السبت، 26 مارس 2016

مديرية عنس الحلقة الثانية

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية عنس الحلقة الثانية
موطن الصحابي الجليل عمار بن ياسر

إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم لصحيفة الثورة الغراء، لقد عودتك ولا سيما أبنائي من الشباب أن أتناول في مقالاتي ثرواتنا من الكنوز الحضارية والتراثية من يمننا الحبيب تصديقاً لقوله تعالى "بلدةٌ طيبة ورب غفور".. وفي نفس الوقت أتناول بعض الشخصيات العلمية أو الإدارية أو السياسية غير النفعية، وفي هذا المقال أتناول مديرية عنس بمحافظة ذمار وهي الحلقة الثانية عن هذه المديرية.. وعلمُنا هو الصحابي الحليل عمار بن ياسر وهو من الصحابة الذين ترجموا القرأن الكريم قولاً وعملاً حتى انتشر في جميع قارات العالم، وارتفع صوت الآذان في أرجاء المعمورة، وسنُطلع القارئ الكريم في هذا المقال عن موجز من سيرته، ومن أراد المزيد فعليه الرجوع إلى المراجع العلمية الأخرى.
وفي نفس الوقت سأكتب عن شخصية معاصرة من مديرية عنس، وهو المرحوم الأستاذ الوزير/ محمد عبدالوهاب جباري (1350 – 1430هـ/ 1931 – 2009م)، مؤسس اقتصاد اليمن الحديث والدولة الحديثة، ولا سيما في الجمهورية العربية اليمنية (قبل الوحدة اليمنية)، وفي نفس الوقت مشاركته في تأسيس بعض الشركات في أواخر عهد المرحوم الإمام أحمد، وستطلعون على موجز مختصر من سيرته في طي هذا المقال، ولقد كانت علاقتي به علاقة أبوية، وعلاقة علمية كعلاقة الأستاذ بطلابه، ولعل الذين تابعوا ذكرياته التي نشرتها صحيفة 26 سبتمبر، العدد 1311، الخميس 08 مارس - آذار 2007م، يعرفون من هو الأستاذ الوزير الاقتصادي/ محمد عبدالوهاب جباري..
من أشهر المعالم والكنوز الحضارية والأثرية في مديرية عنس
1- جبل اللسي: ورد ذكره في النقوش السبئية المتأخرة (إسي)، ويذكره "الهمداني" أيضاً في كتابه "صفة جزيرة العرب": بالأسي في منطقة قرب ذمار إلى الشرق (25كم) وعلى ارتفاع (2800متر) عن مستوى سطح البحر، وفيه معدن الكبريت وحمام طبيعي"، وفي هذا الجبل العديد من المآثر والمناجم المعدنية كالفحم والكبريت والماغنسيوم وغير ذلك حسبما أقرته البعثة الجيولوجية السويدية التي زارت المنطقة  في عام (1959م)، وفي قمة الجبل توجد قلعة عسكرية تركية يعود تاريخ بناؤها إلى القرن (الحادي عشر الهجري)، ويقول الحاج "أحمد بن عيسى الرداعي" في أرجوزة الحج عن اللسي:
ثم معش ليلها إسي
حيث بنى حمامه النبي

ويشير "ابن المجاور" في كتابه "صفة بلاد اليمن" إلى اللسي باسم (الشب)، وجميع حجره مدورة يمناه – وشامه، ويمينه قطعة واحدة، وفيه كهف يحتوي على ماء حار يغلي وكل مريض يمرض من أهل البلاد يأخذ منه فيد – كل على قدره – يعرى به على باب الغار، وينزل وبعد ذلك يسبح في الماء، وما يخرج منه إلا وهو متعاف، وفوق منه – أي في قمة الجبل – مدينة مدور من جبالها، وهي عند صاحب "معجم البلدان" أكمة سوداء فيها حمة تعرف بحمام سليمان يستشفون من الأمراض والجرب وغير ذلك، أما القاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع؛ فيضيف جبل اللسي بأنه أكمة كبيرة كأنها الصبرة من الطعام، وفي جوانبها فجوات يتفاعل معدن الكبريت الموجود بها، وكان يستعمل إلى عهد قريب، والحمام لا يزال يعرف باسمه ووصفه، وكان الأهالي يتخذون من الكبريت الذي يستخرج مـن الجبل بعد تصنيعه باروداً في عهد استخدام البندقية (أبو فتيلة) وقد أصيب الجبل بأضرار في حادث زلزال (1982م).
2- هَـكِـر: بفتح الهاء وكسر الكاف وبالراء المهملة، وهي من البلدان الحميرية المشهورة، وهي مصنعة قائمة، في وسطها حقل تحيط به تلال من يمناه وشماله، وبجانبها قرية الأهجر وهي قرية خاربة من مديرية عنس، ويقول الشاعر الحميري:
وما هَكِر من ديار الملوك
بدار هوان ولا الأهجرُ

وهي مدينة لـ"مالك بن سقار بن مذحج"، وكذلك حصن باليمن من أعمال ذمار، وهي قرية أثرية تاريخية، تقوم على أنقاضها قرية حديثة تحمل الاسم نفسه وترجع إلى مخلاف عنس وأعمال ذمار، وتبعد عن ذمار شرقاً مسافة (35كم)، طريقها حقل الديلمي بالقرب من (يراخ) إلى الجنوب الشرقي، وهي مجرد قرية صغيرة بنيت على سطح الجبل وحولها العديد من الخزانات المنحوتة في سفح الجبل والتي كانت تستقبل المياه بواسطة مجرى خاص مُد لها من سد أضرعة، وفي هَكِر العديد من المباني الحميرية التي لا تزال على وضعها بعد تحديثها وبنائها من جديد في العصور اللاحقة، وهناك نقش بخط المسند على  مدخل المسجد يرجع إلى عام (281ميلادية)، يذكر الملك "شمر يهرعش" ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات، ونقش آخر يحمل اسم الملك "ياسر يهنعم" وكلا النقشين يتعلقان بمدينة هَكِر والمنشآت التي أقامها الملكان، ومن ثم نستطيع القول أن هَكِر قد بنيت كمدينة في (أواسط القرن الثالث للميلاد) على يد الملك "ياسر يهنعم" مع قصر يتكون من طابقين وأن سورها وأبراجها وأبوابها وبرك الماء فيها قد بنيت بأمر الملك "شمر يهرعش"،  وهكر عند "الهمداني" جبل أبيض في عنس شيد عليه قصر.
3- أضرعة: تقع جوار هَكِر وتتبع بلاد عنس، وفيها سـدا حبرة من السدود الحميرية أحدهما غـربي أضـرعة والآخر شرقها، طول السد الغربي نحو (100ذراع)، وعرضه نحو (30ذراعاً)، وارتفاعه نحو (70ذراعاً)، وقد بقي منه نحو النصف قائماً إلى عهد غير قريب كالمنارة، والسد الشرقي طوله نحو (ثلاثمائة ذراع) وعرضه (24ذراعاً)، وكان يخزن من الماء ثلاثة أضعاف السد الغربي، وتدل آثار البناء على قدمه بنحو ألف سنة، أما مخزن الماء فنحو ميل مربع وينسب للسدين آل حبرة – بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة والراء المهملة ثم التاء المربوطة – وهي بلدة خاربة قرب السدين ومجرى الماء نحو الميل أو يزيد عنه بين جبلين، ويبلغ عمق السد (8م) تقريباً، وأطـوال أحجـار البـناء تتراوح من (3-4مترات) خاصة التي في الأساسات، كما استخدمت مادة الرصاص كمادة رابطة بين الأحجار، بصورة عامة وهناك تجديدات متلاحقة أُحدثت على هذين السدين، إلا أن سدود أضرعة من أشهر السدود التاريخية التي ترجع إلى فترة ما قبل الإسلام.
4- الأهجـر: الأهجر قرية من قرى مديرية عنس  بمحافظة ذمار، وهي بلدة حميرية بالقرب من قرية ورقة وهَكِر بالشمال الشرقي من ذمار (12كم)، وينسبها الإخباريون إلى "الأهجر بن شهران بن بينون بن منياف بن شرحبيل بن يتكف بن عبد شمس" يقول علقمة:
أو لا ترين وكل شيء هالك
هَكِر فما أرجو لها من أهجرِ

وكانت الأهجر قد تعرضت للخراب في إحدى الفترات التاريخية ثم دبت إليها الحياة، وسكانها اليوم هم بنو البخيتي، وقبل الحديث عن الأهجر ينبغي أن نعرض سريعاً لبعض المصطلحات التي تتعلق بالمدينة اليمنية القديمة وتسمياتها، وأول هذه التسميات هي (الهجر) والهجر بلغة أهل اليمن قديماً (هو المدينة)، وكانت تكتب بخط المسند (هـ ج ر ن) أي هجران والنون في آخر الكلمة تقابل أداة التعريف بلغتنا العربية الحالية أما بدون التعريف فتكتب (هجر) تماماً مثل هجر اسم المدينة الإسلامية المعروفة من قبل الإسلام في شرق الجزيرة العربية أو مثل هجر كحلان في وادي بيحان أو هجر (امناب) في وادي مرخة وغيرها، ويبدو أن الأهجر التي نحن بصددها هي مجموعة مدن متقاربة ترجع إلى فترة ما قبل الإسلام حسبما دلت عليه التنقيبات الأثرية في المنطقة. وتقع الأهجر إلى الغرب من قرية (ورقة) شرقي جبل رفان، وتحيط بها الأراضي الزراعية والأودية، ويبلغ ارتفاعها عن مستوى سطح البحر حوالي (3000قدم)، وهي منطقة بركانية ذات صخور رسوبية.
وقد تم اكتشاف الكثير من المكتشافات الأثرية عند التنقيب في المنطقة، ومن أهم هذه المكتشفات: (تمثال صغير من الحجر الكلسي "البلق" لثور على قاعدة مستطيلة، حوالي "22 آنية" من الفخار مختلفة الحجم والشكل، أربعة خناجر حديدية مكسرة، سيف متكامل من الحديد مع مقبض من القرن،خمسة أساور من البرونز، قطع من النقود الفضية المتنوعة وغيرها من اللقى الأثرية القديمة).
5- قرية حورور: تقع قرية حورور جنوب غرب حمة ذئاب بمسافة (6كم) تقريباً، يحدها من الشمال جبل وادي تالبه وغرباً جبل ووادي لبان وشرقاً جبل إسبيل ووادي المعلاف، ويشير إليها القاضي المرحوم محمد بن أحمد الحجري في كتابه "مجموع بلدان اليمن وقبائلها" بأنها قرية المقادشة من مخلاف إسبيل في عنس وأعمال ذمار ويضيف قالت غزالة المقدشية تعاتب الشيخ "علي ناصر الشغدري" حين خرج مع الجيش النظامي إلى حورور:
والله لو ما حورور يا علي ناصر
أف الحـدا ذي ترد الغيد من ظلمـان

حليت زغن النمرْ وانا عليكْ حادر
        ما بين قيفي وكوفاني وبين ثوبــان

هي دولة الحق للفطرةْ وللعاشـر
نمير المشايخ تبا الطمعةْ لها عـدوان

6- قرية قُبَاتِل: "بضم القاف وفتح الباء وكسر التاء وآخره اللام"  قرية من عزلة منقذة بمديرية عنس ينسبها الإخباريون إلى "قباتل بن جهران بن يحصب".  وعن قباتل يقول الحكيم اليماني علي بن زايد:
لا  سقــى الله قُبَاتِـــل
ولا رحم من بناهـــا

ذريت بتسـعـه وتـسعين
جـات المائة لا سـواها

ويذكر المؤرخ المرحوم الحسن الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" أن قباتل قرية من ضمن قرى جهران، وأن فيها آثاراً حميرية وهي مع قرية ضاف قد آتى ذكرهما في بعض النقوش اليمنية القديمة. ويُذكر أن حصن قباتل شيد مرتفع جبل يتم الصعود إليه بواسطة درج في الواجهة الجنوبية مرصوف بالحجارة، ويتقدم الحصن بناء مستطيل الشكل تبين من أساساته أنه مسجد، وبجانبه بركـة للمياه أتساعها (5م) طولاً، (3م) عرضاً، (8م) عمقاً، وهي مدرجة إلى أسفل ويحتوي الحصن على مجموعة مدافن كانت تستخدم لخزن الغلال ومدفن آخر محفور في الصخر يقع في الناحية الجنوبية من الخارج وعلى بعد (50م) تقريباً شرقي الحصن توجد خرائب لمبانِ سكنية يبدو أنها شيدت في فترة لاحقة من بناء الحصـن..
من هجر العلم في مديرية عنس
- باب الفِلاك: ويقال لها الفلكة، وهي قرية عامرة من مخلاف جبل الدار، وأعمال ذمار، وتقع في الشرق من مدينة ذمار على مسافة نحو خمسة كيلومتر تقديراً. وقد ترجم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ(4) من أعلامها. هم: محمد بن ناصر بن محمد بن صلاح الفلكي المذحجي، صلاح بن محمد بن ناصر بن محمد بن صلاح الفلكي، محمد بن صلاح بن محمد بن ناصر الفلكي، يحيى بن علي الفلكي.
- جُبَار: قرية عامرة متصلة بقرية أضرعة من جهة الشرق من مخلاف زُبيد، وأعمال ذمار. وتبعد عن مدينة ذمار شرقاً، بجنوب بنحو ثلاثين كم. ينسب إليها آل الجُباري. ترجم القاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن)  لـ"3" من أعلامها، هم: يحيى بن إسماعيل الجُباري، حسين بن إسماعيل الجباري، علي بن ناصر بن ناجي الجباري. وإليها يُنسب العلماء الأعلام من آل جباري، ومنهم في عصرنا الحاضر الأستاذ الوزير الاقتصادي أحد أهم مؤسسي الاقتصاد الحديث في اليمن الأستاذ/ محمد عبدالوهاب جباري (1350 – 1430هـ/ 1931 – 2009م)، ولد ونشأ في مدينة ذمار، وفيها التحق بالمدرسة (الشمسية) عام 1355هـ/1936م، ثم انتقل إلى مدينة صنعاء عام 1365هـ/1946م؛ فالتحق بمدرسة الأيتام، ثم التحق عام 1372هـ/1952م بالمدرسة (العلمية)، ثم رحل إلى مصر، ودرس في جامعة (عين شمس) إلى عام 1380هـ/1960م. تعيّن مديرًا لمطار صنعاء الدولي، ثم مديرًا لمشاريع المياه، ثم نائبًا لرئيس البنك اليمني في مدينة الحديدة، ثم رئيسًا للبنك اليمني في مدينة صنعاء، ثم تعين مديرًا لمؤسسة المياه للمرة الثانية عام 1386هـ/1966م، ثم مديرًا لمؤسسة التجارة الخارجية في مدينة صنعاء، ثم وزيرًا للاقتصاد، ثم مستشارًا عام 1398هـ/1978م، ثم رئيس لجنة إغاثة منكوبي الزلزال في محافظة ذمار، ثم مستشارًا للمرة الثانية، ثم أمينًا للعاصمة صنعاء، ثم مستشارًا للمرة الثالثة، ثم وزيرًا للتموين والتجارة، ثم مستشارًا للمرة الرابعة، ثم رئيسًا لبنك (سبأ) الإسلامي. شارك في تأسيس عدد من البنوك؛ منها: البنك الصناعي، والبنك اليمني، وبنك اليمن والكويت، وبنك (سبأ) الإسلامي، وأعد عددًا من الأنظمة واللوائح المتعلقة بالدستور، والعديد من الاتفاقيات والمفاوضات مع عدد من دول الجوار، وشارك في صياغة (الميثاق الوطني) لحزب (المؤتمر الشعبي العام)، والنظام السياسي لحزب (التجمع اليمني للإصلاح)، كما شارك في تأسيس عدد من الجمعيات الخيرية؛ منها: جمعية (الإصلاح الاجتماعية الخيرية).
- مُلُص: قرية عامرة في مخلاف يعر من ناحية (مقرى سابقاً) وأعمال ذمار. وصفها بامخرمة بقوله: " مُلُص بضمتين، وبعد الميم لامٌ ثم صادٌ مهملةٌ بين صنعاء وذمار، فيها معدن العقيق، ويقال: إن فيها حجراً يشم أخضر إلى السواد، معدن، من خواصه أنه إذا كان في محل لم يؤثر فيه البرق". وما قاله بامخرمة من أنها بين صنعاء وذمار غير صحيح، فهي إلى الغرب من ذمار على مسافة ثلاثين كم تقريباً. اشتهر بعض أهلها، من بني قطران بإزالة الغشاء الأبيض الذي تُصاب به العين ويسمى من يتعانى هذه المهمة (النقّاش). وهم يتوارثون هذه المهنة ويقنونها بمهارة عجيبة. ينسب إليها بنو الملصي، ولبعضهم درايةٌ بالفقه وقد سكن بعضهم ذمار، وبعضهم سكن صنعاء، ولعل أشهر من سكن صنعاء الأستاذ/ نعمان الملصي الذي تربطني به صداقة ومودة، والدكتور أحمد الملصي الأستاذ المساعد بجامعة صنعاء في كلية الآداب قسم التاريخ الحديث. وقد ترجم القاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ"3" من أعلامها، هم: الحسين بن الحسين الملصي، حسين بن عبدالله الملصي، عبدالله بن حسين بن محمد بن يحيى المجاهد.
من أعلام مديرية عنس
- الصحابي الجليل عمار بن ياسر: هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر ابن يام بن عنس بن مالك بن أدد بن زيد العنسي اليمني أبو اليقظان... عملاق مذحج وأمير الكوفة،وهو من قبيلة عنس المذحجية باليمن. كان والده مقيماً بمكة واشتغل بالتجارة ثم بات مولى لبني مخزوم بسبب ديون ربا تراكمت عليه. وكان عمار عملاق الجثة والجسم وعملاقاً في صموده لتعذيب قريش وهو من السابقين الأولين. قال عبدالله ابن مسعود: "أول من أظهر إسلامه سبعة منهم عمار بن ياسر"، وهاجر عمار إلى المدينة.. وكان والده ياسر العنسي المذحجي اليمني المولد والنشأة المكي الوفاة: أول سابق من اليمن إلى الإسلام. سار من اليمن إلى مكة وبها تزوج سمية فولدت له عماراً وكُني به..  وكان ياسر وسمية وعمار ممن سبقوا إلى الإسلام بمكة وعُذُبوا في الله حتى مات ياسر وسمية تحت العذاب، وعمار عُذب ولم يُقتل، ونزل فيه قوله تعالى: (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، ومر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يُعذبون فقال: "فقلت لهم صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، اللهم إغفر لآل ياسر".. وعمار بن ياسر كان من المهاجرين الأولين إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدراً والمشاهد كلها. ثم شهد اليمامة، وقُطِعت فيها أذنه قال ابن عمر: رأيت عماراً يوم اليمامة يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إليّ. وأنا أنظر اذنه مقطوعة تتذبذب... وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عماراً مُلئ إيماناً من أخمصه إلى مُشاشه. وقال خالد بن الوليد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أبغض عماراً أبغض الله. فما زِلتُ أحبه من يومئذ. وروى أنس حديث: إشتاقت الجنة إلى علي وعمار وسلمان وبلال. وعن علي كرم الله وجهه قال: وصل عمار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحباً بالطيب المطيب. وعن أبي عبدالرحمن السُّلَمي قال: شهدنا مع علي صُفين فرأيت عماراً لا يأخذ في ناحية ولا واد إلا رأيت الصحابة يتبعونه كأنه علمٌ لهم، وسمعته يقول: الجنة تحت السيوف. اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سَعَفات هجر لعلمنا إنا على الحق وأنهم على الباطل، ثم قال: نحن ضربناكم على تنزيله... فاليوم نضربكم على تأويله... ضرباً يُزيل الهام عن مقيلة... ويُذهل الخليل عن خليله.. أو يرجع الحق إلى سبيله، قال: فلم أر الصحابة قُتلوا في موطن كما قُتلوا يومئذ. وقال إبن مسعود وطائفة لحذيفة بن اليمان حين احتضر وقد ذكر الفتنة بمن تأمرنا فقال: عليكم بإبن سمية فإنه لن يفارق الحق، حتى يموت وروى مرفوعاً. وكتب الخليفة عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: أني بعثت إليكم عماراً أميراً وعبدالله بن مسعود وزيراً وهما من نجباء الصحابة فأطيعوهما واقتدوا بهما. وتواترت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تقتل عماراً الفئة الباغية.. وكفنه علي رضي الله عنهما في ثيابه ولم يغسله وصلى عليه واستشهد سنة 37هـ وعمره ثلاث وتسعون سنة.
- محيي الدين بن قاسم العنسي:  1130 – 1467هـ/ 1912 – 1948م:التحق بالمدرسة الحربية التي أنشأها الأتراك سنة 1343هـ 1925م في صنعاء، وتخرج سنة 1346هـ/ 1928م، وعين ضابطاً بالمدفيعة برتبة ملازم أول. وعندما قرر الإمام إرسال بعثة تعليمية إلى العراق اختار السيف عبدالله وزير المعارف الأستاذ محيي الدين رئيساً لها لما عرف عنه من ذكاء وإدراك ومعرفة، إذ كان يتابع ما يصل إلى يده من صحف غربية ومجلات أو كتب عصرية، فاكتسب علماً وفكراً وأدباً، وتفاهماً حول طريقة تغيير الوضع في اليمن. ترأس البعثة التعليمية إلى العراق، كان نعم الأب والمربي والأستاذ، فقد تعامل مع أفراد البعثة بمنتهى اللطف والعطف، وتحمل معهم مشقة السفر على سطح الباخرة، وتعرض معهم للحر والبرد والعواصف، وكان مثالاً للدبلوماسي الحصيف حتى إذا وصلت البعثة إلى العراق كان يطلب مقابلة ذوي الشأن ويدهشهم بلباقته وحسن أسلوبه في الحديث حتى قالوا عنه بأنه سفير بلا سفارة. عُين مفتشاً لوزارة المعارف. وقد فكر ومعه بعض الأحرار والمفكرين في حينه في فتح مدرسة ثانوية تكون مناهجها مقاربة للمناهج الثانوية في البلاد العربية، وفتحت المدرسة فكانت بداية لنقلة تعليمية مهمة، فكان للمدرسة شأن لفت الأنظار إعجاباً وتقديراً.. تم اعتقال الأستاذ محيي الدين ومجموعة من الأحرار الرافضين لسياسة الإمام وجموده وتجويع الشعب، فقضى أكثر من شهرين في سجن الأهنوم، بعدها  أستطاع الهروب  من السجن مع زميله أحمد حسن الحورش، وما هي إلا أيام حتى وصلا إلى مصر والتحقا بالأحرار اليمنيين، وشاركا في ثورة 1948م..
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الموسوعة اليمنية)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (صفة جزيرة العرب/ للمؤرخ  للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (صحيفة 26سبتمبر العدد 1311  يوم الخميس 08 مارس 2007 م)، (موسوعة للقلاع والحصون في اليمن "تحت الطبع"/ للأستاذ الباحث أحمد الغراسي)، (موسوعة الأعلام اليمنيين على الإنترنت www.al-aalam.com)، خريطة المديرية المرفقة من إعداد م.أحمد غالب عبدالكريم المصباحي...
alarachi2012@yahoo.com

مديرية عنس الحلقة الأولى

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية عنس
موطن الإبداع الغنية بالكنوز الحضارية

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... يسرني أن أقدم لك في هذا المقال على صحيفة الثورة الغراء مديرية عنس، إحدى مديريات محافظة ذمار.. ولقد اعتدت أن أقدم في مقدمة كل مقال، وعلم هذا المقال من الأعلام الذين ينسبون إلى مديرية عنس أساساً وإن كان أباؤه قد نزحوا من هذه المديرية إلى مديرية أو محافظة أخرى، وعلمنا اليوم هو شيخ الإسلام الشاعر الكبير المرحوم علي محمد العنسي المولود في القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي والمتوفى في 1139 هـ1727 م، وهو شيخ العلامة المرحوم محمد بن إسماعيل الأمير، وقد استطاع أن يؤلف العديد من القصائد التي تغنت بها اليمن والدول العربية والخليج، فما من فنان يمني أو خليجي أو عربي إلا وتغنى بقصيدة أو أكثر من هذه القصائد، وأكثر قصائده هذه في ديوان (وادي الدور) ووادي الدور هو وادي مشهور في محافظة إب ومديرية العدين، ولقد عُني بنشره وتحقيقه المرحوم العلامة الوزير الأديب الشيخ يحيى بن منصور بن نصر المولود في 1333هـ - 1914م، والمتوفى في 1405هـ - 1984م.
مديرية عنس
بفتح فسكون. قبيلة كبيرة لها بلاد واسعة في مغرب مدينة ذمار ومشرقها. وهم بنو عنس بن مالك (الملقب مذحج) بن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان. منهم طوائف كثيرة هاجرت واستوطنت الحجاز والشام، كما دخل بعضهم الأندلس. وممن اشتهر من عنس الشام إسماعيل بن عَيَّاش بن سليم العنسي، عالم الشام ومحدثها في القرن الثاني الهجري. كما أن منهم عَمَّار بن ياسر الصحابي الجليل.
وتقع مديرية عنس في محافظة ذمار في الجزء الجنوبي والجنوبي الشرقي منها وتبعد عنس من مدينة ذمار جنوباً بمسافة 15كم. يحدها من الشمال مديريات: ميفعة عنس، مدينة ذمار، جهران، المنار، ومن الجنوب محافظة إب (مديريتا: الرضمة ويريم) ومحافظة البيضاء (مديرية صباح)، ومن الشرق مديريتا: ميفعة عنس وصباح، ومن الغرب مديرية مغرب عنس.
تبلغ مساحة المديرية 815كم2، وتتكون المديرية من العزل التالية: (جبل الدار، جبل زبيد، سائلة زبيد، وادي زبيد: (زُبيد: بضم ففتح، قبيلة من بلاد عنس السلامة في غربي مدينة ذمار، تنحدر من قبائل مذحج. وسُمي بها ثلاثة مراكز إدارية هي: سائلة زبيد وجبل زبيد ووادي زبيد. فمن قرى سائلة زبيد: هَكِر، قاع شرعة، عباصر، دِلان، الشلالة. أما قرى جبل زبيد فمنها: أضرعة، جَوعَر، زُغبة، ظلمان. ومن أهم قرى وادي زُبيد:التالبي، المطاحن، المصنعة، الوشل، ذي عطاء. وإليها يُنسب الصحافي الكبير المرحوم محمد الزُبيدي رئيس تحرير صحيفة الثورة السابق.)، معيسيج، وادي الحار: (وادٍ فيه نبع ماء حار من مديرية عنس وأعمال ذمار. وهو المعروف قديماً بإسم (مخلاف مُقري)، ويضم مجموعة قرى منها: ذي حاور، ينعان، حنسر، بيت نشوان، حده، بخران، ذي سحر، خربة أبو يابس، مرخزه، الشماحي.)، يعر: (بفتحات. مركز إداري من مديرية عنس في الغرب الشمالي من ذمار. إليه ينسب الشيخ يحيى بن ناصر اليعري والشيخ عبدالعزيز اليعري. ومن توابع يعر: قرية "أثمد" وقرية "الرباط" وقرية "مُلص" ويستخرج من الأخيرة العقيق البقراني المشهور. كما يطلق أحد أحياء مدينة ذمار اسم "يعر".).
بلغ عدد سكان المديرية (120.468)نسمة بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
وقد ذكر المرحوم القاضي محمد الحجري في كتابه (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) أن صاحب كتاب (نثر الدر المكنون) قال: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيعة بن رداءة العنسي فوجده يتعشى فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العشاء فأكل وقال له: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؟ قال ربيعة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: راغباً أو راهباً؟ فقال ربيعة: أما الرغبة فو الله ما بيدك مال، وأما الرهبة فوالله إنا لببلاد ما تبلغها جيوشك ولا خيولك ولكني خوفت فجئت وقيل لي آمن فآمنت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب خطيب من عنس فأقام يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءه فودعه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحسست حساً فزايل إلى أهل قردة فخرج فأحس حسا فولى إلى أهل قردة فمات بها رضي الله عنه.
ونسب إلى عنس عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن عمار.
ومن مشاهير عنس الأمير علي بن يحيى العنسي المتوفى سنة 681هـ كان من أعيان الدولة الرسولية وكان بلده في صهبان من أعمال ذي السفال، وقد ترجمه الجندي والأهدل والخزرجي وذكروا ما كان عليه من الإحسان إلى العلماء وأقطعه السلطان بلاد حُبيش وآخر الأمر حبسه الملك المظفر لميله إلى أولاد عمه أسد الدين وتوفي محبوساً على حالة حسنة مرضية رحمه الله تعالى. كما ذكره الزركلي في قاموس تراجمه بأنه شاعر يماني، من الأجواد ذوي المكانة. نقم عليه الملك المظفر الرسولي أمراً، فحبسه في حصن تعز. فمات سجيناً.
ومن بيت العنسي العلماء والفضلاء والأدباء والشعراء وساءً كانوا في برط أو في ذمار أو في إب أو في صنعاء، وأذكر منهم: المرحوم الشهيد/ محيي الدين العنسي الذي أُعدم في حجة وكان ثابت الجأش قوي العزيمة، ومنهم أخيه المرحوم القاضي الوزير المجتهد أحمد بن قاسم العنسي ومن أبناء مدينة إب المرحوم القاضي الوزير عبدالكريم العنسي، ومنهم أستاذي وأخي الجليل عبدالسلام العنسي – أطال الله عمره –، ومن أبناء مدينة ذمار القاضي الفلكي الباحث يحيى بن يحيى العنسي، ولا استطيع في هذه الصفحات أن أحصر أو أذكر أعلام بيت العنسي كافة..
ومن بيت العنسي شيخ الإسلام الشاعر الكبير المرحوم علي محمد العنسي المولود في القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي والمتوفى في 1139 هـ1727 م،لبث في بلاد العدين مدة لدن والده، قم قلّد القضاء فيها أيام الإمام المهدي صاحب المواهب محمد بن أحمد بن الحسن، وأيام المتوكل القاسم بن الحسين. وهو من بيت لم يزل في أهله العلم والفضل والميل إلى محاسن الخلال، والمحبة المفرطة لآل البيت. وما زال في حكومة بلاد العدين حتى قلده المتوكل قاسم بن الحسين القضاء في بلاد وصاب، وكان العامل فيها السيد شرف اللدين بن صلاح، فما زال القاضي ينكر ظلمه، ويرفع إلى المتوكل سوء سياسته، فدبر العامل الحيلة ووشى به إلى المتوكل حتى عزله وأعرض عنه وحبسه أياماً، ثم عيّنه حاكماً بالحيمة، واستمر حاكماً بها إلى أن مات في العِر من بلاد الحيمة فجأة، وقيل مسموماً 1139هـ. وكان في طبعه حدَّة، وكان إذا ضاق صدره عن أجلاف الرعية في الحيمة لكثرة خصوماتهم صعد إلى جبال لا يقدر أحد منهم على سلوكها، بل لا يكاد أن يسلكها أحد من الشطّار، وهو يصعدها غير مكترث من وعورة المسالك، بل يرتقي إليها لا بساً خفه وبيده ما يحتاج إليه في جلوسه من إناء للماء، وكتاب للمطالعة ودواة وقرطاس. وفي سنة 1136هـ توهم المتوكل القاسم بن الحسين أن القاضي علي العنسي هو الساعي في خروج المولي محمد بن عبدالله بن الحسين بن عبدالقادر، والمولى محمد بن إسحاق بن المهدي، والمولى محمد بن الحسين بن عبدالقادر من صنعاء وأولها:
سماعاً عباد الله أهل البصائر
للقاضي علي، فحبسه".
وقال الشوكاني في البدر الطالع: ومن تلامذته الحافظ البدر محمد بن إسماعيل الأمير.
كماذ كره العلامة أحمد بن محمد قاطن الحبابي المقحفي في كتابه (إتحاف الأحباب بدمية القر الناعتة لمحاسن بعض أهل العصر) أن العلامة أحمد بن عبدالرحمن الشامي قال له عن العلامة علي بن محمد العنسي: " إنه يرى الجن، وأنهم لا يحتجبون عنه، فقلت لشيخنا: لعله يتخيل ذلك، فقال: ليس بخيال، لأنه مكتمل عاقل، لم يعثر عليه بكذب، وقد يختص الله من يشاء ما يشاء...". وكان بينه وبين السيد عبدالله بن علي الوزير مراسلة في الشعر، ومنها هذه الأبيات:
أنادم من دمع العيون جواريا
  فلا غرو إن نادمت منها سواقيا

وأشرب في تلك الربوع مدامعي
وأطرب إن شاهدت تلك المغانيا

فلو ساجلت بحراً رويًّا بمقلتي
سحايب مزن لم يصرن قوافيا

فيا ليت شعري هل أجوز مفرجاً
بوجرة كم أهوى هناك جواريا

وعن ضعف حالي لا تسل إذ عنين لي
وجرّدن أسياف العيون المواضيا

وقل للعيون البابليات إنني
إذا لحظَتُ أدركت منها مراميا

ومن بيت العنسي الأعلام الفقيه عبدالله بن علي بن عبدالرحيم العنسي الذماري، وقد ذكره الزراكلي في قاموس تراجمه بقوله: فقيه زيدي يمني، له اشتغال بالتاريخ. مولده ومنشأه في ذمار. ووفاته في "وادعة القاسم" من بلاد حاشد. صنف "مجموع العنسي" في الفقه، ثلاثة مجلدات، أعانه فيه إثنان منمعاصريه. وشرع في جمع سيرة الإمام شرف الدين "الهادي" وعاجلته المنية، فتوفي الهادي بعده سنة 1307م.
من أشهر المعالم والكنوز الحضارية والأثرية في مديرية عنس
1- قرية المواهب: المواهب قرية من قرى مديرية عنس، وتقع شرق مدينة ذمار تبعد مسافة (10كم) من عزلة منقذة، ارتبطت باسم الإمام المهدي "محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم" الذي ولي الإمامة بعد المؤيد بالله "محمد بن المتوكل" سنة (1097هـ ـ 1686م)، وذلك بعد نزاع شديد وحروب طويلة دانت له بعدها اليمن، وكانت شخصيته عجيبة متناقضة الأهواء جباراً سفاكاً للدماء يأخذ المال من حلة وغير حلة كما قال عنه الإمام الشوكاني، وقد اختط لنفسه المواهب وحاصره الإمام المتوكل على الله "قاسم بن حسين" حتى خلع نفسه عام (1129هـ)، وتوفي في السنة التالية سنة (1130هـ)، وقبره هناك، وكان الإمام "المهدي" يلقـب بصاحب المواهب وعن هذه المدينة وصاحبها يصف المستشرق الفرنسي "جان دي لاروك" في كتابه "رحلة إلى العربية السعيدة" مستنداً إلى المعلومات التي حصل عليها من مذكرات بعض أعضاء البعثة الفرنسية الذين حلوا ضيوفاً على الإمام "المهدي" في مدينة المواهب مدة ثلاثة أسابيع بناءً على دعوة من الإمام وذلك في سنة (1712ميلادية)، وفيما يتعلق بشخصية الملك فإنها تشتمل على البساطة، وكان يرتدي شرشفاً رقيقاً أخضر أو أصفر اللون ليس فيه أي نوع من الزخارف، وكان عاري الساقين والرجلين، ويلبس الخف على الطريقة التركية، أما ألبسته فهي لا تمتاز عن غيرها إلا بغطاء من الحرير الأبيض يسدله فوق عمامته، ويعقده تحت ذقنه، وقال أيضاً: أن الأبهة والعظمة من المظاهر التي لا تتماشى مع منصب الإمام، وأما حياة الإمام "المهدي" الخاصة فهي تمتاز بطابعها الرتيب، فهو ينهض من نومه مع شروق الشمس، ويتناول الطعام في الساعة التاسعة، وينام في الساعة الحادية عشرة حتى الثانية تماماً، وعندئذ تقرع الطبول وينفخ الزمارون في آلاتهم ولرئيس الطبالين ميزة خاصة إذ يحق له أن يدخل غرفة الملك سواءً كان صاحياً أو نائماً، وهو من الأتراك يلبس ثياباً رائعة، ويعقد على وسطه حزاماً غريب الشكل فيه عدد من القطع والشرائط الفضية، وعلى عمامته ورقة نخل موشاة باليد وسلسلة من الفضة، تطوقها كالأساور في المعصم وعندما يعلن رئيس الطبالين أن الملك قد صحا من نومه يدخل عليه الأمراء والكبراء ويتحدثون معه، وهناك مراسيم كانت متبعة وخاصة عند ذهاب الملك لصلاة الجمعة إلى سهل خارج المدينة حيث أنه لم يبن مسجداً في الحصن وذلك حرصاً على عدم وضع نفسه في مكان مغلق وخوفاً من أن يسطو عليه منافسوه أو يخونه أتباعه أما عن مدينة المواهب فقد شيدت على السفح الجنوبي من جبل صغير، وعلى جبل صغير قريب منها شُيد أيضاً قصر يسمى (المواهب)، وهو منزل استراحة الملك يذهب إليه متى ما أراد الترويح عن نفسه، وهذا القصر يشكل مع مدينة المواهب ومدينة ذمار القديمة شبه مثلث، وهي على المسافة نفسها بعضها من بعض، وعلى جبل غير بعيد مــن المواهب شيد المهدي حصناً يقيم فيه عدد من خيرة جنوده مع ذخيرتهم ومدافعهم ويلتجئ إليه الملك في حالات الطوارئ ليأمن من كيد أعدائه، والمدينة بصورة عامة ليست كبيرة وأكثر بيوتها مبنية من الطين، وتحيط بها أسوار من الطين أيضاً، وخارج المدينة بعض القرى والحقول المحيطة بمدينة المواهب مزروعة بمحصول القمح بينما شجرة البن مغروسة في الجبال والأودية وهناك أيضاً الأعناب والأشجار ذات الفواكه، تبلغ مساحة مدينة المواهب (500م2)، وأهم معالمها التاريخية والأثرية جامع وضريح الإمام المهدي، وهو عبارة عن بناء مستطيل الشكل يتألف من بيت الصلاة بواسطة دعامات حجرية يرتكز عليها سقف المسجد، وفي الناحية الجنوبية لبيت الصلاة يوجد الضريح وهو بناء مربع يرتكز على حنايا ركنيه وعقود مدببةٍ تحمل القبة، ولا زالت تحتفظ بعناصرها الزخرفية المتمثلة بزخارف كتابية ونباتية نفذت بطريقة الحفر على الجص، ومن النصوص الكتابية التي وجدت في واجهة بيت الصلاة تاريخ التأسيس ويرجع إلى سنة (1070هـ)، وفي الناحية الجنوبية الغربية للقبة توجد بقايا مبانٍ سكنية يبدو أنها كانت مساكن للإمام المهدي وحاشيته.
2- حمة ذئـاب: حمة ذئاب قرية صغيرة من قرى مديرية عنس، تقع إلى الشرق من مدينة ذمار على بعد (35كم)، ويحدها من الشمال وادي النصيرية، ومن الجنوب جبل إسبيل ووادي الضايب والصفوح ودار القصر، ومن الشرق وادي حوجمة، ومن الغرب جبل ووادي نجد حمة ذئاب، أتى على ذكرها القاضي "السياغي" بأن فيها معالم أثرية مختلفة. شيدت حمة ذئاب فوق مرتفع من الصخور الجيرية يسمى (حمة) بارتفاع (40م) عن مستوى الأرض، وبني على أنقاضه دور قرية حديثة بأحجار من الموقع، ونتيجة لحفر الأهالي ظهرت واجهة شمالية لمبنى قديم طولها (9م) بأحجار سوداء مهندمة يتقدمه درج مرصوفة بأحجار، وفي الواجهة المذكورة ثلاثة أحجار مميزة وضعت بشكل عمودي ضمن صف واحد من أحجار البناء، تبعد إحداها عن الأخرى (2.47م)، وفيها ثقوب مستطيلة أبعادها (18×11سم)  يحيط بها خزانان مستطيلان تعلوهما صورة هلال بداخله زهرة، وفي الناحية الشمالية بقايا أبنية حجرية عليها نقوش زخرفية مماثلة، توحي أن هذه المنطقة كانت مجمعاً للمعابد؛ إضافة إلى نقوش زخرفية على الحجارة تختلف عن أساليب الزخرفة السابقة، وفي الضلع الجنوبي بقايا مدخل عرضه (1.5م)، أما في الجنوب الغربي فهناك صهريج للمياه بيضاوي الشكل قطره (3.5م) إضافة إلى أحواض وآبار عديدة منقورة في أماكن مختلفة من الموقع، ففي الطرف الشمالي لمرتفع الحمة تشاهد بركة عميقة تمتد من الشرق إلى الغرب أبعادها (9×2.30م) سمك جوانبها (80سم) مشيدة بالأحجار والقضاض، وتصل في نهايتها الغربية بحوض ماء صغير عن طريق ساقية مشيدة بالحجارة، وبالقرب من البركة المذكورة هناك بركة أخرى أبعادها (7.25×4,10م)، وبين دور القرية بئر طليت جدرانها الداخلية بالقضاض، وعند فوهته حجرة من المرمر (البلق) ذو لون وردي، ومن الشواهد الأثرية التي لوحظت في جدران المباني الحديثة قطعة من الحجر الحبشي عليها نقش بارز من أربعة حروف بالخط المسند، وقطعة أخرى في مدخل أحد البيوت وقطع أثرية لدى بعض الأهالي عليها كتابات بالمسند وأخرى عليها سنبلة ومباخر حجرية، وهناك أعمدة إسطوانية من حجر الحبش والأحجار الرملية قطرها (20سم)، وأعمدة أخرى مثمنة الأضلاع طول الضلع (10سم) استخدمت في بناء مسجد للقرية، ومن خلال اللقى الأثرية على سطح الموقع مثل الفخاريات وشقافات من أحجار المرمر يمكن من خلالها إرجاع تاريخ حمة ذئاب إلى الفترة السبئية أو بداية الدولة الحميرية.
3- جبـل إسبيل: جبل إسبيل – بكسر الهمزة وسكون السين المهملة ثم باء موحدة مكسورة وياء مثناة  تحتية وآخره لام –، وهو جبل عالٍ منيف شاهق واسع الأطراف يرى من بعد وكأنه الهلال في إبداره أو معصم الحوار في استوائه، يبعد عن مدينة ذمار شرقاً بمسافة ثلاث فراسخ تقريباً، يقع إلى الشرق من جبل اللسي بمسافة (10كم)، يرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي (3200متر) وفيه العديد من القرى والآثار التاريخية؛ وهي بقايا أسوار وأبراج وكتابات بخط المسند على بعض الأحجار، وفي الجبل حمام بخاري يتردد عليه المواطنون خلال فصول السنة، ويحتوي على سبع غرف صغيرة للاستحمام، ومن قبائل إسبيل المقادشة، وهم بنو علي وبنو عز الدين وبنو الحاج ومنهم الشاعرة المشهورة غزالة المقدشية من أعلام (أواخر المائة الثالثة عشرة وبداية المائة الرابعة عشرة للهجرة)، ويشير القاضي "الحجري"  في "معجمه مجموع بلدان اليمن وقبائلها" إلى جبل إسبيل بأنه من الجبال المرتفعة لأنه قائم على أرض من جبال السراة ويرتفع عن مستوى سطح البحر حوالي (8000قدم)، ويذكر "ياقوت الحموي" في "معجمه البلدان اليمانية" إسبيل بأنه حصن  يقول الشاعر:
بإسبيل كان بها برهة
    من الدهر ما نبحته الكلاب

 كما يقول الشاعر:
إلى أن بدا لي حصن إسبيل طالعاً
وإسبيل حصن لم تنله الأصابع

من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الموسوعة اليمنية)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (الأعلام قاموس تراجم/ خير الدين الزركلي/ الطبعة السادسة عشرة/ دار العلم للملايين – لبنان)،(إتحاف الأحباب بدمية القصر الناعتة لمحاسن بعض أهل العصر/ تأليف العلامة أحمد بن محمد قاطن الحبابي المقحفي/ تقديم وتحقيق عبدالرحمن عبدالقادر المعلمي/ الطبعة الأولى مكتبة الإرشاد)، (وادي الدور/ ديوان شعر القاضي علي العنسي/ تحقيق يحيى بن منصور بن نصر/ من مطبوعات وزارة الثقافة، صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م)، خريطة المديرية المرفقة من إعداد م.أحمد غالب عبدالكريم المصباحي...
alarachi2012@yahoo.com

الثلاثاء، 1 مارس 2016

مديرية عتمة (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية عتمة (الحلقة الثانية)

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... يسرني أن أقدم لك في هذا العدد من صحيفة الثورة الغراء مديرية عتمة (الحلقة الثانية)، والذي أهديه إلى روح الأستاذ المرحوم مطهر علي الإرياني (1353 هـ/1933م المتوفي 9/2/2016م)، والذي كان توأماً روحياً لشخصية هذا المقال وهو المرحوم الأستاذ/أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد بن محمد
المعلمي، والذي ولد سنة 1336هـ وتوفي عام 1425 هـ الموافق عام2004م. وهو عالم مشارك أديب شاعر. تولى القضاء في ناحية المخادر، تولى القضاء في ناحية المخادر، وله مشاركة قوية في الحركة الوطنية، فسجن مرتين: إحداهما سنة 1363هـ، والأخرى بعد مقتل الإمام المرحوم يحيى حميد الدين سنة 1367هـ وقد فر إلى عدن بعد خروجه من سجن حجة، ثم انتقل إلى القاهرة فأقام فيها سنوات حتى قامت الثورة سنة 1382هـ الموافق 1962م، فعهد إليه بأعمال كثيرة، فكان سفيراً لليمن في مصر (الجمهورية العربية المتحدة)، ثم سفيراً في الحبشة. له شعر كثير. آثاره: ملحمة من سجون حجة، صدى الحنين "شعر"، كابوس مرعب، الزلازل في أرض بلقيس "شعر"، القات في الأدب اليمني، شهيد الوطن عبدالله بن محمد الإرياني.
هجر العلم في مديرية عتمة
1- هجرة الطفن: بضم الطاء وفتح الفاء وهي محل يحتوي على عدد من القريات المنفصلة، ولكل منها إسم معين، يشترك في سكناها العلماء آل المعلمي والعلماء بنو الهاملي: والمسربة، المحلة، المحافرة، إلعبر، والضبر، المقبلة، سوادة، الدرام، رأس البرح، أما قريات بني الهاملي فهي الركبة، النخيع، السُعاة، القرية، دريامي، المسيار. ويوجد في هذا المحل تسعة مساجد وأكبرها جامع القرية، وفيه تقام صلاة الجمعة والعيدين، وقد ترجم القاضي المرحوم إسماعيل الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لــ(21) عالماً من علماء آل المعلمي. ومنهم العلامة المرحوم أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد بن محمد المعلمي وقد أوردنا سيرته الذاتية في مقدمة هذا المقال..
- هجرة العِرّ: قرية عامرة في عزلة الصفا من مخلاف سماه من ناحية عتمة، وتقع في الجنوب الشرقي من (الربوع) مركز الناحية على بعد 6كم منها تقريباً، سكنها علي بن محمد بن صالح وقد قدم من موطنه هجرة (الحرجة) إلى صنعاء فسكنها مدة، ثم ذهب إلى العر من مخلاف سماه، وذلك في المائة العاشرة للهجرة، وهو جد العلماء آل السماوي، ومنهم من يقول نسبة إلى سماوة العراق وهذا غير مؤكد. وقد ترجم المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع  لـ(33) عالماً منهم:
1- محمد بن محمد بن عبدالجبار بن محمد السماوي: (وهو شخصية الحلقة الأولى "السابقة" من هذا المقال) ولكن لمحدودية المساحة المخصصة لنشر المقال لم نستطع نشر سيرته الذاتيه بإسهاب، وننشرها في هذا العدد استدراكاً لذلك.. وهو فقيهٌ مؤرخٌ،نسابَّة، لُغَوي، أديبٌ، له شعرٌ حسن. اشتغل بالتدريس في هجرة العر وتولى القضاء بالنيابة، كما منح لقب مُرشد ناحية عُتمة في العهد الجمهوري تقديراً لمواقفه الوطنية، يذكر القاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) عن المرحوم محمد بن محمد عبدالجبار: "وله يد كبيرة على كتابي "هجر العلم ومعاقله في اليمن" فقد أمدني بمعظم تراجم علماء أسرته وأخبارهم نقلاً من كتابه (السمط الحاوي الجامع لتراجم علماء بني السماوي)؛ وكذلك لبعض علماء عتمة.  ولد في العر في 23  جمادى الآخرة سنة 1330هـ، ووفاته فيها في 11ربيع الآخر سنة 1410هـ الموافق 1989م. من آثاره: تمييز أمَّة الصدق من الكذب، التوصل إلى تحريم التوسل، السمط الحاوي الجامع لتراجم علماء بني السماوي، عمدة البراهين في طهارة الميت من المسلمين.. وهو رد على أصحاب المذهب الزيدي الهادوي بأنه نجس، القواعد الشرعية فيما يجوز وما لا يجوز من الأوقاف والوصية، كلام الأثبات بعدم تقليد الأحياء والأموات، الحوار الدائر في مَن يَسب الدهر عند نزول الدوائر، الأسود العنسي على حقيقته، منهى المآرب شرح نصيحة الطالب، الموسوعة العربية في الألفاظ الضدية والشذرات اللُّغوية في تسعة أجزاء، اليمن رمز التحرر في الماضي والحاضر...
2- عبدالوهاب بن محمد بن محمد السماوي: عالمٌ في فروع الفقه وأصوله، والمعاني والبيان والنحو مع معرفة جيدة بعلم السُّنة، شاعر أديب. تولى القضاء في عدد من النواحي، كما تولى في العهد الجمهوري منصب محافظ لواء رداع، ثم وكيلاً لوزارة العدل، فوكيلاً لوزارة الأوقاف، ثم رئيساً للشعبة الثانية للمحكمة العليا للنقض والإقرار، وكان عضواً في الهيئة العلمية لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية. شارك الأحرار في أعمالهم ضد نظام الإمام يحيى بن محمد حميد الدين وأولاده.. وهو والد القاضي عصام السماوي رئيس المحكمة العليا حالياً – أطال الله عمره، وقال المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن): "وكنت أمدُّه بما يصل إليَّ من منشورات وصحف الأحرار من عدَن، كما كان يفعل الشيءَ نفسه، وكنا نتبادل الرسائل عند الحاجة".. ولد في العر سنة 1330هـ، وتوفي بصنعاء يوم الثلاثاء 27 ربيع الآخر سنة 1412هـ الموافق 5/11/1991م.. آثاره: التعامل في الإسلام.
محمية عتمة الطبيعية
تعد محمية عتمة من أهم المحميات الطبيعية المعلنة في اليمن نظراً لما تتميز به من تنوع بيئي وحيوي أكسبها طبيعة خلابة ‏ومعالم سياحية فريدة تأسر القلوب، ما أهلها لأن تصبح وجهة رئيسية لعشاق جمال الطبيعة ‏خصوصا في فصلي الربيع والصيف.‏  و تقع محمية عتمة "البرية" في محافظة ذمار على بعد 58 كم غرباً عن مدينة ذمار وعلى بعد 158 كم جنوب صنعاء. وتشمل سماه وحمير وبني بحر والسٌمل ورازح، وتتكون من سلاسل جبلية يقل ارتفاعها كلما اتجهنا غرباً حيث تمثل امتداداً للمرتفعات الغربية المتجهة نحو المناطق السهلية الساحلية والتي يتراوح ارتفاعها بين 920- 2800 متر عن مستوى سطح البحر . وقد أكسبها هذا الموقع مناخاً متميزاً يساعد على سقوط الأمطار في فصل الصيف والتي تصل إلى حوالي 800 ملم في العام . ويشكل الغطاء النباتي نسبة 80-90% من إجمالي المساحة، حيث تحتل المدرجات الزراعية الجبلية حوالي 50-60% ‏منها، والباقي تغطيه الأحراش والغابات والمراعي الطبيعية والتي تمثل 30% وتشتهر المنطقة بطبيعتها الساحرة ‏واخضرارها الدائم طوال العام، واحتواء المراعي فيها والغابات والأحراش على أنواع من الأشجار  والنباتات الطبية ‏والعطرية النادرة لاضافة الى بعض الحيوانات والطيور النادرة.‏ ودفعت الكثير من العوامل الطبيعية والبيئية الإنسان اليمني إلى استيطان هذه المنطقة منذ آلاف السنين نظراً لما تتمتع به ‏من خصوبة التربة والإنتاجية العالية للمحاصيل الزراعية وجودة المراعي والغابات الكثيفة والمعدلات الجيدة لهطول الأمطار، ‏إضافة إلى العيون والغيول المائية التي تنتشر في عدد من أرجاء المنطقة. ومن أهم المميزات السياحية لمحمية عتمة الطبيعي التي شكلت وتشكل عوامل هامة لجذب السياح المحليين والعرب والأجانب سواء للسياحة البيئية أو السياحة التاريخية‏، الأتي:
جمال الطبيعة: تمتاز محمية عتمة بجبالها الشاهقة التي تمتطيها المدرجات الزراعية والمراعي إضافة إلى الغابات ‏الكثيرة والوديان المنتشرة في معظم أجزاء المديرية ولاسيما منحدرات الجبال حيث مصبات السيول الأمطار وشلالات الينابيع ‏والغيول المائية المتدفقة على مدار العام والتي تشكل روافد أساسية لوادي رماع من الشمال والشمال الشرقي ووادي زبيد ‏من الغرب والجنوب الغربي.‏
التنوع البيئي والحيوي: تمتلك عتمة غطاءً واسعاً من الغابات والأحراش والمراعي التي تحتضن أنواعاً متعددة من ‏الأشجار والشجيرات والنباتات والأحياء البرية المختلفة.‏
الحمامات الطبيعية: مثل: حمام مقفد، وحمام السبلة، وغيرها..
الثروات المعدنية: لم تقتصر الكنوز على الغطاء النباتي في هذه المحمية وإنما كشفت دراسات وأبحاث بيولوجية ‏أجرتها فرق متخصصة عن وجود مؤشرات لتوافر معادن عديدة في جبال المحمية أبرزها الذهب والفضة والحديد سيما في ‏جبل "العَمل".‏
عتمة في ذكريات الأعلام
كتب الأستاذ/ أحمد عبدالرحمن السماوي في كتابه (مراحل من حياتي)، كوصف لقريته (العر) وتحديد لموقعها وما يحيط بها: تقع قرية العر أو هجرة العر أو بيت السماوي في خاصرة جبل شاهق قامت على أكتافه العديد من المرتفعات الجبلية المحملة بعشرات القرى، وتكلل قمته القلعة المعروفة بقلعة سماه. أطلق البعض على موقع القرية اسم الصفيف، أي الرف.
ثم ذكر أقسام قريته، فذكر القرية الوسطى: إحدى القرى الثلاث (الأقسام الثلاثة)، التي تتألف منها قريتنا، تقع وسطاً بيت القرية العليا والقرية السفلى. تسمى الحصون؛ متراصة بيوتها على حافة الجبل ومنها تتسع دائرة الرؤية؛ فتشرف شرقاً على منطقة الشعب، المنطقة الزراعية الرئيسية للقرى الثلاث، وعندما تنظر من نوافذ هذه الحصون أو من سطوحها نحو الغرب، فإنك ستطل على منظر بانورامي مدهش، يشمل: الشعيبة مع قبة وليها البيضاء، وبلاد الريمي، والقفر، والرحيبه، وسوق الخميس،...الخ. ثم ذكر القرية السفلى: وهي القسم الثالث من قريتنا، تقع أدنى الوسطى، ومن مميزات موقعها أن سكانها يشاهدون ما خفي على ساكني القريتين، العليا والوسطى، فهي تشرف على وادي التلوم، وسيلة النمر، وقرية المكربة ويشاهد الناظر للجهة الشمال شرقية منها: سيعور، ونمور، وسيلة فلاح، ومحجر الأحواد، ....الخ.
كما عرج على معابد وصفها أنها على شكل قبور، وقال: وثمة مواضع بجوار المسجد، يسمونها المعابد، منخفض مستواها عن صحن المسجد، وتشبه القبور؛ طول كل منها في حدود المترين، وعرضه متر واحد. وقد استخدمها الوالد لإخفاء كتبه بعد فشل ثورة 1948م. ويذكر الأجداد أن هذه الأماكن كانت مصلى يتهجد فيه بعض الصالحين، فإذا ما حان وقت صلاة الجماعة يتسلقون إلى المسجد ويدلفون إليه من فتحة في جداره، ما زالت تلك الفتحة موجودة حتى الآن، لكنها تحولت إلى خزانة لحفظ المصاحف وخاصة التالف منها. وهناك لوحة في سقف المسجد تشير إلى أن من بنى المسجد هو علي بن أحمد العابد في عام 990هـ/ 1582م. وقام بتجديد سقفه شرف الدين، الحسن بن إسماعيل بن صلاح بن أحمد بن سليمان السماوي عام 1171هـ/1757م. وقد وفقني الله سبحانه بصيانة المسجد وتوسيعه من الجهة الجنوبية؛ وتم الإنتهاء من العمل في شوال 1425هـ/ ديسمبر 2004م.
كما ذكر اللواء الركن علي محمد صلاح في كتابه (من مذكراتي اللواء الركن علي محمد صلاح) عتمة، بقوله: "...مركز الناحية في عتمة كان يسمى (مركز الحكومة) بهذا الإسم وما زالت البركة والجامع والسد إلى يومنا هذا أما الطريق فتمت سفلتتها في عهد الثورة وكانت تلك الطريق تقرب المسافات البعيدة بين القرى وهي من جنوب مدينة الشرق ومن عتمة شمالاً حتى الدليل في محافظة إب عبر مديرية القفر.. تعرفت في عتمة على (البلك).. وهم عسكر الإمام كانوا يسمونهم بهذا الإسم وهي سرية النظام ومعهم كاوش أي عنبر وكان يسمى بهذا الإسم (كاوش) يسكنون فيه وتوجد مقهويات يجهزن لهم القهوة ويعملن الخبز لهم مقابل مبلغ من المال يدفع لهن من كل واحدٍ وكان معهم أمير البلك فكنت استغرب وأنا أتفرج عليه وهو بتلك الدنادح والسماطة والقميص والمعطف والمحزق والطيار والجرمل وهي بندقية يحملها الجنود. أيضاً كان معهم البورزان يقوم الصباح والمساء بضرب نوبة صحيان ونوبة رقود وكان معهم شاوش هكذا، كانوا يسمونه وغيرها من الأسماء ومعظمها عثمانية وكذلك عرفت عامل الناحية وكانوا يسمونه عامل الإمام.
وكنت أنظر إلى ملابسه وكانت عبارة عن دجلة وعمامة وتوزة (جنبية) وغيرها.. وهذا يعني أنه كان فاضلاً ومميزاً وكان القاضي علي الحلالي وأصله من آنس ومن تربيه صنعاء وكان عامل الإمام يعامل الناس في الحكومة ويتولى أمورهم ويحبس ويأمر وينهي والعسكر من حوله وقطعة منهم في البوابة لا يدخل أحد عنده إلا بأذن منه وكان إذا أدان شخصاً بشيء يقول (خذو فلان واحبسوه) وإلا وقفوه عندكم.. ومعهم مكان (حبس).
وكان يوجد نظام وضبط وربط وكان معهم مكان للبغال ومكان للمحابيس وكان يقول هذا موقف في الحكومة لا تأخذوه الحبس بين المحابيس ويعتبر (حبس شرف) مثلما كان الإمام يوقف أو يحبس في المقام الشريف والحبس مختلف طبعاً ثاني وكانت دار الحكومة مكونة من ثلاثة أدور الدور الأول (للبغال) وفيه حبس ومكان للعسكر وللقطعة الذين في البوابة هم وبنادقهم المعلقات والقيود (المعلقات) مع مخزن للأمانات وأشياء أخرى. والدور الثاني للمقابلة والمقيل وللكتاب، وثالث دور على باب ودرج لوحده منفرداً يعتبر (سكناً لعائلته وأولاده) أو لأي أحد آخر يتعين عاملاً في عتمة.. وهذا هو سكن العامل.".
وتحت عنوان فرعي (مخلاف سماه متعلمون) يقول اللواء الركن علي محمد صلاح: "كانت عتمة خيّرة وطيبة ورائعة وكان العسكري إذا قد تحصل على خمسة أو ستة أوامر يعود وقد وضعه لا بأس به وكان يوجد أيضاً في مركز الناحية الشيخ/ عبدالواحد صلاح شيخ مخلاف سماه في عتمة لأن أبناء مخلاف سماه كان معظمهم متعلمين ومثقفين ويوجد معه بيت في نهاية المركز من الجهة الشرقية –بناه حديثاً – في ذلك الحين يقوم بمعالجة الناس من الأمراض بعلاج شعبي وطبي وكان الشيخ عبدالواحد صلاح منفتحاً على ما يبدو لأنه ذهب إلى الخارج أو تعز أو عدن تقريباً أو لأي مكان آخر.
كانت توجد له مزرعة تحت بيته في رأس الجبل وجوار سوق الأحد وهذه المزرعة فيها البرتقال وعنب العظام وفواكه أخرى لم تكن متواجدة في تلك الأيام في البلاد.. ومعه أيضاً ثلاث مزارع أخرى في المنطقة كان الناس يذهبون دورة أو نزهة إلى هنالك للمزرعة وفيها مختلف أنواع الفواكه وكان يوجد معه طاحون كنا نذهب لمشاهدة ذلك الطاحون كيف يطحن الحبوب وكيف يعمل لأنه كان شيئاً جديداً بالنسبة لنا أحضره من عدن، وكان الشيخ عبدالواحد صلاح الشيخ الوحيد المنفتح من مشائخ عتمة كلهم رغم أن مستواهم الاقتصادي والاجتماعي جميعاً جيداً.
كان يوجد في مركز الحكومة بعتمة بيت لا سلكي (بيت السلك) وكان يعمل برقيات ويعمل تلغراف للإمام ولنائب الإمام وللحكام والناس ينتظرون في المركز حتى يعود الجواب من الإمام وكان العامل والحاكم ينفذ عمله بموجب الرد من الإمام لا يستطيعون أن يخالفوا أية كلمة تأتي منه وينفذوه بحذافيره، كانت ترتعد فرائصهم من الإمام، كانت بيت السلك مثل المواصلات حالياً يسمونها التلغراف كما هو الآن البرقيات ترسل إلى الإمام ونوابه وبعض العمال وهم ينتظرون الجواب حتى تعود وعند عودة الجواب يعمل المسئولون على تنفيذ ما جاء به نصاً وروحاً.".
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الموسوعة اليمنية)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (موسوعة للقلاع والحصون في اليمن "تحت الطبع"/ للأستاذ الباحث أحمد الغراسي).
alarachi2012@yahoo.com

مديرية عتمة (1)



بسم الله الرحمن الرحيم

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية عتمة (الحلقة الأولى)
الفيروز آبادي يُبعث من جديد في شخصية القاضي المرحوم
محمد محمد عبدالجبار السماوي

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... يسرني في هذا المقال أنه أقدم لك تعريفاً بعالم يمني بارز من أعلام اليمن خصوصاً والعالم العربي والإسلامي عموماً؛ هو القاضي العلامة المرحوم محمد بن محمد بن عبدالجبار السماوي، مؤلف كتاب (الموسوعة العربية في الألفاظ الضدية والشذرات اللغوية) بإجزاءه التسعة الذي أحتوتها ثلاثة مجلدات، وهو من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، وقد أثنى الدكتور عبدالعزيز المقالح – أطال الله عمره – على هذا الكتاب، وقدم التهنئة للشعب اليمني (الذي يتعرض للعدوان) بصدوره..
في القرن العشرين ظهر نابغة على مستوى العالم العربي والإسلامي، ولا شك أن القاضي المرحوم محمد بن محمد عبدالجبار السماوي هو فيروز آبادي اليمن المعاصر الذي تفوق على نفسه وتفوق على جميع علماء اللغة العربي في عالمنا المعاصر.
وإني أقدم النصيحة لشبابنا أن يسارعوا إلى اقتناء كتاب (الموسوعة العربية في الألفاظ الضدية والشذرات اللغوية) فسيجد موسوعة عربية رائعة..
مديرية عتمة
عتمة: العُتُم بضم العين والتاء، تعني اسم نبات "شجر الزيتون البري"، وعُتمة تعني ظلمة الليل؛ لذلك فاسم عتمة ارتبط بالظلمة وبالزيتون البري، وهما صفتان من صفات منطقة عتمة، فالسحب البركانية وأشجار الزيتون البري أكسب هذه المنطقة صفة الظلمة.
تقع في محافظة ذمار جنوب غرب مدينة ذمار بنحو 52كم، يحدها من الشمال مديريتا المنار وجبل الشرق، ومحافظة ريمة (مديرية السلفية)، ومن الجنوب محافظة إب (مديرية القفر)، ومديرية وصاب العالي، ومن الشرق مديريتا: مغرب عنس والقفر، ومن الغرب محافظة ريمة (مديريتا مزهر والسلفية). تبلغ مساحتها 449كم2، وتتكون من العزل التالية: بروة: (جبل في عتمة غربي مدينة ذمار، يُطِلّ على واديد رماع وبني شيبه، ويشكل في أعماله مركزاً إدارياً)، بني أسد: (قبيلة ومركز إداري في جبل عتمه، غربي ذمار. أفاد الحجري أنهم يرجعون في نسبهم إلى قبائل سفيان. وقد كانت منطقتهم تُعرف باسم "قلعة الحَقَّيبه" وهي قلعة أثرية حصينة، وقمتها مسطحة تتوافر فيها المياه)، بني البحري: (مركز إداري من مديرية عتمة في غربي مدينة ذمار ومن أعمالها. فيه من القرى: التالبي، حصن عاطف، عَريجه، الهجره، الدار، الميهال. ومشائخ بني بحر هم آل السمحي.)، بني بعيث، بني حسين، بني رفيع: (مركز إداري من مديرية عتمة وأعمال ذمار، يشمل من القرى: الزهرة، عدانة، عساق، المعازب، الحُوَف، العباصي، وفيه مزارع وأملاك لبني معوضة.)، بني الزكري، بني سويد، بني عبدالصمد، بني العراس، بني عيوة، بني الغريب، بني غُصين: (بضم ففتح فسكون. مركز إداري من مديرية عتمة. يقع بالقرب من بلدة سماه وبه خامات الفضة.)، بني مرتد، التام، تهيجر: (مركز إداري من مديرية عتمة في غربي ذمار. فيها خرائب أثرية وقرى ومزارع وحصون.)، الثلث: (مركز إداري من مديرية عتمة. وهو في منطقة جبلية ومن بين قراه: الجُبجُب، العَترَه، الصَرحَه.)، جرفة، حلمة وبني أيوب: (حلمه: بفتحات بلدة ومركز إداري من أعمال عتمه. تشتهر بزراعة البن والموز والمنجه. وبنو أيوب: بلدة ومركز إداري من مديرية عتمة. تقع بجوار قرية حلمه في منطقة تشتهر بزراعة البن والموز والمنجه.)، حميرا بزار، الحوادث، حويز، الذراع، الربيعة، ربيعة بني بحر: (مركز إداري من مديرية عتمة. وهو يشمل منطقة واسعة تزرع أنواع الحبوب.)، رصب: (بلدة وقلعة في جبل سماه من مديرية عتمة. وهي مساكن آل الغابري.)، السفل السلف، الشرفي، الشرم السافل، الشرم العالي: (جبل ومركز إداري في عتمة. فيه المشائخ آل معوضة.)، الشعوب، الشقر وظلمان: (ظَلُمان: قريتان في عتمة غربي ذمار، ظلمان العالي والسافل.)، ضورة: (جبل ومركز إداري في  عتمة بالغرب من ذمار. من بلدانه: حَصَب، الشرف، الأشعور، المعاين، السهلة، الحفر. وهو من ذوات الآثار وفيه كرف للماء.)، العقد السافل، العقد العالي، على الشرقي، على الغربي، عمر، الغربي والطفني، الغربي والفجرة، القبل: (بفتحات: مركز إداري من مديرية عتمه. يقع أعلى جبل يُطِل على الوادي المزروع بأشجار البن. ومن ساكنيه آل الصمعدي. كما يعد من الأماكن الأثرية وفيه حصن قديم.)، القحصه: (بفتح فسكون ففتح. مركز إداري من مديرية عتمة. يقع بالقرب من منطقة حمير الوسط. وإليه ينسب آل القحصة المنحدرون من أولاد الحسن ابن الإمام حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبدالرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.)، القشب، القعد، كبيرة، اللكمة، المصانع: (جبل ومركز إداري من مديرية عتمة، يضم مجموعة قرى صغيرة منها: يَنَع، أجُله، الصَّافيه، الخَزَجَه، المَحَلّ، المَوكف، الخَطَّابيه، وغيرها.)، المطبابة: (بكسر الميم. جبل ووادٍ في عتمة من أعمال ذمار. بهما العديد من القرى، منها: وَقَاش، العرَّة، حُصن الذاهبي، جبل حبران، سوق الأحد، المرابض، سيلة همدان، المعين، سَبد، دار سِحيم، المصنعه، الحبله، بيت الولي، الدّار، وغير ذلك. وإلى هذه المنطقة يُنسب مشائخ عتمة: آل المِطبَابَه.)، المقنزعة: (مركز إداري من مديرية عتمة. من بين قراه: الأباره، الأجواس، نقيل بن عُباد، مسجف، الأشعاب، جبل الحرازي، القوز، شظوف، سلفه، النياح، المسانيف، كُمَّة فلاح، بيت الحَجَنه، بيت الخمري، المشراح، العارضه، جبل هاشم، جبل مُري، الحربه، وغير ذلك.)، المقرانة: (جبل في عتمه، فيه حروث ومزارع وعدد من القرى التي تشكل في أعمالها مركزاً إدارياً من مديرية عتمة. ومن هذه القرى: الشرف، المحاقرة، المدهونة، يَند، الصُوله، الذَبُوب، قراهد، المعزبه، عرنون، المقواري، وغيرها من المناطق التي لا تخلو من آثار قديمة، وكان الهمداني قد أورد هذا الجبل باسم: وَرَف.)، الناصفة، النوبتين: (بالتثنية. مركز إداري من مديرية عتمة. يشمل جملة قرى منها: عرون، والحُصن، والقصبه، وبيت الفلاحي، وغيرها.)، الهادلة: (مركز إداري من مديرية عتمة. منه قرية اليفاعي وقرية الزيله.)، هجاره: (مركز إداري من مديرية عتمة. فيه قرية تحمل ذات الاسم. وهو بالجنوب الشرقي من مدينة يريم بمسافة 34كم.)، يفاعة: (مركز إداري من مديرية عتمة، في غربي ذمار ومن أعمالها. يشمل من القرى: يفاعه، نوشان، القاهره، الظفير، الكوله، المقداح، الحصن.).
ويبلغ عدد سكان مديرية عتمة 145.284نسمة وذلك بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م..
وتقع مديرية عتمة ضمن الامتداد الطبيعي لسلسلة جبال السراة، وبالتحديد تقع بين خطي طول ( 43,50ْ – 44.50ْ)، وعرض ( 14.21ْ – 14,35ْ)، وتبعد عن مركز المحافظة غرباً حوالي (55كم) تقريباً، وبمسافة جوية حوالي (39كم)، كما تبعد عن العاصمة صنعاء جنوباً حوالي (102كم) مسافة جوية.
وتتكون عتمة من تضاريس مختلفة فنجد الجبال، والأودية، والهضاب وغيرها، فالقسم الغربي من المديرية عبارة عن ارتفاع حاد باتجاه سلسلة المنحدرات الغربية التي تقع ما بين (2600 – 2800م) عن مستوى سطح البحر المطلة على سهل تهامة والبحر الأحمر. وقيعان أودية عتمة ترتفع عن سطح البحر حوالي (920م).
وتعتبر مديرية عتمة من المناطق ذات نسبة عالية لهطول الأمطار، حيث يتراوح الهطول المطري منها ما بين (750-800م) في العام، وتسقط أغلب الأمطار في فترات الربيع والصيف والخريف، وأكثر مياه عتمـة تسيل في رماع، ويمر وادي رمـاع من شمالي عتمة، وينفذ إلى ما بين وصاب وريمة ثم إلى تهامة، ومنها ما يسيل جنوباً إلى قفر حاشد، ويتصل بوادي زبيد. وتتميز مديرية عتمة بمناخ معتدل صيفاً بارد شتاءً، وتتكون السحب الدخانية الكثيفة (الضباب) أثناء فصل الشتاء، وقد تصاحبها زخـات من المطر الخفيف..
وعتمة مديرية كبيرة من مديريات محافظة ذمار. وهي عبارة عن جبال شاهقة تغطيها المدرجات الزراعية والمراعي والغابات، وتتخللها الكثير من الوديان و الهضاب الزراعية ومسيلات المياه التي تصب في وادي رماع ووادي زبيد.
وقد كتب الشاعر الكبير المرحوم سليمان العيسى عن عتمة قائلاً:
يطيب الشعر في عتمه
وأنت تصافح القمة

وتشرد نسمة عذراء
تملأ صدرك النسمه

منازلها وكور النسر
تهوى فوقها النجمه

وتلثمها لتتركها
على أوتارنا نغمة

نعود إليك ذات ضحى
وينسى همنا همه

المعالم التاريخية والأثرية في مديرية عتمة
تعتبر مديرية عتمة أحد المسارح التاريخية التي دارت فيها أحداث منذ فترة ما قبل الإسلام، فقد أشار "الهمداني" في كتابه "صفة جزيرة العرب" إلى: "أن عتمة مخلاف واسع خصب التربة عظيم المنتجات، وقد ألحقه بيحصب العلو"، وذكر أيضاً فيه ورف، وقال إنه جبل فيه حروث ومزارع وقرى مندثرة، ويسمى اليوم المقرانة، وهي من ضمن مخلاف عتمة، وفي ورف آثار حميرية، وفي العصر الإسلامي أشار "عبد الرحمن بن الديبع" في كتابه "قرة العيون بأخبار اليمن الميمون" إلى : "ملوك عتمة بنو العتمي الحميريون والشراحيون ملوك وصاب والذين أزال ملكهم الصليحيون في سنة (455هجرية)، وفـي عصر الدولـة الرسولية تسلم المنصور سـنة (641 هجرية) حصن سماه، وقال: "التاج بن العطار" في ذلك:
مـا سماء الدنيا على بن علي

ببعيـد فكيف حصن سماوه

ملك يومـه لفتــح مبـين

في الأعادي وليلة في تلاوه

وسماوه هنا يعني بها سماه ، وهو الحصن المشهور وهو نفس مخلاف سماه المعروف والمشهور في مديرية عتمة، وإليه ينسب بني السماوي من بيوت العلم باليمن.
تنتشر في مديرية عتمة العديد من المعالم التاريخية والأثرية، ومن أهم هذه المعالم التالي:
1- الحصون التاريخية : وقد تميزت منطقة عتمة بقمم جبالها الشامخة والعالية بل والشاهقة في الارتفاع، وفي هذه القمم يوجد العديد من الحصون التاريخية المشيدة عليها والتي تمثل حماية طبيعية للمنطقة، ويعود تشييد تلك القلاع والحصون إلى فترات تاريخية مختلفة، فبني عدد منها على أنقاض حصون حميريـة قديمـة مثل: حصن يفاعة الذي أنشئ على أنقاض حصن "حميري" قديم استعملت حجارة الحصن القديم المنحوتة في بناء الحصن الجديد، وعدد آخر منها يعود إلى فترة الحملات العثمانية المتعاقبة أو تعود إلى عصر الدويلات الإسلامية في اليمن في صراعها فيما بينها.. كما تتميز هذه الحصون والقلاع بمواقعها المطلة على عدد من القرى الجميلة وعلى سهول تهامة الواسعة. ومن أشهر تلك القلاع والحصون:
- قلعة بني أسد وكانت تعرف بحصن الحقيبة في عزلة بني أسد.
- حصن الشرم لبني معوضة.
- قلعة سماه في عزلة علي الشرقي.
- حصن بومة عزلة بني البحر.
- حصن النبوتين عزلة النبوتين.
- حصن يفاعة في عزلة بني البحر.
- حصن حيدر عزلة بني سويد.
- قلعة الذاهبي عزلة المطبابة.
- حصن الحصين في عزلة الأتام.
- حصن المنظوف عزلة السفل.
- حصن المقنزعة عزلة المقنزعة.
- حصن الصنعة عزلة المطبابة.
- حصن الذهب الناطق عزلة حمير أبزار.
- حصن الحلبة عزلة بني الغريب.
2- المساجد التاريخية: تنتشر العديد من المساجد التاريخية في عزل المديرية ومنها على سبيل المثال "جامع الحقيبة في عزلة بني أسد من مخلاف رازح"، و"جامع الجوقة في عزلة الجوقة من مخلاف بني بحر". وتعتبر غالبية المساجد في مديرية عتمة من المساجد القديمة والتي يعود بناؤها إلى فترات تاريخية قديمة.
3- الأضرحـة: عرفت اليمن الأضرحة الخشبية منذ مطلع (القرن السابع الهجري) ويعتبر ضريح "المطهر محمد الجرموزي" من أهمها إذ أنه يحتوي على تاريخ أقرب إلى الواقع مقارنة بغيره، شُيد الضريح بتاريخ 20 ذي الحجة 1076هـ. وتنتشر العديد من الأضرحة والقباب للأولياء والصالحين، وعلى سبيل المثال  "الحميضة، الشرم السافل، وهجرة المحروم" وغيرها، وهي عبارة عن توابيت خشبية مزدانة بزخارف قوامها أشرطة نباتية وكتابية وأشكال هندسية جميعها منفذة على الخشب بطريقة الحفر الغائر، ولازال عدد من الأضرحة قائماً وبحالة جيدة. ويعتبر ضريح ومسجد الجرموزي من أهم الأضرحة في المديرية في هجرة المحروم من مخلاف سماه، وقد زين الضريح بزخارف كتابية من جوانبه الأربعة تشير إلى تاريخ مولد صاحب الضريح وهو في شهر محرم سنة تسع وألف هجرية، كما دون تاريخ وفاته في عشرين من شهر الحجة سنة ستة وسبعين وألف هجرية، والضريح عبارة عن تابوت خشبي مزدان بزخارف قوامها أشرطة نباتية وكتابية وأشكال هندسية جميعها منفذة على الخشب بطريقة الحفر الغائر، ويغطي الضريح قبة أقام بناءها عبدالرحمن بن مطهر سنة 1090هجرية وهو ابن صاحب الضريح ثم تحول الضريح إلى مسجد أما المسجد القديم الذي يوجد الآن خارج الضريح كان في الأصل مسجد القرية بناه الشيخ مطهر حسبما هو مدون في الألواح الخشبية لسقف المسجد، إبتداء إعماره في العشرة الأولى من شهر شعبان سنة خمسة وستين والف هجرية وهو الأن مسجد للنساء.
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الموسوعة اليمنية)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (موسوعة للقلاع والحصون في اليمن "تحت الطبع"/ للأستاذ الباحث أحمد الغراسي).
alarachi2012@yahoo.com

جامع الصحابي الجليل فروة بن مسيك

بسم الله الرحمن الرحيم

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في اليمن
جامع فروة بن مسيك.. مقارنة بين القرنين الرابع والرابع عشر الهجريين 

                             
إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. ها آنذا أقدم لك موضوعاًً آخر يختلف كلياًً عن المواضيع الأخرى التي اعتدت أن أقدمها لك على صحيفة الثورة الغراء، وهو موضوع عن جامع فروة بن مسيك المرادي، الصحابي الجليل، وهو من الصحابة الذين كان لهم شرف الصحبة مع رسولنا الأعظم، وكان لهم شرف نشر الإسلام وتوطيد دعائمه، ولاسيما في بلادنا في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه، وكان له فضل الجهاد، وهو لا يقل فضلاً عن الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد يقول القائل ما هي الرسائل التي يريد الأستاذ محمد أن يوصلها إلى القراء؟ وأقولها بكل صراحة وبصوتٍ عالٍ: أريد أن يسمعني أولو الأمر في عاصمتنا الحبيبة وعلى رأسهم معالي الوزير الأستاذ/ عبدالقادر هلال، هل يرضيكم أن يكون وضع المنطقة التي فيها مسجد الصحابي الجليل بهذه الصورة؟، هل يرضيكم يا أهل الإيمان والحكمة أن تكون المنطقة التي فيها مسجد الصحابي الجليل فروة بن مسيك المرادي المذحجي، الذي لا يقل فضله على اليمنيين عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل، وجرير بن عبدالله البجلي، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي وغيرهم من الصحابة الأجلاء الذين ذكر بعضهم الأديب الكبير المرحوم خالد محمد خالد أن تكون بها الشكل؟، وقد ركزت في مقالي هذا على وضع المنطقة

في العصر والزمان الذي عاش فيه المؤرخ الكبير المرحوم أحمد بن عبدالله الرازي المتوفى سنة 46هـ/1068م، وقد نقلت ما ذكره الرازي بالحرف الواحد من صفحة (90) إلى صفحة (93)، ليتسنى للقارئ الكريم معرفة الفرق الكبير بين نظافة موقع الجبانة والتي يطلق عليها الآن (المشهد) والتي يقع بالقرب منها جامع مسيك وبين الوضع الحالي في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين عصر الأدوات العلمية وعصر الرأسمالية.
وسيقول القارئ الكريم: ما هي الأسباب؟ والسبب واضحٌ جداًً لا يحتاج إلى بحث؛ لأننا انشغلنا بالسياسة وأهملنا معالمنا الروحية والتاريخية..

جامع فروة بن مسيك المرادي من كتاب (تاريخ صنعاء) للرازي

وقد روى المؤرخ أحمد بن عبدالله الرازي في كتابه (تاريخ صنعاء) من الصفحة 90 إلى الصفحة99، حول نظافة منطقة الجبانة، حيث قال الرازي: وكانت جبانة صنعاء ببابٍ واحدٍ وكانت الدور شارعة عن يمين وشمال، باسقة في الهواء عليها مساكن وغرف عالية من أنهاء العمارة وأحسنها صنعة وكانت أجل منازل صنعاء وكانت مساكن ولاة من يرد من العراق وحاشيتهم ممن يفد مع أولئك الولاة مع من  كان يسكنها من التجار والأغنياء وأهل الثروة واليسار، فكان إذا جاء يوم الأضحى أو الفطر أمروا عبيدهم وإماءهم فكنس كل واحدٍ منهم ساحة باب داره ورشوها بالماء فيصير الموضع كله نظيفاً مرشوشاً بالماء، ويبسطون حصر السامان ويجعلون على كل باب وفنائه تلك الحصر المفروشة والزلالي (المفارش) الرومي والطرسوسي والأرمني من الأحمر وغيره، ويطرحون الريحان والأزهار الطيبة والأنوار العبقة ويرشونها بماء الورد الكثير والكافور ويجعلون المقاطر الصفر الكبيرة بين الأفنية ويطرحون عليها من العود الرطب والند المتغالى في ثمنه وصنعته فيبخرون الموضع كله مع المصلى من صلاة الفجر إلى انصراف الإمام والناس من صلاة العيد، ويجعلون على كل باب من تلك الأبواب كيزان الماء الجدد قد برد لشرب الناس وكان ظل المصلي والجبانة ظلاً ممدوداً من تلك الشارعة عن يمين وشمال من علو سمكها وارتفاع بنيانها فكانوا يصلون صلاة العتمة في الجماعة في الجبانة آخر من يصلي في البلد كله وكانوا يأمرون بتأخير صلاة العتمة لأن يتمكن الناس في داخل البلد ويقضي من كان له حاجة من خوف سرعة خروج العاس لئلا يقع في أيديهم أحد مفاجأة، وكانوا قد اتخذوا من الصفر على تمثال صورة ثور مجوف على كل باب من تلك الأبواب حلقة صفر على هذا التمثال إذا ضرب بحلقة منها كان له صوت ودوي شديد فكانوا إذا قضوا صلاتهم أعني صلاة العتمة ضرب كل رجل منهم باب داره ضربة واحدة فسمع أقصى أهل البلد وأدناهم ودخلوا منازلهم، فيسير أهل البلد إلى منازلهم خوفاً من خشية العاس فكانت تلك علامة لأهل البلد كافة، قال: وكانت تسمى جبانة صنعاء جبانة بني جريش بن غزوان من الأبناء وكانوا أغنياء. وروي أن بعض الولاة بصنعاء كان له جارية حظية عنده وكانت من القيان فوجه بها إليه فأشخصت إلى الوالي بزبيد فأكرمت ورفعت منزلتها، فلما كان يوم عيد إما أضحى أو فطر ذكرت ما كانت فيه بصنعاء وذكرت يوم العيد بصنعاء وطيب جبانتها وما كان بها من الحسن والزينة وقالت في ذلك أبياتاً منها:
سقى جبانة لبني جريش

وخندقها أجش من الغمام

لعمرك للسقاية والمصلي

وغزلان به يوم التمام

أحب إلي من شطي زبيد

ومن رمع ومن وادي سهام

إلى هنا انتهى كلام المؤرخ الرازي...
البحث عن موقع مسجد مسيك (فروة بن مسيك) وزيارتي له
وقد قمت يوم الخميس 11 ربيع الثاني 1437هـ الموافق 21 يناير 2016م بزيارة إلى مسجد الصحابي الجليل فروة بن مسيك المرادي، وقد ورد في كتاب (يمانيون في موكب الرسول) ترجمة لفروة بن مسيك المرادي، حيث ذكر أن فروة بن مسيك المرادي هو الصحابي الجليل زعيم مراد ومذحج، وهو فروة بن مسيك بن الحرث بن سلمة بن الحرث بن كُريب بن زيد بن مالك بن مياء بن عُطيف الغطيفي بن عبدالله بن ناجية بن مراد المرادي، ومراد هو مُراد يحابر بن مذحج بن أدد بن زيد بن عمرو عريب بن كهلان بن سبأ. ولقد تزامنت وفادة فروة بن مسيك على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نزول قوله تعالى من سورة سبإ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15) ...إلى آخر الآيات من سورة سبأ، فسأل فروة بن مسيك النبي (صلى الله عليه وسلم) عن سبأ من هو؟..
وفروة بن مسيك هو صاحب رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وهو الذي عمر الجبانة (مصلى العيد)، وقد ذكر القاضي المرحوم محمد الحجري أن الرازي صاحب كتاب (تاريخ صنعاء) الذي حققه الدكتور حسين بن عبدالله العمري ذكر عن مسجد (فروة بن مسيك) أن ابن الروية  زاد فيه وأصلح. ومن العلماء الذين سكنوا صنعاء العلامة محمد بن إبراهيم الوزير صاحب (العواصم والقواصم..) و(العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشائخ) المولود في مديرية السودة في هجرة الظهراوين في منطقة شظب عام 775هـ، والمتوفى في 27 محرم سنة 840هـ في صنعاء عن عمر بلغ خمسة وستين عاماً، وقُبر بجوار مسجد فروة بن مسيك في الناحية الشمالية من صنعاء، وقد ذكر القاضي المرحوم محمد بن أحمد الحجري في كتابه (مساجد صنعاء عامرها وموفيها) أن قبر السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير يوجد في الجهة الشمالية  وهو صاحب كتاب (العواصم والقواصم في الذب عن سُنة أبي القاسم)، وأثناء زيارتي لمسجد مسيك في تاريخ 21/1/2016م  الموافق 11 ربيع الثاني1437هـ، ومن خلال سؤالنا عن مكان المسجد لم نجد أي شخص يدلنا على مسجد فروة بن مسيك,وغالب بل ومعظم من سألناهم يجهلون أن في منطقتهم مسجد قام ببنائه صحابي جليل اسمه فروة بن مسيك المرادي، وبعد البحث والتقصي اتضح لنا أن الاسم المعروف لديهم هو مسجد مسيك، ومن المعروف أن مسيك هو والد فروة،  وبعد أن وصلنا إلى مسجد مسيك وجدته مُقاماً، وقد زُبر في مقدمة صرح المسجد أنه تم إصلاحه وترميمه على نفقة الملك فيصل آل سعود، ثم دلفنا إلى المسجد وسألنا: أين يوجد قبر فروة بن مسيك؟؛ فكانت الإجابة عن سؤالنا مختلفة من شخصٍ إلى آخر، وبعد البحث والتقصي رجعنا إلى كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ، وقد ذكر (ابن حجر) في صفحة (293) من (كتاب الإصابة) أن فروة بن مسيك سكن في أخر حياته الكوفة.. وسألنا مجموعة من المصلين المتواجدين في المسجد عن قبر محمد بن إبراهيم الوزير فقالوا: إنه خارج سور المسجد وقمت بزيارة القبور المقبور فيها العلامة محمد بن إبراهيم الوزير والسيد العلامة أحمد الكبسي، رئيس علماء عصره، المولود في صنعاء في شهر ربيع الأول سنة 1239هـ والمتوفى في ذي القعدة سنة 1316هـ، والذي ترجم له المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجرالعلم ومعاقله في اليمن) في الجزء الرابع منه ص 1792، في موضوع (هجرة الكبس) بقوله: أنه رئيس العلماء في عصره، وهو عالم محقق في علم الحديث معنًى وسنداً، وفقهًا ومنطقًا وأن أهل صنعاء وأعيانها نصبوه للقضاء ولقبوه بشيخ الإسلام، ومن آثاره: كتاب (شمس المقتدي بشرح هداية المبتدي في المنطق).
وأثناء زيارتي للجامع المذكور قمت بتصوير المكان الموجود فيه القبر المذكور، وكان الباب الذي يدخل إلى القبر من خلاله مرتفعاً عن مستوى الأرض التي فيها القبور، وهو ما جعلني أجد صعوبة في النزول إلى هناك للوصول إلى جانب القبور لزيارتها والتبرك بزيارة قبر العلامة محمد بن إبراهيم الوزير، وقد نصحني زميلاي أنه يوجد صعوبة في النزول والصعود لا سيما أن القاعة التي فيها القبور أصبحت منخفضة جداً قد تتجاوز مسافة المتر، إلا أنني أصررت على النزول وذلك لسببين: الأول زيارة قبر المرحوم محمد بن إبراهيم الوزير والتبرك في قراءة الفاتحة له، والسبب الثاني كسب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، وبالفعل نزلت بمساعدة الأخوين المساعدين لي، وقد التقط الولد/ محمد سبل عددًا من الصور لي أنا والولد وليد الذعواني بجوار القبرين، وعند الانتهاء من ذلك بدأت صعوبة الصعود والخروج، فقام الولد/ وليد الذعواني برفعي من مكان القبور التي زرناها..
وقد وجدت القبور تقع في منطقة منسية يصعب على غير الباحث الوصول إليها لأنها تحتاج إلى عناءٍ ومشقة. ثم خرجنا إلى تجمعٍ شعبي كبير يسمى سوق فروة وهو معروف ومشهور في تلك المنطقة التي تعج بالكثافة السكانية، والتي تتوفر فيها المطاعم والصيدليات والدكاكين، والحركة الكبيرة في البيع والشراء، حتى أننا واجهنا ونحن على سيارتنا صعوبة في تجاوز ذلك الازدحام والسيول البشرية والكم الكبير من السيارات أثناء مرورنا من هذا السوق ونحن على السيارة، وقلت في نفسي: ما أحوج اليمن إلى دراسة معمقة للمجتمع الصنعاني وإحيائه والهجرة إليه من كل محافظات اليمن الموحد، لله درك ياصنعاء، إذا كان الحسن بن أحمد الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) قبل ألف ومائتي سنة ذكر أن صنعاء هي أم اليمن، وإذا تمعن الباحث سيجد هذه الحقيقة في عصرنا الحاضر وفي القرن الواحد والعشرين الميلادي، وفي الثلث الأول منه تحديداً، و في نفس الوقت ستتضح معالم التركيبة السكانية والعلاقة التي تحكم بينها سواء كانت في طبقات المجتمع الدنيا أو الوسطى أو العليا بأنها روابط متينة، وما أجهل الدول المعتدية على بلادنا خلال عام 2015م بالمجتمع اليمني عموماً والمجتمع الصنعاني خصوصاً وأن اليمنيين لديهم روابط قوية ومتينة، وأهم هذه الروابط إيمانهم بالله وثقتهم به، كما تجمعهم روابط النسب القوية بين كافة محافظات اليمن، فترى صاحب محافظة المهرة متزوجًا من صنعاء والعكس، وكذلك أبناء محافظة عدن متزوجين من صنعاء والعكس، ولا يسعني إلا أن أستشهد بقول المرحوم الأستاذ محمد محمود الزبيري:
ليت الصواريخ تعطيهم تجاربها

فإنها درست أضعاف مادرسوا

إلا أني لاحظت أن هناك إهمالاً كبيرًا  للنظافة، فمعظم الشوارع غير نظيفة وتتراكم القمامة فيها، لكن حركة  السكان وتنقلاتهم كانت قوية في البيع والشراء وتخزين البضائع..
والزيارة كانت تحتاج إلى تحقيق صحفي بارز يتناول كافة الأنشطة الاقتصادية والصحية بجميع جوانبها.
وقد التقطنا عددًا من الصور لمسجد الصحابي فروة بن مسيك المرادي وقبر العلامة محمد بن إبراهيم الوزير وقبر العلامة أحمد الكبسي، وصورًا لمنبر المسجد ومقدمته, وصورًا لأحد الأحجار المنحوت فيها بعض الكتابات ولكن صعب علينا قراءتها وهي موجودة أعلى الباب الموصل إلى قبة مسجد الصحابي فروة بن مسيك، وصورًا لأحد أعمدة المسجد ويوجد فيه حجر منحوتٌ عليه كلمتان لم نستطع قراءتهما، وصورة لشاهد قبر المرحوم العلامة محمد بن إبراهيم الوزير نحت فيها: سورة الفاتحة، هذا ضريح الإمام محمد بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى بن المفضل بن.... (ويتواصل سرد نسبه في الشاهد إلى:) بن الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين وعلى اللهم المطهرين إلى يوم الدين، وهو صاحب كتاب (العواصم والقواصم..) و(إيثار الحق على الخلق ..) وقد طمست بعض الكلمات في هذه الحجر نتيجة أعمال الترميم والتجديد للقبر من أعلى هذه الحجر المنقوش، والمتبقي من الكلام المنحوت في أعلاها (هو الحي الباقي)، وصورة أمامية لقبر العلامة أحمد بن محمد الكبسي، وصورة للقبر المجاور لقبر العلامة أحمد بن محمد الكبسي، ولم يتسنَّ لي معرفة صاحبه، وصورًا عدة تجمعني بالولد وليد الذعواني أمام قبر العلامة محمد بن إبراهيم الوزير يتوسطنا مشهد القبر (الحجر المنقوش عليه نسب المرحوم الوزير وسورة الفاتحة)، وهناك صورتان لجدار الغرفة الموجود فيها القبر. وبالإشارة إلى حديثنا حول ضرورة الاهتمام بنظافة المكان الذي لو كان قبر فروة بن مسيك في غير اليمن لوجد العناية التامة والشاملة للمكان والمنطقة كاملة..
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (تاريخ مدينة صنعاء للرازي/ تحقيق حسين بن عبدالله العمري/ الطبعة الثانية 1981م)، المكتبة التوفيقية – القاهرة)، (الإصابة في تمييز الصحابة/ للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني/ تحقيق خيري سعيد/ (تاريخ صنعاء لإسحاق بن يحيى ين جرير الطبري الصنعاني/ تحقيق عبدالله محمد الحبشي/ مكتبة السنحاني – صنعاء)، (مساجد صنعاء عامرها وموفيها/ جمعه القاضي العلامة المرحوم محمد بن أحمد الحجري/ الطبعة الثانية1389هـ دار إحياء التراث العربي – بيروت)، (من بواكير حركة التنوير في اليمن، المجموعة الأدبية والصحفية للقاضي أحمد محمد مُداعس/جمع وتحقيق وتقديم الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي/ شارك في الإعداد القاضي العلامة محمد إسماعيل العمراني/الطبعة الثانية من مطبوعات تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2011م، وزارة الثقافة)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)...
alarachi2012@yahoo.com

مديرية مغرب عنس

بسم الله الرحمن الرحيم

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية مغرب عنس
محدث اليمن.. الإمام المرحوم عبدالرزاق الصنعاني

                             
إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... يسرني في هذا العدد من صحيفة الثورة الغراء أن أقدم لك نبذة عن إحدى مديريات محافظة ذمار، وهي مديرية مغرب عنس والتي جمعت بين نقيضين؛ فيقال أنها مسقط رأس (الأسود العنسي) وفي نفس الوقت هي هجرة ذرية الإمام المرحوم عبدالرزاق بن هَمَّام الصنعاني الحميري (126هـ-  211هـ): العالم الجليل، والحافظ الكبير، والمحدث الثقة، والمفسر والمؤرخ، الصنعاني نسبةً إلى مدينة صنعاء التي سكنها ونشأ بها واشتهر فيها. وقد ذكر القاضي المرحوم محمد علي الأكوع أن من المغيثيين الحافظ عبدالرزاق بن همام الصنعاني.. والمغيثيون ينسبون إلى مقري بن الحارث بن زيد بن الغوث، وقد نسب الأستاذ محمد لطف عبدالرزاق في كتاب (محدث اليمن الإمام المرحوم عبدالرزاق بن هَمَّام الصنعاني الحميري) إلى القاضي العلامة يحيى بن أحمد الصديق أن "مقري هي قرية تابعة لمغرب عنذس".. وقد ارتحل إلى الإمام عبدالرزاق الكثير من علماء وفقهاء عصره، وقد ورد عن ابن خلكّان عن السمعاني أنه قال: ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما رحلوا إلى عبدالرزاق، وله كتاب (المصنف) وهو موسوعة عظيمة في الحديث، طبع في أحد عشر مجلداً اشتملت على (21033) حديثا مرتبة على أبواب الفقه، وعُني بتحقيقه الشيخ العلامة عبدالرحمن الأعظمي الباكستاني وهو من منشورات المجلس العلمي الباكستاني، وقد روى له الإمام أحمد في مسنده (1646) حديثاً، وروى له البخاري في صحيحه (120) حديثاً، وروى له مسلم في صحيحه (399) حديثاً، وروى له أبو داود في سننه (172) حديثاً، وروى له الترمذي في سننه (131) حديثاً، وروى له النسائي في سننه (99) حديثاً، وروى له ابن ماجه في سننه (76) حديثاً. وله تفسير للقرآن، قام بتحقيقه الدكتور محمود محمد عبده في ثلاثة مجلدات وقد طبع في الهند، والجامع، وكتاب الآمال في آثار الصحابة، وكتاب الصلاة، وله كتاب المغازي. توفي عن 85 عاماً. وقد أورد الأستاذ محمد لطف عبدالرزاق في كتاب (محدث اليمن ...) أبياتاً من شعره؛ هي:
كن موسراً إن شئت أو معسرا

لا بد في الدنيا من الهم

وكلما زادك من نعمة

زاد الذي زادك من غم

والجدير بالذكر أن مديرية مغرب عنس قد انتسب إليها العديد من العلماء والأدباء والشعراء، ومن أشهر العلماء المؤرخ الأديب المرحوم محمد بن حسن بن علي بن أحمد الشجني المتوفى سنة 1286هـ صاحب كتاب (حياة الإمام الشوكاني المسمى كتاب التقصار في جيد زمان علامة الأقاليم والأمصار شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني)..
مديرية مغرب عنس
تنسب عنس إلى "عنس بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر"، وعنس منطقة تاريخية أثرية تنتشر فيها العديد من المواقع الأثرية الحميرية والسبئية والإسلامية، ويُذكر أن قرى عنس تنتشر فيها العديد من الأطلال لمباني تاريخية وأثرية والتي تدل على دقة إبداع الحضارة اليمنية في العصور التي بنيت فيها هذه المباني.
تقع مديرية مغرب عنس في الجزء الجنوبي من محافظة ذمار يحدها من الشمال مديريتي المنار ومدينة ذمار، ومن الجنوب محافظة إب (مديرية القفر)، ومن الشرق مديرية عنس، ومحافظة إب (مديرية يريم)، ومن الغرب مديريتي عتمة والقفر. وتضم العزل التالية: أكمة الفتوح، نجاح، بني جبر، بني دهيم، بني طيبة، بني عفيرة، بيت الجبري، بيت الحجي، بيت نصر، الجنبين السافل، الجنبين العالي، حصمان، شجن، الشعيبة، قرظان، الكراية، معبرة، موشك، وتيح، وثن. وتبلغ مساحتها 247كم2، ويبلغ عدد مساكنها 7.917مسكن، وعدد الأسر 7.388أسرة، وعدد السكان 53.261نسمة.
وتشمل مديرية مغرب عنس المراكز الإدارية التالية: بنو طيبه: قبيلة ومركز إداري من مغرب عنس وأعمال ذمار، ورؤساؤهم بنو الورد"، مَوشِك: (لقب طائفة من آل يحيى بن يحيى بن الناصر ابن الحسن بن عبدالله بن محمد بن الإمام القاسم ابن الناصر أحمد بن الهادي يحيى بن الحُسين الرَّسِّي. وقد جاءت تسميتهم بالموشكي نسبةً إلى منطقة موشك في "مغرب عنس" من بلاد ذمار. ومن مشاهيرهم: العلامة والشاعر المرحوم زيد بن علي الموشكي الذي لقى ربه شهيداً عقب إخفاق الثورة الدستورية عام 1948م. ثم نجله العلامة محمد بن زيد الموشكي والذي تولى سكرتارية مجلس مجلس القضاء الأعلى. وكذا العلامة عبدالرحمن بن حسين الموشكي المتوفى سنة 14178هـ.)، حصن نجاح: (مركز إداري من مديرية مغرب عنس وأعمال ذمار. يضم القرى التالية: بيت الشتا، حصن نجاح، الفجور، الذِّراع، حمدين.)، بني عفيره: (بضم ففتح فسكون. مركز إداري من مديرية مغرب عنس وأعمال ذمار. سمي نسبةً إلى عفير بن الناسك بن زرعة بن حمير الأصغر وإليه ينسب آل العفيري أهل ذمار وإب.)، معبره: (بفتح فسكون ففتح. قرية كبيرة من مديرية مغرب عنس، تضم المحلات التالية: بيت إسكندر، الناحية، بني عُبيد، الهِجره، بيت سيلان، بيت الملوي، أكمة حسين، محل الريمي.
شجن: بكسر فسكون. مركز إداري من مديرية مغرب عنس. وممن نسب إليه: المرحوم القاضي حسين بن علي بن محمد الشجني (ت1211هـ) تقلد القضاء في ذمار زمناً وكان له اشتغال بالتدريس وله شعر. المرحوم المؤرخ الأديب محمد بن حسن بن علي بن أحمد الشجني المتوفى سنة 1286هـ صاحب كتاب (حياة الإمام الشوكاني المسمى كتاب التقصار في جيد زمان علامة الأقاليم والأمصار شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني). المرحوم الشاعر والدبلوماسي أحمد محمد الشجني المتوفى سنة 1410هـ.)،قرظان: (بفتحات. مركز إداري من مديرية مغرب عنس وأعمال ذمار. وينسب إليها "آل القرضاني")،وتيح: (بفتح فكسر فسكون. جبل يُشَكِّل في أعماله مركزاً إدارياً من مديرية مغرب عنس. يبعد عن مدينة ذمار غرباً بمسافة 45كم. وهو من ذوات الآثار وخاصةً في قرية مشرعه وقرية الجَبّ. كما أن به حصنين قديمين هما: الحصن العالي "ويحتوي على أسوار وبوابات وكروف ومقابر أثريه" والحصن السافل "الذي يتميز بمظاهر جمالية رائعة، وقد صار الأهالي يستخدمونه للسكن".)، الكرابه: (مركز إداري من مديرية مغرب عنس وأعمال ذمار. من قراه "كَنْون" وقرية "خَرَاشَه" التي يُنسب إليها آل الخَرَاشي.)،بني دُهَيم: ،وَثَن:(بفتحتين. مركز إداري من مديرية مغرب عنس وأعمال ذمار. تسكنه فخائذ من قبائل مذحج. ومن حصونه: القاهر والمنار.)، بيت نَصر: مركز إداري من مديرية مغرب عنس في غربي مدينة ذمار بمسافة نحو 40كم. من محلاته قرية ضُبه وفي أعلاها حصن، ثم خرابة الذبياني، وقرية الخرشف، وقرية حرف القضاة.)، بين الحجي، أكمة الفتوح،حصمان،الجنبين العالي والسافل..
ويتراوح إرتفاع مديرية مغرب عنس عن مستوى سطح البحر مابين1300إلى2800متر، والمديرية تتكون من المرتفعات مثل: جبل شمر الذي يقع في عزلة الكرابة العليا، وجبل الشوانف الذي يقع في عزلة نجاح، وجبل كمبه، وجبل الحصه، وجبل المناره الواقع في عزلة الجنبين العالي، وجبل أكمة الفتوح، وجبل موشك، وجبل ريمة الذي يقع في عزلة موشك، وجبل قفع في عزلة قرضان، وجبل الهجرة، وجبل ينعة في عزلة شجن.
أودية مغرب عنس
كما تشتهر المديرية بوجود الجبال وبطبيعتها الجبلية، فتشتهر أيضاً  بكثرة الأودية، ومن هذه الأودية: وادي خزة، وادي المحل، وادي الخنضع في عزلة قرضان، وادي هردة في عزلة وثن، وادي الجور في عزلة بني دهيم، وادي جهز في عزلة الجنبين السافل، وادي السبلي عزلة نجاح، وادي خميس، وادي القناوص، وادي بني محمد، وادي الصافية جميعها في عزلة شجن، وسائلة مرو في عزلة موشك، وسائلة الحائط في عزلة بيت الحجي ومن الوديان المائية وادي حمض،وادي الكنونة، وادي الروضة في عزلة قرضان، وادي الرحيبة في عزلة الشعيبة. كما توجد عدد من الغيول في كل كمن عزلة بيت الحجي،وبيت الجبري،حصمان،بني جبر، يعتمد أغلب العزل على مياة تلك الغيول والتي لا تفي باحتياجاتهم من المياه نظراً لأنها تجف في أغلب أشهر السنة وتزداد معاناة السكان بسبب ذلك، حيث أن الأمطار تسقط في فصل الصيف، والحرارة معتدلة في الصيف وباردة في الشتاء.
هجر العلم ومعاقله في مديرية مغرب عنس
- شجن: قرية وعزلة في المغرب العالي من مغرب عنس وأعمال ذمار، وتقع بحوار بني عفير والجنبيين من مغرب عنس، ومخلاف سماه من عتمة. ينسب إليها العلماء بنو الشجني، وكانوا يسكنون قرية الصفا ثم سكنوا قرية الحمومة في طرف العزلة من جهة الغرب. وقد ترجم القاضي المرحوم/ إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لعدد من أعلام هذه الهجرة منهم:
1- أحمد بن محمد بن صالح الشجني: وزير الإمام القاسم بن حسين، من أعلام المئة الثانية عشر للهجرة. عالم محقق في الأصول والفروع، جمع خزانة كبيرة من الكتب النفيسة، ونُكِبَ فيما بعد وأُخذ الكثير من أمواله، وذلك لأن الإمام القاسم بن حسين كافه بأخذ زكاة العلماء والأمراء والأعيان التي كانوا يصرفونها بنظرهم، فأجمع هؤلاء أمرهم على التمرد على الإمام، وعصيان أوامره، وخرجوا عن طاعته، فندم الإمام على إصراره على تنفيذ رغبته.
2- علي بن أحمد بن ناصر الشجني: عالم محقق في الفروع، له مشاركة في علوم العربية، تصدر للتدريس في المدرسة الشمسية في ذمار، وقال صاحبُ مطلع الأقمار: وكل الشيوخ الآن عالةٌ عليه؛ فما منهم أحدٌ إلا وهو قرأ عليه في شرح الأزهار والبيان والبحر. وكان مسموع الكلمة، مقبول الشفاعة. مولده سنة 1123هـ, ووفاته في ذمار سنة 1201هـ.
3- الحسين بن علي بن محمد بن صالح الشجني: عالم محقق في الفقه، شاعر، تولى القضاء في ذمار بالتراضي. توفي بذمار في 20 رمضان سنة 1211هـ.
4- الحسن بن علي بن أحمد بن ناصر الشجني: عالم محقق في الفقه، شاعر أديب، حافظ لأكثر شعر المتنبي والمعري، رحل إلى صنعاء، وتصدر للتدريس في مسجد نُصير، ثم عاد إلى ذمار، وانقطع للتدريس في (المدرسة الشمسية). من شعره:
من أخمل النفس أحياها وروَّجها

ولم يبت طاوياً منها على ضجر

إن الرياح إذا اشتدت عواصفها

فليس ترمي سوى العالي من الشجر

مولده في 5 ذي الحجة سنة 1153هـ، ووفاته بذمار سنة 1233هـ.
5- محمد بن حسن بن علي بن أحمد بن ناصر الشجني: عالم محقق في علوم كثيرة، ولاسيما علوم الحديث، مؤرخ شاعر انتفع بشيخه شيخ الإسلام الشوكاني فأخذ عنه في صحيح الإمام البخاري وغيره، وأجازه إجازةً عامةً في رجب سنة 1239هـ. اعتقله الإمام المرحوم الناصر عبدالله بن الحسن ابن المتوكل أحمد. مولده سنة 1200هـ، ووفاته 1286هـ.
6- عبدالله بن علي بن محمد بن علي الشجني: عالم في الفقه وعلوم العربية، أديب شاعر، اشتغل بعض الوقت في التدريس ثم انقطع عنه. كان ينقم على ظلم الإمام يحيى وظلم عماله فأمر الإمام باعتقاله في حبس ذمار حتى يتعهد أن لا يخوض في ما لا يعنيه فكتب القاضي عبدالله بن محمد العيزري تعهداً عليه هذا لفظه: أتعهد على القاضي عبدالله الشجني أن لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولو رأى كفراً بواحاً، أو فسقاً صُراحاً، فلما قرأ الإمام هذا التعهد أمر بإطلاقه من دون قيد ولا شرط. تولى صاحب الترجمة بعض الأعمال الحكومية في العهد الجمهوري، ثم تخلى عنها، وزاول مهنة المحاماة الشرعية. مولده في ذمار سنة 1337هـ، ووفاته فيها في جمادى الآخرة سنة 1401هـ.
- حرف عباس: ويسمى (حرف القضاة): قرية عامرة تقع هي وقرية ظبة وحصن ظبة في سطح جبل صغير مستطيل، فالحرفُ في حرف هذا الجبل من الشمال ويليه مباشرة قرية ظُبة ثم حصنها الذي يقع في الطرف الجنوبي من هذا الجبل، وهو أرفع مكاناً في القريتين. من عزلة بيت نصر من ناحية مغرب عنس، من أعمال ذمار، وتبعد عن مدينة ذمار بنحو أربعين كم من جهة الغرب. يسكنها القضاة بنو عبدالرزاق بن علي، وهم يقولون: إن نسبهم يتصل بالإمام عبدالرزاق بن همام الصنعاني: وقد يكون صحيحاً، ذلك لأن الإمام عبدالرزاق كان مولى للمغيثيين، وهم قوم كانوا يسكنون ذروان من مخلاف ذمار في مغرب عنس. وأول من عُرف من هؤلاء القضاة هو عبدالرزاق بن علي بن حفظ الله، كما ذكرهم المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) على النحو التالي:
1- إسماعيل بن عبدالله بن يحيى بن عبدالرزاق بن علي بن حفظ الدين: عالم محقق في علم الفقه والفرائض، له مشاركة في علوم العربية. تولى القضاء في حيس، ثم في المخاء سنة 1187هـ وخلال بقائه حاكماً فيها قام بحفر آبار هناك لا ستخراج المياه العذبة للشرب فانتفع بها سكان المخاء، وما تزال تلك الآبار تعرف بآبار القاضي. وقد خلَّف ثروة من المال والكاب. توفي في المخاء في جمادى الآخرة سنة 1205هـ.
2- حسن بن علي بن أحمد بن محسن عبدالرزاق: عالم في الفقه، مولده في 29 ربيع الأول سنة 1214هـ، ووفاته في ذي الحجة سنة 1279هـ.
3- علي بن أحمد بن محمد بن علي عبدالرزاق: عالم في الفقه، عمل في القضاء.
4- حسن بن محمد بن علي عبدالرزاق: فقيه عارف، مولده في شوال سنة 1260هـ.
5- أحمد بن علي بن يحيى بن عبدالله عبدالرزاق: فقيه عارف، كان ثرياً فوقف أكثر أمواله في سبيل البر والخير، ومنها أوقاف العلماء والمتعلمين في مغرب عنس وذمار. كانت وفاته سنة 1320هـ.
6- محمد بن يحيى بن حميد بن حسين عبدالرزاق: له معرفة بعلم الفلك، واهتمام بكتابة وتدوين الوقائع. اشتغل بالتدريس في هجرة خُراشة وفي ظُبة حتى سنة 1374هـ. مولده في جمادى الأولى سنة 1348هـ.
7- أحمد مسعد بن سعيد بن علي بن حسن الأحصب: عالم في الفقه والفرائض. كانت دراسته في ذمار، ونسخ لنفسه كتاب (شرح الأزهار) وغيره من كتب الطَّلب، وكتب بالأجر للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع (عُدة الحصن الحصين في أدعية سيد المرسلين). تولى القضاء في العهد الجمهوري في مغرب عنس لمدة خمس وعشرين سنة ثم عين عضواً في المحكمة الاستئنافية في ذمار. مولده في قرية الأحصب في 12 محرم سنة 1328هـ، ووفاته بذمار يوم الإثنين 15 جمادى الأولى سنة 1408هـ..
من قصص العرب التي ذكرت فيها عنس
وردت في كتاب (قصص العرب) قصة بعنوان (أجاره من الموت)، وقد أحببت أن أوردها في هذه الأسطر التالية خاصة وأنه ذكر فيها منطقة عنس وهي التي ينتمي إليها الأسود العنسي (وهو عبهالة بن كعب بن غوث، خرج بعد حجة الوداع في عامة مذحج، وادعى النبوة وكان كاهناً قتله فيروز وداذويه وقيس غيلة)، والقصة على النحو التالي: " أتى الأعشى الأسود العنسي وقد امتدحه فاستيطأ جائزته. فقال الأسود: ليس عندنا عين، ولكن تعطيك عرضاً، فأعطاه بخمسمائة مثقال دُهناً، وبخمسمائة حُلَلاً وعَنبراً. فما مر ببلاد بني عامر خافهم على ما معه، فأتى علقمة بن عُلاثة فقال له: أجِرني؛ فقال: قد أجَرتُك. قال: من الجن والإنس؟ قال: نعم! قال: ومن الموت؟ قال: لا!. فأتى عامر بن الطفيل، فقال: أجرني، قال: قد أجرتك. قال: من الجن والإنس؟ قال: نعم! قال: ومن الموت؟ قال: نعم! قال: وكيف تجيرني من الموت! قال: إن متَّ وأنت في جِواري بعثتُ إلى أهلك الدِّية. فقال: الآن علمتُ أنك أجرتني من الموت. ثم مدح عامراً وهجا علقمة؛ فقال علقمة: لو علمتُ الذي أراد كنت أعطيتُه إياه!"..
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الإعلان بنعم الله الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرأن/ تصنيف العلامة أحمد بن عبدالله السَّلمي الوصابي الشهير بالسَّانة/ تحقيق الأساتذة، محمد بن محمد عبدالله العرشي، علي صالح الجمرة، عبدالخالق حسين المغربي/المطبعة العصرية لبنان)،  (الموسوعة اليمنية/ تحت إشراف مؤسسة العفيف الثقافية)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (موسوعة للقلاع والحصون في اليمن "تحت الطبع"/ للأستاذ الباحث أحمد الغراسي)، خريطة المديرية المرفقة من إعداد م. أحمد غالب عبدالكريم المصباحي...
alarachi2012@yahoo.com


مديرية الحداء (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية الحداء (الحلقة الرابعة)
مسقط رأس شاعر اليمن الكبير المرحوم عبدالله البردوني

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... يسرني في هذا المقال على صحيفة الثورة الغراء الذي خصصته عن بعض أشهر أعلام مديرية الحداء، ومن أشهرهم الشاعر الكبير المرحوم عبدالله صالح البردوني الذي كان لي الشرف أن أدرس عنده قبل ثورة سبتمبر 1962م وقد تأثرت به كثيراً، وعند وفاته رحمه الله حاولت أن أرثيه ببعض الكلمات والأسطر التي كانت تعبر عن مشاعري وحبي له، وقد سبق أن نُشرت في صحيفة صنعاء اليمن في العدد (29) بتاريخ 5سبتمبر 2006م، وأوردها هنا:
(الأقلام تكسرت والأحبار جفت وتمزقت الصحف على النجم الذي غاب عن سماء أرض سبأ أرض الجنتين في مدينة أزال في باحة قصر غمدان الشهير الشاعر اليماني المولود في قرية البردون من بلاد الحدا واليها ينتسب كان يرى بقلبه لا بعينيه.. حروف الهجاء ناحت حزناً على الحكيم اليماني الذي شع علمه وأدبه على الناطقين بلغة القرآن والبيان والحديث والحكمة. لقد صاغ من علوم القرآن أدباًً انتشر عبقه إلى كل محافل الفكر والأدب. سل عنه منتدى أبي تمام سل عنه بغداد والقاهرة ودمشق ومطابع بيروت ستقول لك أنه كان ركناً من أركان الفكر والشعر في بلاد العرب. كان زاهداً متواضعاً يكره الظلم والاستبداد والنفاق وكان يردد أن الناس متكافئون فيما بينهم إلا بما يحملونه من علم أو يحسنونه من عمل نافع للناس في حياتهم.. كان يرى بقلبه كل ألوان الطيف وخبايا الضلوع والنفوس من خلال تحليل الكلمات والنصوص وتكاد أن تكون أشعاره ناراً ونوراً على الظالمين تحرق افئدتهم وعلى البائسين تخفف عنهم معاناتهم.. عرفه كل حاملي لواء الشعر والفكر  في كوكبنا الكبير وترجمت أشعاره إلى كل اللغات الحية. عرفه أدباء العالم ورجال الثقافة شجرة عطرة من ارض بلقيس وأختلف النقاد حول تصنيفه هل هو شاعر أم فيلسوف أم حكيم. استوعب حياة مجتمعه والمجتمعات الإنسانية وأستوعب البيئة وحياة الإنسان عبر العصور.. جبل نقم أهتزت أركانه وزلزلت أوتاده لموت الشاعر الحكيم. مكة والمدينة في شمال الجزيرة توشحتا بالسواد على رحيل فارس الكلمة في جنوبها والنيل ودجلة والفرات توقفت أنهارها حزناً على من تغنى بشعره أبناء الشام والعراق ومصر. فاس وشنقيط والزيتونة فقدت بغيابه بهجة لغة الضاد وسيبويه والزبيدي من جديد.. نعت اليونسكو باسم العالم رحيل الإنسان المتواضع المجاهد ضد الظلم والحرمان والفقر في كل أرجاء المعمورة. صنعاء حزينة أنها يتيمة بموت من كان جزءاً من نسيجها الاجتماعي ومنارة من مناراتها وفنونها وعماراتها الجميلة.. اليمن بسهولها وجبالها وبحارها فقدت من عاش لقضاياها وهمومها ومن ناضل في سبيل وحدتها وكتب للشجر والحجر والبحر والمطر للزرع للثمر كتب عن الفنون والحداء والغناء والزامل ومواسم الأمطار والزواج وهجرة الطيور والرجال..لكن يا وطني لا تيأس فلا تزال في ساحتك نجوم أخرى تدور في فلك سمائك تشع بعلمها وفكرها على كل سهولك وجبالك ياوطني.)
هجر العلم في مديرية الحداء
- العمارية: هجرة من هجر العلم في بلاد الحداء شرقي محافظة ذمار، ينسب إليها الفقهاء والعلماء(آل العمري)، أصلهم من مراد، ومنهم بها بقية. وكان من أشهرهم العلامة الفقيه محمد بن أسعد المرادي المذحجي أحد الدعاة أيام الإمام المنصور عبدالله بن حمزة (ت614هـ/1217م)، توجه إلى عجم العراق والجيل والديلم (فارس) وكان ممن أحضر معه كتب المعتزلة إلى اليمن. وفي العصر الحديث كان الفقيه القاضي علي بن محمد العمري (ت1182هـ /1770م) جد (آل العمري) بصنعاء وقد انتقل من هجرته واستقر بالعاصمة وعمل وزيراً للمهدي عباس وبها توفي. وقد أورد القاضي المرحوم إسماعيل الأكوع هجرة العمارية ضمن كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) بأنها قرية عامرة من مخلاف العابسية من ناحية الحداء. في الجنوب الشرقي من صنعاء. وقد ترجم القاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع في (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ (16) علماً من أعلامها..
من أشهر أعلام مديرية الحداء
1- الشاعر الكبير عبدالله البردوني: (1348-9/5/1420هـ /1929-30/8/1999م) عبدالله بن صالح بن عبدالله بن حسين هو شاعر اليمن الكبير في أواخر القرن العشرين صنفه الكثير من النقاد بأنه أحد القمم الشعرية العربية في أواخر القرن العشرين، وقد وصفته مجلة الكويت في عددها رقم (277) الصادر في سبتمبر 2002م بقولها: "وها نحن في هذا العدد نشحذ الحرف ليصل إلى هامة عالية مثل عبدالله البردوني الشاعر اليمني العربي الذي دعا إلى أن قال القائلون: هناك شعر حداثة، وشعر تقليد، وشعر عبدالله البردوني.. هكذا يظل البردوني وهجاً مشعاً أبداً.. ويظل الحاضر الغائب في كل مناسبة." وقد حصل على جائزة الأمم المتحدة (اليونسكو) حيث أصدرت عملة فضية عليها صورته عام 1402هـ،1982م، ولد في قرية "البردون" من قبيلة (بني حسن) في ناحية (الحدأ) شرقي مدينة ذمار، أصيب بمرض الجدري وفقد على إثرها بصره وهو في الخامسة أو السادسة من عمره، أنتقل إلى مدينة ذمار في الثامنة أو التاسعة من عمره، حيث أكمل تعليمه للقرآن الكريم حفظاً وتجويداً، ثم أنتقل إلى دار العلوم (المدرسة الشمسية)، ثم أنتقل وعمره 13 سنة إلى صنعاء ودرس بالجامع الكبير بصنعاء على يدي العالمين الجليلين أحمد الكحلاني وحميد معياد ثم التحق بمدرسة دار العلوم حتى حصل على إجازة من دار العلوم وتعين مدرساً بها، أصدر العديد من الدواوين الشعرية عدد (12ديوان) هي (من أرض بلقيس، في طريق الفجر، في مدينة الغد، لعيني أم بلقيس، السفر إلى الأيام الخضر، وجوه دخانية في مرايا الليل، زمان بلا نوعية، الترجمة الرملية لأعراس الغبار، كائنات الشوق الأخر، روائح المصابيح، جوّاب العصور، رجعة الحكيم بن زايد) وقد أصدر العديد من الدراسات أهمها: رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه، قضايا يمنية،فنون الأدب الشعبي في اليمن، اليمن الجمهوري، الثقافة الشعبية، تجارب وأقاويل يمنية، الثقافة والثورة، من أول قصيدة إلى أخر طلقة(دراسة في شعر الزبيري وحياته)، أشتات. نال العديد من الجوائز وهي: جائزة أبو تمام بالموصل عام 1391هـ/1971م، جائزة شوقي بالقاهرة عام 1401هـ/1981م، جائزة مهرجان جرش الرابع بالأردن 1404هـ/1984م،جائزة سلطان العويس بالإمارات 1414هـ/1993م. ومن شعره القصيدة الشهيرة (أبو تمام وعروبة اليوم) والذي يصف الوضع العام العربي ونورد منها الأبيات التالية:
ماذا جرى .. يا أبا تمام تسألني؟
عفواً سأروي .. ولا تسأل .. وما السبب

يَدْمَى السؤال حياءً حين نسألهُ
كيف احتفت بالعِدى (حيفا) أو (النَّقبُ)

من ذا يُلبي؟ أما إصرار مُعتصم
كلاَّ وأخزى من (الأفشينِ) ما صلبوا

أليوم عادت علوجُ (الروم) فاتحةً
وموطن العرب المسلوب والسلب

ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم
نَصدُق..وقد صدق التنجيم والكتب

فأطفأت شُهب (الميراج) أنجمنا
وشمسنا، وتحدت نارها الخُطبُ

وقاتلت دوننا الأبواق صامدة
أما الرجال فماتوا .. ثمَّ أو هربوا
ج
حُكامُنا إن تصدوا للحمى اقتحموا
وإن تصدى له المستعمر انسحبوا

هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم
ويدّعونَ وثوباً قبل أن يثبوا

ألحاكمون و"واشنطن" حكومتهم
واللامعون .. وما شعُّوا ولا غربوا

القاتلون نبوغ الشعب ترضية
للمُعتدين وما أجدتهم القرب

2- علي ابن زايد: يذكر المرحوم الشاعر الكبير الأستاذ عبدالله البردوني في مقدمة دراسته عن أقوال علي بن زايد "دراسة ونصوص" من صفحة (5) إلى صفحة (45) الصادرة عن مكتبة الإرشاد أن علي ابن زايد هو أشهر حكماء اليمن الشعبيين، واشتهر بهذا الإسم دون نسبه إلى قبيله أو إلى مكان، وأكثر الناس يرون أنه من أهل قرية منكث بالقرب من ظفار العاصمة الحميرية القديمة، والأدلة على هذا أقوى وأكثر من أدلة نسبته إلى أي مكان آخر، وهو نفسه ذكر في إحدى مقولاته الشعرية أنه من أهل منكث وفيها داره وأهله،كما أن بعض مقولاته تحتوي على عناصر لغوية هي من صميم لهجة هذه المنطقة وما جاورها. أما  عصره فلا يمكن تحديده إلا بأنه عاش بعد ظهور الإسلام، وبعد استقرار اللهجات اليمنية على الحال الذي هي عليه اليوم أو قريباً من ذلك، أما مجيء بعض مظاهر العبادات اليمنية القديمة في بعض مقولاته مثل:
يا غارتش يا الثريا

منازل الصيف زلت

 فليس إلا من قبيل رواسب من الماضي بقيت في عادات الناس، خاصة إذا لا حظنا أن الثريا لا يزال لها دور في حسابات المزارعين الموسمية إلى اليوم، فاستغاثته بها دون الله ليس إلا من هذا القبيل، وفي مقولاته أدلة كثيرة على إسلاميته.
والناس يطلقون على مقولاته الشعرية القصيرة اسم (الأحكام)، أو (أحكام علي بن زايد)، لأنها لديهم بمثابة الفتاوى الصحيحة في كل ما تتناوله من شؤون الحياة.
وأحكامه تتناول الحياة الزراعية وأحوالها، وحساباتها ومواسمها أولاً، كما تتناول بعض القواعد والأعراف الاجتماعية، وتتطرق أحياناً إلى أحوال الحياة وتصاريفها. والغالبية العظمى من مقولاته وأحكامه تأتي على هذا الوزن من بحر المجتث، وقد حكمها ابتداؤه لها كلها بقوله: "يقول علي ولد زايد" فهذا شطر من هذا البحر وما بعده يأتي على منواله.
وتروى له مقولات على أوزان شعرية أخرى قد يكون بعضها صحيحاً، ويبدو على معظمها الصنعة وبُعدها عن روحه وأسلوبه، كما أن بعض ما يأتي على وزنه المفضل (المجتث) قد يكون مما نسب إليه وليس له.
ولابد من الإشارة إلى أن علي بن زايد مجرد رمز لفلسفة الشعب، أو أصل لهذه الفلسفة تفرعت منها فلسفات تجريبية، وعلى هذا فحكميات علي بن زايد تجارب كل الشعب في مختلف فتراته، وإن قلت الفروق بين الفترات، حتى كأن كل هذه الأمثال والحكم تعبرر عن بيئة واحدة على تعاقب الأجيال.. ويمكن الآن الوقوف على فكرياته الحربية....
ومن قصائد الحكيم علي ولد زايد:
خيار الأحكام الإصلاح يدو من الدَّيَن نصفه والنصف لا راح له راح
باب الشريعة مغلَّقْ إن كان لا شي دراهم فالباطل أمضى من الحق
الشرع إذا بات ليله باتت حباله تقوى والحرب إذا بات ليله
باتت حباله تنوا
ذي ما يغارم ويغرم له المنايا تشله وما من الموت مهرب
ذي ما يجيب داعي الصوت يدعي وما حد يجيبه ومن يغيب ساعة الصدق
يغيب وما حد يردِّه
ما عُود وحده يُلِّص إلا بعودين مع عود بين إخوتك مُخطي
ولا وحدك مُصيب
عِزَّ القبيلي بلاده ولو تجرع وباها يسير منها بلا ريش
ولا مِلك ريش جاها
إذا معك جار مؤذي الصبر والله يزيله علي يقول ابن زايد
الجاه خير من المال فغارة المال تبطي وغارة الجاه في الحال
والمال إذا شل شَله كفاك عن التجداى وقال حميد بن منصور
الجاه ماهو على شي فالمال خير من الجاه والجاه ثوب مُصَبَّن
إذا نزل سيا إهجاه
3- الفريق حسن بن حسين العمري: هو قائد عسكري محنك وشجاع، سياسي مناضل مشهور، ولد بمسقط رأس الأسرة (هجرة العمارية) في بلاد الحداء شرقي مدينة ذمار، وبكتابها درس مبادئ الكتابة والقراءة. وفي العاشرة من عمره جاء صنعاء طلباً للعمل، كما هو شأن الكثير من أسلافة وأفراد أسرته القضاة والفقهاء والمقيمين بالعاصمة منذ زمن بعيد، فألحقته أسرته بمدرسة الأيتام التي تخرج منها عدد كبير من زملائه ممن كان لهم دور ريادي في الحركة الوطنية. ثم التحق بالمدرسة الحربية بصنعاء، وتخرج منها، وكان ضمن أول بعثة عسكرية درست في العراق )1354هـ/1935م). عمل بسلاح الإشارة، وكان من الضباط المشاركين في ثورة الدستور عام (1367هـ/1948م)، وبفشلها قُبض عليه فأمضى مع آخرين سبع سنوات في سجن حجة. وبعد خروجه من السجن عمل بوزارة المواصلات، وقام بدور وطني مهم في الإعداد لثورة 26 سبتمبر 1962م التي تعين في أول حكومة لها وزيراً للمواصلات وكان برتبة عميد في ذلك الوقت، ونال رتبة لواء في مطلع عام 1964هـ/1384م. وقد عين في 10 فبراير 1964م رئيساً للمجلس التنفيذي (مجلس الوزراء)، ثم شغل منصب نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة سنة 1384هـ - 1386هـ/ 1964 – 1966م، وكان أول من حمل رتبة فريق في الجيش اليمني وبها اشتهر. كلف بتشكيل أول حكومة في 6 يناير 1965م، وقام بعد ذلك بتشكيل ورئاسة خمس حكومات أخرها في 23 أغسطس 1971م جمع خلالها بين قيادته للجيش ورئاسته للحكومة وعضويته للمجلس الجمهوري (بعد 5 نوفمبر 1967م). برز دوره كقائد عظيم له دور مشهود في تحقيق النصر فيما عرف (بحصار السبعين يوماً) على فلول القوى المعادية للجمهورية والمحاصرين للعاصمة، وتم ترسيخ النظام الجمهوري. اعتزل السياسة بعد تحقيق السلام، ومنح  أعلى وسام (وسام السبعين من الدرجة الأولى) في ذكرى العيد الفضي للثورة سبتمبر 1962م، ووافته المنية في مارس 1989م في أحد مستشفيات ألمانيا، ونقل جثمان إلى صنعاء حيث شيع في موكب جنائزي رسمي وشعبي كبير، ودفن في مقبرة الشهداء.. وقد كان له دور بارز في تحقيق استقلال القرار السياسيفي عهد دعم القوات المصرية للنظام الجمهوري، وقد تم احتجازه في مصر مع العديد من رجالات اليمن وكان له مواقف مشهودة مع الزعيم المرحوم جمال عبدالناصر والمرحوم المشير عبدالحكيم عامر، ومن أراد التوسع في معرفة الكثير عن هذه المواقف فعليه الرجوع إلى كتاب الأخ العزيز الأستاذ/ محمد الشعيبي (عبدالناصر والفريق العمري وحديث أوجاع نصف قرن 1945- 1995م.. رؤية تاريخية نقدية)..
4- أنور داعر البخيتي: أنور محمد حسين داعر البخيتي من مواليد عام 1984م بقرية الكراع في مديرية الحداء، يعمل في جامعة صنعاء.. حاصل على جائزة رئيس الجمهورية في الشعر عام 2014م،وقد جمعت قصائده في كتاب بعنوان (النَّارُ.. جَنَّةُ مَن عَصَى)، وقد ذكر الدكتور عبدالعزيز المقالح إحدى قصص شاعرنا الشاب أنور البخيتي، وأثنى عليه وعلق أيضاً عليها، نورد منها بعض الأبيات ثم نورد تعليق دكتورنا الأديب عبدالعزيز المقالح عليها:
قال بن داعر أصاب ذا الوقت حمى
والناس ما بين الحقيقة والإنكار

به ناس تغرق في وسطرسطل من ما
وناس تعبرها محيطات وأنهار

وناس ما تقرى ولا هي بعميّ
وناس لا فكره معاها ولا أفكار

وناس لا تنطق ولا هي بعجمى
وناس لا تسمع ولا شي لها أخبار

وناس من شمس العوافي بتحمى
وناس ما تحرق ولو هي على الطار

وناس نعرفها ولكن بلا أسما
وناس تبقى في صدى الوقت تذكار

وناس تسكر بس لا الليل ظلمي
وناس ما تسكر ولو هي في البار

وناس ما تشرب ولا هي بتظمى
وناس لا جنه معاها ولا نار
وقد علق على هذه القصيدة الدكتور المقالح قائلاً: "وهنا من خلال هذه القصيدة البديعة التي تقترب من الفصحى وتتماهى مع مفرداتها، أتوقف لكي أرد على أولئك الذين يخافون على العربية الفصحى من شعر العامية، وهو تخوف لا مبرر له فقد تعايشيت الفصحى والعامية منذ أقدم العصور...."..
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (عبدالناصر والفريق العمري وحديث أوجاع نصف قرن 1945- 1995م.. رؤية تاريخية نقدية/ محمد الشعيبي/ طبع بمطابع المفضل للأوفست - صنعاء)، (النار جنة من عصى/أنور داعر البخيتي/ الديوان الحاصل جائزة رئيس الجمهورية في الشعر عام 2014م)، (من بواكير حركة التنوير في اليمن.. المجموعة الأدبية والصحفية للقاضي أحمد محمد مداعس/ جمع وتحقيق وتقديم الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي/ ساهم في إعداد المجموعة الأدبية القاضي العلامة محمد إسماعيل العمراني/ مطبوعات تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2010م)، (الموسوعة اليمنية/ تحت إشراف مؤسسة العفيف الثقافية)، (أقوال علي بن زايد/ دراسة بقلم الشاعر الكبير عبدالله البردوني/ مكتبة الإرشاد – صنعاء)، خريطة المديرية المرفقة من إعداد م. أحمد غالب عبدالكريم المصباحي...
alarachi2012@yahoo.com