الجمعة، 31 يوليو 2015

بسم الله الرحمن الرحيم
الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عمران
مديرية شهارة معقل الملك السبئي أسعد الكامل ومقر الأئمة والعلماء منذ ألف سنة


إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
تضم مديرية شهارة الكثير من الكنوز الحضارية من الحصون والقلاع والآثار، وكذا الكثير من العلماء الأعلام الذين شع نور علمهم على جميع أنحاء اليمن والعالم العربي، وتعدى ذلك إلى العالم الإسلامي.
كما أنني أردت في هذه المقدمة القصيرة أن أنقل إلى القارئ الكريم كلمات تترجم الوضع الراهن لبلادنا، هذه الكلمات كتبها السياسي الكبير – شفاه الله وعافاه – عبدالملك الطيب قبل إعلان الوحدة المباركة في عام 1990م، حيث كتب كلماته تحت عنوان (هل حقاً يريدون الوحدة) أورده ضمن كتيب ألفه تحت عنوان (الرأي الآخر .. ولكي لا يطول الضياع).. ونص ما كتبه هو: (فإلى الذي يحبون الوطن. إلى الذين يتوقون إلى الحرية. إلى الذين يريدون الديمقراطية. إلى الذين يدعون إلى الشورى. إلى الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار والطمأنينة. إلى الذين يعمر قلوبهم الإخلاص لأوطانهم ومواطنيهم. إلى الذين جاهدوا أو ناضلوا أو سافروا أو سهروا أو سجنوا أو تشردوا أو سيطر عليهم الخوف من بطش الجبابرة وأخطاء المستبدين، أو أوذوا في أبدانهم أو أولادهم أو أنفسهم، أو مصادر عيشهم أو وظائفهم أو مناصبهم من أجل غاية مثلى، من أجل الوطن، أو من أجل المواطنين، أو دفاعاً عن الذات، أو عن الحرية أو عن القيم. إلى الذين يريدون لليمن العزّ بوحدته. والذين يرون في الوحدة انقاذاً لشعب اليمن. وإلى الذين يتخّيلون اليمن أرضاً واسعة تشرف على بحرين. وتسيطر بوحدتها على ممر دولي من أهم ممرات العالم. إلى الذين يتطلعون إلى تجميع الثروة وتجميع العقول وتجميع الجهود لصياغة المستقبل.
هل تريدون الوحدة حقاً؟؟؟ إذا كنتم تريدون الوحدة فلا يمكن أن تحصلوا عليها قبل أن تحصلوا على الحرية والديمقراطية. ولا يمكن أن تحصلوا على الحرية والديمقراطية إذا سارت الأمور على ما تسير عليه، واستمريتم متباعدين وربما متباغضين ومستهينين بالعواقب تسليم، واستسلام، وتواكل، وتهرب، وتخوف...ولذلك فمن المحتمل أن تصل المساعي والاتفاقيات بين القيادتين إلى نجاح، وتعلن الوحدة. وهذا مكسب عظيم..
مدينة شهارة
شهارة بضم الشين كما في القاموس. وبكسرها كما هو شائع عند أهل اليمن. بلدة في رأس جبل يعد من أعظم معاقل اليمن وأمنعها، قيل أن أول من اتخذها معقلاً هو الملك التُبَّع أسعد الكامل. تقع مدينة شهارة على الجبلين المتقاربين الشرقي والغربي والذي يطلق عليهما (شهارة الفيش)، و(شهارة الأمير)، والجبلان قديماً كانا يعرفان بجبل مِعَتِّق ، وكان يفصل بينهما أخدود شديد الانحدار يبلغ ارتفاعه من أسفله إلى أعلى قمة الجبل ما يقارب (200متر)، وفي عام 1323هـ الموافق 1905 ميلادية تمت عمارة جسر على الأخدود الفاصل بينهما، وبعد إكمال عمارته والمرور عليه أصبحتا كمدينةٍ واحدة..
ومدينة شهارة مدينة جميلة كانت فيها برك للماء وعين ماء كان يطلق عليها (المقل)، ومباني المدينة قوامها الأحجار تتخللها المساجد والقباب، وفيها أيضاً حصن الناصرة ودار سعدان وفيها جامعٌ حسنٌ، وفيها سبعة مساجد غير الجامع. وقد ذكر المرحوم القاضي حسين السياغي في كتابه (معالم الآثار اليمنية) أن شهارة الأمير هي الأثرية ففيها المباني الفخمة، والدور التي يبلغ عددها إلى نحو مائتين وخمسين دارا. والمساجد المقامة نحو اثنى عشر مسجداً، منها المسجد الجامع: فيه البرك العظام الأثرية. وهي هجرة علم قوية، ومشهورة بالعلماء والمتعلمين. وتقتصر الدروس على العلوم الشرعية، والدينية. وقد تخرج منها عدة علماء مؤلفون.
ولشهارة طرق محكمة بين الجبال، وأبواب لكل طريق، منها: باب النصر، وباب النحر، وباب السرو، وعلى كل باب هناك حراس يقومون على حمايته. فكان لا يدخل أحد إلى شهارة ولا يخرج منها إلا بفك من أميرها.  وبعد أن تم حديثاً شق طريق للسيارات إليها أصبحت شهارة مدينة مفتوحة.
وقد ورد في كتاب (نتائج المسح السياحي) أن مدينة شهارة التاريخية لا تزال قائمة بكل مكوناتها المعمارية (شهارة الأمير، شهارة الفيش)، وكذا الجسر الهندسي المعماري الذي يعكس مدى قدرة إبداع المعمار اليمني، كما أن المعالم الآثرية القديمة التابعة لشهارة من حصون، وأسوار، وأبواب قديمة، ومساجد، ومدارس تاريخية، وأحياء عتيقة وصهاريج المياه، ومدافن الحبوب، جميعها بحالة جيدة، إلا باب النصر فقد تم إزالته أثناء شق طريق للسيارات إلى المدينة، بالرغم من أن الباب كان واسعاً وبالإمكان مرور السيارات من خلال البوابة التاريخية، ويقع هذا الباب في الجهة الغربية للمدينة، وقد صنعت جميع الأبواب من خشب الطنب الذي يعتبر من أقوى أنواع الأخشاب المقاومة لعوامل التقادم الزمني، وتوجد بعض الأبراج المحيطة بالأبواب مهدمة،  وأجزاء من السور مهدمة أيضاً، كما تتميز المدينة بوجود أحواض ماء منحوتة في الصخور (مآجل وجمعها مواجل) التي تستخدم لحفظ المياه.
وتشمل شهارة سلسلة جبلية يطلق عليها اسم سلسلة جبال الأهنوم نسبة إلى قبائل الأهنوم التي تسكنها، ومن هذه السلسلة جبل "شهارة الفيش" وجبل "شهارة الأمير"، وجبل سيران الغربي والشرقي وجبل ذري، وجبل المدان، وجبال القفلة وعيشان ثم جبال ظليمة وبني سوط، وهي بالجنوب من السلسلة، ثم جبال الجميمة وبني جديلة، يحد هذه السلسلة الجبلية من الشمال وادي الفقم النازل من العشية إلى مور، وجنوباً وغرباً وادي مور النازل من أخرف والبطنة، وشرقاً سهل العصيمات وعذر، وقد قسمت شهارة إدارياً إلى مديريتين (مديرية شهارة، ومديرية المدان).
مديرية شهارة
وتشكل شهارة اليوم مديرية من مديريات محافظة عمران، وتقع إلى الشمال من مركز المحافظة بحوالي 90كم، يحدها من الشمال مديريتا قفلة عذر والمدان، ومن الجنوب مديرية ظليمة حبور، ومن الشرق مديرية قفلة عذر، ومن الغرب مديريتا المدان وصوير. وتبلغ مساحة المديرية 176كم2، تضم (186)قرية تشكل بمجموعها (4)عزل، هي: ذري، سيران الشرقي، سيران الغربي، شهارة. ومركز المديرية مدينة شهارة، وبلغ عدد سكان مديرية شهارة (43938) نسمة، حسب ما ورد في التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
من أهم معالم شهارة
تحتوي شهارة على العديد من المعالم التاريخية والأثرية التي امتازت بها عن غيرها من المناطق، ولكي نظهر هذا التنوع وهذا الثراء في هذه المعالم لابد أن نعود أولاً إلى تاريخ شهارة، فنجد شهارة عبر التاريخ كانت معقلاً للكثير من الدول المتعاقبة على حكم المنطقة خصوصاً واليمن عموماً.
فقد ذُكر أن ممن سكن شهارة قبيلة فيشان القبيلة اليمنية القديمة التي ظهرت في نهاية (الألف الثاني قبل الميلاد)، وتعود تسمية جبال شهارة باسم (شهارة الفيش) نسبة إلى هذه القبيلة، وقد لعبت هذه القبيلة دوراً بارزاً في تكوين مملكة سبأ، التي كان تكوينها ناتجاً عن اتحادات قبلية بدأت باتحاد قبيلة سبأ وقبيلة فيشان وتكونت بعدها المملكة السبئية، وتؤكد بعض المراجع التاريخية أن المنطقة كانت معمورة في عصور ما قبل الإسلام. فقد ذكر الإخباريين أن الملك السبائي المشهور بـ"أسعد الكامل" قد سكن في شهارة في (القرن الخامس الميلادي). في حين تورد بعض المصادر التاريخية أن شهارة بدأت بالظهور في الفترة الإسلامية خاصة في منتصف (القرن الخامس الهجري) عندما اتخذها الأمير ذو الشرفين "محمد بن جعفر بن القاسم بن علي العياني" المتوفى في سنة (478 هجرية) حصناً منيعاً خاصاً به، بعد تعقب الصليحيين له، واستمر الأمير "ذو الشرفين" في شهارة حتى وفاته بها في سنة (478 هجرية)، وقد نسبت مدينة شهارة إليه، فسميت (شهارة الأمير). وفي الفترة الأولى لحكم العثمانيين اليمن، استطاع العثمانيون اقتحام مدينة شهارة في سنة (955 هجرية)، واستمر تواجدهم فيها إلى العقد الثاني من (القرن الحادي عشر الهجري) وقد بنو فيها عدة منشآت إلى جانب رصف الطرق المؤدية إلى المدينة، ومن أهم منشأتهم فيها (دار الناصرة) أو ما يسمى بحصن الناصرة، و(دار سعدان). وقد اتخذها الإمام المرحوم "القاسم بن محمد" عاصمة لدولته وجعلها منبراً لتدريس ونشر المذهب الزيدي، وبعد وفاته في سنة (1029 هجرية)، خلفه ابنه الإمام المرحوم "محمد بن القاسم" الذي اشتهر ببناء جوامع العبادة ومدارس العلم التي تولت نشر المذهب الزيدي، وتوفي في سنة (1045هجرية).
ثم وصل إلى شهارة الإمام المرحوم يحيى بن محمد حميد الدين وهو ابن الإمام المرحوم المنصور محمد بن يحيى حميد الدين (1322 ـــ 1367هجرية) هرباً من العثمانيين الذين وصلوا من تركيا خلال الفترة لثانية لقمع تمرد اليمنيين على الدولة العثمانية ـ التركيةـ؛ خاصة بعد فرار ممثل السلطان العثماني من صنعاء إلى زبيد عقب دخول الإمام "يحيى" صنعاء ومعه قبائل همدان وحاشد والأهنوم، وقد وصلت القوات العثمانية بقيادة الباشا "أحمد فيضي" إلى صنعاء مزودة بأحدث المعدات من مدفعية ثقيلة وأسلحة نارية خفيفة، ولم تلبث تلك القوات سوى بضعة أيام حتى تحركت قاصدةً شهارة بقوة تتألف من عشرة طوابير بكامل معداتها، ولم تعترض تلك القوات أي مصاعب في الطريق من صنعاء إلى شهارة، وعندما وصل إلى أسفل جبال شهارة فوجئ بتجمع القبائل التي توحدت تحت قيادة الإمام المرحوم "يحيى"، واندحرت القوات العثمانية وفر قائدها وبعض من قواته التي نجت بعد معركة ضارية، وفي هذه المعركة استخدم اليمنيون طريقة دفاعية فريدة تمثلت في إسقاط وقذف الأحجار الضخمة من قمم جبال شهارة على القوات العثمانية الجاثمة في الوديان الضيقة.
وقد أورد القاضي المرحوم/ عبدالله بن محسن العزب المتوفى عام 1365هـ في كتابه (تاريخ اليمن الحديث"فترة خروج العثمانيين الأخير")، التي قامت بنشره "منشورات المدينة" وقام بتحقيقه الأستاذ/ عبدالله محمد الحبشي – أطال الله عمره – ، وصدرت الطبعة الأول منه عام 1407هـ - 1986م، قصيدةً وصفها بأنها قطعة من الشعر الرصين الجزل وأنها آية في الإبداع ودرة من درر البيان؛ وهي من إنشاء جدنا القاضي المرحوم الأديب/حسين بن أحمد العرشي صاحب كتاب (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملك وإمام) الذي قمت بتحقيقه ونشرته الهيئة العامة للكتاب عام 2013م وهو أيضاً صاحب كتاب (بهجة السرور في سيرة الإمام المنصور) والذي قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الصحفي والكاتب محمد البخيتي وأسميناه(حوليات القاضي حسين بن أحمد العرشي المسمى بهجة السرور في سيرة الإمام المنصور) والكتاب لا يزال تحت الطبع. نذكر من هذه القصيدة الأبيات التالية:
وأمَّت بغاة العجم حصن شهارة


ومن دونه حفظ من الله يغلب

فما رجعوا إلاَّ على متن شرّ


لهم فيه باب خلفه الغر مشعب

شهارة ذات الفخر والمجد والتي


لها المثل الأبهى الذي كان يضرب

سماء بناها الله من صخرة رست


على منبت بالعز والفخر مشـرب

إذا أوقدت فيها المصابيح ليلةً


ففي كل برج حين أبصـرت كوكب

وسقف يحاكي النجم يحوي معارجاً


على كل معراج حروس ونُوَّب

كأن سناميها الأميري وفائشاً


سِنَامَا بعيرين لذا ذاك يعقب

يطوقها حزم وعزم وشاهق


وآساد حرب والحديد المذرّب

لأحجارها ما للسيوف مبيدة


تقدّ وتفري وهي ترمي وتقلب

عمرت بها الأبراج وهي حصينة


وزدت بها نقباً من الصخر يثقب

تروساً ترد (الطوب) عما يريده


فما برقه إلاّ كما قيل خلَّب

واسْقَيْتَها ماء الحياة فلم تكن


لذي ريبة منها سوى الموت مشـرب

خلعتَ عليها حلة المجد فاغتدت


تتيه بها فوق الجبال وتعجب

وطيبَّتها بالعز وهي جديرة


به والمحل المثمر العزَّ طيب

 ومن أهم معالم شهارة، نورد الآتي:
1-    جسر شهارة: أقيم هذا الجسر للربط بين جبلي (شهارة الفيش)، و(شهارة الأمير)، وقد كانت الطريق بينهما تتطلب الكثير من الوقت والجهد حيث كان الأهالي يلجأون للنزول إلى أسفل الأخدود الفاصل بين الجبلين ثم الصعود إلى الجبل الآخر، وهذا هو الأمر الذي جعل نقل الماشية والبضائع بين الجبلين يعتبر شبه مستحيل لصعوبة الطرق والأخاديد الفاصلة بين الجبلين ذات الانحدار الشديد، أما بالنسبة لتاريخ بناء الجسر فقد بني في عام 1323ه الموافق 1905 ميلادية في عهد المرحوم الإمام يحيى بن محمد حميد الدين وتعتبر الهندسة المعمارية للجسر واحدة من أهم سماته، فقد أقيم على أخدود شديد الانحدار يفصل بين جبلي شهارة الفيش وشهارة الأمير يبلغ ارتفاعه من أسفله إلى أعلى قمة الجبل حوالي (200 متر)، أقيم هذا الجسر على ارتفاع (50 متراً) من أسفل الأخدود، في منطقة يبلغ مسافتها (20 متراً) ونتيجة للارتفاع البالغ (50 متراً) من قاع الأخدود فقد بنيت في الأسفل عدة جسور ونوبة ـ برج ـ تم الاعتماد عليها في إقامة هذا الجسر إذ كانت تستخدم لنقل الأحجار ومواد البناء إلى أعلى المنطقة التي اختيرت لإقامة الجسر والتي مُهدت قبل البدء بالبناء عليها لأن صخورهـا ملساء، بعد ذلك أقيم جسما الجسر على الجبل الشرقي وعلى الجبل الغربي بلغ ارتفاع كل منهما (10 أمتار)، وبالاستناد على ذلكما الجسمين تم عمل عقد الجسر الذي ربط بين الجسمين ليصل بعدها طول الطريق بين الجبلين إلى (20 متراً) وعرضها (3 أمتار)، ولا زالت آثار الجسور التحتية التي استخدمت لنقل مواد البناء إلى الأعلى قائمة، أما النوبة فقد تهدمت مبانيها. هذا وقد أقيمت على جسم الجبل الغربي طريق حجرية مرصوفة تبدأ من بداية الجسر إلى الأعلى ؛ ونتيجة للانحدار الشديد للصخور فقد اضطر المعمار إلى بناء عقود لكي تقوم عليها عمارة الطريق المرصوفة وتعتبر الطريق المرصوفة والجسر تحفة معمارية رائعة وعملاً هندسياً عظيماً، إلى جانب أهميته في تسهيل حركة التنقل بين الجبلين.
2-    حصن الناصرة: حصن الناصرة أو دار الناصرة هو واحد من المباني التي أقامها العثمانيين في الفترة الأولى لحكمهم اليمن، فقد بُني في أواخر (القرن العاشر الهجري)، ويقع على ربوة مرتفعة في المدينة من جهة الغرب، ويشرف على مدينة "شهارة الأمير" وعلى معظم جبال الأهنوم من جهة الجنوب، يتكون الحصن من سور يحيط بمبنى مكون من أربعة أدوار، ويتم الوصول إلى داخل الحصن من خلال بوابة أقيمت في الجهة الغربية وقد أقيم عليها غرف استخدمت للحراسة. وبعد تجاوز البوابة ستجد هناك بركة ماء كبيرة(صهريج) يطلق عليها اسم (الشحنة) والتي كانت تستخدم للحامية العسكرية العثمانية، كما يوجد مسجد صغير، ومبانٍ ملحقة بالحصن مثل أبراج الحراسة. أما مبنى الحصن الرئيسي فهو مبنى كبير مكون من أربعة أدوار، يتم الصعود إلى الأدوار العليا عبر سلمين داخليين، ويحتوي كل دور على غرفة متسعة يطلق عليها(المفرج) إضافة إلى الكثير من الغرف الصغيرة.
شهارة هجرة للعلم والعلماء:
إضافة إلى أن شهارة احتوت على الكثير من المعالم الآثرية والتاريخية فيما يخص الأرض وتأهيلها وبناءها، فإنها قد أهتمت ببناء الإنسان، علمياً، وذهنياً، وفكرياً، وقد ذكر المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم و معاقله في اليمن) أن شهارة أزدهرت بالعلم في عهد المرحوم الإمام القاسم بن محمد، وفي عهد ابنه وسائر إخوته  وأولادهم، وأنها كانت مقصودة لطلب العلم من أماكن مختلفة من اليمن حتى صارت من أعظم معاقله، وكان فيها العديد من خزائن الكتب النفيسة، وانتشر في شهارة علم السُنة، وذلك بعد أن هاجر إليها الإمام المجتهد المرحوم محمد بن إسماعيل الأمير سنة 1140هـ بعد عودته من مكة المكرمة، وتصدّر للتدريس فيها وقصده الطلاب من سائر هجر الأهنوم (والأهنوم منطقة معروفة في الشمال الغربي من صنعاء فيها قرى كثيرة وجبال شامخة وحصون منيعة ومدارس علمية ومساجد عامرة ومزارع طيبة، وهي من بلاد همدان سميت باسم الأهنوم بن الحارث بن حديق ... بن جشم بن حاشد)،  وعندما وصل الإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين إلى الحكم، كلف المرحوم القاضي عبدالله بن أحمد الشماحي وعلماء أخرين كانوا مقيمين عنده في الأهنوم بالانتقال إلى شهارة وغيرها من الهجر لنشر العلم.
وقد ترجم المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ(124علماً من أعلامها). نورد من أشهرهم على النحو التالي:
1-    عبدالله بن عبدالوهاب بن محمد الشماحي: عالم محقق في الفقه أصوله وفروعه، وله معرفة بعلوم العربية، شاعرٌ أديبٌ، خطيب مؤرخ حفاظةٌ للشعر. عينه الإمام يحيى عضواً في محكمة الاستئناف بصنعاء. اشترك مع الأحرار في نشاطهم، ولا سيما بعد مقتل الإمام يحيى سنة 1367هـ في ثورتهم، وقد اعتقل بعد فشل الثورة الدستورية، وسيق إلى حجة حيث بقي سجيناً فيها بضع سنين، ثم أفرج عنه، وعينه الإمام أحمد عضواً في الهيئة الشرعية في تعز. بعد قيام ثورة 1962م تولى منصب وكيل وزارة العدل، ثم عين مستشاراً لها. مولده في شهارة يوم السبت 16ذي القعدة سنة 1326هـ ، ووفاته في صنعاء ليلة الجمعة 10ربيع الأول سنة 1406هـ. من آثاره: (نظم اختيارات الإمام يحيى حميد الدين وشرحها، مطبوع)، (اليمن الإنسان والحضارة)، (اليمن في طريق الحقيقة، مخطوط)، (بحث بعنوان "الهجرات اليمنية"، من بون صنعاء إلى البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا)، (بحث بعنوان القضاء في اليمن عبر التاريخ).
2-    محمد بن محمد بن إسماعيل بن مطهر المنصور – أطال الله عمره – : وهو عالم في علوم الفقه والتفسير والأصولين والنحو الصرف، أديب شاعر. تولى أعمالاً كثيرة للإمام المرحوم يحيى حميد الدين ولولده المرحوم الإمام أحمد، عين وزيراً في مجلس الاتحاد حينما انضمت اليمن في اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958م وتولى في العهد الجمهوري مناصب عالية فكان عضواً في مجلس الرئاسة ثم وزيراً للعدل، ووزيراً للأوقاف، وكان عضواً المحكمة الاستئنافية العُليا، إلى جانب عمله كناظر للوصايا من سنة 1368هـ إلى سنة 1410هـ. مولده في شهارة يوم الخميس 8جمادي الأولى سنة 1333هـ.
3-    القاضي العلامة/محمد بن حسين العرشي (1313هـ - 1390هـ) عالم قاضي شاعر، من مواليد مدينة شهارة تلقى تعليمه الأولي؛ من حفظ القرآن الكريم ومبادئ الخط والحساب في مدينة شهارة، كما تلقى العلوم الشرعية والإسلامية على العلماء الذين كانوا مشهورين في ذلك الوقت في مدينة شهارة والسودة والأهنوم والكبس. وكان من زملائه الإمام أحمد بن يحيى والعلامة قاسم بن إبراهيم، وقد بلغ من العلم مرتبة الاجتهاد، ولم يكن يرى أن هناك تناقضاً بين السنة وحب آل البيت، تعين عاملاً لناحية عبس وعاملاً وحاكماً لناحية جبن وعاملاً لمسور حجة في عهد الإمام يحيى، وكان شاعراً يقول الشعر الحكمي والشعر الحميني. وقد عرف بالنزاهة وهناك قصة – أحكيها كشاهد عيان عليها – تدل على نزاهته وحرصه على المال العام، حيث بلغ المرحوم الإمام أحمد أن القاضي محمد لا يملك بيتاً في صنعاء، فأمر نائبه السيد علي زبار بالبحث عن أحسن بيت  في صنعاء وشراءه وتمليكه للقاضي محمد، وقام نائب الإمام بإبلاغ القاضي محمد بذلك، فاستأذن منه أن يكتب البصيرة باسمه، لكن القاضي محمد طلبمنه مهلة يومين حتى يستخير الله، وبعد يومين أبلغه بعدم موافقته؛ لأنه لا يستحق البيت المشترى له؛ لأن قيمته من بيت مال المسلمين. والقاضي المرحوم محمد هو نجل القاضي حسين بن أحمد العرشي المؤرخ المشهور، بينما يكون المرحوم القاضي محمد هو جد المهندس عبدالملك بن أحمد العرشي رئيس الهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات – أطال الله عمره – ، وجد المرحوم الأستاذ أحمد بن أحمد بن محمد العرشي المتوفي في 2 ذي الحجة1431هـ الموافق 8/11/2010م.
ومن المراجع التي رجعنا إليها عند إعداد هذا المقال:  (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (موسوعة اليمن السكانية/ تأليف الدكتور محمد علي عثمان المخلافي/ الطبعة الأولى2006م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني)، البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل الأكوع)، (معالم الآثار اليمنية/ إعداد المرحوم القاضي حسين أحمد السياغي/ من إصدارات مركز الدراسات والبحوث اليمنية – صنعاء)، (هجر العلم ومعاقله في اليمن/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، (اليمن دراسة موجزة للمحافظات/ تأليف المرحوم الأستاذ عبدالله بن أحمد الثور/ مطبوعات مطبعة الاستقلال الكبرى – القاهرة)، (الإكليل/ للهمداني/ من إصدارات وزارة الثقافة والسياحة – صنعاء/ مطبوعات 2004م)،  (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملكٍ وإمام/ للقاضي المرحوم حسين بن أحمد العرشي/ تحقيق الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي)، (الرأي الآخر.. ولكي لا يطول الضياع/عبدالملك الطيب)، (اليمن الإنسان والحضارة، للقاضي/عبدالله بن عبدالوهاب الشماحي، من إصدارات وزارة الثقافة 2004م)، (سيرة الأميرين الجليلين الشريفين الفاضلين.. نص تاريخي يمني من القرن الخامس الهجري/ تأليف مفرِّح بن أحمد الرَبَعي/ تحقيق ودراسة رضوان السيد وعبدالغني محمود عبدالعاطي)، (ومن المراجع الالكترونية موقع المركز الوطني للمعلومات (www.yemen-nic.info).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق