الاثنين، 22 ديسمبر 2014

ظهور كتاب (بدر التمام شرح بلوغ المرام)

بسم الله الرحمن الرحيم

بشرى سارة لعلماء الحديث في اليمن والعالم العربي والإسلامي
بظهور كتاب (بدر التمام شرح بلوغ المرام)   
                                                                                                                بقلم/محمد محمد العرشي
خبير وطني في الإدارة ومستشار قانوني

أخي القارئ الكريم ...
أستميحك عذراً أن أتناول في هذا العدد موضوعاً أخر ليس له علاقة بالكنوز الحضارية في محافظة إب وإنما أيضاً له صلة بالكنوز العلمية التي تزخر بها بلادنا والمتمثلة بالمئات بل بالآلاف من المخطوطات النادرة في كثير من المجالات ويسرني أن أزف إلى القارئ الكريم وعلماء الحديث في اليمن والعالم العربي والإسلامي بشرى ظهور بدر التمام في شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام والذي قام بتأليفه الإمام المجتهد القاضي الحسين بن محمد بن سعيد المغربي قاضي صنعاء وعالمها ومحدثها، ولقد ظهر بدر التمام في سماء اليمن الموحد التي لاتزال تواصل عطاءها العلمي في مجال الحديث والسنة النبوية من عهد معمر بن راشد من القرن الثاني الهجري إلى بداية القرن الخامس عشر الهجري من خلال شيخ الإسلام القاضي العلامة المجتهد محمد بن إسماعيل العمراني – أطال الله عمره – حيث ظل هذا الكتاب محجوباً لقرنين من الزمن تقريباً وكان علماء الحديث في العالم العربي والإسلامي يتشوقون إلى الإطلاع عليه ورؤيته مطبوعاً لأنهم لم يطلعوا إلا على كتاب (سبل السلام) الذي أختصره الإمام المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير من كتاب شيخه الحسين بن محمد المغربي وقد ذكر ذلك إبن الأمير في مقدمة كتابه سبل السلام حيث قال: "فهذا شرح لطيف على بلوغ المرام، تأليف الشيخ العلامة شيخ الإسلام أحمد ابن علي بن حجر أحله الله دار السلام اختصرته عن شرح القاضي العلامة شرف الدين الحسين بن محمد المغربي أعلى الله درجاته في عليين، مقتصراً على حل ألفاظه وبيان معانيه قاصداً بذلك وجه الله. ثم التقريب للطالبين فيه والناظرين" انتهى . ومن المعروف أنه قد ظهر الكثير من العلماء اليمنيين المجتهدين إجتهاداً مطلقاً منهم الإمام يحيى بن الحسين والعلامة نشوان بن سعيد الحميري والإمام العلامة يحيى بن حمزة والإمام العلامة يحيى بن أبي الخير العمراني والعلامة جمال الدين الريمي والعلامة إسماعيل أبن أبي بكر المقري والعلامة محمد بن إبراهيم الوزير والعلامة الحسن بن أحمد الجلال والعلامة صالح المقبلي، وفي القرن الحادي عشر ظهر العلامة الإمام المجتهد الحسين بن محمد بن سعيد المغربي اللاعي الصنعاني مولداً و نشأةً ولد في صنعاء عام 1048هـ وقد أخذ العلم من أشهر علماء عصره حتى بلغ درجة الاجتهاد وقد وصفه الإمام الشوكاني في كتابه (البدر الطالع) بأنه عالم صنعاء وقاضيها ومحدثها وقد وصفه كتاب (نفحات العنبر) لمؤلفه إبراهيم بن عبدالله الحوثي بأنه أمام العلوم والنظر وقدوة من بدا و حضر ووصفه العلامة إبراهيم بن القاسم بأنه بحر البحور ودرجة عرفان يمر بها الفصل والحلم وقد تولى القضاء والإفتاء والتدريس في مدينة صنعاء في عصر الإمام المهدي أحمد بن الحسن والإمام المهدي محمد بن أحمد وقد ترجم له العلامة محمد بن محمد زبارة في كتابه (نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف) ووصفه بأنه كان محققاً في الأصول والفروع وكان في الحديث حجة وثبتاً.  وقد تمكن هذا العالم الجليل من شرح بلوغ المرام لشيخ الإسلام أبن حجر العسقلاني في القرن الحادي عشر الهجري مما جعله من أشهر رجال الحديث وعلوم السنة في العالم الإسلامي أليس هو شيخ وأستاذ الإمام المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير وكتابه (سبل السلام) الذي أشتهر في جميع أنحاء العالم الإسلامي على الإطلاق، وقد ترجم إلى اللغة التركية كما ذكر القاضي إسماعيل الأكوع – أطال الله عمره – في كتابة (هجر العلم ومعاقله في اليمن)، وهو مختصر من كتاب (بدر التمام) للإمام المغربي، وللعلامة المغربي أيضاً رسالة في حديث 0أخرجوا اليهود من جزيرة العرب) رجح فيها أنه يجب إخراجهم من الحجاز، وقد توفي العلامة الحسين بن محمد المغربي كما ذكر ذلك المؤرخ محمد بن محمد زبارة في كتابه (نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف) في رجب سنة 1119هـ. كما ظهر أيضاً في القرن الحادي عشر تلميذ الإمام القاضي حسين بن محمد المغربي الإمام المجتهد محمد بن إسماعيل الأمير والذي قام بتأليف كتاب (سبل السلام) والذي أختصره من كتاب شيخه المغربي (بدر التمام شرح بلوغ المرام)، وفي القرن الثاني عشر ظهر أيضاً الكثير من العلماء المجتهدين وعلى رأسهم الإمام العلامة المجتهد الحسن بن إسماعيل بن الحسين المغربي حفيد العلامة الحسين بن محمد المغربي صاحب كتاب (بدر التمام شرح بلوغ المرام) الذي وصفه الإمام الشوكاني بأنه كان زاهداً ورعاً عفيفاً متواضعاً متقشفاً، وأنه كان يقف بين يديه للقراءة نحو عشرة علماء مجتهدين بل ومؤلفين وأنه قد قرأ عليه شرح بلوغ المرام لجده وقطعة من صحيح مسلم وقطعة من شرحه للنووي وجميع سنن أبي داوود ومختصر المنذري وقال أن شيخه المغربي هو الذي أرشده إلى أن يشرح المنتقى لإبن تيميه وأنه قد بدأ في تأليفه في حياة شيخه وهو كتابه المعروف بــ(نيل الأوطار) والذي أشتهر في العالم الإسلامي قاطبة حتى أن المثل المصري يقول (بيع الدار وأشتري نيل الأوطار)، وقد رثاه الإمام الشوكاني بالأبيات التالية:
قضى العالم النحرير والسابق الذي


غدا موته في الناس أحدى العظائم

قضى البحر في كل المعارف عن يد


فَوَاهاً على بحر الهدى المتلاطم

فمن للتفاسير العويصات بعده


إذا حيرت أبحاثها كل عالم

 كما ظهر في القرن الثاني عشر العلامة عبدالقادر بن أحمد والإمام العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني، ومن هذا يتضح لك أخي القارئ أن العالمين الجليلين الإمام العلامة المجتهد الحسين بن محمد المغربي وحفيده الإمام العلامة المجتهد الحسن بن إسماعيل المغربي كانا من أكبر علماء السنة والحديث في اليمن ويكفيهما فخراً أنهما شيخي الإمام العلامة محمد إسماعيل الأمير والعلامة محمد بن علي الشوكاني.
 أخي القارئ الكريم...
سوف أحاول أن أقوم بالتعريف ببدر التمام شرح بلوغ المرام لبعض القراء الذين ليس لديهم أي معلومات عن هذا الكتاب: هو كتاب بدر التمام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام حيث قام العلامة الحسين محمد المغربي بشرح متن بلوغ المرام من أدلة الأحكام للحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني المولود في 773هـ والمتوفى 853هـ ، والذي قام باختصاره الإمام محمد بن إسماعيل الأمير في كتابه المعروف بـ(سبل السلام) إلا أنه لم يشار في غلاف الكتاب في طبعاته المتتالية إلى أنه مختصر من كتاب (بدر التمام) مما أدى إلى نسيان كتاب (بدر التمام) ونسيان مؤلفه إلا أن علماء الحديث والخاصة يعرفون أنه مختصر من كتاب بدر التمام للإمام القاضي المغربي، ولاسيما وأن أبن الأمير قد أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه (سبل السلام) كما أشرنا سابقاً، وقد وصف الإمام الشوكاني كتاب (البدر التمام) بأنه شرح حافل نقل ما في التلخيص من الكلام على متون الأحاديث وأسانيدها، ثم إذا كان الحديث في البخاري نقل شرحه من فتح الباري، وإذا كان في صحيح مسلم نقل شرحه من شرح النووي وتارة ينقل من شرح السنن لأبن رسلان. وقد ظل علماء الحديث في العالم الإسلامي يتشوقون للإطلاع على كتاب بدر التمام من تاريخ نشر كتاب سبل السلام، حتى أراد الله أن يظهر هذا الكتاب حيث طبع ونشر هذا الكتاب في عام 2004م أي في بداية القرن الخامس عشر الهجري وحسب ما أفادني الأستاذ عبدالخالق بن حسين المغربي أحد أحفاد مؤلف بدر التمام أن والده المرحوم العلامة القاضي حسين بن محمد بن علي عضو المحكمة العليا ونائب مفتي الجمهورية المتوفى عام 1409هـ كان يتمنى طوال حياته أن يطبع وينشر كتاب جده وقد بحث عمن يقوم بتحقيقه وقد تم التواصل مع المحقق الدكتور محمود شحود خرفان بتعاون القاضي إسماعيل الأكوع والمرحوم محد حسين السدمي، وقام الأستاذ عبدالخالق المغربي بتصوير نسخة من النسخة الأصلية من البدر التمام التي بخط المؤلف والتي يمتلكها أحفاده، وعمل المحقق على هذه النسخة وقد ذكر أنه استغرق في تحقيقه عشر سنوات وقد طبعه في خمسة مجلدات في مطبعة الوفاء بجمهورية مصر العربية، وقد قام العلامة حسين محمد المغربي بشرح الأحاديث التي وردت في كتاب ابن حجر العسقلاني (بلوغ المرام) ومجموعها (1592) حديثاً حيث يقوم بإيراد عنوان الحديث وبعد ذلك يقوم بإيراد الحديث وراويه ثم يقوم بإيراد فقه الحديث وقام بتبويبه في سبعة عشر كتاباً وهي (كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، الجنائز، الزكاة، الصيام، الحج، البيوع، النكاح، الرجعة، الجنايات، الحدود، الجهاد، الأطعمة، الأيمان والنذور، القضاء، العتق، الجامع) وجميع هذه الكتب أشتملت على ستة وتسعون باباً كل باب أشتمل على عدة عناوين، حيث بلغت عدد جميع العناوين ألف ومائتان وستة وأربعون عنواناً، وقد قام المحقق بوضع العديد من الفهارس للكتاب وهي: (فهرس الأيات القرأنية، فهرس الأحاديث والأثار، وفهرس مصادر ومراجع التحقيق)، ويعتبر هذا الكتاب موسوعة إسلامية شاملة وهو جامع مانع حيث شمل العبادات والمعاملات والفقه المقارن ويعتبر مرجع لكل من يريد أن يتعرف على أحكام الشريعة الإسلامية من العبادات والمعاملات في السنةالنبوية.

 ولاشك أن المحقق قد بذل جهداً كبيراً في تحقيقه وإخراجه وكان له فضل السبق وكان الأحرى بالعلماء اليمنيين أن يتبنوا إخراج هذا الكتاب وتحقيقه والذي ظل ما يقرب من مائتي عام حبيس المكتبات العامة والخاصة إلا أن النهضة العلمية والأدبية وإنشاء الجامعات والكليات التي شهدتها اليمن في عصر باني نهضة اليمن وموحدها هي التي أوجدت المناخ العام الذي الذي صنفت فيه وحققت المئات من الكتب، وأن مجيء الدكتور محمد شحود خرفان كان بفضل هذا الإنفتاح في عصر النهضة العلمية التي تشهدها اليمن حالياً.

(كتاب البيان) للإمام يحيى ابن أبي الخير العٍمراني

بسم الله الرحمن الرحيم

من تراث اليمن العلمي
 بعد ثمانمائة سنة:
 (كتاب البيان) للإمام يحيى ابن أبي الخير العٍمراني
يظهر في اليمن الموحد على مشارف القرن الواحد والعشرين

                                                                                                                بقلم/محمد بن محمد بن عبدالله العرشي

أخي القارئ الكريم ...
تمتلك اليمن ثروة علمية لا يستهان بها والتي تتمثل بالآلاف من المخطوطات النادرة الموجودة في اليمن، والتي تحتويها العشرات من المكتبات العامة التي تمتلكها الدولة والمكتبات الخاصة ومكتبات الأوقاف في عموم اليمن، ويسرني في هذا المقال أن أذكر من هذه المخطوطات (كتاب البيان) للإمام يحيى ابن أبي الخير العِمراني والذي يعتبر موسوعة فقهية شاملة جامعة مانعة ليس في فقه المذهب الشافعي فقط بل وفي الفقه المقارن أيضاً، وسوف يسهم هذا الكتاب في إثراء الدراسات الإسلامية في الفقه والفقه المقارن في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
- كتاب المهذب ومصنفه الإمام أبو إسحاق الشيرازي:  إن كتاب البيان هو شرح لكتاب المهذب في الفقه الشافعي والذي قام بتصنيفه الإمام أبو إسحاق الشيرازي المولود سنة 393هـ والمتوفى سنة 476هـ ويعتبر كتاب المهذب في الفقه من أهم كتب المذهب الشافعي، وقد بدأ تصنيفه الإمام الشيرازي عام 455هـ وفرغ منه 469هـ أي أن تأليفه استغرق أربعة عشر عاماً وكان أحد المراجع الفقهية الهامة في الفقه الشافعي في عصره، وقد وُصف الكتاب بأنه كتاب جليل المقدار عظيم الإعتبار حيث استقصى الفروع مع أدلتها وبترتيب عجيب، وقد ذكر ابن سمرة الجعدي أن الشيرازي صنف المهذب مراراً حتى استقر رأيه على النسخة المجمع عليها وقد شرح المهذب العديد من الفقهاء حيث بلغت عدد شروح المهذب ثلاثة وعشرين شرحاً منها البيان. وقد طُبِع المهذب في مصر عام 1322هـ 1904م في جزئين.
أخي القارئ الكريم..
سوف نحاول أن نستعرض في هذا المقال المعلومات الهامة عن كتاب البيان وأهميته في مجال الفقه الإسلامي عموماً والمذهب الشافعي خصوصاً مع ترجمة لمؤلفه الإمام يحيى بن أبي الخير العِمراني.



- أهمية كتاب البيان: ذكر الملك الأفضل الرسولي: أنه لما قُدِم بكتاب البيان إلى بغداد جُعِل في أطباق الذهب وطيف به مزفوفاً، وقال الزبيدي أن أهل بغداد قالوا عن البيان: ماكنا نظن في اليمن إنساناً حتى رأينا البيان بخط علوان- هو والد أحمد بن علوان الصوفي المشهور –، وقال ابن سمرة الجعدي في كتابه (طبقات فقهاء اليمن): كتاب البيان كان كاسمه للشرع بياناً وللعلماء هدىً وتبياناً وأجاب فيه عن المعضلات وأوضح المشكلات وقسم الأوصاف والاحترازات، وقال الجندي في (السلوك في طبقات العلماء والملوك): البيان كتاب عظيم لا أشهى منه لنفس الفقيه، وقال العلامة أحمد بن موسى بن العجيل: لولا البيان لما وسعني اليمن. وقال عنه الإمام علي بن أحمد الأصبحي – المولود سنة 644هـ صاحب كتاب (معين أهل التقوى على التدريس والفتوى) والمتوفي سنة 703هـ  –  أنه: ما أشكلت عليَّ مسألة في الفقه وفتشت عنها في البيان إلا وجدت فيه بيانها وصح لي تبيانها، فجزاه الله عن الإسلام خيرا.وقد قيل في وصف الكتاب أنه جمع بين تحقيقات أهل العراق وتدقيق الخراسانيين.
- تحقيق كتاب البيان وطبعه: ظل الكتاب غير مطبوع إلى عصرنا الحاضر أي ما يقرب من ثمانمائة سنة حتى اراد الله له أن يظهر ويطبع في عام 2000م حيث قام بتحقيقه العلامة/قاسم بن محمد النوري وقد طبعته دار المناهج للطباعة و النشر وقد طبع البيان في ثلاثة عشر مجلداً، كل مجلد يحتوي على كتاب أو أكثر وكل كتاب يحتوي عدد من الأبواب وكل باب يحتوي على عدد من المسائل وكل مسئلة تحتوي على عدد من الفروع.  وقد اشتملت جميع المجلدات على الكتب التالية: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الجنائز، كتاب الزكاة، كتاب الصوم، كتاب الاعتكاف، كتاب الحج، كتاب البيوع، كتاب الرهن، كتاب الصلح، كتاب الحوالة، كتاب الضمان، كتاب الشَّرِكِة، كتاب الوكالة، كتاب الوديعة، كتاب العارية، كتاب الغصب، كتاب الشفعة، كتاب القِراض، كتاب المساقاة، كتاب الإجارة، كتاب السبق والرمي، كتاب إحياء الموات، كتاب اللقطة، كتاب اللقط، كتاب الوقف، كتاب الهبة، كتاب الوصايا، كتاب العتق، كتاب المكاتيب، كتاب عتق أمهات الأولاد، كتاب الفرائض، كتاب النكاح، كتاب الصداق، كتاب الخُلع، كتاب الطلاق، كتاب الرجعة، كتاب الإيلاء، كتاب الظهار، كتاب اللعان، كتاب الأيمان، كتاب العِدَد، كتاب الرضاع، كتاب النفقات، كتاب الجنايات، كتاب الديات، كتاب قتال أهل البغي، كتاب السِّيَر، كتاب الحدود، كتاب الأقضية، كتاب الدعاوي والبينات، كتاب الشهادات، كتاب الإقرار.
مضافاً إلى المجلدات الثلاثة عشرة السابقة المجلد الرابع عشر – كشاف دليل البيان – الذي احتوى على فهارس الكتاب وقد وضع المحقق أربعة عشر فهرساً وهي: (فهرس آيات الأحكام حسب ترتيب الكتاب، فهرس الأحاديث والآثار والأخبار، فهرس الأعلام، فهرس الأوزان والمقاييس، فهرس الفوائد على ترتيب المؤلف، فهرس القواعد، فهرس الأشعار، فهرس الكلمات المشروحة، فهرس الأمثال، فهرس البلدان والأماكن، موارد المؤلف، مصادر تحقيق البيان، فهرس الف بائي لمواضيع الكتاب، كشاف دليل البيان. وقد اعتمد المحقق على خمس مخطوطات لكتاب البيان وهي: النسخة الأولى والتي اعتمد عليها أساساً وتقع في أربعة مجلدات وهي في ملك آل الكاف، والنسخة الثانية وهي نسخة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا بعنوان (البيان في فروع الشافعية) وتقع في أحد عشر مجلداً وهي غير كاملة، النسخة الثالثة نسخة دار الكتب المصرية وتقع في تسعة مجلدات وهي غير كاملة، النسخة الرابعة أيضاً في مكتبة أحمد الثالث بتركيا بعنوان (البيان في الفقه على مذهب الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي، النسخة الخامسة نسخة مكتبة جامع المظفر بتعز جاءت بعنوان (البيان على مذهب الإمام إمام الأئمة فخر الأمة أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي وموجود منها الجزء الخامس فقط. وقد استغرق الإمام/العِمراني في تأْليفه لكتاب (البيان) ست سنوات واستغرق الباحث/ قاسم بن محمد بن نوري في تحقيقه أربعين شهراً (أي ثلاث سنوات وسبعة أشهر) وقد قيل إن الإمام/يحيى بن أبي الخير العِمراني عندما قام بتأليفه قرأ (المهذب) أربعين مرة، وقد ذكر الملك الأفضل العباس بن علي الرسولي أنه لم يقم بتأليف البيان إلا بعد أن طالع (المهذب) أربعين شرفاً أو أكثر، وإن الإمام يحيى بن أبي الخير لما فرغ من تصنيف البيان سأله تلميذه الفقيه الصالح محمد بن مفلح أن ينتزع مشكلات المهذب وحلها ففعل ذلك بكتابه (مشكل المهذب).
- الإمام/يحيى بن أبي الخير العِمراني: (بكسر العين وسكون الميم وفتح الراء) تُرجم له في العديد من المؤلفات منها كتاب (العطايا السنية والمواهب الهنية في المناقب اليمنية) وكتاب (السلوك في طبقات العلماء والملوك) وكتاب (طبقات صلحاء اليمن) للبريهي وكتاب (طبقات الشافعية الكبرى)، وقد ترجم له بالتفصيل في كتاب(العطايا السنة) تحت رقم (931): هو الإمام أبو الحسين جمال الإسلام شمس الشريعة يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن عبدالله بن محمد بن موسى بن عمران العِمراني، عماد الدين وقدوة المسلمين ومفيد الطالبين ومفتي الأنام، وقد ولد في قريته في مصنعة سَيَر (محافظة إب) التي تقع في شمال شرق الجند سنة 489هـ. وقد درس الإمام يحيى على خاله أبو الفتوح بن عثمان العِمراني والإمام زيد بن عبدالله اليفاعي وسراج الدين علي بن أبي بكر بن حمير الهمداني العلامة الحافظ المحدث، كما قرأ على موسى بن علي الصعبي العالم المحقق في الفقه، وكانت السيدة بنت أحمد الصليحي تجله وتعظمه وتقبل شفاعته. كما درس في بلدة (وحاظة)، من بلاد (حبيش) على العلامة (زيد بن الحسن)، وغيره، ومن جملة شيوخه أيضًا العلامة (عمر بن تبيش)، والعلامة (زيد بن عبدالله اليفاعي)، وغيرهم، حتى انتهت إليه رئاسة العلم والإفتاء في عصره، وقد درس لديه العديد من العلماء، أشهرهم ابنه أبو الطيب (طاهر بن يحيى)، الذي خلفه في حلقة مجلسه؛ لتدريس العلم. وقد أورد المحقق أسماء عدد العلماء الذين تتلمذوا على الإمام يحيى بن أبي الخير العِمراني وعددهم(87) شخصية وهم من أشهر علماء اليمن في ذلك الوقت، وتصدر للتدريس في بلده، ثم انتقل إلى بلدة ذي سفال وأقام فيها مدة، ثم انتقل إلى قرية (ذي أشرق) في وادي (نخلان)، من بلاد إبّ، قريبًا من مدينة (القاعدة)، وأقام فيها سبع سنوات. ثم انتقل إلى بلدة (ذي السفال) مرة ثانية، ومكث فيها مدة يسيرة، ثم مات فيها في 16ربيع الأخر عام 558هـ. من مؤلفاته:الانتصار في الرد على القدرية الأشرار، البيان في فقه الشافعية، كتاب الزوائد، غرائب الوسيط، الأحداث، شرح الوسائل للغزالي.  مناقب الإمام الشافعي.  مقاصد اللمع، مُشكل المهذب. وله مقطوعات شعرية متفرقة.
* وقد رجعنا إلى العديد من المراجع عند إعدادنا لهذا المقال وهي (البيان في مذهب الإمام الشافعي شرح كتاب "المهذب" كاملاً والفقه المقارن) تأليف/ يحيى بن أبي الخير سالم العِمراني الشافعي اليمني رحمه الله/ تحقيق/قاسم محمد نوري/طباعة دار المنهاج للطباعة والنشر والتوزيع، (العطايا السنية)للملك الأفضل العباس الرسولي/ دراسة وتحقيق/عبدالواحد عبدالله الخمري/ من مطبوعات وزارة الثقافة والسياحة، (هجر العلم ومعاقله في اليمن) للقاضي/إسماعيل الأكوع، (الحياة السياسية ومظاهر الحضارة في اليمن في عهد الدويلات المستقلة ) تأليف د/محمد عبده السروري/ من مطبوعات وزارة الثقافة والسياحة، (السلوك في طبقات العلماء والملوك) تأليف القاضي/أبي عبدالله بهاء الدين الجندي/ تحقيق القاضي المرحوم/محمد علي الأكوع، (الموسوعة اليمنيةج1 ط2) مادة (البيان كتاب) بقلم الدكتور/حسين عبدالله العمري، (موسوعة الأعلام اليمنيين على الإنترنت).

alarachi2012@yahoo.com

الأحد، 21 ديسمبر 2014

بكائية نثرية على رحيل الشاعر اليمني الكبير الأستاذ/عبد الله صالح البردوني


بسم الله الرحمن الرحيم 
بكائية نثرية على رحيل الشاعر اليمني الكبير الأستاذ/عبد الله صالح البردوني

بقلم /محمد محمد العرشي


الأقلام تكسرت والأحبار جفت وتمزقت الصحف على النجم الذي غاب عن سماء أرض سبأ أرض الجنتين في مدينة أزال في باحة قصر غمدان الشهير الشاعر اليماني المولود في قرية البردون من بلاد الحدا واليها ينتسب كان يرى بقلبه لا بعينيه
.......
حروف الهجاء ناحت حزناً على الحكيم اليماني الذي شع علمه وأدبه على الناطقين بلغة القرآن والبيان والحديث والحكمة.
لقد صاغ من علوم القرآن أدباًً انتشر عبقه إلى كل محافل الفكر والأدب.
سل عنه منتدى أبي تمام سل عنه بغداد والقاهرة ودمشق ومطابع بيروت ستقول لك أنه كان ركناً من أركان الفكر والشعر في بلاد العرب.
كان زاهداً متواضعاً يكره الظلم والاستبداد والنفاق وكان يردد أن الناس متكافئون فيما بينهم إلا بما يحملونه من علم أو يحسنونه من عمل نافع للناس في حياتهم.
........
كان يرى بقلبه كل ألوان الطيف وخبايا الضلوع والنفوس من خلال تحليل الكلمات والنصوص وتكاد أن تكون أشعاره ناراً ونوراً على الظالمين تحرق افئدتهم وعلى البائسين تخفف عنهم معاناتهم.
......
عرفه كل حاملي لواء الشعر والفكر  في كوكبنا الكبير وترجمت أشعاره إلى كل اللغات الحية. عرفه أدباء العالم ورجال الثقافة شجرة عطرة من ارض بلقيس وأختلف النقاد حول تصنيفه هل هو شاعر أم فيلسوف أم حكيم.
استوعب حياة مجتمعه والمجتمعات الإنسانية وأستوعب البيئة وحياة الإنسان عبر العصور.
......
جبل نقم أهتزت أركانه وزلزلت أوتاده لموت الشاعر الحكيم.
مكة والمدينة في شمال الجزيرة توشحتا بالسواد على رحيل فارس الكلمة في جنوبها والنيل ودجلة والفرات توقفت أنهارها حزناً على من تغنى بشعره أبناء الشام والعراق ومصر .
فاس وشنقيط والزيتونة فقدت بغيابه بهجة لغة الضاد وسيبويه والزبيدي من جديد.
......
نعت اليونسكو باسم العالم رحيل الإنسان المتواضع المجاهد ضد الظلم والحرمان والفقر في كل أرجاء المعمورة. صنعاء حزينة أنها يتيمة بموت من كان جزءاً من نسيجها الاجتماعي ومنارة من مناراتها وفنونها وعماراتها الجميلة.
......
اليمن بسهولها وجبالها وبحارها فقدت من عاش لقضاياها وهمومها ومن ناضل في سبيل وحدتها وكتب للشجر والحجر والبحر والمطر للزرع للثمر كتب عن الفنون والحداء والغناء والزامل ومواسم الأمطار والزواج وهجرة الطيور والرجال.
......

لكن يا وطني لا تيأس فلا تزال في ساحتك نجوم أخرى تدور في فلك سمائك تشع بعلمها وفكرها على كل سهولك وجبالك ياوطني.

السبت، 20 ديسمبر 2014

مؤتمر الحواس

أهدي هذا المقال إلى الأخوة والأخوات أعضاء لجنة الحوار، وكل عضو وعضوة معنيٌ بقراءة هذ المقال، لعله يجد فيه عبرة وعظة..
نامت إحدى العينان وأغمضت جفنها وبقيت الأخرى يقظانة وجفنها مفتوح , وبعد أن استيقظت النائمة, قالت النائمة للأخرى ما لي أراك مفزوعة وخائفة؟ ردت عليها وأنت مالي أراك فرحة وحالمة؟ يا سبحان الله عينان في جسم واحد ترى الواحدة مالا تراه الأخرى, قالت النائمة: لقد رأيت المستقبل والأرض خضراء ومزدهرة والأشجار مثمرة والأنهار تجري والغيول تتفجر ينابيعاً من شقوق الجبال, والشباب يعملون, وقالت الأخرى: لقد رأيت البيئة متدهورة والمياه أصبحت غائرة والصحراء تزحف رمالها على الأرض الزراعية فتغطيها برمالها، وأشجار السيسبان تزحف على الأرض الزراعية فتهلكها والشباب عاطلون عن العمل.
وتوقفتا قليلا وقالتا لو نتبادل الأدوار فيما بيننا؟ فتبادلتا الأدوار ورأت كل واحدة منهما ما رأت الأخرى, وبعد نقاش وحوار اتفقتا على أن الحلم لا يغير الواقع، بل لابد أن تعمل معهما باقي الحواس، واستدعيا بقية الحواس في الجسم فاجتمع العقل واللسان والعينان والإذنان والأنف والرأس واليدان والرجلان، وتحاور الجميع حيث شرحت العينان ما جرى بينهما من حوار وما رأيا في حلمهما. واتفقت جميع حواس الجسم أن تعمل متكاتفة لتغيير الواقع باعتبار أن الإنسان خليفة الله في الأرض و{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
فبدأ العقل يفكر ويبحث عن آلية للتغيير وبدأت الأذنان تسمعان خرير المياه، وحفيف الأشجار، وزقزقة العصافير، والحان الغناء، وأصوات الموسيقى، وغناء الفنانين، وأصوات الخطباء والشعراء والمذيعين، وبالمقابل بدأتا تسمعان ضجيج الآلات، وأصوات المرضى والمظلومين، وبكاء الأطفال، ونواح الثكالى، وأصوات دعاة السلام، وأصوات دعاة الحرب والدمار، وبدأت تسجلها وتحيلها إلى العقل ليقوم بدراستها وتحليلها لتساعده في إعداد آلية للتغيير.
وبدأت العينان تريا كل ألوان الطيف، وألوان الشجر والزهر والنباتات، واستمرتا تنظران إلى كل المناظر الجميلة، إلى كل ما خلق الله على هذه الأرض، وكيف تتحرك وتعمل الكائنات الحية في الظلام والنهار، وكيف تتعايش الحيوانات في الغابات والأدغال مع بعضها البعض، وكيف تعيش الحشرات وكيف تحافظ على نفسها، وتدافع عن حياتها، وبالمقابل استمرت العينان تريان ما يفعله الإنسان من تدمير الأرض والشجر والتربة ما أدى إلى القضاء على الغابات ونشر الحرائق والخوف، وكيف يقتل الناس بعضهم البعض لأتفه الأسباب، وواصلت العينان النظر في حياة الإنسان بإرسال كافة مناظر الحياة بأشكالها المختلفة إلى العقل ليقوم بدراستها وتحليلها لتساعده في إعداد آلية للتغيير.
وبدأ الأنف يعمل فقام باستنشاق كافة الروائح الجميلة للأزهار, للنباتات, للأشجار, للمواد, وبعد ذلك قام الأنف باستنشاق كافة الروائح الكريهة وتنبه أن معظم الروائح الكريهة هي من صنع الإنسان, وقام بإرسال ما توصل إليه إلى العقل ليساعده في إيجاد آلية للتغيير, وتساءلت الرجلان واليدان واللسان, وماذا علينا أن نعمله، وتحاورت طويلا عن ما يجب أن تعمله، ولم تتفق على أي عمل يجب أن تقوم به كل واحدة منهن، وبعد طول نقاش وأخذ ورد تم التوصل إلى أنه يجب الرجوع إلى العقل ليقوم بالتوجيه بالأعمال التي يجب أن تقوم به هذه الحواس, ولم تتنبه هذه الحواس أنها برجوعها إلى العقل قد توصلت إلى أهم قاعدة يجب أن تحكم نشاط حواس أفراد الإنسانية، وأن اللسان واليدين والرجلين لو رجعت إلى العقل في كل نشاط تقوم به لاستقامت حياة البشرية واستقرت, وتجنبت البشرية الكثير من الكوارث التي حدثت عبر العصور والأجيال، وأن أكثر المشاكل تكمن في تسرع اللسان واليدان والرجلان في ممارسة أعمالهن دون الرجوع إلى العقل، مما أدى إلى وجود الخلل في حياة البشرية .
واجتمعت الحواس في جسم الإنسان وعرضت كل حاسة ما عملت وقدمته للعقل إلا أن اللسان واليدين والرجلين شرحت للعقل عن توقفها واختلافها حول العمل التي يجب أن تقوم به والتي يجب أن تبدءا به.
وأجاب العقل لقد كنت متأكدا أن اللسان واليدين والرجلين سوف تتوقفان عن العمل, وترجع أليَّ باعتبار أن خُلق الإنسان السوي يستدعي أن يكون عمل اللسان واليدين والرجلين تنفيذياً لما يصدر العقل إليها جميعاً من توصيات وأوامر، وأن الخلل الموجود في حياة البشرية هو في عدم تقيد اللسان واليدين والرجلين بأوامر العقل وأن ما أصابته البشرية من نجاح منذ خلق البشرية إلى الآن هو التزام اللسان واليدين بأوامر العقل، فعمل العقل والأذنين والعينين يبدأ أولاً، وبعد ذلك يبدأ عمل اللسان واليدان والرجلان, وما أصاب البشرية من كوارث في كافة المجالات هي نتيجة تسرع اللسان واليدان والرجلان دون الرجوع إلى العقل.
واستمر مؤتمر حواس الإنسان في حوارٍ طويلٍ ونقاشٍ حول وظائف الحواس، والتوقيت والترتيب لعمل كل الحواس على التوالي والتوازي. وفجأةً سمع الجميع ضجيج وصوت مرتفع يحتج؛ لماذا تجاهلتموني؟ وبدأت الحواس تنظر إلى بعضها البعض وتتساءل من صاحب هذا الصوت لأن جميع الحواس متواجدة في مكان واحد، فجاء صوته معرفاً بنفسه: إني أنا الروح, وردت جميع حواس الإنسان الروح.. الروح. قال العقل: نعم لقد نسينا دعوتك للاجتماع، وربما أن غيابك هو أحد أسباب الخلل الذي نواجهه في عملنا. وكثيراً من الظواهر في سلوك الإنسان الذي نسكنه ولا نجد لها تبريرا مثل الحب والكراهية والحسد والغضب والفرح وغيرها من الظواهر والتصرفات السلبية والإيجابية في حياة الإنسان يمكن للروح أن يلعب دوراً إيجابياً في توجيه سلوك الإنسان، وضبط هذه الظواهر والتصرفات، وهي تؤدي وظيفة الكوابح لتصرفات الإنسان السوي.
وقام العقل بالنيابة عن حواس وأعضاء الإنسان بالاعتذار إلى الروح لعدم دعوته لحضور المؤتمر، ورحب به، وأستأنف المؤتمر أعماله. وقد قام الروح بالتأكيد بأن ما أصاب الإنسانية من دمار وخراب هو بسبب تخلي الحضارات الإنسانية عن الروح، وأن التاريخ البشري يشهد على ذلك، وتاريخ الحضارة اليونانية والرومانية والفرعونية والإسلامية والحضارة الغربية تؤكد أنه عندما تخلت هذه الحضارات عن الروح فإنها تدهورت وتدمرت، ودمرت غيرها بل ودمرت نفسها، وأن ما جرى في العصور الوسطى والقرن العشرين، وما يجري في بداية القرن الواحد والعشرين من حروب ودمار انتهت بكوارث كان ضحاياها ملايين البشر وتدمير كامل للبيئة وما فيها من مقومات الحياة، كل ذلك كان نتيجة لذلك. وإن التمسك بالمواثيق الدولية والأديان والأعراف جنب البشرية الكثير من المخاطر والمهالك , وتدخل العقل قائلاً: لا نستطيع أن ننكر ما يقوم به الروح في حياة الإنسان وهو الذي حافظ على إنسانيته وحال دون تحويله إلى حيوان، إلا أن العقل قد أسهم إسهاماً إيجابياً في تحقيق المئات من الإنجازات العلمية في الجوانب الصناعية والزراعية والطبية والتعليمية, وأصبح الإنسان المعاصر ينعم بالكثير من الإنجازات العلمية التي استطاعت أن تجعل الإنسان ينعم بالكثير من المنجزات التي لم يستطع الإنسان أن ينعم بها منذ خلقه الله سبحانه وتعالى في الكون. وأصبحت المعرفة والمعلومات التي لدى البشر والتي اكتسبها خلال الآف من السنين الماضية لا تساوي شيئاً أمام ما أكتسبه من علمٍ ومعرفةٍ خلال المائة السنة الماضية, وهنا تدخل الروح وقال: لا تنسوا أيضاً أن العقل وبالعلم أيضا قد اخترع الكثير من الاختراعات العلمية من وسائل الحرب والقنابل الذرية والكيماوية التي دمرت الإنسانية، والأرض وما عليها من مقومات الحياة، وهنا نستطيع أن نؤكد أن العقل والعلم بدون الروح هو دمار وهلاك.
ألم تعلم أن أربعمائة شخص يملكون من الثروة ما لا يملكه كل من سكان آسيا وأفريقيا وأمريكا وأستراليا.
وهنا تدخل العقل وقال: لا ننسى أن الروح إذا لم يعمل مع العقل والعلم فإن الحياة تصبح راكدة وجامدة, وأن الكثير من المجتمعات التي تخلت عن العقل والعلم أصيبت بالجمود والفناء, وهنا قال الروح: ونفس الشيء أن العقل والعلم إذا تخليا عن الروح تدمرت الحياة, وهناك الكثير من الشواهد تؤكد ذلك، وأن الحياة المعاصرة في عالمنا خير مثال على ذلك, وفي نفس الوقت أشار العقل إلى اللسان واليدين والرجلين وقال موجهاً كلامه إليهن: أعتقد أن الحقيقة أصبحت واضحة وجلية عن دور كل من الحواس التي في جسم الإنسان بالإضافة إلى العقل والروح، ومتى يجب أن تُمَارِس كل حاسة من حواس الإنسان وظيفتها، وما يجب أن يقوم به العقل والروح بحيث يتكامل عمل جميع الحواس مع عمل العقل والروح، ليستطيع الإنسان أن يكون خليفة الله في أرضه ويتجنب الكثير من السلبيات التي نتجت عن الإرتجال والتخبط في عمل الحواس وعدم التزامها بالتوقيت الذي يجب أن تلتزم به كل حاسة، بحيث لا يعمل العقل إلا بعد أن تجمع له العينان والأذنان والأنف المعلومات التي تساعده على اتخاذ القرار المناسب، بعد أن تعرضه على الروح وعلى الضمير وكما أنه يجب على اللسان واليدان والرجلان عدم التسرع والتخطيط للقيام بأعمالهن التنفيذية إلا بعد أن تصدر إليهن الأوامر من العقل المصادق عليها من الروح والضمير وبالتالي ستستقيم الحياة الإنسانية وينمو الخير ويتم القضاء على الشر.

وقد توصل مؤتمر الحواس إلى العديد من الحقائق وهي كالتالي:
أولاً: أن العقل والروح هما من يضبطا سلوك الإنسان، وهما من يتخذ كافة القرارات المتعلقة بسلوك الإنسان نحو نفسه ونحو مجتمعه ونحو غيره.
ثانياً: أن العينان والأذنان والأنف تجمع المعلومات المرتبطة بنشاط الفرد والمجتمع والأرض والبيئة وتقوم بإرسالها إلى العقل لتقوم بتحليلها وتتخذ القرارات المناسبة بشأنها وتعرضها على الروح والضمير للمصادقة عليها.
ثالثاً: أن عمل اللسان واليدين والرجلين هو عمل تنفيذي بحت، ويأتي بعد صدور التوجيهات إليها من العقل مصادقاً عليه من الروح والضمير.
رابعاً: أن أي عمل يأتي من اللسان واليدين والرجلين دون الرجوع إلى العقل تترتب عليه نتائج سلبية تؤثر على الإنسان نفسه وعلى غيره وعلى مجتمعه.