الجمعة، 31 يوليو 2015

بسم الله الرحمن الرحيم
الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عمران
مديرية ريدة
مسكن لسان اليمن المؤرخ الكبير الهمداني، صاحب الإكليل وصفة جزيرة العرب


إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. يسرني أن قدم إليك هذه الحلقة عن مديرية ريدة، ولا شك أن محافظة عمران تضم الكثير من الكنوز الحضارية من الحصون والقلاع والآثار، وكذا الكثير من العلماء الأعلام الذين شع نور علمهم على جميع أنحاء اليمن والعالم العربي، وتعدى ذلك إلى العالم الإسلامي، ومن خلال اطلاعنا على الحلقات السابقة عن الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عمران، نستنتج الحقائق التالية:
أولاً: أن اليمن كانت هي أحد مصادر الإشعاع الحضاري والفكري للحضارة الإسلامية قبل الإسلام وبعده.
ثانياً: أن اليمن كان منهجها هو الوسطية، وعلى مدى تاريخها الطويل، سواءً في عهد السلاطين أو الأئمة والملوك والرؤساء، وبالتالي نبغ منها علماء أثروا الفكر الإسلامي والعالمي منهم: العلامة المؤرخ الكبير الحسن بن أحمد الهمداني (280هـ – ما بين 350 و360هـ) مؤلف كتابي (الإكليل، صفة جزيرة العرب)، والعلامة محمد بن إبراهيم الوزير (775هـ –840هـ) صاحب كتاب (العواصم والقواصم)، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير(1171هـ –  1195هـ)، والعلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني (1173هـ – 1250هـ). وغيرهم من معظم المحافظات اليمنية.
ثالثاً: أن ما نستنتجه من التاريخ أن معظم من حكم اليمن عبر تاريخها الطويل، لم يستمر حكمهم إلا لأنهم حافظوا على الوحدة الوطنية، والنسيج الاجتماعي لليمن الموحد.
رابعاً: لن يحدث أي استقرار في أي مجتمع إلا إذا حدث توازن بين اندفاع الشباب، وبين حكمة الشيوخ، بحيث يكون بينهما توازن، ويكون اندفاع الشباب هو مصدر التغيير والتجدد، ويكون تأني الشيوخ هو مصدر الاستقرار ومصدر المحافظة على منجزات الشباب، وهذا ما تعلمناه من علم الاجتماع ومن علم التاريخ.
ريــــــدة
وردت ريدة في قواميس اللغة (لسان العرب لابن منظور، وشمس العلوم لنشوان الحميري) على النحو التالي: الرَّيد: حرف من حروف الجبل، وهو الحرف الناتئ منه. والرَّيدة: الريح اللينة، وريح ريدة ورادة وريدانة: لينة الهبوب. والرَّيدة اسم يوضع موضع الارتياد والإرادة.
وتقع مدينة ريدة شرق مدينة عمران على بعد (22كيلومتراً)، وريدة مركز قبيلة خارف من حاشد، وهي بلدة أثرية تكلم عنها الهمداني بأن بها قصر ويقول الهمداني وبعض المفسرين أنها المعنية بالآية الكريمة {وبئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مشيد}، وتشتهر مدينة ريدة بـ"ريدة البون" نسبة إلى "قاع البون" الذي تقع مدينة ريدة في شرقه، و(ريدة) اسم شهير فهناك كثيراً من المواضع تحمل نفس اسم ريدة خاصة في حضرموت.
وتشتهر ريده بواديها الذي يسمى باسمها (وادي ريدة) والذي يأتي من شرق حَمدَة، ومن رأس غُولَة عجيب، ويسير هذا الوادي بمسيلاته في مضيق ذيبين، إلى شُوَابه فوادي الجوف.
مديرية ريدة
وريدة إحدى مديريات محافظة عمران تقع إلى الشمال من العاصمة صنعاء على مسافة 70كم، وشمال شرق مدينة عمران بمسافة 22كم، يحدها من الشمال مديرية خمر، ومن الجنوب مديريتا: عيال سريح وجبل عيال يزيد، ومحافظة صنعاء (مديرية همدان)، ومن الشرق مديرية خارف، ومحافظة صنعاء (مديرية أرحب)، ومن الغرب مديريتا: جبل عيال يزيد، عيال سريح. وتبلغ مساحة المديرية 218كم2، حيث تضم هذه المديرية 39 قرية تشكل 4 عزل هي: حمده، ذيفان، ريدة، غولة عجيب. وبلغ عدد سكان المديرية 46814نسمة في التعداد العام للسكان والمساكن 2004م.
يعتبر اسم ريدة؛ اسم قديم أول ظهور له كان في النقوش اليمنية القديمة "ريدت"، وهي مدينة أنشأها السبئيون في مرحلة الاستيطان السبئي في القيعان، (قاع البون – قاع صنعاء – قاع جهـران)، وذلك في مطلع (القرن الأول الميلادي)، وكانت تقيم فيها قبيلة بكيل أرباع ذريدت، إلى جانب خليط من الناس الذين تعود أصولهم إلى نفس المنطقة. وكانت الإلهة (ذات بعدان) هي الإلهة الرسمية بمدينة ريدة، كما جاء في النقوش، ويحتمل وجود معبد خاص بها في خرائب المدينة القديمة، والإلهة (ذات بعدان) تدخل ضمن نطاق الآلهة السبئية التي عرفت عبادتها في معظم المناطق السبئية، وهو ما يؤكد أن المدينة أنشئت من قبل السبئيين. ويذكر "الهمداني" مدينة ريدة في كتابه "صفة جزيرة العرب" ويقول:(إنها من قرى همدان في نجدها، وبها البئر المعطلة والقصر المشيد وهو(تلفم)، وربما كان الأصح، كما هو في النقوش (تلقم)، أما أهم بقايا مدينة ريدة القديمة فهي تلك الخرائب التي تنتشر في شرق المدينة، وتشتمل على جبل ريدة الذي أشار إليه "الهمداني" إلى أنه يضم خرائب قصر تلقم في قمته، كما تنتشر على الأكمات المجاورة لمدينة ريدة العديد من الخرائب التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، خاصة بقايا الأعمدة الحجرية المزينة برسوم لعناصر مختلفة إلا أن الأهالي ـ حالياً ـ يقومون بنزع الأحجار القديمة من الخرائب لبناء منازل حديثة لهم، وسنستعرض هنا لخرائب قصر تلقم وهويته ثم سنلحقه بأسماء العلماء والباحثين الذين اشتغلوا في آثار مدينة ريدة أو زاروها فقط.
أبرز معالم مديرية ريدة
اشتهرت ريدة عبر العصور بمعالمها التاريخية، حيث يعتبر اسم ريدة قديماَ؛ كان أول ظهور له في النقوش اليمنية القديمة باسم "ريدت" المدينة التي أنشأها السبئيون في مرحلة الاستيطان السبئي في القيعان، (قاع البون – قاع صنعاء – قاع جهـران)، وذلك في مطلع (القرن الأول الميلادي)، وفي العصر الإسلامي اشتهرت مدينة ريدة بمعالمها الكثيرة، ومن أشهر وأبرز هذه المعالم، نورد الآتي:
1-     قصرا ناعط: لقد سبق أن ذكرنا بأن الهمداني حدد قصرين في ناعط، باسميهما قصر يعرق، وقصر ذي لعوة المكعب، إضافة إلى عشرين قصراً أخرى كبار، ونود هنا أن نصحح ما جاء عند الهمداني الذي يحدد بأن ذلكما القصرين كانا للملوك، وأن أسفلهما مبان خاصة لحاشية الملك، وفي الحقيقة – وبحسب ما جاء في النقوش القديمة التي عُر عليها في ناعط – فإن ذلكما القصران هما بناءان لمعبدين قديمين للآلهة التي كانت تعبد في ناعط، فالقصر الأول هو خاص بالإله (عثتر) – معبود قدماء اليمنيين – وهو المعبد الذي كان يسمى (ثنين). وهو الاسم الذي يطلق – أيضاً – على الجبل الذي تقع ناعط في قمته، أما المعبد الآخر فهو خاص بالإله (تالب ريام) وكان يسمى (حدثنين) وذلك كما جاء في النقوش القديمة، أما بقية القصور العشرين عند "الهمداني" فهي معابد للآلهة المحلية الصغيرة للقبائل التي كانت تستوطن ناعطاً وما جاورها، وتؤكد – أيضاً – صدق ما ذهبنا إليه تلك القطع الأثرية التي عُثر عليها في خرائب القصرين، فهي قطع تستخدم للأغراض الطقوسية داخل المعبد، وليست من القطع الأثرية التي توضع في المنازل، ونؤكد هنا بأن الملوك وخاصة – ملوك مملكة سبأ كانوا يديرون أمور الدولة من المعبد وليس من القصر، فقد كان المعبد يحتوي المجلس الإداري للدولة إلى جانب كونه مخصصاً للأغراض الدينية، واسم (ذي لعوة) الذي أطلقه "الهمداني" على أحد القصرين ظهر في النقوش كاسم لقبيلة كانت تستوطن ناعطاً، وليس كاسم لمعبد. وقد ورد في (كتاب نتائج المسح السياحي 1996-1999م) وهو من إصدارات الهيئة العامة للتنمية السياحية 1999م، أن الموقع الآثري أصبح عبارة عن خرائب مدمرة تماماً، ويوجد بقايا أعمدة أسطوانية متناثرة. وفي بعض رؤوسها تيجان مزخرفة وبقايا الأحجار القديمة وشظايا فخاريات، ولم يبق إلا عمودان صخريان قائمان على قواعد صخرية ضخمة مساحة الواحدة حوالي (4مترات)، وهذان العمودان بارتفاع (8مترات) وسمك (مترين)، لا يزالان شاهدين على عظمة تلك الحضارة، كما توجد بقايا صهاريج المياه المنحوتة في الصخر بعضها مدمر والبعض الآخر لازال يؤدي وظائفه في حجر المياه وبالذات صهريجان كبيران ما زالا صالحين للاستخدام، وبجانب الموقع استحدثت قرية صغيرة معظم أحجارها من الخرائب الأثرية تسمى عند الأهالي – قرية العصا – ينسبونها إلى عصا الملك الحميري "أسعد الكامل" كما يعتقدون. وعلى مسافة (ربع كم) من القرية يوجد مبنى يسمى قصر القصير بقمة الجبل، قوام بنائه أحجار البلق لا زال بحالة جيدة ومدخله في الجهة الجنوبية.
2-     قصر تلقم: لقد دار جدل طويل حول الاسم فيما إذا كان (تلفم) أو (تلقم) أو (تلثم) فقد ذكره "الهمداني" باسم (تلفم) في الجزء الثاني من الإكليل إلا أن النساخ لهذا الجزء من كتاب الإكليل قد نقلوه مرة (تلقم) ومرة أخرى (تلثم) ونقطة الخلاف تدور حول الحرف الثالث من الاسم فيما إذا كان (ف، أو ق، أو ث) ولكن ظهر اسم (تلقم) في النقوش اليمنية القديمة التي عُثر عليها في مدينة ريدة والمناطق المجاورة لها، وبذلك زال الشك في الاسم، وتلقم كما جاء في النقوش – وخاصة النقوش الموسومة بـ(RY.533,Nami.23,;RES.4193) – هو اسم لمدينة (هـ ج ر ن/ت أ ل ق م)، وهي مدينة مجاورة أو ملاصقة لمدينة ريدة كما يفهم من النقوش، وكان فيها معبد خاص بالإلهة (شمس) صاحبة معبد (تألقم)، وعليه فإن القصر الذي ذكره الهمداني ما هو إلا مبنى معبد الإلهة (شمس) والذي يحمل الاسم القديم (تألقم) وهو الذي تنتشر الآن أعمدته ونقوشه وأحجاره في أجزاء متفرقة من المدينة وبعضها الآخر استخدم في بناء المباني الحديثة، وقد أكد وجود المعبد بل المعبدين في مدينة ريدة العلماء والباحثون الذين زاروا ريدة وفي مقدمتهم المستشرق النمساوي (إدوارد جلازرـGlaser.E) الذي زارها في شهر ديسمبر من عام (1883م)، ونقل منها نقوشها كما قدم وصفاً لبقايا مبانيها القديمة، ثم زارها "يحيى خليل نامي" في سنة (1936م)، ونقل منها نقشين كانا يزينان أحد المباني في مدينة ريدة آنذاك، ثم زارها المستشرق (بارثوكس ـBarlhoux.j) في عامي (36 - 1937م)، ثم زارها المستشرق الروسي (جرياز نيفتش) في إبريل (1971م)، وأخيراً البعثة الأثرية الفرنسية (MAFRAY) في أكتوبر (1972م)، وهي التي أكدت أن في مدينة ريدة يوجد معبدان للآلهة القديمة هما معبد للإلهة (شمش) الذي سبق وأن ذكرنا بأن الهمداني سماه قصر(تلفم)، أما الآخر فهو معبد للإله (سمع) ولكن نتيجة للتوسع العمراني في مدينة ريدة لا يمكن تحديد موضعه بالضبط.
 كما يوجد الآن في مدينة ريدة مسجدها المشهور بجامع الحسين، وهو جامع بني بالكامل بأحجار أثرية من خرائب المدينة القديمة وفيه قبر الإمام "المهدي الحسين بن القاسم" المتوفى في سنة (404هجرية).
3-     ناعـط ـ قرية العصا: قرية من قرى مديرية ريدة، تقع في بلاد خارف من حاشد شرق مدينة عمران وتبعد عنها حوالي (12كيلومتراً) تقريباً، وتبعد عن مدينة ريدة حوالي (20كم) إلى الجنوب الشرقي منها، وهي بلدة مشهورة كثيراً بالآثار التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، وقد وصفها "الهمداني" في كتابه الموسوعي الإكليل الجزء الثامن بقوله: (قد نظرت في بقايا مآثر اليمن وقصورها سوى غمدان فإنه لم يبق منه سوى قطعة من أسفل جدار، ولم أر مثل ناعط، ومأرب، وضهر، ولناعط الفضل، وهي مصنعة بيضاء مدورة، منقطعة في رأس جبل ثنين، وهو أحد جبال البون ومرتفع مقابل لقصر تلفم، وهو جـبل في سرة همدان، وهي ريـدة مسكن الهمداني، فمن قصور ناعط قصر "الملكة الكبير" الذي يسمى "يعرق"، ومنها قصر "ذي لعوة المكعـب"، وذلك لكعاب خارجية في معازب حجارته والمعازب جمع معزب وهي قطع الحجارة الضخمة الموقصة ـ المهندمة ـ على هيئة الدرق الصغار، وذرعت في معزب منه (سبعة أذرع إلا ثلث بالذراع التامة)، وبها عمر هذان القصران ما يزيد على عشرين قصراً كباراً، سوى أماكن الحاشية، وكان عليها سور ملاحك (متلاحم) بالصخر المنحوت، وما فيها من قصر إلا وتحته كريف للماء مجوف في الصـفاء مصهرج، فما نزل من السطح ابتلعته، وفيها الإسطوانات العظيمة، طول كل واحدة منها (نيف وعشرون ذراعاً مربعة)، ولا تحضن الواحدة منها إلا رجلين، وفيها بقايا مسامير حديدية، قيل إنها كانت مراقي إلى رؤوسها، وإنه كان يثقب عليها الشمع إذا أرادوا الصرخة فتنظر النار من جبل سفيان الذي يشرف على عيان، ومن جبل حضور ورأس مدع، وجبل ذخار، وظاهر حزقان..)، وذلك الوصف جعل الكثير من الباحثين والدارسين لحضارة اليمن القديم، يقومون بزيارة ناعط للتأكد مما أورده "الهمداني"، وفي مقدمتهم المستشرق النمساوي (إدوارد جلازر ـGlaser .E)، الذي زارها في (1882م) ثم مؤخراً في (1936م) زارها المصري "خليل يحيى نامي"، والذي قام بجمع ونشر مجموعة من نقوشها القديمة، ومن خلال الوصف الذي قدمه "نامي" لناعط نجد أن "الهمداني" قد أجاد في وصف المدينة والنقوش التي تزين جدران قصر ناعط، ونضيف إلى وصفه قصيدته التي يصف فيها ناعطاً - أيضاً - شعراً:
فمن يك ذا جهل بأيام حميـر


وآثارهم في الأرض فليأت ناعـطا

يجـد عمداً تعلو القنا مرمرية


وكرسي رخـام حولـه وبلائـطا

ملاحك لا ينفـذ المـاء بينها


ومبهومـة مثل الفـراخ خرائـطا

أما الاسم ناعط فهو الاسم القديم للمدينة ، والتي تطلق عليها النقوش ـ أيضاً ـ مصطلح مدينة فنجد مثلاً النقش الموسوم بـ(CIH . 107/2)، يذكر (هجر همو/نعطم)، وتقع ناعط في قمة جبل ثنين، وهو ـ أيضاً ـ مذكور في النقوش القديمة بنفس التسمية (ث ن ي ن).
4-     قرية الغولي: "قرية الغولي" إحدى قرى مديرية ريدة ويطلق هذا الاسم على جبل مرتفع في أقصى قاع البون من جهة الشمال الغربي ويبعد عن مدينة ريدة قرابة (8 كيلومتراً)، والاسم له تفسير قدمته النقوش التي عُثر عليها في خرائب المنطقة، فقد جاء اسم ( ع ج ب م ) كاسم لأسرة كانت تسكن المنطقة، أما الغولة فهو يطلق على منطقة ذات تشكيلة طبوغرافية معينة. وأول من زار غولة عجيب كان الباحث اليمني "أحمد حسين شرف الدين" في منتصف (عقد الستينات من هذا القرن)، وقد أشار إلى الجبل الذي يطلق عليه عجيب بأنه جبل يقع في وسط منطقة غنية بالآثار ومن حول الجبل تتناثر خرابات عديدة، وفي وسط النقيل أو في قرية الغولي بالضبط يوجد آثار قصر ضخم يسميه الأهالي هناك (قصر شاهر) ثم زار هذا الجبل المستشرق الروسي (جريازنيفتش ـP.A.Grjaznevic)، ومـؤخراً زاره المستشرق الفرنسي (كريستيان روبان ـChristian Robin)، وهو الذي قام بدراسة لهذه المنطقة، وجمع من (غولة عجيب) عدة نقوش ومخربشات، أهمها نقش طويل يذكر الاسم القديم للمدينة التي كانت تقوم في (غولة عجيب)، وهي مدينة (ذمطتم)، (هـ ج ر ن/ذ م ط ت م)، وقد كانت تضم هذه المدينة ضمن مبانيها معبداً ضخماً شيد للإله (المقة)، وكان يسمى (ر ي م ن)، وبقاياه أو خرائبه تقع في ذلك الموضع الذي يطلق عليه الآن (قصر شاهر)، والذي سبق أن شاهده "أحمد حسين شرف الدين"، ويبدو من خلال ذلك النقش الذي نشره (كرستيان روبان) أن (غولة عجيب) كانت تتبع بشكل أو بآخر مقولة "شبام أقيان" التي كانت "شبام كوكبان" حاضرتها.
من أشهر أعلام ريدة: لسان اليمن المؤرخ العلامة الكبير الهمداني
هو أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني – نسبة إلى قبيلة همدان المشهورة – بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة. ولد في مدينة صنعاء في يوم الأربعاء الموافق 19 صفر 280هـ. أبرز أساتذة الهمداني ومشائخه، شيخه أبو نصر محمد بن عبدالله اليهري الحميري، ومحمد بن عبدالله الأوساني الحميري، ومحمد بن يونس الأبرهي الحميري، وغيرهم.
انتقل الهمداني إلى مدينة صعدة، ومكث فيها عشرين سنة تلقى فيها العلوم الكثيرة وتعرف إلى قبائلها اليمنية والمناطق التي تحيط بها، رحل بعدها إلى مكة المشرفة لأداء فريضة الحج وللانتهال من مناهلها العذاب، فأخذ الحديث عن الخضر بن داود وسائر المساند، والسنن وسيرة ابن إسحاق، كما أخذ عن العلامة أبي علي الهجري في اللغة، والجغرافية، وعن العلامة اللغوي النحوي أبو رياش القيسي، أما عن الأعراب ورؤسائها فقد أخذ الشيء الكثير، ومكث في مكة المشرفة سبع سنوات. عاد بعدها إلى صعدة، ثم ارتحل إلى صنعاء، ولكنه لم يمكث طويلاً حتى زج به في غياهب السجن في 24شوال319هـ، لبث في السجن سنتين، وكان سبب حبسه نتيجة شكوى الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي الرسي إلى ملك اليمن أبي حسان أسعد بن أبي يعفر الحوالي بأن الهمداني تناول الجناب المقدس. ارتحل الهمداني بعدها من صنعاء فحط ركابه في رحاب سيد همدان أحمد بن محمد بن الضحاك الحاشدي وكان مقر عزه في (ريدة) الواقعة في سرة همدان والتي تبعد شمالاً عن صنعاء عشرين ميلاً، فنعم بالحياة وألف الإكليل وغيره في هذا الجناب الرحيب الذي لقي في شخصية الزعيم الحاشدي كل تقدير واحترام.  ولعل أهم سبب دعاه للبقاء في مدينة ريدة وجود سند عائلي وقبلي، فقد كان من سكانها "آل القاسم العثاريون" أصهار "آل جد الهمداني الأول يعقوب بن يوسف بن داوود بن سليمان" الذي نعتهم الهمداني برهطة، ورهط الهمداني من بكيل وينتمون وفق سلسلة النسب عـنده إلى همدان، وكانت قاع البون آنذاك هي بلاد همدان، ومن أسباب استقرار "الهمداني" في مدينة ريدة وقوعها على مقربة من العديد من مواقع الآثار اليمنية القديمة التي عني "الهمداني" بزيارة واستقراء نقوشها، ويتكرر في مؤلفاته ذكر قراءته لنقوش ناعط وتلقم وريدة وعمران، كما ذكر الهمداني بأنه نقل كثيراً من أخبار البونيين ـ نسبة إلى سكان قاع البون ـ عن زبور قديم بخط "أحمد بن موسى" عالم أهل البون والأرجح أنه اتخذ ـ أيضاً ـ من مدينة ريدة منطلقاً لتنقلاته في أنحاء اليمن، وفيها اشتغل بالتأليف الغزير، ففيها كتب الإكليل بأجزائه العشرة ليكون موسوعة الحضارة اليمنية، وقد أشار في أكثر من موضع في كتاباته أن إقامته في مدينة ريدة كانت أغنى فترات التأليف عنده، ومؤلفات "الهمداني" التي وصلتنا في مجالي التاريخ والآثار تمتاز بكونها تتجاوز في كثير منها طابع الخرافة والقصص إلى روايات تاريخية وإلى تدوين علمي لما شاهده بنفسه من آثار اليمن القديمة وبقايا أبنية وقصور وسدود، وقد كشفت التنقيبات الأثرية مؤخراً عن مصداقية لكثير مما روى أو رأى، وكتابه المعروف بالإكليل يعتبر اليوم دليلاً هاماً للمشتغلين بالآثار اليمنية القديمة، كما يعتبر كتابه "صفة جزيرة العرب" أول عمل علمي جغرافي في (القرن العاشر الميلادي) في إطار الحضارة الإسلامية إذ يحوي مادة جغرافية محددة المعالم وواضحة الإطار في عهد لم يكن علم الجغرافيا علماً قائماً بذاته، وقد استطاع أن يقيم في كتاب واحد كل معارف عصره الجغرافية ومناهجها، وهي معارف ومناهج قل أن ترد إبان ذلك العصر في كتاب واحد، كما كان "الهمداني" إلى جانب ذلك كله فقيهاً وشاعراً ولغوياً وفلكياً وفيلسوفاً متعدد المشارب، غني بالمعارف أسهم في إثراء التراث العربي الإسلامي إسهاماً بيناً، وهذا ما رفعه إلى مصاف علماء المسلمين البارزين.
اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته ولكن محقق كتاب الإكليل أشار إلى أن وفاته كانت فيما بين سنة 350-360هجرية، وأنه دفن في مدينة ريدة وفيها كان مستقره الأخير ومثواه.
ومن المراجع التي رجعنا إليها عند إعداد هذا المقال:  (شمس العلوم/ للعلامة الموسوعي نشوان الحميري)، (لسان العرب/ لأبن منظور)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني)، (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (معالم الآثار اليمنية/ إعداد المرحوم القاضي حسين أحمد السياغي/ من إصدارات مركز الدراسات والبحوث اليمنية – صنعاء)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، (موسوعة الألقاب اليمنية/للأستاذ الباحث الكبير إبراهيم المقحفي)، (اليمن دراسة موجزة للمحافظات/ تأليف المرحوم الأستاذ عبدالله بن أحمد الثور/ مطبوعات مطبعة الاستقلال الكبرى – القاهرة)، (الإكليل/ للهمداني/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة – صنعاء/ مطبوعات 2004م)،  (اليمن الكبرى/ للمرحوم العلامة حسين بن علي الويسي)، (الموسوعة السكانية/للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (الموسوعة اليمنية/ من إصدارات مؤسسة العفيف الثقافية)، (اليمن الإنسان والحضارة/ تأليف القاضي عبدالله بن عبدالوهاب المجاهد الشماحي/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة صنعاء عاصمة الثقافة العربية2004م)، (بهجة الزمن في تاريخ اليمن/ تأليف تاج الدين عبدالباقي بن عبدالمجيد اليماني/ تحقيق عبدالله الحبشي ومحمد أحمد السنباني/ دار الحكمة اليمانية)، ومن المراجع الالكترونية موقع المركز الوطني للمعلومات (www.yemen-nic.info).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق