كحرفة أساسية وكمصدر رئيسي للرزق والعيش، وقد ساعدهم في ذلك تنوع التضاريس في المحافظة، بين قيعان وهضاب ومنحدرات وأودية، وساعد هذا التنوع في التضاريس إلى التنوع في المحاصيل الزراعية، وتذكر بعض المراجع أن المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة تقدر بنحو 8ر2 مليون فدان، وهي غير مستغلة كاملةً، ومعظم هذه المساحة تستغل في زراعة المحاصيل النقدية مثل الذرة والقمح إلى جانب المحاصيل البستانية من الخضار والفاكهة، يتم تسويقها إلى المحافظات الأخرى وبعض الدول المجاورة. وتشتهر محافظة ذمار بزراعة البن في المناطق الغربية منها، مثل آنس ومغرب عنس وعتمة لتوفر المناخ المناسب لزراعته في مثل هذه المناطق وبكميات تجارية، وهو بن يتميز بالجودة العالية خاصة البن المعروف باسم (البن الفضلي) الذي يُعد من أجود أنواع البن اليمني. وإضافة إلى النشاط الزراعي يشتغل بعض السكان مهنة رعي الأغنام والماعز وكذا الإبل، كما اشتهرت المحافظة بتربية الخيول العربية الأصيلة.. وتشتهر محافظة ذمار بالحرف التقليدية التي يمارسها السكان إلى جانب الزراعة والرعي؛ منها صناعة وحياكة المنسوجات بمختلف أنواعها، وكذا صناعة الأواني النحاسية والأواني الفخارية بأحجام مختلفة، مثل أواني الطبخ وحفظ المياه وغيرها، ولا تزال صناعة الحلي والمجوهرات الفضية التقليدية تمارس في عدد من المناطق إلى جانب صناعة الخناجر (الجنابي، والنِّصَال). ومن الأعمال المهمة في المحافظة أيضاً، استخراج الأحجار المستعملة في البناء، إذ تنتشر في عموم مناطق المحافظة مقالع الأحجار ذات المواصفات العالية، ويتم تسويقها إلى العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية. ويمثل استخراج وصناعة العقيق وتشكيله أحد الأنشطة الحرفية المستمرة منذ ألاف السنين حتى اليوم، وأهم مناطق استخراج العقيق هما: منطقة ضوران آنس ومنطقة يعر عنس غرب مدينة ذمار، إذ يعد العقيق المستخرج منهما من أجود أنواع العقيق وأكثرها شهرة، وتلقى رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية وأسواق الدول المجاورة. وقد تم اكتشاف عدد من المعادن الصناعية المهمة مثل : الحجر الجيري، والجبس، والزيولايت، والبيوميس، والملح الصخري والفلدسبار، والكوارتز، والاسكوريا، والاطيان الصناعية، والرمال السيليكاتية والتي توجد بكميات ونوعيات جيدة.
محافظة ذمار تاريخياً
تأكد الدراسات العلمية الحديثة أن محافظة ذمار تواجد فيها نشاط إنساني منذ العصر الحجري القديم الأعلى في الألف السادس قبل الميلاد، وتوالى النشاط الإنساني في العصور التالية حتى العصر البرونزي الذي يعد أهم وأبرز معالمه في المحافظة هو موقع حمة القاع – 10كم – شرق مدينة معبر، وذلك على مستوى الجزيرة العربية. ومن خلال المواقع الأثرية المكتشفة في محافظة ذمار تشير إلى أن العصر الكتابي في اليمن بدأ ما بين القرنين الثاني عشر والعاشر قبل الميلاد، ومن هذه المواقع المكتشفة موقع الشٍّعب الأسود ومصنعة مارية. وظهر الريدانيون في القرن الثاني قبل الميلاد في ظفار الواقعة إلى الجنوب من مدينة ذمار بحوالي (50)كم تقريباً، والذين اعتمدوا على جموع القبائل الحميرية في صراعهم مع الدولة السبئية، وصارت مناطق محافظة ذمار هي العمق الاستراتيجي للريدانيين. ومنذ القرن الثاني الميلادي صار نقيل يسلح – (50 كم) شمال مدينة ذمار - هو الحد الفاصل بين السبئيين والريدانيين بزعامة الملك ياسر يهصدق.
وبعد صراع طويل تمكن الريدانيون بزعامة الملك ياسر يهنعم وابنه شمر يهرعش من حسم الصراع لمصلحتهم وبالتالي مد نفوذهم إلى العاصمة السبئية مأرب وكافة المناطق التابعة لها، وكان ذلك في حوالي سنة (270م)، الأمر الذي أدى إلى استقرار الأوضاع في اليمن عامة وفي مناطق محافظة ذمار خاصة، ولم تمض سوى سنوات حتى سقطت مملكة حضرموت بيد القوات التي أرسلها الملك الريداني شمر يهرعش في حوالي سنة (293م) وبذلك تم توحيد اليمن بالجملة، وبدأ عصر جديد شهدت فيه مناطق محافظة ذمار ازدهاراً كبيراً تمثل في إعادة بناء المدن والمراكز الحضارية وما يرافقها من قصور ومعابد وأسوار حصينة، إلى جانب المنشآت المائية الضخمة كالسدود والأنفاق والحواجز وغيرها، واستمر ذلك الازدهار حتى سقوط اليمن بيد الأحباش، الذين دمروا معظم الحواضر والمدن الحميرية وخاصة في محافظة ذمار، ويعد اكتشاف تمثالي ذمار علي يهبر وابنه ثأران يهنعم في منطقة النخلة الحمراء دليلاً على المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغته اليمن في عهديهما. وعند ظهر الإسلام كانت قبائل ذمار سباقة إلى اعتناق الإسلام وقد خرجت أفواج من أبنائها لتوطيد أركان الدين الجديد والجهاد في سبيل الله. أما في عصر الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية فكانت مناطق محافظة ذمار محل اهتمام القوى المتنافسة، الأمر الذي أدى إلى أن تشهد ذمار فترات من الازدهار خاصة في عهد الإمام شرف الدين الذي شيد بين عامي (947–949 هـ) المدرسة الشمسية في مدينة ذمار، والتي صارت مركز إشعاع علمي وثقافي لعدة قرون. وفي فترة التواجد العثمانيين في اليمن وفي القرن السادس عشر الميلادي تحديداً كانت محافظة ذمار أحد مراكز المقاومة اليمنية ضدهم، وكللت تلك المقاومة بطرد العثمانيين على يد الأسرة القاسمية والتي اتخذت من مدينة ضوران شمال غرب مدينة ذمار عاصمة لها. وكما هو حال بقية المحافظات اليمنية، عانت محافظة ذمار من تدهور شديد في كافة المجالات خلال فترة الاحتلال العثماني الثاني لليمن.. ومنذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م شهدت محافظة ذمار نهضة علمية وثقافية وعمرانية كبيرة، وتعززت نهضة المحافظة بتحقيق الوحدة اليمنية..
أهم المعالم الأثرية والتاريخية والحضارية في محافظة ذمار
تمتلك محافظة ذمار مقومات سياحية متنوعة وعلى مستوى عالمي، وخاصة السياحة التاريخية والأثرية، فقد تم اكتشاف أكثر من (500) موقع أثري داخل محافظة ذمار ولا يزال الرقم يتصاعد كل يوم، وتغطي آثار محافظة ذمار كافة المراحل التاريخية، وتتنوع ما بين مدن حميرية كاملة، وسدود ومنشآت زراعية قائمة إلى الآن، إلى جانب عدد كبير من المساجد الأثرية، وهجر العلم، والحصون والقلاع العالية شيِّدت في العصر الإسلامي على أنقاض حصون وقلاع حميرية غالباً.
ومنها:
- حصن هران: يقع حصن هران إلى الشمال من مدينة ذمار بحوالي 2كم تقريباً، يعتلي الحصن فوق تل صخري ومرتفعات من المسكوبات البازلتية يحيط به منخفض ذمار المكون من قيعان صغيرة نسبياً تفصلها أرض مرتفعة مثل بلسان وقاع جهران قرب معبر وقاع عراظ أو عراد شرقي ذمار وقاع شرع إلى جنوبها. لذلك يتضح أن الحصن يشرف على مدينة ذمار وعدة وديان مما يسهل معه سرعة الاتصال به بل وتزويده مما يسهل معه سرعة الاتصال به بل وتزويده بالمواد الغذائية اللازمة وتخزينها لوقت الحاجة، وتوجد أسماء أماكن تحمل اسم هران منها هران بلد ووادي من بلاد بكيل في ناحية ذيبين وهران سد حميري في حقل بلاد يريم، وقد ورد اسم هران في النقوش اليمنية القديمة تحمل اسم وادي ثم اسم مبنى أو برج. وحصن هران يعتبر معقلاً هاماً يشرف على مدينة ذمار، حيث يعود بنائه أو تحصينه منذ فترة دولة سبأ وذو ريدان عندما ظهرت مدينة ذمار، والبقايا الأثرية للحصن في الوقت الحاضر لا تسعف كثيراً في إثبات هذا الخبر، والتي ربما تعرضت للإزالة أو الهدم بسبب تكرار الحوادث التاريخية التي دارت فيه. وتكوينات الحصن بصورة عامة هو وجود شبه بوابة تفتح إلى الجنوب، وقد كان لانقطاع السور الخارجي وبقايا الأجزاء السفلية منه وتهدم الأبراج الملتصقة به ما يحجب الرؤية أو التصور لأهم الأجزاء المعمارية، كما يوجد سور داخلي مبني من الطين اللبن أو الزابور ثم وجود سلالم حجرية وبقايا برك مقضضة ووجود بقايا أساسات مباني داخل الحصن، كما توجد مقابر وكهوف صخرية. وبصورة تفصيلية فإن الصعود إلى الحصن من جهة الجنوب حيث الطريق القديم الذي كان يؤدي من مدينة ذمار، ينتهي بالبوابة وهي ليست موجودة حالياً سوى الانقطاع الصخري الواقع إلى اليسار وأول ما يصادف المرء هو وجود سور الطين أو الزابور الممتد من الشمال إلى الجنوب بخط مستقيم يقطعه في المنتصف برج نصف دائري تهدم منه جزء كبير، وينقطع السور إلى الشمال قرب بداية السلالم الحجرية.. وتأتي أهمية حصن هران التاريخية من حيث موقعه الهام شمال مدينة ذمار ولم توجد إشارة تاريخية تذكر الفترة الزمنية التي أقيم فيها الحصن وهو ما يجدر البحث عنه في نقوش خط المسند. أما المصادر التاريخية الإسلامية فإنها قد حوت الكثير من الأخبار عما جرى من الأحداث التي توالت على هذا الحصن عبر قرون طويلة. ومن هذه الأخبار وجود قبيلة (جنب) سكنت في الحصن وكانت تقوم بالطفاع عنه والتصدي للهجمات التي كان يتعرض لها. ولا زالت تذكر قبيلة جنب من القرون الأولى للهجرة حتى نهاية القرن التاسع الهجري، حيث انتقلت إلى مغرب عنس وقد سميت بعد انتقالهم إليها بمخلاف الجنبيين. وأول إشارة تاريخية في سنة 292هـ عندما سار على ابن الفضل إلى ذمار فوجد جيشاً عظيماً في هران من أصحاب الحوالي، ثم كتب علي بن الفضل إلى صاحب هران واستماله حتى والاه، وصاحب هران هو إشارة إلى قبيلة جنب التي وصفت أنها قبيلة عاتية، حينها كان عيسى بن معان اليافعي والياً على ذمار من قبل بن أبي يعفر وكان علي بن الفضل قد قام بنشر المذهب الإسماعيلي في اليمن ومعه منصور الحوشبي، وفي إشارة تاريخية أخرى بعد فترة زمنية وبالتحديد في سنة 418هـ تذكر أنه سار عبدالمؤمن بن أسعد بن أبي الفتوح إلى إلهان فتلقته عنس ومن إليهم إلى ضاف فلبث فيه سبعة أيام ثم توجه إلى ذمار وأمر بعمارة حصن هران وهذا يشير إلى إعادة تعمير الحصن في هذه الفترة على يد عبدالمؤمن بن أسعد بن أبي الفتوح، وربما كان قد لحق خراب أو تهديم بالحصن. وهناك الكثير من الإشارات التاريخية الأخرى التي لا يتسع المجال هنا لإيرادها..
- متحف ذمار الإقليمي: وهو المتحف الرئيسي في المحافظة، شيد في منطقة هران شمال مدينة ذمار سنة 2002م، ويحتوي على عدة صالات للعرض المتحفي، منها صالة للآثار القديمة مما عثر عليه في مناطق مختلفة من المحافظة، أو من خلال الحفريات الآثارية، وقاعة أخرى للآثار الإسلامية أهم محتوياتها منبر الجامع الكبير بذمار، والثالثة لعرض نماذج من الموروث الشعبي في المحافظة.
- متحف بينون:في عزلة ثوبان مديرية الحداء أنشئ سنة 1990م، وتمت توسعته في 2003م، المبنى الرئيسي للمتحف يضم بداخله مجموعة كبيرة من القطع الأثرية، مصدرها مدينة بينون ومناطق أخرى في مديرية الحداء، أما المبنى الآخر فقد خصص لعرض نماذج من الموروث الشعبي لمديرية الحداء مثل الأزياء والحلي والصناعات الحرفية وأدوات العمل الزراعي وغير ذلك.
- متحف الآثار التعليمي بجامعة ذمار: افتتح في 2006م، وموقعه جوار قاعة المؤتمرات داخل حرم جامعة ذمار، والغرض من إنشائه أن يكون متحفاً تعليمياً لطلاب قسم الآثار، يحتوي المتحف على عدد من القطع الأثرية المهمة تتنوع ما بين رؤوس سهام وتماثيل، ونقوش كتابية بخط المسند، وخط الزبور، وأواني، فخارية بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من العملات الفضية والنحاسية تعود إلى العصر السبئي والعصر الحميري وكذا العصر الإسلامي، تم اقتناؤها من عدة محافظات.
- الحمامات المعدنية: ومن مميزات محافظة ذمار السياحية وجود عدد من الحمامات المعدنية الطبيعية الساخنة التي تستعمل لأغراض علاجية، إذ يوجد نوعان من الحمامات المعدنية، الأول: هو حمامات جبل اللسي شرق مدينة ذمار بجوار خربة أفيق ، وحماماته عبارة عن كهوف تنبعث منها أبخرة كبريتية حارة، تستعمل في علاج الأمراض الجلدية والروماتيزم، ومثله حمام جبل اسبيل المجاور، والنوع الثاني يتمثل في عدد من حمامات المياه المعدنية منها حمام علي شمال غرب مدينة ذمار ويتميز عن النوع الأول بوجود مياه كبريتية ساخنة تخرج من باطن الأرض، والى جانب حمام علي هناك عدد من الحمامات الكبريتية الساخنة المماثلة موزعة في مديريات المحافظة يقصدها الناس لعلاج بعض الأمراض المستعصية وخاصة الأمراض الجلدية والروماتيزم وهناك من يشرب الماء لعلاج من عدد من الأمراض الباطنية.
- المدرسة الشمسية: في ذمار، في حي الجراجيش. بناها الإمام شرف الدين في شهر رمضان سنة 947هـ، وقد سميت بالشمسية نسبة إلى الأمير شمس الدين أحد أبنائه، وربما إنه هو الذي أشرف على عمارتها في عهد والده، وقد بنى المطاهير والمنارة وحفر البئر الوالي العثماني محمد علي باشا سنة 1155هـ.. وكان بها مكتبة نفيسة موقوفة عليها من العلماء لكن بعض من لا خير فيه من علماء ذمار كانوا يستعيرونها، ولا يعيدونها، وتوجد بقية من هذه المكتبة لدى ناظر أوقاف ذمار القاضي حمود بن عبدالله الظرافي، وذكر صاحب مطلع الأقمار ما لفظه: وقد دخل أبو فارغ صاحب وادعة إلى ذمار سنة 1150هـ على رأس مجموعة من أصحابه، فانتهبوا أسواق ذمار، ودخل بحميره إلى المدرسة وانتهب فراشها وكتبها".  وكانت هذه المدرسة إلى بضع عشرة سنة خلت صرحاً من صروح العلم، فقد كانت أشبه ما تكون بخلية النحل لكثرة طلبة العلم الدارسين بها الذين يفدون إليها في موسم الدراسة من كل عام من شتى المناطق عدا الطلاب من المدينة نفسها ومن نواحيها. وكان طلاب العلم الوافدون إلى ذمار المعروفون بالمهاجرين يقيمون في المنازل (جمع منزلة) الملحقة بالمدرسة. الشمسية، والمحيطة بها من جميع جهاتها، وكان بعض هذه المنازل معروفة بأسماء أسر تتوارث الإقامة..
- جامعة ذمار : أكبر المؤسسات التعليمية في المحافظة، أنشئت عام 1996م، مقرها الرئيسي في مدينة ذمار عاصمة المحافظة، ولها فرعان في محافظة البيضاء الأول في مدينة البيضاء والثاني في مدينة رداع. تتكون الجامعة من ثلاث عشرة كلية علمية إلى جانب عدد من المعاهد النوعية المتخصصة. ومنذ نشؤها تعمل الجامعة على رفع المستوى العلمي والثقافي والفكري في محافظة ذمار والمحافظات المجاورة. ويوجد في ذمار العديد من مراكز البحث العلمي وكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية والصناعية والطبية ومعاهد اللغات والكمبيوتر الحكومية والاهلية إضافة إلى المدارس الثانوية والأساسية.
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (صنعاء الحضارة/الجزء الأول/ من منشورات جامعة صنعاء)، (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (معجم البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (تاريخ مدينة صنعاء/ للرازي/ تحقيق د.حسين العمري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(رواد التنوير في مدرسة الحكمة اليمانية، إسماعيل محمد حسن الوريث/مركز الدراسات والبحوث اليمني)، (سفينة موجودة لدى الكاتب)، (مجلة الإكليل العددان الثاني في السنة الخامسة 1987م والأول في السنة السادسة 1988م/ مقال عن هران بذمار لمحمد عبدالله باسلامه، ومقال عن منبر خشبي نادر في الجامع الكبير بذمار للدكتور ربيع حامد خليفة)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (مجلة الحكمة اليمانية 1938 – 1941م وحركة الإصلاح في اليمن "دراسة ومقالات"/ تأليف د.سيد مصطفى سالم/ جمع المقالات علي أحمد أبو الرجال/ إصدارات وزارة الثقافة والسياحة 2004م)، (سفينة العمراني معارف ولطائف/ أعدها السفير عبدالرزاق محمد العمراني مما سمعه وتلقاه من والده فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني شفاه الله وعافاه/ مراجعة د. عبدالرحمن محمد العمراني/ دار النشر للجامعات صنعاء).
alarachi2012@yahoo.com