الثلاثاء، 10 نوفمبر 2015

مدينة ذمار



الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مدينة ذمار مدينة العلم والعلماء
الحلقة الثانية

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم، يسرني أن أقدم لك في هذا المقال وعلى صحيفة الثورة الغراء مدينة ذمار (مدينة العلم والعلماء)؛ التي لي فيها الكثير من الذكريات المرتبطة سواء بالمكان أو بأعلامها، ففي فجر ثورة 26 سبتمبر 1962م كان ينزل عند عمي المرحوم القاضي عبدالكريم العرشي – نائب رئيس الجمهورية سابقاً -  القاضي المرحوم يحيى الصديق من أعلام مدينة ذمار، ولم أشعر في فجر ذلك اليوم إلا والقاضي يحيى الصديق يناديني يا قاضي محمد أكتب عندك خلافة الإمام المنصور (البدر) سبعة أيام، وكانت هذه العبارة قد حفرت في تكويني الثقافي بأن اتعاطى مع كتب التاريخ وأن أكتب عن تاريخ اليمن، وأذكر بأنه في اليوم الثالث لقيام ثورة سبتمبر 1962م استُدعيَّ عمي المرحوم القاضي عبدالكريم إلى مجلس القيادة، وتم تكليفه من قبل المرحوم المشير السلال بعمل مدير قضاء ذمار ولم تكن في ذلك الوقت محافظة واستطاع بحنكته الإدارية والقيادية وخبرته ببيئة مدينة ذمار ونفسية رجالها وعاداتها وتقاليدها أن يدير محافظة ذمار وجنبها في ذلك الوقت الكثير من الخسائر المادية والبشرية، وفي نفس الوقت وفرَّ على الدولة المركزية في صنعاء الكثير من الخسائر المادية والبشرية، ووفر أيضاً على القوات المصرية الكثير من الخسائر.. وشاءت الصدف أن تجمعني بمدينة ذمار وأحد أعلامها المعاصرين في ذلك الوقت وهو العلامة أحمد بن أحمد سلامة (1335هـ - 1916م/1407هـ- 1987م) الذي تعرفت عليه في طفولتي في منزل عمي عبدالكريم العرشي وأتذكر أنه في سنة 1966م زارني المرحوم الصفي أحمد سلامة إلى مدينة البعوث الإسلامية بالعباسية في مدينة القاهرة، وهو بزيه اليمني (العمامة والجبه) وقامته الفارعة، ولما رأوه طلبة البعوث الإسلامية تجمهورا عليه حتى أوصلوه إلى غرفتي، وفوجئت بزيارته، وكأنه زارني والدي أو أحد أقربائي، ولما علم الطلبة اليمنيون الذين كانوا في مدينة البعوث الإسلامية وصلوا لزيارته وقد قمنا بإقامة مأدبة غداء متواضعة له، شارك فيها الطلبة اليمنيون، وحضرها بعض الطلبة من الدول العربية والإسلامية، وبعد أن أدينا صلاة الظهر في جامعة مدينة البعوث الإسلامية قام الصفي سلامة بإلقاء محاضرة قيمة تضمنت تفسير سورة العصر، أعجبت جميع من حضر للصلاة في الجامع وبعد الصلاة اجتمع الطلبة من كل جنسيات العالم الإسلامي للسلام عليه والتبرك به.. ومن يرد أن يعرف الكثير عن ذمار وأعلامها فعليه بكتاب (مطلع الأقمار ومجمع الأنهار في ذكر المشاهير من علماء مدينة ذمار ومن قرأ فيها وحقق من أهل الأمصار) تأليف العلامة شرف الدين الحسن بن الحسين بن حيدرة بن إسماعيل القاسمي الحسني الطالبي، وتحقيق عبدالله بن عبدالله بن أحمد الحوثي..
مدينة ذمار
تقع في محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء على بعد 100كم. وذكر الحجري في (مجموع بلدان اليمن) أن مدينة ذمار ترتفع عن سطح البحر ثمانية آلاف قدم. وذمار: بالفتح. مدينة كبيرة جنوب صنعاء، يعود تاريخها إلى القرن الأول للميلاد، وقد سُميت باسم ذمار بن يحصب بن دهمان بن سعد بن عدي بن مالك بن سدد بن حمير الأصغر، هكذا ذكر ياقوت في معجمه، وقيل هي ذمار بن بهبر بن مالك بن سبأ وذو ريدان ورد ذكرهم في القرن الأول للميلاد. وهي في سهل زراعي منبسط وموقعها يتوسط بين صنعاء ومدن الجنوب. كان لها دور تاريخي قبل الإسلام ثم اشتهرت كواحدة من أهم مراكز الإشعاع العلمي في اليمن.
وتنقسم المدينة إلى ثلاثة أحياء: الحوطة، والجراجيش، والمحل. أما اليوم فقد إتسع عمرانها وامتد في كل اتجاه وأُقيمت أحياء جديدة. وترتفع المدينة بنحو 2700م من سطح البحر، وهي أعلى من صنعاء بـ400متر.  والمدينة عامرة بالمساجد الأثرية أهمها جامعها الكبير الذي يعود بناء أصله إلى عهد الصحابة وقيل أنه بني بعد الجامع الكبير في صنعاء وقبل جامع الجند. وقد أنيرت المدينة حديثاً بالكهرباء. وبالشرق من ذمار جبل اللِّسي على بعد 20كم، الشهير بمعدن الكبريت. وقال ابن مخرمة في كتاب النسبة إلى البلدان: ذمار بكسر الذال وقيل بفتحها ثم ميم ثم ألفاً ثم راء مهملة مدينة على مرحلتين من صنعاء سميت بقيل من أقيال حمير ومن خواص مدينة ذمار أنها لا توجد فيها حية ولا عقرب، وإذا دخل إنسان بحية أو بعقرب إلى ذمار فعند دخوله الباب تموت الحية يقال إن أرضها كبريتية لا يقيم بها من المؤذيات شيء إلا هلك، ومنها يجلب الكبريت إلى سائر مناطق اليمن ويكون عمق آبار هذه المنطقة ثلاثة أذرع (كان هذا قديماً) أما الآن فقد غار الماء وأصبحت الآبار الإرتوازية ذات أعماق هائلة. وقال الحجري في (مجموعه): أما الكبريت فمعدنه جبل اللسي، وجبل اللسي يقال له جبل الشَب.. وهو في مشارق ذمار على مسافة فرسخين، وفي كهف جبل اللسي بحر ماء حار يغلي وكل مريض يمرض من أهل البلاد يأخذ منه فدى كل على قدره يُعرى به على باب الغار وينزل وبعد ذلك يسبح في الماء وما يخرج منه إلا وهو متعافٍ. وفوق منه مدينة مدور من جبالها يستخرج وتسمى المعدن والمقر.. ومسألة الحية والعقرب يبحث عنها فإن أكثر بلاد عنس وبلاد يريم الجبلية لا توجد فيها الحيات لشدة البرد.
وذمار المدينة المشهورة جنوب صنعاء، على بعد ثلاث مراحل، وهي في وسط بلاد عنس الشهيرة والغنية بالآثار. فهي حميرية على الطبيعة، ولاتزال النبرة الحميرية ظاهرة في لهجاتهم. وذمار لها ذكر في النقوش كثير. وقد وجد في التمثال البرونزي، الذي استخرج من آثار النخلة الحمراء، والموجود الآن في متحف الآثار وبصدره كتابة حميرية، فيها لفظ (ذمار علي)، وقد عُد هذا في سلسلة ما يذكر من ملوك حمير. ولعل المدينة سميت باسمه، وذكر حكاية في معجم البلدان لياقوت، أن قريشاً لما هدمت الكعبة وجد في أساسها حجر مكتوب بالمسند، فيه "لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار" لمن ملك ذمار؟ للحبش الأشرار" لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار" لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار" ثم حار محار، أي رجع مرجعاً".
والمدينة بنفسها آثرية، وفيها من الأثار الإسلامية: المسجد الجامع، فإن أصله من بناء الصحابة، رضي الله عنهم، الذين تولوا اليمن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وسعه الملوك من بعد، حتى صار إلى ما هو عليه الآن، وقد حكى الرازي في (تاريخ صنعاء) أن جامع ذمار بني بعد جامع صنعاء بأربعين يوماً.
وفي بلاد ذمار من الآثار كثير، أجلها مطمورة تحت التراب والأنقاض، فمن الآثار الظاهرة ما بقرية "هَكِر" المعروفة في جبل زُبيد، بها آثار عجيبة تدل على عظمة البانين، ورقيهم في الفن المعماري، ومنها "موكل"، قصر أثري حميري، ويطل عليه جبل يراخ، فيه آثار حميرية، ومنها "أضرعة"، بجنبه، وكانت محل الملوك كما حكى في الإكليل، ج8ص   "وفيها آثر سدين للماء، وكذا في حصن "أفيق" من عنس السلامة، آثار حميرية. وفي المحل المسمى "قرن ذمار" آثار حميرية. وفي قرية "رخمة" بها أحجار مكتوبة بالمسند، وقد نقلت إلى عمارة البيوت الحديثة، ولعب بها الجهال، إلا ما بقي مطموراً تحت التراب. ومدينة "المجرب"، شرقي ضيق قعوان. وكذا في جبل عمد من البناء والآثار ما يدهش. وفي "هران" بقية خرائب ومدافن منحوتة. وفيها بين جبل الدار، ونجد الأسلاف عمارة ضخمة، ظاهرة على وجه الأرض بارتفاع نحو متر، كأنها سد أرضي لحجر المياه الجوفية. وفي جبل "حصة" من وادي الحار، آثار، ولا تزال مرابط الخيل فيه باقية. وعلى مقربة من قرية "ورقة الأهجر" فيها آثار باقية.
وبالجملة فإن بلاد ذمار غنية بالآثار الحميرية، تحتاج إلى بحث وتنقيب. ومن حصون بلاد ذمار والمحيطة بها: الربعة، في مخلاف وادي الحمَّام، ثم رُخمه، ثم الِّلسي، وفي قمته حمام طبيعي يقصده بالاستعمال للتداوي من الرياح والحكة والجرب. ثم حصن، الخلقة، وذي حولان، وبوادي الحمام: أنس، الحمام الطبيعي، ذو العيون الحارة المتعددة، ويقصد للتداوي في موسم خاص.
هذا، ومما ظهر من الآثار في عام 1372هـ في المحل المسمى حمَّة كلاب عنس، المقادشة، بجوار أسبيل المشهور. ويبعد هذا المحل عن مدينة ذمار بنحو 35كم، وهو عبارة عن أكمة تراب متوسطة الارتفاع، وأنه وجد بها أربعة بيوت أرضية كانت مدفونة بالتراب، منها بيت مبني بالحبش، محكم البناء، ومدرج. ويبدوا أن الذي قد ظهر منه هو الطبقة الثانية. وعلى الأبواب والنوافذ رسوم الزهرة، وبعضها القمر والزهرة. وفي بعض البيوت الأربعة ما هو صالح للسكنى، ما ينقصه إلا وضع الأخشاب والسقف. وهناك أحجار منقوشة، ورسوم شجرة العنب، وأحجار محفور بالمسند الحميرية والأعمدة الطويلة، ونحو ذلك. وسبب ظهور ذلك أن المواطنين حفروا بعض هذه الأكمة، فاكتشفوا ما ذكر، وما خفي أكثر. وبجوار هذه الحمة حمة سليمان، وحمة قارون، وتوجد بها الآثار الحميرية، وكأن الآكام في لغة حمير تسمى حمة..
كما أن المدينة من المدن الرئيسية المشهورة بالعلم والعلماء في اليمن، بل أن بعض المصادر التاريخية تفيد أن بالمدينة حوالي 254مسجداً ومدرسة علمية، ففي ذمار مساجد كثيرة غير الجامع الكبير وغير المدرسة الشمسية، منها مسجد الإمام يحيى بن حمزة الحسيني المتوفى سنة 747هـ وقبره بجوار مسجده رحمه الله، ومسجد الإمام المطهر بن محمد بن سليمان المتوفى سنة 879هـ وقبره بحوار مسجده، وبالقرب منه مشهد الحسين بن الإمام القاسم بن محمد المتوفى سنة 1050هـ ومسجد الحسين بن سلامة صاحب زبيد ومسجد الأمير سنبل بن عبدالله عمَّره سنة 1024هـ وأرّخ له بقوله: يا رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة. ومسجد الأسد بن إبراهيم بن أبي الهيجاء الكردي وهو والد فاطمة بنت الأسد زوجة الإمام صلاح الدين، وأم ولده علي بن صلاح ومن محاسنها عمارة مسجد الأبهر بصنعاء. وقبة دادية من عمارة بعض أمراء الأتراك، ولها أوقاف جليلة في بلاد خبان. ومسجد الويس ومسجد السيد صلاح ومسجد الربوع ومسجد عمرو ومسجد الشيخ ومسجد فرح ومسجد عبيلة ومسجد الصديق ومسجد دريب وإليه تنسب عقبة دريب وهي عبارة عن ثنتين درج.
وبذمار حمامان وتنقسم ذمار إلى ثلاث محلات: الحوطة والجراجيش والمحل والسوق في وسط المدينة بين الثلاث المحلات وحوله سماسر ينزلها المسافرون ودوابهم.
وممن نسب إلى ذمار: ربيعة بن الحسن بن علي الحافظ المحدث الرحال اللغوي أبو نزار الحضرمي الصنعاني الذماري الشافعي ولد في شبام حضرموت توفي سنة تسع وستمائة..ومن مشاهير البيوت في ذمار: بنو الوريث، وبنو الكاظمي، وبنو الدولة، وبنو المهدي (وكلهم من ذرية الإمام القاسم بن محمد علي)، ثم بنو السوسوه (من ولد العلامة أحمد بن محمد الشرفي مصنف كتاب "شرح الأساس" في الفقه)، وبيت الديلمي (من ولد الإمام أبي الفتح الديلمي المتوفي سنة 440هـ، وهم نحو أربعين بيتاً)، وبيت الحوثي (من أولاد الإمام ابن حمزة)، وبنو مُطَهَّر (من ولد الإمام المطهر بن محمد بن سليمان)، وبنو العنسي (من مذحج، وهم بيوت عديدة)، وبنو الأكوع (من حمير)، وبيت العيزري،وغيرهم الكثير...
من أبرز أعلام ذمار
ذمار بشكل عام والمدينة بشكل خاص تشتهر بمدينة العلم والعلماء، فأعلام ذمار كثيرون لم يقتصر وجودهم على فترة تاريخية محددة، بل على مدى العصور والأزمان.. ونحن هنا وبقدر المجال والمساحة المحددة لنا في صحيفة الثورة الغراء، سأورد بعضاً من هؤلاء الأعلام على سبيل المثال لا الحصر، ومنهم:
- عبدالله بن يحيى الديلمي: ولد السيد العلامة الشاعر عبدالله بن يحيى بن عبدالله الديلمي في مدينة ذمار في عام 1334هـ 1913م وقد نشأ يتيماً وعاش مع أخويه الأكبر والأوسط في بيت بسيط يشتهر بالعلم والأدب ومكارم الأخلاق وقد تلقى تعليمه في المدرسة الشمسية التي كانت في ذلك الوقت محطاً للعلماء وطلاب العلم الوافدين إليها من كل حدب وصوب حيث تلقى فيها العلوم الشرعية في شرح الأزهار والفرائض الشرعية وعلوم النحو والصرف والمعاني والبيبان وغيرها وقد قرأ للكثير من شعراء وأدباء العربية قديماً وحديثاً إضافة إلى أنه حفظ الكثير من الأشعار والجدير بالذكر أنه تتلمذ على يد العديد من العلماء الأفذاذ آنذاك أمثال القاضي العلامة أحمد محمد الأكوع والقاضي علي بن حسين الأكوع والسيد العلامة الشاعر أحمد عبدالوهاب الوريث وغيرهم. وله الكثير من الشعر ومنها (ملحمة السبعين "قيلت هذه القصيدة بعد حرب السبعين يوماً")، نورد منها الأبيات التالية:
تحية النهدين لصنعاء
أيه (صنعاء) يا عروس الجبال

ومقر العباقر الأبطال

أنت نور الوجود شع على الكون

علوماً مدى العصور الخوالي

نشأ الفكر بين حضنيك سمحاً

فتسامت مصانع العمال

صانك الله كم تعرضت دوماً

للعوادي وجحفل الأهوالِ

ووقاكِ من فتنة شنها العادون في

شر ما رأته الليالي

فاشكري من أحاط ناحيك حسناً

بالرواسي وعاليات التلال

جبل نقم يخاطب صنعاء:
من أراك السبعين يوماً صموداً

وقياماً بواجبات النضال

من حما أرضك الحبيبة عزاً

إذ رمتك الأحداث بالأثقال

أصحيح عيبان خانك ذوداً

وتلقى الغزاة بالإجلال

وأنبرا يرسل القذائف ناراً

من حميم الدانات والزلزال

وتهاديت للعلا بثبات

وفديناك بالدماء الغوالي

صنعاء تخاطب جبل نقم:
أنت طودي ولا أرى عيبان

ذلك إلا مراوغاً خواناً

كنتُ معتزةً بانكما الحصنان

لي قد خلقتما صنوانا

فإذا باللهيب يقذفه عيبان

نحوي ويشعل النيرانا

جار حرباً سبعين يوماً تباعاً

وأراني داناته ألوانا

ولعمري لولا دفاعك عني

كان عيبان خاط لي أكفانا

تدفعان العدوان عني ذوداً

وترداه خاسئاً ومهاناً

قومي الصيد الأشاوس طراً

لا يزالوا يهدونك الشكرانا

- عبدالله محمد بن يحيى بن محسن العيزري: عالم محقق في الفقه وعلوم العربية والتفسير، وعلم السنة، مع معرفة بتاريخ الإسلام بعامة وتاريخ اليمن بخاصة، ولاسيما تاريخها الحديث الذي كان أحد شهوده أو راويه عن شهوده الذين شاركوا في صنعه. بل كان أحد صانعيه، فقد كان داعية للإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين... مولده في ضوران في شهر ربيع الأول سنة 1278هـ وفاته في ذمار ليلة الجمعة 15 رمضان 1364هـ...
- القاضي العلامة يحيى بن يحيى بن يحيى العنسي: العميد، فقيه البيئة الزراعية في اليمن، الفلكي والخبير الوطني الغيور على وطنه، الذي دافع عن الثورة اليمنية في الأعوام الأولى من قيامها، ولد في 24ذي الحجة 1367هـ الموافق 27 أكتوبر1928م في مدينة ذمار التي اشتهرت بالعلماء والأدباء والشعراء، ولا سيما القضاة من آل العنسي، وهو سليل أسرة من العلماء توارثوا العلم والفقه لعدة قرون، درس وترعرع في مدينة ذمار، ثم التحق بالسلك العسكري، وتحصل على بكالوريوس في العلوم العسكرية من الكلية الحربية التي تخرج منها سنة1967م.  وهو من الباحثين المبدعين والمجددين في أبحاثهم، صاحب همة عالية شغوف بالعلم والمعرفة، فبرز في علم الفلك والعلوم الزراعية، وقد تماهى في حب اليمن وأرضها وفضائها، وألف مؤلفات في مجالات الفلك والزراعة في اليمن فبَهر بها كل من أطلع عليها، ولفت بها أنظار مراكز الدراسات اليمنية والغربية والأمريكية في اليمن، فتبنت هذه المراكز طباعة كتبه، منها: (الدائرة الفلكية الزراعية لليمن، طبعتها مركز الدراسات اليمني، ثم أعادت طباعتها المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (G.T.Z)). كتاب (المعالم الزراعية في اليمن)، طبع عام 1998م، على نفقة المركز الفرنسي للدراسات اليمنية، والمعهد الأمريكي للدراسات اليمنية. كتاب (المواقيت الزراعية في اليمن)، في أقوال علي ولد زايد والحميد بن منصور، طبع عام 2003م، طبعه المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية والمعهد الأمريكي للدراسات اليمنية. وتعتبر الدائرة الفلكية الزراعية لليمن، الصادرة عام 1979م، أول عمل علمي جاد يقوم على أبحاث ميدانية، حيث تنقل العلامة يحيى العنسي عند إعدادها بين محافظات الجمهورية لجمع الأمثال الزراعية اليمنية ونظراً لارتباط علم الفلك بالأمثال الزراعية فقد قام يدراسة وتحليل الأمثال الشعبية اليمنية والمقارنة بين الأمثال الزراعية اليمنية وعلم الفلك ومواقيت مواسم الرياح والأمطار حسب الفصول الأربعة المعروفة. قال عنها السيد (فرانك) مدير المركز الفرنسي للدراسات اليمنية: أن الدائرة الفلكية الزراعية في اليمن هي موسوعة حقيقية للمعرفة الزراعية التقليدية في اليمن.
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (برهان البرهان الرائض في الجبر والحساب والخطأين والأقدار والفرائض/ تأليف العلامة برهان الدين إبراهيم بن عمر البجلي/ تحقيق محمد بن محمد بن عبدالله العرشي)، (أول رحلة فرنسية إلى العربية السعيدة/ تأليف جان دي لاروك/ ترجمة منير عربش/ تقديم توميسلاف كلاريك/ من إصدارات وزراة الثقافة والسياحة 2004م)، (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (معجم البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (تاريخ مدينة صنعاء/ للرازي/ تحقيق د.حسين العمري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)،  (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (مجلة الحكمة اليمانية 1938 – 1941م وحركة الإصلاح في اليمن "دراسة ومقالات"/ تأليف د.سيد مصطفى سالم/ جمع المقالات علي أحمد أبو الرجال/ إصدارات وزارة الثقافة والسياحة 2004م).
alarachi2012@yahoo.com

محافظة ذمار



الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
محافظة ذمار موطن الملك ذمار علي، ومعجزة الإبداع في الري
الحلقة الأولى

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم، وبالذات أبنائي الشباب الذين يرغبون في الإطلاع على الجوانب السياحية والجغرافية والثقافية في بلادنا.. أقدم لكم الحلقة الأولى عن محافظة ذمار بعد أن قدمت لكم سبع حلقات عن الجوانب السياحية والجغرافية والثقافية في محافظة عدن (ثغر اليمن الباسم)، وقد يستغرب القارئ الكريم بأنني قد نشرت بعض حلقات عن محافظة ذمار في العام 2013م وفي ذلك التاريخ كانت المعلومات شحيحة بالنسبة لي، وفي هذه الحلقة أقدم لك كما عودتكم علماًً من أعلام اليمن وهو المرحوم أحمد عبدالوهاب الوريث، الذي كان يمكن أن يكون خليفة لجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده ورشيد رضا، إلا أنه توفي وعمره لا يتجاوز السابعة والعشرون على أرجح الأقوال، ومن خلال مقالاته الثمانية التي وردت في كتاب (مجلة الحكمة) للدكتور سيد مصطفى سالم – أطال الله عمره، والذي جمع مقالات مجلة الحكمة هو القاضي علي أحمد أبو الرجال – أطال الله عمره، وهذا الكتاب هو من إصدار وزارة الثقافة والسياحة، والمقالات الثمانية للمرحوم الوريث التي وردت في مجلة الحكمة التي تؤيد ما ذهبنا إليه بأنه كان يمكن أن يكون أحد رواد الإصلاح في العالم الإسلامية عموماً، لولا أن المنية اخترمته وهو في العشرينيات من عمره، والمقالات هي: (حالة العرب قبل الإسلام وبعده.. ماضي المسلمين وحاضرهم "كيف يستعيد المسلمون سيرتهم الأولى") ووزع مقالاته الثمانية على هذا العنوان العريض..
والمرحوم أحمد عبدالوهاب الوريث ولد ونشأ في مدينة ذمار الواقعة جنوب صنعاء، وكان مولده في شهر رمضان سنة 1331هـ ووفاته عام 1359هـ  ونشأ بها في حجر والده، ودرس على يده كثيراً من العلوم المتداولة في عصره، كما درس على أيدي مشائخ أخرين. وقد نبغ بامتياز يشهد له من مشائخه وزملائه، وامتاز بقلمه وفكره ونضاله والتزامه صراحة الحق، كما امتاز عن زملائه ومشائخه أيضاً بثاقب الفكر ونصاعة البيان..
وعند وفاة علمنا المرحوم/ أحمد عبدالوهاب الوريث، رثاه العديد من القادة والعلماء والشعراء، ومنهم القاضي عبدالله عبدالوهاب الشماحي في قصيدته التي اشتهر فيها هذا البيت:
قبل الثلاثين بدر الشعب قد أفلا

يا للمنية ما أبقت لنا أملا

ورثاه كذلك الشاعر المرحوم زيد الموشكي، بقوله:
صاحب الحكمة أودى

فاسهري يا عين وجدا

هذه صنعاء تنادي

مصر للنوح ونجدا

والعراق الفذ كادت

نفسه تزهق وجدا|

ونرى الشام عليه

أسفاً يلطم خدا

وقد رثاه الإمام المرحوم/ أحمد بن يحيى محمد حميد الدين (ولي العهد آنذاك) في قصيدة نورد منها الأبيات التالية:
قل للبلاغة والأداب في اليمن الميـ

ـمون تبكي الذي عنها قد ارتحلا

تبكي الوقار وتبكي الفضل أجمعه

والصالحات وتبكي العلم والعملَ

ولتبكه (الحكمة) الغرا لابسة

ثوب الحداد ولا تصغي لمن عذلا

ومن أراد معرفة المزيد عن حياة الوريث فعليه الإطلاع على كتاب (مجلة الحكمة)، والدراسة الرصينة الموسعة للدكتور سيد مصطفى سالم – أطال الله عمره – عن الوريث وعصره..
محافظة ذمار
تقع محافظة ذمار إلى جنوب العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحوالي (100) كيلو متر، حيث تقع بين خطي عرض 14ْ،15ْ شمالاً و بين خطي طول (43.30)،(44.50) وتتصل المحافظة بمحافظة  صنعاء من الشمال، ومحافظة إب من الجنوب، ومحافظتا البيضاء وصنعاء (جزء منها) من الشرق، ومحافظة الحديدة و محافظة صنعاء (جزء منها) من الغرب. وتبلغ مساحة المحافظة حوالي (7.586) كم2. وتتكون من (12) مديرية، وعاصمة المحافظة هي مدينة ذمار، ومن أهم مدن محافظة ذمار معبر ومدينة الشرق. ويبلغ عدد سكان محافظة ذمار (1.330.108) نسمه وذلك وفقاً لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م، ويبلغ معدل النمو السكاني بالمحافظة (3.04%)، ويتوزع السكان بصورة مختلفة ومتباينة في مختلف أنحاء المحافظة، وذلك لعدة عوامل طبيعية واقتصادية هي المتحكمة في الكثافة السكانية والتواجد السكاني، وتتركز الكثافة السكانية في المرتفعات الغربية وتحديداً في مديريات عتمة، ووصاب العالي، ومغرب عنس، وتتركز الكثافة السكانية المتوسطة في مديريات وصاب السافل، جهران، عنس، جبل الشرق.. وتمثل مديريتا ضوران والحداء الأقل كثافة مقارنة ببقية مديريات المحافظة.
وذكر الحجري في كتابه (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) أن بلاد ذمار واسعة تتصل بها من شماليها ناحية جهران وبلاد آنس، ومن شرقيها بلاد الحدا وبلاد رداع، ومن جنوبيها بلا خُبان وبلاد يريم ومن غربيها بلاد وصاب وعتمة وبعض بلاد آنس.. وجامع ذمار من المساجد القديمة عمر بعد جامع صنعاء وقبل مسجد الجند حكاه الرازي في تاريخ صنعاء.
وقد أورد ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) ذمار بكسر أوله وفتحه وبناؤه على الكسر وإجراؤه على إعراب ما لا ينصرف، والذمار ما وراء الرجل مما يحقُّ عليه أن يحميه فيقال: فلان حامي الذمار بالكسر والفتح مثل نزال بمعنى أنزل وكذلك ذمار أي احفظ ذمارك. قال البخاري: هو اسم قرية باليمن على مرحلتين من صنعاء ينسب إليها نفر من أهل العلم..
ومحافظة ذمار مليئة بالمواقع الأثرية والتاريخية والسياحية والعلاجية، كما تشتهر وتتميز بتراثها وموروثها الشعبي، فهي قبلة لعشاق السفر والسياحة والعلاج في حماماتها المعدنية المشهورة، وكما أشتهرت بتراثها وآثارها فقد اشتهرت أيضاً بعلمائها ومفكريها ومبدعيها في كافة مجالات المعرفة، فقد تخرج منها الكثير من رجال اليمن الأحرار المناضلين في سبيل الحرية والمساواة والعدالة، والكثير من العلماء الذين نشروا العلم في مختلف مناطق اليمن والأمة العربية بل وفي العالم كذلك..
وتتميز المحافظة بتنوع تضاريسها ما بين سلاسل جبلية وسهول وقيعان على امتداد مساحة مديرياتها، حيث ترتفع المحافظة عن سطح البحر (1600 – 3200م) وتتوزع تضاريسها ما بين جبال عالية تتخللها الأودية، وهضاب وقيعان فسيحة، أشهر الجبال هي: إسبيل، اللسي، جبل ضوران، وجبال وصابين وعتمة، ويتوسط المحافظة قاع جهران أكبر وأوسع قيعان الهضاب اليمنية..  كما تتميز بمناخها المعتدل عموماً والذي يميل إلى البرودة شتاءً في وسطها وأجزائها الشرقية، ويسود المناخ المعتدل الدافئ مناطق الوديان والمنحدرات الغربية.
يعتمد سكان محافظة ذمار في معيشتهم بشكل أساسي على النشاط الزراعي، وقد أكدت الدراسات الأثرية وجود نشاط زراعي في محافظة ذمار منذ (7000) سنة، وذلك من خلال تحليل إرسابات التربة في العديد من مناطق المحافظة، وقد امتهن أبناء محافظة ذمار الزراعة كحرفة أساسية وكمصدر رئيسي للرزق والعيش، وقد ساعدهم في ذلك تنوع التضاريس في المحافظة، بين قيعان وهضاب ومنحدرات وأودية، وساعد هذا التنوع في التضاريس إلى التنوع في المحاصيل الزراعية، وتذكر بعض المراجع أن المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة تقدر بنحو 8ر2 مليون فدان، وهي غير مستغلة كاملةً، ومعظم هذه المساحة تستغل في زراعة المحاصيل النقدية مثل الذرة والقمح إلى جانب المحاصيل البستانية من الخضار والفاكهة، يتم تسويقها إلى المحافظات الأخرى وبعض الدول المجاورة. وتشتهر محافظة ذمار بزراعة البن في المناطق الغربية منها، مثل آنس ومغرب عنس وعتمة لتوفر المناخ المناسب لزراعته في مثل هذه المناطق وبكميات تجارية، وهو بن يتميز بالجودة العالية خاصة البن المعروف باسم (البن الفضلي) الذي يُعد من أجود أنواع البن اليمني. وإضافة إلى النشاط الزراعي يشتغل بعض السكان مهنة رعي الأغنام والماعز وكذا الإبل، كما اشتهرت المحافظة بتربية الخيول العربية الأصيلة.. وتشتهر محافظة ذمار بالحرف التقليدية التي يمارسها السكان إلى جانب الزراعة والرعي؛ منها صناعة وحياكة المنسوجات بمختلف أنواعها، وكذا صناعة الأواني النحاسية والأواني الفخارية بأحجام مختلفة، مثل أواني الطبخ وحفظ المياه وغيرها، ولا تزال صناعة الحلي والمجوهرات الفضية التقليدية تمارس في عدد من المناطق إلى جانب صناعة الخناجر (الجنابي، والنِّصَال). ومن الأعمال المهمة في المحافظة أيضاً، استخراج الأحجار المستعملة في البناء، إذ تنتشر في عموم مناطق المحافظة مقالع الأحجار ذات المواصفات العالية، ويتم تسويقها إلى العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية. ويمثل استخراج وصناعة العقيق وتشكيله أحد الأنشطة الحرفية المستمرة منذ ألاف السنين حتى اليوم، وأهم مناطق استخراج العقيق هما: منطقة ضوران آنس ومنطقة يعر عنس غرب مدينة ذمار، إذ يعد العقيق المستخرج منهما من أجود أنواع العقيق وأكثرها شهرة، وتلقى رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية وأسواق الدول المجاورة. وقد تم اكتشاف عدد من المعادن الصناعية المهمة مثل : الحجر الجيري، والجبس، والزيولايت، والبيوميس، والملح الصخري والفلدسبار، والكوارتز، والاسكوريا، والاطيان الصناعية، والرمال السيليكاتية والتي توجد بكميات ونوعيات جيدة.
محافظة ذمار تاريخياً
تأكد الدراسات العلمية الحديثة أن محافظة ذمار تواجد فيها نشاط إنساني منذ العصر الحجري القديم الأعلى في الألف السادس قبل الميلاد، وتوالى النشاط الإنساني في العصور التالية حتى العصر البرونزي الذي يعد أهم وأبرز معالمه في المحافظة هو موقع حمة القاع – 10كم – شرق مدينة معبر، وذلك على مستوى الجزيرة العربية. ومن خلال المواقع الأثرية المكتشفة في محافظة ذمار تشير إلى أن العصر الكتابي في اليمن بدأ ما بين القرنين الثاني عشر والعاشر قبل الميلاد، ومن هذه المواقع المكتشفة موقع الشٍّعب الأسود ومصنعة مارية. وظهر الريدانيون في القرن الثاني قبل الميلاد في ظفار الواقعة إلى الجنوب من مدينة ذمار بحوالي (50)كم تقريباً، والذين اعتمدوا على جموع القبائل الحميرية في صراعهم مع الدولة السبئية، وصارت مناطق محافظة ذمار هي العمق الاستراتيجي للريدانيين. ومنذ القرن الثاني الميلادي صار نقيل يسلح – (50 كم) شمال مدينة ذمار - هو الحد الفاصل بين السبئيين والريدانيين بزعامة الملك ياسر يهصدق.
وبعد صراع طويل تمكن الريدانيون بزعامة الملك ياسر يهنعم وابنه شمر يهرعش من حسم الصراع لمصلحتهم وبالتالي مد نفوذهم إلى العاصمة السبئية مأرب وكافة المناطق التابعة لها، وكان ذلك في حوالي سنة (270م)، الأمر الذي أدى إلى استقرار الأوضاع في اليمن عامة وفي مناطق محافظة ذمار خاصة، ولم تمض سوى سنوات حتى سقطت مملكة حضرموت بيد القوات التي أرسلها الملك الريداني شمر يهرعش في حوالي سنة (293م) وبذلك تم توحيد اليمن بالجملة، وبدأ عصر جديد شهدت فيه مناطق محافظة ذمار ازدهاراً كبيراً تمثل في إعادة بناء المدن والمراكز الحضارية وما يرافقها من قصور ومعابد وأسوار حصينة، إلى جانب المنشآت المائية الضخمة كالسدود والأنفاق والحواجز وغيرها، واستمر ذلك الازدهار حتى سقوط اليمن بيد الأحباش، الذين دمروا معظم الحواضر والمدن الحميرية وخاصة في محافظة ذمار، ويعد اكتشاف تمثالي ذمار علي يهبر وابنه ثأران يهنعم في منطقة النخلة الحمراء دليلاً على المستوى الحضاري الرفيع الذي بلغته اليمن في عهديهما. وعند ظهر الإسلام كانت قبائل ذمار سباقة إلى اعتناق الإسلام وقد خرجت أفواج من أبنائها لتوطيد أركان الدين الجديد والجهاد في سبيل الله. أما في عصر الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية فكانت مناطق محافظة ذمار محل اهتمام القوى المتنافسة، الأمر الذي أدى إلى أن تشهد ذمار فترات من الازدهار خاصة في عهد الإمام شرف الدين الذي شيد بين عامي (947–949 هـ) المدرسة الشمسية في مدينة ذمار، والتي صارت مركز إشعاع علمي وثقافي لعدة قرون. وفي فترة التواجد العثمانيين في اليمن وفي القرن السادس عشر الميلادي تحديداً كانت محافظة ذمار أحد مراكز المقاومة اليمنية ضدهم، وكللت تلك المقاومة بطرد العثمانيين على يد الأسرة القاسمية والتي اتخذت من مدينة ضوران شمال غرب مدينة ذمار عاصمة لها. وكما هو حال بقية المحافظات اليمنية، عانت محافظة ذمار من تدهور شديد في كافة المجالات خلال فترة الاحتلال العثماني الثاني لليمن.. ومنذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م شهدت محافظة ذمار نهضة علمية وثقافية وعمرانية كبيرة، وتعززت نهضة المحافظة بتحقيق الوحدة اليمنية..
أهم المعالم الأثرية والتاريخية والحضارية في محافظة ذمار
تمتلك محافظة ذمار مقومات سياحية متنوعة وعلى مستوى عالمي، وخاصة السياحة التاريخية والأثرية، فقد تم اكتشاف أكثر من (500) موقع أثري داخل محافظة ذمار ولا يزال الرقم يتصاعد كل يوم، وتغطي آثار محافظة ذمار كافة المراحل التاريخية، وتتنوع ما بين مدن حميرية كاملة، وسدود ومنشآت زراعية قائمة إلى الآن، إلى جانب عدد كبير من المساجد الأثرية، وهجر العلم، والحصون والقلاع العالية شيِّدت في العصر الإسلامي على أنقاض حصون وقلاع حميرية غالباً.
ومنها:
- حصن هران: يقع حصن هران إلى الشمال من مدينة ذمار بحوالي 2كم تقريباً، يعتلي الحصن فوق تل صخري ومرتفعات من المسكوبات البازلتية يحيط به منخفض ذمار المكون من قيعان صغيرة نسبياً تفصلها أرض مرتفعة مثل بلسان وقاع جهران قرب معبر وقاع عراظ أو عراد شرقي ذمار وقاع شرع إلى جنوبها. لذلك يتضح أن الحصن يشرف على مدينة ذمار وعدة وديان مما يسهل معه سرعة الاتصال به بل وتزويده مما يسهل معه سرعة الاتصال به بل وتزويده بالمواد الغذائية اللازمة وتخزينها لوقت الحاجة، وتوجد أسماء أماكن تحمل اسم هران منها هران بلد ووادي من بلاد بكيل في ناحية ذيبين وهران سد حميري في حقل بلاد يريم، وقد ورد اسم هران في النقوش اليمنية القديمة تحمل اسم وادي ثم اسم مبنى أو برج. وحصن هران يعتبر معقلاً هاماً يشرف على مدينة ذمار، حيث يعود بنائه أو تحصينه منذ فترة دولة سبأ وذو ريدان عندما ظهرت مدينة ذمار، والبقايا الأثرية للحصن في الوقت الحاضر لا تسعف كثيراً في إثبات هذا الخبر، والتي ربما تعرضت للإزالة أو الهدم بسبب تكرار الحوادث التاريخية التي دارت فيه. وتكوينات الحصن بصورة عامة هو وجود شبه بوابة تفتح إلى الجنوب، وقد كان لانقطاع السور الخارجي وبقايا الأجزاء السفلية منه وتهدم الأبراج الملتصقة به ما يحجب الرؤية أو التصور لأهم الأجزاء المعمارية، كما يوجد سور داخلي مبني من الطين اللبن أو الزابور ثم وجود سلالم حجرية وبقايا برك مقضضة ووجود بقايا أساسات مباني داخل الحصن، كما توجد مقابر وكهوف صخرية. وبصورة تفصيلية فإن الصعود إلى الحصن من جهة الجنوب حيث الطريق القديم الذي كان يؤدي من مدينة ذمار، ينتهي بالبوابة وهي ليست موجودة حالياً سوى الانقطاع الصخري الواقع إلى اليسار وأول ما يصادف المرء هو وجود سور الطين أو الزابور الممتد من الشمال إلى الجنوب بخط مستقيم يقطعه في المنتصف برج نصف دائري تهدم منه جزء كبير، وينقطع السور إلى الشمال قرب بداية السلالم الحجرية.. وتأتي أهمية حصن هران التاريخية من حيث موقعه الهام شمال مدينة ذمار ولم توجد إشارة تاريخية تذكر الفترة الزمنية التي أقيم فيها الحصن وهو ما يجدر البحث عنه في نقوش خط المسند. أما المصادر التاريخية الإسلامية فإنها قد حوت الكثير من الأخبار عما جرى من الأحداث التي توالت على هذا الحصن عبر قرون طويلة. ومن هذه الأخبار وجود قبيلة (جنب) سكنت في الحصن وكانت تقوم بالطفاع عنه والتصدي للهجمات التي كان يتعرض لها. ولا زالت تذكر قبيلة جنب من القرون الأولى للهجرة حتى نهاية القرن التاسع الهجري، حيث انتقلت إلى مغرب عنس وقد سميت بعد انتقالهم إليها بمخلاف الجنبيين. وأول إشارة تاريخية في سنة 292هـ عندما سار على ابن الفضل إلى ذمار فوجد جيشاً عظيماً في هران من أصحاب الحوالي، ثم كتب علي بن الفضل إلى صاحب هران واستماله حتى والاه، وصاحب هران هو إشارة إلى قبيلة جنب التي وصفت أنها قبيلة عاتية، حينها كان عيسى بن معان اليافعي والياً على ذمار من قبل بن أبي يعفر وكان علي بن الفضل قد قام بنشر المذهب الإسماعيلي في اليمن ومعه منصور الحوشبي، وفي إشارة تاريخية أخرى بعد فترة زمنية وبالتحديد في سنة 418هـ تذكر أنه سار عبدالمؤمن بن أسعد بن أبي الفتوح إلى إلهان فتلقته عنس ومن إليهم إلى ضاف فلبث فيه سبعة أيام ثم توجه إلى ذمار وأمر بعمارة حصن هران وهذا يشير إلى إعادة تعمير الحصن في هذه الفترة على يد عبدالمؤمن بن أسعد بن أبي الفتوح، وربما كان قد لحق خراب أو تهديم بالحصن. وهناك الكثير من الإشارات التاريخية الأخرى التي لا يتسع المجال هنا لإيرادها..
- متحف ذمار الإقليمي: وهو المتحف الرئيسي في المحافظة، شيد في منطقة هران شمال مدينة ذمار سنة 2002م، ويحتوي على عدة صالات للعرض المتحفي، منها صالة للآثار القديمة مما عثر عليه في مناطق مختلفة من المحافظة، أو من خلال الحفريات الآثارية، وقاعة أخرى للآثار الإسلامية أهم محتوياتها منبر الجامع الكبير بذمار، والثالثة لعرض نماذج من الموروث الشعبي في المحافظة.
- متحف بينون:في عزلة ثوبان مديرية الحداء أنشئ سنة 1990م، وتمت توسعته في 2003م، المبنى الرئيسي للمتحف يضم بداخله مجموعة كبيرة من القطع الأثرية، مصدرها مدينة بينون ومناطق أخرى في مديرية الحداء، أما المبنى الآخر فقد خصص لعرض نماذج من الموروث الشعبي لمديرية الحداء مثل الأزياء والحلي والصناعات الحرفية وأدوات العمل الزراعي وغير ذلك.
- متحف الآثار التعليمي بجامعة ذمار: افتتح في 2006م، وموقعه جوار قاعة المؤتمرات داخل حرم جامعة ذمار، والغرض من إنشائه أن يكون متحفاً تعليمياً لطلاب قسم الآثار، يحتوي المتحف على عدد من القطع الأثرية المهمة تتنوع ما بين رؤوس سهام وتماثيل، ونقوش كتابية بخط المسند، وخط الزبور، وأواني، فخارية بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من العملات الفضية والنحاسية تعود إلى العصر السبئي والعصر الحميري وكذا العصر الإسلامي، تم اقتناؤها من عدة محافظات.
- الحمامات المعدنية: ومن مميزات محافظة ذمار السياحية وجود عدد من الحمامات المعدنية الطبيعية الساخنة التي تستعمل لأغراض علاجية، إذ يوجد نوعان من الحمامات المعدنية، الأول: هو حمامات جبل اللسي شرق مدينة ذمار بجوار خربة أفيق ، وحماماته عبارة عن كهوف تنبعث منها أبخرة كبريتية حارة، تستعمل في علاج الأمراض الجلدية والروماتيزم، ومثله حمام جبل اسبيل المجاور، والنوع الثاني يتمثل في عدد من حمامات المياه المعدنية منها حمام علي شمال غرب مدينة ذمار ويتميز عن النوع الأول بوجود مياه كبريتية ساخنة تخرج من باطن الأرض، والى جانب حمام علي هناك عدد من الحمامات الكبريتية الساخنة المماثلة موزعة في مديريات المحافظة يقصدها الناس لعلاج بعض الأمراض المستعصية وخاصة الأمراض الجلدية والروماتيزم وهناك من يشرب الماء لعلاج من عدد من الأمراض الباطنية.
- المدرسة الشمسية: في ذمار، في حي الجراجيش. بناها الإمام شرف الدين في شهر رمضان سنة 947هـ، وقد سميت بالشمسية نسبة إلى الأمير شمس الدين أحد أبنائه، وربما إنه هو الذي أشرف على عمارتها في عهد والده، وقد بنى المطاهير والمنارة وحفر البئر الوالي العثماني محمد علي باشا سنة 1155هـ.. وكان بها مكتبة نفيسة موقوفة عليها من العلماء لكن بعض من لا خير فيه من علماء ذمار كانوا يستعيرونها، ولا يعيدونها، وتوجد بقية من هذه المكتبة لدى ناظر أوقاف ذمار القاضي حمود بن عبدالله الظرافي، وذكر صاحب مطلع الأقمار ما لفظه: وقد دخل أبو فارغ صاحب وادعة إلى ذمار سنة 1150هـ على رأس مجموعة من أصحابه، فانتهبوا أسواق ذمار، ودخل بحميره إلى المدرسة وانتهب فراشها وكتبها".  وكانت هذه المدرسة إلى بضع عشرة سنة خلت صرحاً من صروح العلم، فقد كانت أشبه ما تكون بخلية النحل لكثرة طلبة العلم الدارسين بها الذين يفدون إليها في موسم الدراسة من كل عام من شتى المناطق عدا الطلاب من المدينة نفسها ومن نواحيها. وكان طلاب العلم الوافدون إلى ذمار المعروفون بالمهاجرين يقيمون في المنازل (جمع منزلة) الملحقة بالمدرسة. الشمسية، والمحيطة بها من جميع جهاتها، وكان بعض هذه المنازل معروفة بأسماء أسر تتوارث الإقامة..
- جامعة ذمار : أكبر المؤسسات التعليمية في المحافظة، أنشئت عام 1996م، مقرها الرئيسي في مدينة ذمار عاصمة المحافظة، ولها فرعان في محافظة البيضاء الأول في مدينة البيضاء والثاني في مدينة رداع. تتكون الجامعة من ثلاث عشرة كلية علمية إلى جانب عدد من المعاهد النوعية المتخصصة. ومنذ نشؤها تعمل الجامعة على رفع المستوى العلمي والثقافي والفكري في محافظة ذمار والمحافظات المجاورة. ويوجد في ذمار العديد من مراكز البحث العلمي وكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية والصناعية والطبية ومعاهد اللغات والكمبيوتر الحكومية والاهلية إضافة إلى المدارس الثانوية والأساسية.
ومن المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (صنعاء الحضارة/الجزء الأول/ من منشورات جامعة صنعاء)، (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (معجم البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (تاريخ مدينة صنعاء/ للرازي/ تحقيق د.حسين العمري)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(رواد التنوير في مدرسة الحكمة اليمانية، إسماعيل محمد حسن الوريث/مركز الدراسات والبحوث اليمني)، (سفينة موجودة لدى الكاتب)، (مجلة الإكليل العددان الثاني في السنة الخامسة 1987م والأول في السنة السادسة 1988م/ مقال عن هران بذمار لمحمد عبدالله باسلامه، ومقال عن منبر خشبي نادر في الجامع الكبير بذمار للدكتور ربيع حامد خليفة)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (مجلة الحكمة اليمانية 1938 – 1941م وحركة الإصلاح في اليمن "دراسة ومقالات"/ تأليف د.سيد مصطفى سالم/ جمع المقالات علي أحمد أبو الرجال/ إصدارات وزارة الثقافة والسياحة 2004م)، (سفينة العمراني معارف ولطائف/ أعدها السفير عبدالرزاق محمد العمراني مما سمعه وتلقاه من والده فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني شفاه الله وعافاه/ مراجعة د. عبدالرحمن محمد العمراني/ دار النشر للجامعات صنعاء).
alarachi2012@yahoo.com

مديريات الشيخ عثمان والمنصورة والمعلا ودار سعد



الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عدن
مديريات: (الشيخ عثمان، المعلا، دار سعد، المنصورة)

إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.... يسرني أن أقدم لك في هذا العدد من صحيفة الثورة الغراء، الحلقة السابعة عن محافظة عدن (ثغر اليمن الباسم)، وقد آليتُ على نفسي أن لا أخوض في الجوانب السياسية ودسائسها مسترشداً بقول الشاعر اليمني الكبير المرحوم أحمد محمد الشامي المولود 1342هـ 1924م المتوفى 13/3/2005م المولود في مدينة الضالع:
رب رحماك بالعروبة ضاعت

بين أوباشها وبين عداها

وقد عودت القارئ الكريم أن أقدم له في كل حلقة نبذة صغيرة عن علم من أعلام اليمن الذين كان لهم بصمات واضحة في الحياة الأدبية أو الاجتماعية أو الفنية، وفي هذه الحلقة أقدم شخصية بارزة وحية في الإبداع في المجال الفني من أبناء عدن، وكان إبداعه على مستوى اليمن والجزيرة العربية، وهو الفنان الكبير المرحوم محمد مرشد ناجي المولود في مدينة عدن مدينة الشيخ عثمان في 4 جماد الثاني 1348هـ الموافق 6 نوفمبر 1929م المتوفى في 7 فبراير 2013م.. وهو من أم صومالية كافحت وجاهدت في تربية فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي، ووالده مرشد ناجي من أبناء محافظة تعز من بيت الشوافي، ولقد غنى فناننا الكبير محمد مرشد ناجي لليمن وللعرب وتسابقت عواصم الدول العربية ودول الخليج في دعوته للغناء في مناسباتها الوطنية والقومية ليشدو في عواصمها بأجمل أغاني التراث وكأنه زرياب يشدو في مدينة بغداد أيام هارون الرشيد، ومع هذا لم ينجو المرشدي من دسائس السياسيين ومكرهم وخداعهم وصراعاتهم السياسية سواءً في عهد الاستعمار البريطاني أو في عهد الاستقلال والصراع الذي حدث بين الجبهتين جبهة التحرير أو الجبهة القومية.. وهنا أيها القارئ الكريم أقدم لك نبذة عن حياة هذا العلم الفني الشامخ: فقد ولد ونشأ في حي (الشيخ عثمان)، من مدينة عدن.. مغنٍّ، ملحن، عازف. نشأ في أسرة فقيرة، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة في الكتاب، ثم التحق بالتعليم النظامي؛ غير أنه لم يستطع مواصلة الدراسة.. تولى عددًا من المهام والوظائف؛ منها: أنه عين سنة 1370هـ/1950م، سكرتيرًا لسلطنة أبين، وفي سنة 1373هـ/1953م، عمل في إدارة مدرسة (النهضة) في حي (الشيخ عثمان)، وفي سنة 1377هـ/1957م، عمل كاتبًا في شركة الزيت البريطانية، ثم كاتبًا في شركة (شل) البريطانية، وفي سنة 1388هـ/1968م، عمل كاتبًا في (البنك العربي)، ثم كاتبًا في (البنك الأهلي اليمني)، وفي عام 1393هـ/1973م، عين مساعدًا لنائب وزير الثقافة حتى عام 1421هـ/2001م، انتخب عضوًا لمجلس النواب في انتخابات سنة 1417هـ/1997م، عن إحدى دوائر مدينة عدن.. بدأ مشواره الفني في مدينة عدن بالغناء في الحفلات التي كانت تقام في المخادر (خيم الأعراس)، وغنى لكثير من الشعراء اليمنيين، ولحن لكثير من الفنانين اليمنيين والعرب، وكانت أنشودته (أنا الشعب زلزلة عاتية) من أوائل الأناشيد التي بثتها إذاعة صنعاء؛ عقب قيام الثورة الجمهورية وسقوط النظام الملكي سنة 1382هـ/1962م، وكانت تجري على كلِّ لسان.. ويعد صاحب الترجمة مدرسة غنائية متفردة، ذاع صيته وانتشر في كلِّ أقطار الوطن العربي، وله تلامذة كثيرون؛ منهم: الفنان (طه فارع)، والفنان (محمد صالح عزاني)، والفنان المنلوجست (فؤاد الشريف).. من مؤلفاته: أغانينا الشعبية، صدر سنة 1379هـ/1959م. الغناء اليمني القديم ومشاهيره. صفحات من الذكريات. أغنيات وحكايات.
أولاً: مديرية الشيخ عثمان
الشيخ عثمان: من أحياء مدينة عدن. سميت باسم ولي من أولياء الله الصالحين هو الشيخ عثمان الذي بناها في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وكانت قبل ذلك منطقة أحراش وأشجار ترعى وسطها وحواليها الجِمال والأغنام وقطيع من الغزلان. وأول من سكن هذه المنطقة جماعة من الصيادين.  وتعتبر الشيخ عثمان واحدة من مديريات مدينة عدن التي تبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة 365كم جنوباً. وتبلغ مساحة المديرية 43كم2، وعاصمة المديرية مدينة الشيخ عثمان. وتضم هذه المديرية عدد من الأحياء هي: (أول مايو، عبود، مصعبين، الوحدة). وبلغ عدد السكان في هذه المديرية (66.562) نسمة حسب التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
والشيخ عثمان هي ملتقى كل مديريات المحافظة، وتقع المديرية في الشمال الشرقي لمحافظة عدن، يحدها من الشرق منطقتي الشيخ الدويل والممدارة ومن الغرب منطقة القاهرة ومن الشمال منطقة عمر المختار ومن الجنوب منطقة عبد القوي الداخلي والخارجي. أبرز ما يميزها مسجدالنور الذي يتربع في وسطها فيملأها هيبة وجمالا ،وكذا محطة الهاشمي (الفرزة) محطة مواصلات إلى جميع المحافظات الجنوبية كالضالع ولحج وأبين وغيرها.. وقد سميت هذه المديرية بالشيخ عثمان في بداية القرن السابع عشر، فقد كانت عبارة عن مزار ديني للولي الشيخ عثمان (عثمان بن محمد التركي) المقبور فيها، وسميت المدينة باسمه.. ويؤكد الرحالة الإنجليزي هنري سلت الذي زار المدينة في عام 1809م، وهو في طريقة إلى لحج يشير أنها كانت لا تزال غابة كثيرة الأشجار بجانب القرية وقبة الولي، وتمتد المساحات الخضراء إلى عشرات الكيلومترات تشكل مرعى رئيسي للأغنام والجمال التي كانت تشاهد في كل أنحاء الغابة.. ويبدأ تاريخ مديرية الشيخ عثمان عندما اشترى الإنجليز من سلطان لحج الأرض الممتدة من خور مكسر إلى وراء البستان الكمسري سابقاً (حديقة الملاهي حالياً)، فأسسوا البدايات الأولى للمدينة لاستيعاب الزيادة في عدد السكان، ويعود تخطيط المدينة وبناؤها في الشكل الذي عليه الآن إلى الإنجليز، أما مدينة الشيخ عثمان الأصلية فهي قرية الدويل (الشيخ الدويل) التي كان يقع بجانبها قبر الولي الذي سميت باسمه. حيث ادركت بريطانيا في أواخر عام 1870م أن عدن مزدحمة للغاية وكان الحل المقترح من قبل الحاكم البريطاني في ذلك الوقت، بشراء قرى الشيخ عثمان والعماد والأراضي المجاورة من سلطان لحج لها بغية تشكيل مستوطنات مدنية لتخفيف الضغط السكاني في مدينة عدن. كان الاقتراح قد عرض على حكومة الهند في عام 1878م وتمت الموافقة عليه في يونيو 1879م، ولكن عملية الشراء الفعلية تم تأجيلها إلى أن تتحسن الظروف المالية.. وفي يوليو 1879م تم دفع دفعة أولية قدرها 20,000 روبية لسلطان لحج وفي العام التالي أدرك الإنجليز أن شراء الأرض ينبغي أن يكتمل دون مزيد من التأخير. وقد وافقت حكومة الإنجليز في نوفمبر 1880م على دفع ما يلي: 35,000 روبية لسلطان لحج، مما يجعل المجموع 55,000 و5,000 روبية للسلطان الفضلي الذي أدعى ملكيته لجزء من هذه الأراضي، بالإضافة إلى 5,000 أخرى لقاضي لحج الذي ساعد في التوسط في الصفقة. إضافة إلى هذه المبالغ المدفوعة لسلطان لحج تم زيادة الإعانة الشهرية من حكومة الإنجليز لسلطان لحج لتعويضه عن خسارة عائدات الماء والملح من هذه الأراضي. واتفقوا أيضا على أن تغيير الحدود لن يغير من حق السلطان على جباية مستحقات العبور على التجارة مع عدن... وفي عام 1920 م تأسست في المدينة مصانع الملابس القطنية وازدهرت صناعة (البرود اليمنية الشهيرة).. واليوم أضحت مدينة الشيخ عثمان من أوسع المدن في محافظة عدن وأغناها أسواقاً وأكثرها عمراناً وكثافة سكانية. من أبرز شواهدها بساتين في ضواحيها كان هناك بستان الحيوانات معروف باسم بستان عبدالمجيد السلفي وبستان كمسري وبساتين الدار.
ومن أهم المعالم التاريخية في مديرية الشيخ عثمان في وقتنا الحاضر نذكر منها التالي:
o مسجد النور ويعد أكبر المساجد فيها تم بناؤه عام 1958م..
o مسجد الهاشمي: سوق الشيخ عثمان القديم (سوق الخضرة والفاكهه والتمر واللحوم والحناء وما إلى ذلك)..
o الحديقة العامة ( والان هي عبارة عن مكان مفتوح)..
ثانياً: مديرية دار سعد
هي واحدة من مديريات محافظة عدن التي تبعد عن العاصمة صنعاء 365كم جنوباً، تبلغ مساحة المديرية 70كم2، وهي بهذه المساحة فإنها تحتل المرتبة 3 على مستوى المحافظة، وعاصمة المديرية مدينة دار سعد.. تضم هذه المديرية الأحياء التالية: (البساتين، 7 أكتوبر، مأرب، مصعبين).. وبلغ عدد السمان في هذه المديرية 80.541 نسمة وذلك بحسب التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
ودار سعد؛ قرية في سهل لحج الفسيح تقع شرقي الحسوة قبل الدخول إلى مدينة عدن. سُميت نسبة إلى الأمير سعد بن سالم الذي عينه السلطان فضل بن علي العبدلي سنة 1299هـ ليكون وكيلاً له فيها. وكان اسم الموضع قبل ذلك (بير أُمحيط)..
وتعني دار سعد (دار الأمير) وكانت في فترة الاحتلال البريطاني أقصى نقطة حدودية لمستعمرة عدن من جهة الغرب باتحاه السلطنة العبدلية بلحج. وقد أُطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى أحد الأمراء العبادلة الذى بنى فيها قصراً قبل الاحتلال.. وكانت دار سعد تابعة لحي الشيخ عثمان قبل أن يشتري الانجليز المنطقة من السلطان العبدلي. ولقد اهتموا بها باعتبارها أقصى نقطة جمركية مهمة في المستعمرة بمحاذاة سطنة العبادلة وممراً للقوافل ثم للسيارات المحملة بالبضائع والمسافرين إلى شمال اليمن، وإمارات الجنوب في المحمية الغربية.. وخلال الحرب العالمية الأولى والسنوات التي تلتها تزايدت أهمية حي دار سعد بسبب عاملين أولهما يتعلق بالمواصلات والثاني بالناحية العسكرية والأمنية.. فقد قام الأتراك في شهر يوليو 1915م بغزو محمية عدن الغربية من شمال اليمن واستطاعت قواتهم أن تحتل حي دار سعد وحي الشيخ عثمان إلا أنها انسحبت وتوقفت في سلطنة العبادلة في لحج خلال سنوات الحرب العالمية الأولى . لذلك كان من الطبيعي أن تزداد أهمية حي دار سعد الإستراتيجية والعسكرية خلال تللك السنوات. وبعد أن مدت الحكومة سكة الحديد من عدن إلى لحج صار القطار يمر بدار سعد وأصبح الحي محطة هامة في طريقة.. وفي هذه الفترة ظهرت في حي دار سعد بعض المباني السكنية المدنية والتجارية المختلقة وفق التخطيط الذي أراده الإنجليز فظهرت العديد من المستودعات والمخازن وبعض المحلات التجارية..  وبسبب انخفاض تجارة الصادرات والواردات في قطاعي السلع الغذائية والملابس من مستعمرة عدن إلى خارجها خلال فترة الحرب العالمية الأولى ادزهرت تجارة التهريب إلى خارج المستعمرة فأصبحت دار سعد بحكم موقعها على الحدود أهم نقطة للتهريب في المستعمرة مما ساعد على زيادة توسيع تجارة التهريب عدم قدرة البوليس البريطاني المكلفين بحراسة هذه النقطة الحديثة في دار سعد.. وقد ازدهرت دار سعد ازدهاراً كبيراً نتيجة لتجارة التهريب خلال سنوات الحرب وما بعدها فأثرى الكثير من المغامرين، كما كانت دار سعد منفى للمعارضين للحكم البريطاني في مستعمرة عدن..فبعد إبعادهم عن أحياء كريتر والمعلا والتواهي التي كان يسكنها البريطانيون تم نفيهم في حي دار سعد. وتواصل تطوير المباني في هذا الحي فوقع تشييد بعض المباتي السكنية الحكومية والمرافق و المحلات التجارية و الملاهي اليبسيطة.. وبعد الحرب العالمية الثانية سنة 1950م تحديداً بنيت العديد من البيوت السكنية والحدائق والبساتين وهي شبيهة بالمنازل السكنية في أحياء المستعمرة وقد أمدتها السلطة بكافة الخدمات من ماء وكهرباء وطرق معبدة وهاتف، وشملها ذلك الى النقطة الحدودية بين سلطنة العبادلة بلحج وحدود مستعمرة عدن في حي دار سعد..
ثالثاً: مديرية المعلا
واحدة من مديريات مدينة عدن التي تبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة تقدر 365كم جنوباً.
تبلغ مساحة المديرية 5كم2، وتعتبر مدينة المعلا هي عاصمة المديرية. وتضم المديرية الأحياء التالية: (ردفان، مدرم، الطبعة العاملة، ناصر). وبلغ عدد سكان المديرية (54.960)نسمة بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م..
كانت مدينة المعلا محلاً لصناعة السفن الشراعية ويرفعونها في مكانٍ عالٍ عن البحر، لذلك سميت بالمعلا وتعني المكان العالي بحسب المؤرخ (حمزة لقمان)..
والمعلا مدينة ترتبط بمدينة عدن. قال الأستاذ عبدالله محيرز: تمتد حالياً من قرب جحيف امتداداً مستمراً بمحاذاة الساحل إلى باب عدن، وتوسعت مدينة (المعلا ) عند سفح جبل شمسان بعد عام (1868م) عندما حول الأنجليز رصيف ميناء صيرة القديم في (كريتر) إلى رصيف المعلا بعد توسعته عام (1869م) ؛ وبتوسعها هذا أصبحت مستحوذة على أطول شريط ساحلي مقارنةً بالتواهي وعدن.. وهي كالتواهي مدينة نَمَت خلال القرن التاسع عشر كميناء ومرسى للسفن، وبُني فيها عديد من المخازن والأرصفة التي تستخدم لإنزال البضائع وخزنها.. وعلى الرغم من توسع "المُعلا" منذ القرن التاسع عشر إلا أنه يبدو أن لها جذوراً أعمق من ذلك في تاريخ عدن، إذ من المحتمل أن تكون وريثه "المَباه" تلك القرية التي نشأت خارج باب عدن ثم اختفت في القرن السادس عشر. فموقع المعلا الحالي يشمل موقع المباه القديم، بل إن بعض المهن التي مارسها سكان المباه، كحرق النوره والحُطُم، بقيت في المعلا حتى نهاية القرن التاسع عشر.. وقد اعتاد الناس قبل أن تكبر المدينة وتتسع، تقسيمها إلى قسمين: مُعلا دَكَّه، وتعني الفرضة. ومُعلا صُومال، وهي الحي السكني وغالبه من الصوماليين الذين استوطنوا المعلا واحترفوا قيادة الزوارق والاصطياد.. وفي الخمسينات من القرن العشرين تغير وجه المدينة تغيراً كاملاً، فقد كُبِسَت مساحة كبيرة من البحر، وبُني عليه أطول شارع من العمارات الحديثة على طريق واسع حديث يربط "باب عدن" بمنطقة جُحيف ثم بالتواهي.. وقامت تلك العمارات الحديثة باستيعاب عائلات أفراد القوات العسكرية البريطانية إبان الاستعمار البريطاني.
رابعاً: مديرية المنصورة
هي واحدة من مديريات مدينة عدن التي تبعد  عن العاصمة صنعاء بمسافة 365كم جنوباً..
تبلغ مساحة المديرية 89كم2، ومركز المديرية هي مدينة المنصورة. وتضم المديرية عدد من الأحياء هي: (تلال شمسان، الثورة، المنصورة، يونيو). بلغ عدد سكان المديرية 114.256 نسمة وذلك حسب التعداد العام للسكان والمساكن 2004م..
حي كبير من أحياء عدن، كالشيخ عثمان والقاهرة والبريقة. وكان الإنجليز قد شيدوا المنصورة قبل أن يرحلوا عن عدن لتكون مدينة نموذجية حديثة. وقد ساعد بناء المنصورة على تخفيف هبوب الأتربة (الغوبة) على الشيخ عثمان أيام الصيف. فقد أدى تعاظم هذه المشكلة في بداية الخمسينات إلى إقامة حزام أخضر من الأشجار غربي الشيخ عثمان لمنع هبوب الرياح على المدينة من ناحية المنصورة قبل بنائها، ويوم كانت المنطقة لا تزال أكواماً من الرمال وكان الحزام الأخضر هذا في البقعة التي شيد فيها مصنع الغزل والنسيج. ومن آثار المنصورة الهامة سجن المنصورة وهو السجن الذي بناه الإنجليز لاعتقال الثوار بعد إتمام عملية استجوابهم وتعذيبهم في رأس مربط وقد كان يوم السادس من إبريل 1967م يوماً مشهوداً في تاريخ سجن المنصورة عندما جاءت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في الجنوب المحتل آنذك. وحالياً المنصورة تحيط بها المساكن الشعبية الكبيرة والحديثة وتغيرت صورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية بعد الاستقلال وكذلك بعد الوحدة اليمنية حيث شيدت مبان جديدة وحديثه ليس في منطقة المنصورة وإنما شملت جميع المدن التابعة لمدينة عدن وكذلك بناء أحياء أخرى مثل حي ريمي وحي عبدالعزيز..
التعليم والثقافة في عدن أثناء تبعيتها لدولة الهند تحت التاج البريطاني
الوضع التعليمي خلال الفترة (1839 – 1875م):
لم يبدأ الإنجليز في فتح أول مدرسة في عدن إلا بعد مضي سبعة عشر عاماً من استعمارهم لها. وحتى تلك المدرسة الأولى التي فتحوها عام 1856م أغلقت أبوابها بعد سنتين فقط من وجودها، ولم يعاد فتحها إلا عام 1866م، بمعنى آخر فإن الإنجليز لم يفتحوا أول مدرسة إبتدائية في المستعمرة إلا بعد مضي ربع قرن كامل من استعمارهم للمنطقة اليمنية..
ومنذ البداية فقد كانت الأهداف من وراء فتح المدرسة سياسية وتبشيرية فالشخص الذي تحمس في فتحها كان هو القسيس المستعرب جي . بي . بدجر، الذي كان أحد واضعي السياسة البريطانية الرئيسية في المنطقة، وكان الوحيد الذي يمكن أن يتراسل مباشرة، من وراء ظهر المقيم السياسي، مع حاكم بومبي ورئيس المجلس الهندي كما أنه كان يعد في بريطانيا خبيراً في شؤون الشرق الأوسط، ويقوم بتقديم نصائحه إلى الوزراء البريطانيين أو نشر آرائه في أمهات المجلات السياسية.
في عام 1866م طلب الكولونيل سيرويذر، المقيم السياسي آنذاك، الإذن وتحصل عليه بإعادة فتح المدرسة الحكومية الابتدائية في عدن... وفي البداية، كما كان متوقعاً لم يتجاوب إلا القليل من كان المستعمرة. وخلال العامين الأولين فإن تقدم المدرسة لم يكن مرضياً بأي حال من الأحول. فمعظم التلاميذ كانوا من أبناء جنود الوحدة الهندية في الجيش البريطاني المعسكرين في عدن. ولم يكن في سجل المدرسة سوى ستة تلاميذ فقط من المدينة ذاتها. وخلال الأربع سنوات الثانية.. ارتفع الحضور من (21) إلى (50) تلميذاً. وسرعان ما وجد التجار الفائدة من التعليم باللغة الإنجليزية. فقد استطاع بعض التلاميذ الحصول على وظيفة في المكاتب الحكومية.. وبالتدريج بدأ حتى العرب يرسلون أبناءهم إلى المدرسة وخلال أربع سنوات الأخيرة فإن المؤسسة، والتي تسمى (مدرسة الإقامة في عدن) أصبحت تضم تلاميذ من كل الطبقات والمذاهب وهذه قائمة بتوزيع التلاميذ في المدرسة عام 1877م حسب جنسياتهم:فرس 9تلاميذ، بانيان 8، خوجه 2، مهمن7، بهرى5، يهود3، عرب5، مسلمون آخرون 15..
وقد تم تأسيس مدرسة عربية حكومية في ذات الوقت التي تأسست فيها المدرسة الإنجليزية. وتقوم بدعمها كل من الحكومة والبلدية – تدفع الحكومة (480) والبلدية (820) روبيه في العام – ويبلغ عدد تلاميذها (130) ولداً و (20) فتاة، والدراسة فيها بالمجان كما هي العادة في البلدان الإسلامية فإن الدراسة فيها بواسطة القرآن. وقد أدخلت فيها مؤخراً مواد غير دينية في القراءة والكتابة ومبادئ الحساب. وقلما تتعلم البنات أكثر من القراءة لأنهن يتركن المدرسة في سن الثامنة.
الوضع التعليمي خلال الفترة 1875 – 1900م وإذا تابعنا تطور التعليم الحكومي خلال ربع القرن الأخير من القرن التاسع عشر فسنجد أنه لم تضف سوى مدرستين عربيتين حكوميتين، الأولى عام 1879م في المعلا، والثانية عام 1880م في التواهي. كذلك فقد فتحت خلال هذه الفترة أيضاً مدرستان تبشيريتان كاثوليكيتان وقد بلغ عدد التلاميذ في المدارس الثلاث الإبتدائية العربية في أواخر القرن وبوجه التحديد عام 1897م (256) تلميذ. وبالنسبة للمنهج فقد أدخلت مادة مسك الدفاتر في المدرسة الحكومية الإنجليزية كما أن حصص الدراسات القرآنية قلل منها في المدارس الحكومية العربية مقابل زيادة في المواضيع النفعية على مستوى ابتدائي.
وقد رجعنا عند إعدادنا هذا المقال إلى العديد من المراجع منها: (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (تاريخ ثغر عدن/ أبا محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد أبي مخرمة، مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل/ الطبعة الثانية 1407هـ 1986م/ منشورات المدينة -صنعاء، شركة التنوير للطباعة والنشر – بيروت)، (الأعمال الكاملة.. العقبة، صهاريج عدن، صيره/ عبدالله أحمد مجيرز/ دراسة تحليلية جغرافية وتاريخية وأبحاث متعمقة/ من مطبوعات صنعاء عاصمة الثقافة العربية200م)، (عدن تحت الحكم البريطاني 1839-1967م/ ر. ج جافن/ ترجمة محمد محسن محمد العمري/ الطبعة الأولى 2013م/ دار جامعة عدن للطباعة والنشر – عدن)،(صفحات من الذكريات/ محمد مرشد ناجي/ إصدارات جامعة عدن2004م)، مجلة الإكليل العدد الأول السنة الثانية صيف 1402هـ 1982م/ مقال للأستاذ سلطان ناجي عن الحالة التعليمية والثقافية في عدن خلال فترة تبعيتها للهند)، (موسوعة الأعلام اليمنيين على الإنترنت) ..
alarachi2012@yahoo.com


مديريتا التواهي وخور مكسر

الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عدن
مديريتا التواهي وخور مكسر
(السياحة في الساحل الذهبي وساحل أبين)

إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.... يسرني في هذا المقال أن أقدم لك نبذة عن مديريتي التواهي وخور مسكر بمحافظة عدن، واللتان تعتبران من أجمل المديريات السياحي

ة في الجمهورية اليمنية، وبما أنني سبق وأن أشرت في المقالات السابقة عن رحلة المرحوم أمين الريحاني (اللبناني) إلى اليمن مروراً من عدن عاصمة اليمن الاقتصادية إلى صنعاء عاصمة اليمن الموحد، كما أنني قد عودت القارئ الكريم أن أقدم له نبذة عن شخصية يمنية من الأعلام الذين جسدوا الوحدة اليمنية بسلوكهم وجسدوا الأخلاق الحميدة والنبيلة، ليكونوا أسوة لشباب اليمن الموحد، وأقدم لهم في هذا المقال الشيخ المرحوم إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن أحمد با سلامة : مولده (1284هـ/1867م) وفاته (   2   1352 هـ / 30   5   1933 م ) الذي كان مشهوراً بالكرم والجود ومكارم الأخلاق، وله قصص عديدة تحكي عن كرمه وعفوه منها: أنه أثناء توليه منصب قائم مقام (في عهد التواجد العثماني)محافظة إب كان أحد الموظفين لديه يعتقد أنه مظلوم من الشيخ إسماعيل با سلامة، وكان أهل إب المعارضين للشيخ إسماعيل يشجعون هذا الموظف ويحفزوه على الذهاب إلى الاستانة في تركيا للشكوى بالشيخ إسماعيل با سلامة، لكنه رد عليهم من سينفق على أولادي، لا سيما أن الشيخ إسماعيل سيقطع مرتبي، فالتزموا له بكفاية أولاده وكل ما يلزم، فسافر إلى الاستانة لتقديم شكوى بالشيخ إسماعيل، وعاد من الاستانة بعد ثلاثة أو أربعة أشهر إلى مكة لأداء فريضة الحج، وبعدها عاد إلى اليمن، وفي أثناء غيابه سأل عنه الشيخ إسماعيل: أين فلان؟ فقالوا له: ذهب إلى الاستانة ليشتكي بك، فقال: من يكفي أولاده؟ فقالوا: لقد تكفل برعاية أولاده جماعة من أهل إب لكنهم أخلفوا وعدهم، ولم يعطو أولاده حاجتهم، فما كان من الشيخ إسماعيل إلا أن أمر بضم أولاده إلى أولاده، وأن ينفق عليهم كما ينفق على أولاده، بل إنه قام بترميم بيت هذا الشخص، وكسى أولاده كسوة مثل أولاده تماماً، وعاد الرجل من مكة، ودخل ليلاً، فوجد بيته قد رمم وجدد، فقرع الباب، وأول ما التقى بأولاده سألهم: من كان يكفيكم؟ من قام برعايتكم؟ من كذا من كذا.. فقالوا الشيخ إسماعيل با سلامة، فندم على تصرفه وذهب من فوره إلى بيت الشيخ إسماعيل، فلما وصل إلى الباب إلى عند الحرس، أصر أن يقيدوه ولم يرض إلا بتقييده، فرفضوا فحلف بالله عليهم أن يقيدوه، فقال لهم الشيخ إسماعيل قيدوه تبريراً ليمينه ثم فكوا قيده في الحال، وبعدها ظل هذا الرجل ملازماً للشيخ إسماعيل طيلة حياته
وهذه القصة موجودة في كتاب حياة عالم وأمير لإسماعيل للقاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع، وسمعتها من خالي المرحوم مرشد الغرباني الذي كانت تربطه بالشيخ المرحوم إسماعيل با سلامة صداقة متينة.
 وذكر لي أيضاً خالي المرحوم مرشد أن الشيخ المرحوم إسماعيل باسلامة قام بزيارة إلى صنعاء وكان ضيفاً على خالي مرشد، وكان سبب الزيارة هذه مقابلة الإمام يحيى ومراجعته حول بعض الحسابات التي بينه وبين الحكومة لا سيما بما يتعلق بالْعُمَال، والعَمَال هي نسبة تعطى لمشائخ الضمان وغيرهم من الزكاة، وكانت قد تراكمت للشيخ إسماعيل لدى الإمام يحيى مبالغ كبيرة، وكان يوماً من الأيام يمشـي هو وخالي في باب السبح فوجدوا شخصاً يبيع القِلاّّ، وكان ينادي: عسل في غرارة، عسل في غرارة، فقال الشيخ: (مو بيقول مو بيقول) فقالوا: يبيع قلاّ، فقال لخالي نعطيه خمسين ريالاًً، فقال خالي كل ما معه من قلا لا يساوي نص ريال، لكن إذا كان ولا بد فاعطه خمسة ريالات، فأعطاه خمسة ريالات. ومن أراد أن يعرف المزيد عن هذا الشخصية الفذة فليرجع إلى كتاب حياة عالم وأمير للمرحوم  القاضي محمد بن علي الأكوع.
مديرية التواهي
مديرية التواهي: هي واحدة من مديريات مدينة عدن التي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 365كم جنوباً، وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة عدن وتطل على خليج عدن. وتبلغ مساحة المديرية 11كم2.. وتعتبر التواهي هي مركز المديرية، وتضم المديرية عدد من الأحياء، هي: (7يونيو، 22يونيو، 14 أكتوبر، التواهي، الثورة، سالم عمر).. ويبلغ عدد سكان المديرية (32.356)نسمة حسب التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
مدينة التواهي كانت قديماً عبارة عن قرية صغيرة لصيادي السمك، وأشار المؤرخ (حمزة لقمان) أن كلمة (التواهي) جاءت من لفظ (تاه) بمعنى ضاع، حيث يقال أن أهالي عدن آنذاك كانوا يخشون الذهاب إلى تلك المدينة خوفاً من أن يتيهوا في جبالها لأن الطريق لم تَكُن موجودة في تلك الايام. وقيل أن التواهي كان منطقة مُقْفِرَه، وخلال فترة الاحتلال البريطاني سميت (Steamer Point) بمعنى (النقطة عبر البواخر) ثم أتخدت اسم الميناء، والخليج الذي يقع عليه،وفي عقد (الثمانينات من القرن التاسع عشر الميلادي) كان البحر في حالة المد يغمر جزءاً كبيراً منها، ويغطي الطريق فيجعل الدخول إليها صعباً.
وتغيرت أهمية التواهي بعد الاحتلال البريطاني، عندما تم تغير مقر سكن الكابتن هنس (الوالي البريطاني) من الخساف إلى رأس طارشين بالتواهي، الذي بدوره اتخذها مقراً لسكنه، ثم صارت مقر سكن مساعديه وكبار الموظفين والعسكريين البريطانيين ومقراً للقنصليات والشركات الأجنبية. أي أن المنطقة أصبحت مركزاً تجارياً وإدارياً وعسكرياً للمستعمرة البريطانية وتحولت التواهي إلى حي أقرب أن يكون أوروبياً. وفي مدينة التواهي يوجد (الساحل الذهبي) الواقع بين جبل خليج الفيل وجبل هيل، وتحيط بها من الأسفل آثار تحصينات دفاعية وبقايا المدافن القديمة التي كانت تستخدم لحماية مداخل المدينة من جهة الشاطئ الغربي لها، ويعود تاريخها إلى عام (1538م) أثناء حكم العثمانيين لعدن. وقبالة شاطئ مدينة التواهي توجد (جزيرة الشيخ أحمد الصياد) وهي عبارة عن كتلة صخرية في ميناء التواهي، وأهم معالم المدينة التاريخية (عمارة بوابة الميناء ـــ ساعة بج بن على قمة الجبل المطل على الميناء).
والتواخي الآن مدينة سياحية مشهورة، تستقبل الكثير من السواح المحليين والأجنبيين، وقد تسارع فيها العمران والتطور بصورة كبيرة جداً، وقد ساعدها على ذلك أن شاطئها يُعتبر من أجمل الشواطئ التي تحتضنها مدينة عدن. وتضم منطقة التواهي شاطئ جُولد مور (الساحل الذهبي) وشاطئ عَرُوسَة البحر وشاطئ خليج الفيل، وغيرها من الشواطئ الجميلة التي تسحر العين وتُسبي القلب. وقد أُقيمت على هذه الشواطئ عدد من الفنادق والاستراحات، كما أن بها طريقان إسفلتيان تم نحتهما وسط الجبال المطلة على شواطئ التواهي. وفيها اليوم عدد من القصور والشاليهات الضخمة.
أهم معالم مديرية التواهي
من أهم المعالم التي تشتهر بها مديرية التواهي، المعالم التالية:
- ميناء التواهي: يرتبط إنشاء ميناء التواهي بالإنجليز الذين بُعيد إحتلالهم لعدن بحوالي (10سنوات) فكروا في الانتقال بالميناء من ميناء صيره القديم بكريتر إلى ميناء التواهي، حيث توجد الإمكانية فقد هجروا الميناء القديم عند أقدام صيره، وشيدوا ميناء التواهي حيث توجد الإمكانية في توسعته، وعوامل أُخرى لقيام ميناء حديث يفي بمتطلباتهم، ويكون همزة وصل بين أوروبا – بريطانيا بشكل خاص ومستعمراتهم في قارة آسيا، وقد ترافق بناء الميناء مع إعلان عدن كمنطقة حرة في عام (1850م)، ويزاول الميناء مهام استقبال الحاويات والقيام بمهام الترانزيت وأعمال الشحن والتفريغ والملاحة والتموين بالوقود وخدمات الإرشاد والإنارة وإصلاح السفن ويوجد حوضان عائمان لهذا الغرض..
- خرطوم الفيل: عبارة عن رأس أو نتوء نتج بفعل عوامل حركة المد والجزر لمياه البحر،وبفعل عامل التعرية الطبيعية عبر أزمنة عديدة اتخذ شكل خرطوم الفيل فسمي به، وهو عبارة عن صخور متداخلة، ويصفه كتاب التطور الجيولوجي لبراكين مدينة عَدَن وعدن الصغرى بأنه: عبارة عن قوس طبيعي يقع في خليج الساحل الذهبي (جولد مور) تكون من جراء تآكل صخور الأسكوريا (scoria).
- الساحل الذهبي: يوجد في المنطقة الواقعة بين جبل خليج الفيل وجبل هيل في مديرية التواهي، ويقع في نطاق خرطوم الفيل، ويسمى أيضاً شاطئ جولد مور، وهو شاطئ متميز، ويُعد من أجمل الشواطئ اليمنية، وتشكل لون مياهه الذهبية بفعل انعكاس الصخور والتراكمات الصغيرة البركانية تحت المياه مع أشعة الشمس عند الغروب، إضافة إلى صفاء ونقاء مياهه هنالك تربته الساحلية الرملية الناعمة، وتوجد بعض مرافق الخدمات السياحية مثل نادي جولد مور والنادي اليمني، وغيرها..
مديرية خور مكسر
مديرية خور مكسر: هي واحدة من مديريات مدينة عدن التي تبعد عن العاصمة صنعاء بمسافة 365كم جنوباً، وتقع في الجزء الشرقي من المدينة المطلة على خليج عدن. وتبلغ مساحة المديرية 61كم2، ومركز المديرية هو مدينة خور مكسر.. وتضم هذه المديرية أحياء: (أكتوبر، الجلاء، الرشيد، السلام، السعادة، النصر).. وبلغ عدد سكانها 47.503 نسمة حسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م.
يروي المؤرخون أن إسم مدينة خور مكسر اسم قديم ذكر قبل مئات السنين، والخور كان مكسراً منقسماً؛ ولذلك سموها خور مكسر، وكذلك يطلقون هذا الإسم على المكان الموجود فيه الجسر الذي يمر من تحته ماء البحر إلى حقول الملح، وأما عمارة الجسر ترجع إلى أكثر من ألف سنة، وكان اسمه قنطرة المكسر، ويشير  المؤرخ حمزة لقمان أن الجسر تهدم  أكثر من مرة بفعل المعارك التي دارت عليها أخرها بين رجال السلطان محسن فضل والإنجليز عام 1840م، وأعيد بناؤه من جديد لأنه كان الوسيلة الوحيدة التي تربط عدن بالبر، وإلى شمال غرب المدينة توجد عدد من الملاحات الأثرية القديمة، وتشير المصادر التاريخية أن اليمنيين القدماء اهتموا باستخراج الملح وإقامة العديد من المنشأت المرتبطة بهذه الصناعة أهمها الملاحات.
ويذكر الكثير من المؤرخين أن خور مكسر هو اللسان الممتد من البحر ويحيط بجبال عدن من جهة البر، وأن مياهه كانت أثناء حالة المد تحيط بجبال عدن وتغمر أرض البرزخ وما يُعرف الآن بساحل أبين؛ فتحوله إلى أرض سبخة يصبح العبور فيه أمراً بالغاً في المشقة والخطورة، وأطلق عليه الأقدمون إسم (المكسر) والمتأخرون (خور مكسر)، وكانت بقايا مصب وادي تبن الأصلي تصب في هذا المكان. وقد صارت منطقة خور مكسر اليوم أحياء سكنية راقية أشهرها الأحياء التالية: باصهيب، السلام، السعادة، مِلهِم، الجلاء، الرشيد، عبدالكافي،  وغيرها..
أهم معالم مديرية خور مكسر
اشتهرت مديرية خور مكسر بالعديد من المعالم التي ميزتها عن غيرها من المديريات، ومن أشهر هذه المعالم التالي:
1- ساحل أبين: يقع في منطقة خور مكسر، ويمتد الشاطئ مسافة كبيرة، ويعد أطول شواطئ أو سواحل عدن، ويتميز بروعة منظره حيث رماله الناعمة ومياهه الصافية، ويقع بمحاذاة كورنيش خور  مكسر، وتوجد به العديد من الاستراحات، وقد تغنى الشعراء المحليون بالشواطئ الجميلة ومنها ساحل أبين.. ويعد من أبرز مصايف مدينة عدن.
2- متحف جامعة عَدَن: مقر المتحف – كلية الآداب خور مكسر – جامعة عَدَن. موجوداته من الحلي والتحف الأثرية من عدة محافظات وبالأخص محافظة شبوة .ويتكون المتحف من قاعة عرض موجوداته بالخرائط والصور الأثرية ، وتحتوى القاعة على أدوات ومعدات من العصر الحجري ونماذج من النقوش اليمنية القديمة ومجموعة من التماثيل وشواهد القبور والأنصبة التذكارية والقرابين والأواني الفخارية والحجرية والعملات القديمة المتنوعة والتماثيل ، وهي غالباً تخص المواقع الأثرية في وادي بيحان مملكة قتبان القديمة ووادي مرخة ( مملكة أوسان ) إلى جانب قطع أثرية من محافظات متفرقة مثل الجوف وذمار والضالع ، ويضم المتحف أيضاً إلى جانب الآثار الخاصة بالعصور القديمة آثار خاصة بالتاريخ الإسلامي في العصور والأزمنة المتعاقبة بعد ظهور الدعوة الإسلامية من معالم وعملات .. إلخ.
3- جامعة  عدن: تم البدء بإنشاء جامعة عدن في عام (1970م) بتأسيس كلية التربية – عدن، في منطقة خور مكسر، ثم تلى ذلك تأسيس كلية ناصر للعلوم الزراعية في عام (1972م)، وبعدها في عام (1974م) كلية الاقتصاد والإدارة، وتم تدشين افتتاح جامعة عدن بصورة  رسمية – كجامعة تحوي العديد من الكليات – في (10/9/1975م)، وقد توسعت جامعة عدن بعد الوحدة اليمنية حتى أصبح عدد كلياتها في الوقت الحاضر (15)كلية موزعة على العديد من المناطق والمدن حيث توجد فروع لكليات التربية بالعديد من المحافظات الأخرى مثل: لحج، أبين، شبوة. وتتبع جامعة عدن العديد من المراكز البحثية المتخصصة والنوعية ويبلغ عددها (9مراكز) تتنوع مهامها ما بين البحوث والدراسات اليمنية ذات الصلة بمختلف جوانب الحياة – ومراكز اللغات والترجمة والمراكز الاستشارية ومركز الحاسوب، ومركز العلوم والتكنولوجيا، ومركز الدراسات البيئية، ومركز دراسات وبحوث المرأة، والتدريب والتعليم المستمر.
الريحاني يواصل رحلته من عدن إلى صنعاء
ذكرنا في الأعداد السابقة محطات من رحلة الرحالة العربي أمين الريحاني من مدينة عدن المحتلة آنذاك من البريطانيين إلى مدينة صنعاء القابعة تحت حكم الإمام المرحوم يحيى حميد الدين، وفي الأسطر التالية نورد محطة أخرى من محطات هذه الرحلة، والتي نستفيد من أحداثها الكثير، والتي تبين معدن وأخلاق اليمنيين وحفاوتهم في استقبال الضيوف، والعادات والتقاليد الحميدة في مثل هذه المواجب.. ونترك لك أخي القارئ المجال للاستفادة من هذه السطور.. حيث يقول مؤرخنا الرحالة المرحوم أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب): "...ولما وصلنا إلى رأس النقيل في اليوم التالي كانت الرياح شديدة، والهواء، على حمو الشمس، بارداً، فشعرت بالبرد لأول مرة في اليمن. ولا غرو فكنا قد علونا عن البحر ثمانية الآف قدم أي علو ظهر القضيب في لبنان. ومن تلك الذروة الهائلة، المدهشة المنعشة، رأينا منبسطاً أمامنا وتحتنا قاع الحقل وإلى الجنوب منه مدينة ظفار التي كانت مشهورة في العهد الحميري بقصورها وحصونها. إن ذاك القاع في مزروعاته المتنوعة، وبقاعه المحصودة، لشبيه بطنافس خضر وصفر وبيض وسمر تملأ العين بهجة والنفس سروراً. نزلنا إليه وسرنا معجبين بانتقالنا السريع من منطقة باردة إلى ما يدنو من خط الأستواء.
أما استقبالنا في يريم التي كانت تدعى مريمه في عهد حمير فقد كان مثل استقبالنا في إب، وذا مظهر، فوق ذلك، فريد. فقد خرج لملاقاتنا أولاد المدرسة مع شيخهم الفقيه فاصطفوا إلى جانب الطريق، وينشدون ويهللون مرحبين. ما فهمت من النشيد غير كلمة نصر الله المسلمين، رسول الخير الأمين. ولكني علمت أن الأولاد هم من الرهائن عند الإمام.
سألنا صاحب سمسرة في الطريق: هل عندكم حليب. فقال: لا غنم عندنا ولا بقر ولا معزى. ولو كان عندنا فليس يرعاها. شبابنا في عسكر الإمام، وأولادنا هاربون من التجنيد، والعمال أخذوا أغنامنا كلها زكاة وضرائب لبيت المال.
ولكننا عندما وصلنا إلى ذمار قابلنا أمير الجيش في ذمار، المرحوم عبدالله الوزير(الذي تزعم فيما بعد ثورة 1948م والذي بايعه الأحرار إماماً خلفاً للإمام المرحوم يحيى حميد الدين)، صنو ابن عمه في لواء تعز والذي كان يتواجد آنذاك في ماوية (المرحوم علي بن عبدالله الوزير والد المرحوم إبراهيم بن علي الوزير، ووالد العلامة الأستاذ زيد بن علي الوزير – أطال الله عمره – الذي له العديد من المؤلفات والإسهامات العلمية والفكرية في أمريكا وأوروبا، سمعناه يقول: هذه بلادنا وهي بفضل حضرة الإمام بلاد العدل والدين والصدق والوفاء الحكم الكامل العادل تراه عندنا في اليمن، فلا خمر ولا فسق ولا زنى، ولا قتل ولا سرقة، ولا رباء ولا رشوة ولا اغتصاب. كل ذلك لأننا محافظون على ديننا، عاملون بكتاب الله، مجاهدون في سبيله تعالى.. ثم قال: نحن نقول ونفعل، وغيرنا يقولون ولا يفعلون، أو أنهم يقولون الحق ويفعلون الباطل...".
وقد رجعنا عند إعدادنا هذا المقال إلى العديد من المراجع منها: (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (حياة عالم وأمير.. يحيى بن محمد الإرياني اليحصبي وإسماعيل بن محمد باسلامة الكندري/ تأليف محمد بن علي الأكوع/ الطبعة الأولى 1417هـ 1996م)، (تاريخ ثغر عدن/ أبا محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد أبي مخرمة، مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل/ الطبعة الثانية 1407هـ 1986م/ منشورات المدينة -صنعاء، شركة التنوير للطباعة والنشر – بيروت)، (الأعمال الكاملة.. العقبة، صهاريج عدن، صيره/ عبدالله أحمد مجيرز/ دراسة تحليلية جغرافية وتاريخية وأبحاث متعمقة/ من مطبوعات صنعاء عاصمة الثقافة العربية200م)، (عدن تحت الحكم البريطاني 1839-1967م/ ر. ج جافن/ ترجمة محمد محسن محمد العمري/ الطبعة الأولى 2013م/ دار جامعة عدن للطباعة والنشر – عدن)، (ملوك العرب.. رحلة في البلاد العربية مزينة برسوم وخرائط وفهرست أعلام/ أمين الريحاني/دار الجيل بيروت، الطبعة الثامنة)..
alarachi2012@yahoo.com

مديرية البريقة


الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عدن
مديرية البريقة (شواطئ سياحية يندر وجودها في العالم)

إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. يسرني في مقالي هذا المنشور في صحيفة الثورة الغراء، أن أتحدث عن مديرية البريقة، أو ما يسمى عدن الصغرى، التي تعتبر مديرية سياحية خالصة بشواطئها وقلاعها، التي توفر أهم العائدات المالية لبلادنا والتي لو تم استغلالها الاستغلال الأمثل.. كما أن لهذه المديرية أهمية اقتصادية وذلك بوجود مصفاة النفط.. وقد كنت في مقال الأسبوع الماضي قد أشرت إلى الأديب الكبير المرحوم أمين الريحاني وإلى زيارته لعدن وخروجه منها إلى صنعاء للقاء الإمام المرحوم الإمام يحيى بن حميد الدين، وهي قصة تاريخية شيقة، ولابد هنا أن أذكر ولو تعريفاً بسيطاً عن هذا الأديب العربي الكبير/ أمين الريحاني (1293 – 1359هـ = 1876 – 1940م)، هو أمين بن فارس بن أنطون بن يوسف بن عبد الأحد البجاني، المعروف بالريحاني: كاتب خطيب، يعد من المؤرخين. ولد بالفريكة (من قرى لبنان) وتعلم في مدرسة ابتدائية، ورحل إلى أمريكا، وهو في الحادية عشرة، مع عم له. ثم لحق بهما أبوه فارس. فاشتغلوا بالتجارة في نيويورك، وأولع أمين بالتمثيل، فلحق بفرقة جال معها في عدة ولايات. ودخل في كلية الحقوق، ولم يستمر. وعاد إلى لبنان سنة 1898م، فدرس شيئاً من قواعد اللغة العربية وحفظ كثيراً من لزوميات المعري. وتردّد بين بلاد الشام وأميركا ثماني مرات في خمسين عاماً (1888- 1938م) وزار نجداً والحجاز واليمن والعراق ومصر وفلسطين والمغرب والأندلس ولندن وباريز، وكتب وخطب بالعربية والإنجليزية، واختاره معهد الدراسات العربية في المغرب الإسباني رئيس شرف، كما انتخبه المجمع العلمي العربي عضواً مراسلاً (سنة 1921م) ومات في قريته التي ولد بها. وكان يقال له فيلسوف الفريكة. ونسبة جدّه عبدالأحد البجاني إلى قرية بجة (في بلاد جبيل، بلبنان) والريحاني نسبة إلى الريحان (النبات المعروف).. وله العديد من المؤلفات منها: "ملوك العرب – ط" جزآن، و "تاريخ نجد الحديث – ط" و "قلب العراق – ط" و "المغرب الأقصى – ط" و"التطرف والإصلاح – ط"... وغيرها.. 
مديرية البريقة
البريقة: بضم ففتح فسكون؛ إحدى مديريات مدينة عدن التي تبعد عن العاصمة صنعاء بـ365كم جنوباً. تقع هذه المديرية في الجزء الغربي من مدينة عدن، ويحدها من الشمال محافظة لحج (مديريتا: تُبن وطور الباحة)، ومن الجنوب خليج عدن، ومن الشرق (مديريتا: دار سعد والمنصورة، ومن الغرب محافظة لحج (مديرية المضاربة ورأس العارة). وتعتبر مدينة البريقة هي مركز المديرية.. تشكل المديرية مركزاً سكانياً واحداً هو مركز البريقة ويضم تسعة أحياء هي: "أربعة عشر أكتوبر، بئر أحمد، التحالف – الحسوة،جب فقم، رأس عمران، الشهداء، صلاح الدين، العمال، القاضي".. وتبلغ مساحة المديرية 614كم2، وبحسب التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2004م يبلغ عدد سكان المديرية (62.202)نسمة..
والبريقة هي أحد أحياء مدينة عدن، وتسمى عدن الصغرى، وفيها تقع مصفاة بترول عدن وقد قامت فيها مدينة حديثة البناء..  وعدن كما أشرنا في المقالات السابقة عن هذه المدينة (المحافظة)، هي ثغر اليمن الباسم, وهي العاصمة الاقتصادية والتجارية لوطننا الحبيب الجمهورية اليمنية..
ولعل أبرز وأبلغ ما يوضح علاقة عدن باليمن من الناحية الجغرافية والسياسية هو تشبيه العلامة المرحوم حسين بن أحمد العرشي لعدن بمناسبة احتلال الانجليز لها في وقت متأخر بأنها "أشبه بالسن القلقة في ثغر الإنسان"، وكذلك تشبيه صامويل جوكوب: "من يحتل عدن ولا يحتل اليمن بشخص يركب حصاناً خلف شخص أخر فهو لا يدري عن مستقبله شيئاً ولا يستطيع أن يتحكم فيه.. 
وتتميز عدن بأنها تطل على مسطح مائي كبير هو خليج عدن, المفتوح على المحيط الهندي. وتتميز محافظة عدن بالعديد من المميزات، من حيث شكلها حيث تشابه شبه جزيرتين (مديرية البريقة إحداها)، وكذا من حيث سطحها الذي اكتشف المختصون أنه ينحدر باتجاه الجنوب, حيث تظهر هذه المرتفعات في الجزء الجنوبي من مدينة عدن متمثلة في مرتفعات جبل شمسان التي تزيد أعلى قممها عن 500م, ومرتفعات جبل احسان وجبل المزلقم في عدن الصغرى وهي أقل ارتفاعا من جبل شمسان, كما تمتاز محافظة عدن كذلك  بأنها تقع ضمن المنطقة المدارية؛وبذلك تحصل على أكبر كمية من الإشعاع الشمسي على مدار العام تقريباً، حيث ساعد سطحها المكون من صخور بركانية وسطح مكشوف محاط بمسطحة مائية كبيرة في أن يكون له دور فاعل في كميات الإشعاع الشمسي المستلمة والمفقودة،ويعد التوازن الإشعاعي لمدينة عدن ايجابيا بحكم عامل الانخفاض.. ويعمل سكان البريقة كغيرهم من سكان عدن في مختلف المجالات، حيث تشتهر عدن بتكامل النشاط الاقتصادي، وتتنوع الأعمال التي يمارسها السكان، إذ تجمع بين الأنشطة التجارية والصناعية والسياحية والخدمية وغيرها من الأنشطة التي تعود على المواطن بدخله المادي.. ومناخ مديرية البريقة هو مناخ مناطق عدن الأخرى، فهو حارا نسبياً خلال أيام السنة، ويصل متوسط درجة الحرارة في عدن خلال أيام السنة بحدود (29) درجة، وتتفاوت نسبة الرطوبة بين (62% -73%), وتهطل فيها الأمطار بشكل قليل في فصل الشتاء والربيع, وتبلغ كميات الأمطار المتساقطة خلال السنة 29.9 بالمليمتر.
وتعتبر مديرية البريقة من أهم المناطق السياحة في محافظة عدن، حيث تشهد محافظة عدن نشاطاً سياحياً كبيراً وإقبالا متزايداً من السياح, اليمنيين والعرب والأجانب, خاصةً أيام الأعياد وفي العطلة الصيفية، وذلك بسبب تعدد المعالم السياحية الكثيرة والمتنوعة والشواطئ السياحية الجميلة والجذابة, وتوجد في مديرية البريقة متنفسات سياحية طبيعية مثل: منطقة النوبة والتي تعتبر جزيرة صخرية ذات أشكال عجيبة تكويناتها الصخرية يأخذ شكلا شبيها بالطير، كما تشتهر البريقة بسياحة الشواطئ, مثل: شاطئ الغدير وهو من أجمل الشواطئ في محافظة عدن، وشاطئ كود النمر ويقع بالقرب من شاطئ الغدير. 
وتشتهر مديرية البريقة بالكثير من المعالم التاريخية والاقتصادية والدينية، منها: كنيسة منطقة صلاح الدين، ميناء البريقة، قبر الولي أحمد بن أحمد الزيلعي، قلعة جبل الغدير، صهروج (لحفظ المياه)، قبر الشريف، قبر الشيخ سيد يونس، وكذا عدد من المزارات (مزار معجز، مزار سماره، مزار السيد أحمد بن علي) .. 
من أشهر معالم مديرية البريقة
عدن الصغرى هي التسمية الحديثة (للبريقة حالياً)، وقد أطلق الإنجليز عليها هذه التسمية بعد احتلالهم لعدن؛ وذلك لكون البريقة مقابلة لعدن(كريتر)، وتشترك معها ببعض السمات التضاريسية المتشابهة.. وعندما احتل الاستعمار الإنجليزي عدن كانت البريقة جزءاً من السلطنة العربية، وقد ذكر ابن المجاور في العصور الوسطى اسم (البريقة)؛ ولذلك تعتبر أقدم من التسميات الحديثة لبقية السلطنات كالعبادل والعوالق والحواشب..ومن أبرز ما تتمع به مديرية البريقة من معالم مختلفة ومتنوعة.. التالي: 
1- ميناء البريقة: يعد ميناء البريقة من أقدم المواني، ويكتسب أهميته الاستراتيجية من قربه من باب المندب، كما يكتسب أهميته أيضاً كميناء لتصدير النفط المكرر والذي تقوم بتكريره شركة مصافي عَدَن التي أنشئت في عام 1954م بغرض تأمين النفط المكرر والمشتقات الأخرى للأسواق المحلية والإقليمية، وتقدر الطاقة الإنتاجية للمصفاة بـ( 8 ملايين طن سنوياً)..
2- مصافي البترول: في عام 1950م قررت شركة البترول البريطانية المحدودة بناء مصافي ضخمة في عدن، ووقع الاختيار على عدن الصغرى أو البريقة، هذه المنطقة – كما أشارت إلى ذلك الوثائق البريطانية – لم تكن سوى منطقة صحراوية كان يقطن فيها عدد من الصيادين الذين وفدوا من محميات عدن وبنوا فيها قرية سمك صغيرة وعاشوا فيها. وكانت الطريق إلى هذه القرية وعرة شاقة لا يصل إليها الإنسان إلا بعد لأي وتعب شديدين. وكان السكان يعيشون أمام البحر مباشرة – يصنعون شباكهم التي يصطادون به السمك – ثم يبيعونه على بعض المقنطرين الذين كانوا يجففونه ويرسلونه إلى شركات تجفيف السمك في سيلان أو الهند أو كانوا لا يزالون يبيعونه في الأسواق في مدينة عدن نفسها أو في القرى المجاورة لها. وقد ابتداء العمل في البناء في شهر نوفمبر 1952م، وكان الرواد من البنائين والمهندسين يعيشون في الأشهر الأولى على ظهر الباخرة "دور ستشاير"، وهي باخرة جنود حربية، وازداد عدد العمال بعد ذلك حتى وصل إلى 12.500 رجل، بما فيهم 2500 أوروبي وأمريكي ولبناني وفلسطيني وهندين و10.000 عامل محلي من عدن ومحمياتها، عمل كل واحد منهم لمدة ساعات طويلة تحت وهج الشمس. وانتهى سير العمل في المصافي في يوليو 1964م، وعاد أغلب العمال إلى موطنهم الأصلي.. 
3- قلعة جبل الغدير: تعتبر من أبرز الحصون والقلاع الموجودة على شاطئ الغدير بمواجهة الشاطئ الأزرق، وتعد قلعة تاريخية، وتتكون من دورين، وهي مبنية من أحجار صخرية، ويوجد أعلاها بقايا آثار دفاعية، كما يوجد لها مدرج للوصول إلى موقع القلعة من أسفل الجبل تبلغ عدد درجاتها 1204 مرصوفة بالأحجار، وقد تم استغلالها خلال فترة الاحتلال البريطاني لعدن حيث كانت موقعاً وقاعدة عسكرية استخدمت للحماية والمراقبة للسفن الوافدة، وترتفع عن مستوى سطح البحر حوالي 1000 قدم، طولها ما بين 300 -400 متر، وقد استخدمت القلعة لحماية ميناء البريقة القديم من الجهة الغربية..
4- شاطئ الغدير: يقع شاطئ الغدير في منطقة الغدير بالبريقة عَدَن الصغرى، ويعد من أجمل الشواطئ، ويتميز بموقعه الجميل، وهو منتزه سياحي توجد به شاليهات واستراحات توفر الخدمات السياحية والتي تفي بمتطلبات الزوار الذين يرتادون هذا الشاطئ خاصة من السياح والزوار المحليين الذين عادة ما يأتون لقضاء إجازاتهم الصيفية أو في المناسبات مثل عطلة الأسبوع (الجمعة) أو الأعياد والمناسبات الأخرى، ويعد شاطئ الغدير مع شاطئ جولد مور من أفضل الشواطئ التي يفضل الزائر القدوم إليها، ويوجد بالقرب من الشاطئ قلعة الغدير. وشاطئ الغدير يعد من الشواطئ الجميلة والهادئة والمرغوبة من قبل الزوار، توجد فيه مرافق الخدمات المتواضعة ولكنه غير مهيأ بوسائل الرياضات البحرية..
5- شاطئ كود النمر: يعد شاطئ كود النمر أحد الشواطئ الجميلة التي تمتاز بها منطقة البريقة، ويقع بالقرب من شاطئ الغدير، ويطل عليه جبل سالم سويد، ويرتاده الأهالي سواء من منطقة البريقة أو بقية المحافظات اليمنية.. 
6- شاطئ المساقية: يقع شاطئ المساقية ما بين منطقتي فقم وعمران في مسافة تقدر بحوالي 2 كم، وهذا الشاطئ تزاول فيه حرفة اصطياد الوزف (أسماك صغيرة جداً) حيث يتم القيام باصطياد هذا النوع بواسطة الشباك الخاصة ثم يتم جمعه وتجفيفه على رمال الشاطئ ليتعرض للشمس ثم حفظه بعد ذلك وبيعه..
7- صهروج (لحفظ المياه): اقتضت حاجة تأمين مياه الشرب قديماً عند اليمنيين الأوائل القاطنين بمدينة عَدَن استحداث أنظمة لتصريف وخزن المياه عرفت بالصهاريج، وقد مرت تلك الاستحكامات الخاصة بالمياه بظروف ومتغيرات عبر التاريخ بين إنطمارها ومن ثم تجديدها وإحيائها في فترات لاحقة، ويعد هذا الصهريج من جملة صهاريج أخرى متفرقة بالمدينة لم تعد أغلبها موجودة، وهو خارج نظام الصهاريج المعروفة بصهاريج الطويلة الشهيرة وتتعدد الأغراض الخاصة باستخدام مياه الصهاريج من تأمين مياه الشرب اليومية واستخدامات الري والزراعة.. يقع الصهروج في ملتقى ثلاثة جبال، وتصب في الصهروج سيول الأمطار التي تهطل على تلك الجبال والصهروج في وضعيته الحالية لا يستخدم لحفظ المياه وخزنها، وهو ممتلئ بالأتربة والمخلفات والحشائش البرية الصغيرة التي تنمو في أماكن متفرقة، وبات وضع الصهروج مهملاً وطواه النسيان..
8- منطقة النوبة: منطقة النوبة عبارة عن جزيرة صغيرة في البحر، وهي تبعد عن منطقة فقم الواقعة في شبه جزيرة عَدَن الصغرى بحوالي 1 كم، وهي جزيرة صخرية ذات أشكال عجيبة تكويناتها الصخرية يأخذ شكل شبيه بالطير، ويبلغ طولها 16 متراً، وعرضها حوالي 8 أمتار، وترتفع عند مستوى البحر بحوالي 15 متراً، وتبعد عن جبل الشريف الواقع بساحل فقم بحوالي 100 قدم.. 
مقتطفات من رحلة أمين الريحاني من عدن إلى صنعاء
ذكرنا في المقال السابق (الحلقة الخامسة من محافظة عدن) مقتطفات من رحلة الرحالة العربي (أمين الريحاني) من مدينة عدن حيث كان يقبع الاستعمار البريطاني، إلى صنعاء لمقابلة الإمام يحيى، وما واجه من عقبات وصعاب زرعها أمامه الاستعمار البريطاني سواءً في مدينة عدن، أو خارجها، وكيف استعان بممثل الإمام في عدن القاضي المرحوم عبدالله العرشي والتسهيلات التي قدمها القاضي العرشي لتجاوز عقبات البريطاني، وفي هذا العدد سنورد محطات مر بها الرحالة الريحاني في طريقه إلى صنعاء، وما واجهه من صعوبات وعراقيل، وأحداث ممتعة ومرعبة.. وسننقل هذه الأحداث على لسان الرحالة الريحاني حيث يقول: "... فطرنا عند شروق الشمس وسرنا في أرض خضراء تفوح من أدغالها روائح النباتات الطيبة، ومررنا بوادي الذهب ولا حيف بالإسم؟ فهو من أجمل الأودية وأخصبها في اليمن الأسفل، تجري فيه المياه، ويزرع ثلاثاً في السنة الواحدة. رأينا الناس يحصدون عندما مررنا به في شهر نيسان ثم اجتزنا وادي نخلان وفيه رأينا لأول مرة سلك التلغراف الذي يصل تعز بصنعاء، وصعدنا من الوادي في نقيل المحرس إلى رأسه فاشرفنا منه على مشهد بهيج من السهول المزروعة، ومن القمم الخضر والجرد دون تلك السهول. ثم دخلنا في ما يدعى "نجد الأحمر" وهي بقعة من الأرض الحمراء صخورها تلعو أربعة آلاف قدم عن البحر، فجف الهواء، وبرد الماء، وتعددت حولنا النباتات والرياحين التي ذكرني بعضها بلبنان فهو ذا البيلسان وذاك الينسون، وفي تلك الأدغال شجيرات من البطم والغار.
عندما وصلنا إلى أعلى درجات نقيل المحرس تراءى لنا منها جبل بعدان ووراءه جبل جب إعلى وأبعد منه، وانكشف أمامنا مشهد آخر من السهول والهضاب، في وسطها، عند منحدرٍ من جبل بعدان...
وعند وصولنا إلى مدينة إب... ترجلنا طائعين، وكان قد تقدمنا أحد العساكر ينبئ العامل بقدومنا، فبتنا ننتظر "استقبالاً يليق بنا" كما قال رفيقنا رسول القاضي عبدالله العرشي. وما عتمت أن تحركت الجموع وخرجت من المدينة، فشاهدنا عسكراً زاحفاً إلينا وسمعنا أصوات الأبواق والطبول جاء العامل إسماعيل باسلامة بخيله ورجاله، بجنده وجمعه، وبنوبته واهازيجه، يستقبلنا ويرحب بنا باسم الإمام، وبعد السلام ركبنا وانخرطنا أنا ورفيقي في ذاك الجمع المنيّل المهلل نحسب أنفسنا في حلم من الأحلام، أو في موكب من مواكب الجان، والجنود مسترسلو الشعور، مكحلو العيون، المزينة عمائهم بالورود والريحان، حولنا وأمامنا ينشدون بصوت جبلي رهيب..
يا من يخالف أمر مولانا ويعصيه
لا بد من يوم تراه

لا بد من يوم يشيب الطفل فيه
والطير يرسي في سماه

... وجاءنا في صباح اليوم التالي (يقصد إسماعيل باسلامة – عامل منطقة إب) يسلم علينا وبيده طاقة من ورد نيسان قدمها لي. وزرت وإياه بساتينه التي يزرع فيها من الثمار أنواعها، تلك التي تصلح في الشمال وفي الجنوب، في المنطقة الباردة والمناطق الحارة، فرأينا الزيتون، والموز، والعَمب، والعنب، والتفاح، والرمان زاهية كلها زاهرة. إن هذه الأشجار تنمو كلها في اليمن الأسفل لأن تلك البقعة من الأرض في حين أنها تعلو خمسة الآف قدم عن البحر فإنها لا تبعد أكثر من عشر درجات عن خط الاستواء..
أما مدينة إب فمسوّرة، وهي وسخة ومزدحمة، تروق الناظر إليها من الخارج فقط. بيوتها من الحجر وأكثرها ثلاث طبقات، تُستخدم الأولى للمواشي والدواب، والثانية للخدم، والثالثة لأهل البيت. ليس في المدينة مدارس غير ما في المساجد لتعليم القرأن، وليس فيها أحد من الأطباء، ولا نقطة ولا حبة من الدواء ويكثر فيها الجدري والحمى وأكل القات. إنا كلما صعدنا في اليمن نرى "التخزين" في ازدياد وصحة النسل في نقص ظاهر ولا سيما في الأولاد. فإن وفيات الأطفال في اليمن كثيرة، إذ قلما يعيش للرجل من عشرين ولداً مثلاً أكثر من سبعة أو عشرة أولاد. ,أظهر ما فيهم النحول والشحوب، وضعف الأعصاب..
قلت أن إب جميلة من بعيد، فالقادم إليها من ماوية أو تعز يراها في السهل وحوله الربى كأنها حفنة من اللؤلؤ على بساط أخضر، مفروش في بحيرة جفت مياهها. والقادم إليها من يريم يراها قائمة على رأس الجبل كصخر في مرج أو كبرج في جزيرة. ولها ساحة وداع كما لها ساحة استقبال. مشى معنا إليها إسماعيل باسلامة ومعيته، وأرفقنا إلى ذمار بثلاثين من الجنود النظامية على رأسهم ضابط تركي. فسرنا بعد استراحة يومين في نعيم ضيافته ونحن نخشى أن يزداد عدد الحرس كلما دنونا من صنعاء.
ومررنا في طريقنا إلى يريم بوادي المرفد الذي يفوق وادي الذهب جمالاً وخصباً، وشاهدنا فيه لأول مرة شجر البن الذي يشبه في ورقه وزهرة الليمون وشاهدنا كذلك الجوز واللوز والخرنوب. وبساتين غضة من العنب والموز، تجري في ظلالها مياه النهر الذي يتدفق من جبل سماره. وبدأنا بعد الظهر نصعد في نقيل ذاك الجبل، وهو أعلى نقيل في اليمن فوصلنا إلى وسطه عند الغروب، وبتنا تلك الليلة في قرية تدعى المنزل..".
وقد رجعنا عند إعدادنا هذا المقال إلى العديد من المراجع منها: (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (تاريخ ثغر عدن/ أبا محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد أبي مخرمة، مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل/ الطبعة الثانية 1407هـ 1986م/ منشورات المدينة -صنعاء، شركة التنوير للطباعة والنشر – بيروت)، (الأعمال الكاملة.. العقبة، صهاريج عدن، صيره/ عبدالله أحمد مجيرز/ دراسة تحليلية جغرافية وتاريخية وأبحاث متعمقة/ من مطبوعات صنعاء عاصمة الثقافة العربية200م)، (عدن تحت الحكم البريطاني 1839-1967م/ ر. ج جافن/ ترجمة محمد محسن محمد العمري/ الطبعة الأولى 2013م/ دار جامعة عدن للطباعة والنشر – عدن)، (ملوك العرب.. رحلة في البلاد العربية مزينة برسوم وخرائط وفهرست أعلام/ أمين الريحاني/دار الجيل بيروت، الطبعة الثامنة)..
alarachi2012@yahoo.com

مديرية كريتر


الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة عدن
الحلقة الخامسة
أمين الريحاني في عدن ومحاولته التغلب على رفض بريطانيا لزيارته صنعاء 

إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. يسرني في هذا العدد من صحيفة الثورة الغراء أن أقدم لك لمحة من كتاب ملوك العرب لأمين الريحاني، اللبناني المسيحي أحد المهاجرين إلى أمريكا، والجزء الأول من كتابه عن الحجاز واليمن وعسير ولحج وعدن والمحميات في جنوب اليمن، والصادر عن دار الجيل ببيروت، وأمين الريحاني كان من أشهر الأدباء العرب في عصره، وفي أدبه صور أدبية يعجر الكثير من الأدباء أن يأتوا بمثلها، وفي نفس الوقت كان مخلصاً للوحدة العربية، وكانت رحلته التي ضمنها كتابه هذا خير دليل على ذلك.. فيا أبنائي عليكم الرجوع إلى هذا الكتاب للإطلاع عليه ولتعرفوا دسائس الاستعمار البريطاني والتي لا تزال تعاني منها أمتنا، ومنها إنشاء الكيان الإسرائيلي بصفة عامة، وما تعانيه اليوم يمننا الحبيب بصفة خاصة هي أحد هذه الدسائس...
مديرية كريتر
مديرية كريتر إحدى مديريات محافظة عدن(مدينة عدن) التي تبعد عن صنعاء بـ 365كم جنوباً. وتبلغ مساحة المديرية 14كم2. تضم المديرية 29 محلة تشكل ستة أحياء هي: أول مايو، 2 مارس، التلال، السلفي، الصمود، الكبسي... ومركز مديرية كريتر (صيرة).. وبلغ عدد سكان المديرية 76908 نسمة حسب التعداد العام للسكان والمساكن عام 2004م، وأطلق تسمية كريتر عليها بعد الاحتلال البريطاني (Crater)، وكريتر تعني فوهة البركان، وهي عبارة عن شبه جزيرة، تمتد كرأس صخري في مياه خليج عدن، وهي بمثابة بركان خامد مساحة امتداده في مياه خليج عدن حوالي (8.5 كم)، ويربطها بالبر برزخ رملي يعرف ببرزخ (خور مكسر)، وتحيط بفوهة البركان سلسلة جبلية بركانية تكونت خلال الزمن الجيولوجي الثالث مع تكون أخدود البحر الاحمر، وقد ساهمت في تشكيل تضاريس مدينة عدن وخليجها تلك السلسلة الجبلية المحيطة بها من جهة الشمال والغرب والجنوب الغربي تتفرع من جبل العر عمودها الفقري..
وساعد موقع مدينة كريتر الجغرافي وما وهبه الله لها من مميزات طبيعية على أن صار ميناء عدن وأشهر وأهم الموانئ اليمنية منذ القدم، وهذا الميناء الوحيد الذي تميز بعمقه، وتحيط به الجبال الأمر الذي سهل للبواخر والمراكب من الرسو بأمان وحجبها من الرياح.. وترتكز أهمية هذا الميناء أنه كان عبر العصور شريان الحياة لحركة التجارة العالمية، كما كان الأساس في ظهور تاريخ عدن الباهر المليء بالأحداث التاريخية الهامة، والتي كان لها الدور الأكبر في التاريخ العالمي، حيث ظلت عدن على مدى القرون المتعاقبة وباستمرار محط أطماع الغزاة منذ فجر التاريخ.. وكانت مدينة عدن القديمة قبل الاحتلال البريطاني عبارة عن قرية تاريخية، تحتوي على معالم أثرية ذات بُعد هندسي وقيمة اقتصادية وجوانب روحية كالصهاريج والمساجد القديمة والقلاع والأسوار والتحصينات والأنفاق وبقايا المنشآت السكنية العتيقة، وكل تلك المعالم بصورها المتعددة هي التجسيد الحي للتواصل بين حلقات الحضارة الانسانية، وأثناء الاحتلال البريطاني عملت السلطات البريطانية على صيانة الأسوار والتحصينات القديمة للمدينة لحمايتها تم بدأت بتنفيذ تخطيط مدينة كريتر (1854م)، وغيرت أغلب الأحياء القديمة واستبدلتها بأحياء جديدة منظمة ورصفت الشوارع المستقيمة الحديثة... وأصبحت كافة شوارع كريتر واحيائها تندرج ضمن مخطط عام لها يجمع بين الخدمات المتنوعة السكنية والتجارية والصحية والتعليمية والأمنية، وتطورت عبر المراحل التاريخية حتى صارت على ماهي عليه اليوم في العصر الحالي.
وقد تسارعت النهضة العلمية والثقافية في كريتر ، وكان لوجود عدد كبير من المكاتب والمطابع ودور النشر فيها، حيث ظهرت العشرات من هذه المطابع والمكتبات ودور النشر التي جعلت من أبناء عدن على إطلاع ودراية وعلم كاف بأحدث الكتب والمراجع التاريخية والعلمية والثقافية وبشتى الأصناف وللعديد من المؤلفين اليمنيين والعرب والعالميين.. ومن هذه المكاتب والمطابع على سبيل المثال لا الحصر: (مطبعة النهضة اليمانية، مطبعة الهلال، مطبعة الحظ، دار الجنوب للطباعة والنشر، مطبعة الكمال، دار الحرية للطباعة والنشر (مطبعة الحرية)، دار الجماهير للطباعة والنشر، مطبعة السلام للطباعة والنشر، مطبعة الشعب، المطبعة العربية، در البعث للطباعة والنشر، مطبعة راسم، مطبعة آج بهادور، المطبعة الزينية، المطبعة الشرقية، دار الأيام للطباعة والنشر، مطبعة الكفاح، مطبعة علي محمد لقمان، مطبعة الحاج عبادي وأولاده والتي تم نقلها إلى صنعاء بعد الوحدة بإدارة الأستاذ نبيل عبادي التي تبنت طباعة مئات من الكتب والدواوين الشعرية وسد العجز في المطبوعات الذي لا تستطيع وزارة الثقافة ومؤسساتها من طباعتها..
أمين الريحاني وزيارته لعدن
كان المرحوم أمين الريحاني يرغب في زيارة اليمن وبالأخص لقاء المرحوم الإمام يحيى في صنعاء، وقد احتار في اختيار أحد الموانئ اليمنية للوصول إلى صنعاء، وقد تشاور مع الكثيرين وفي النهاية تم الترجيح أن يكون ميناء عدن هو الأفضل، ولكن كان هناك عقبة كبرى وهو وجود الاحتلال البريطاني في عدن والمحميات الخاضعة للاحتلال البريطاني.. وقد أكد له الكثيرين سواء في أمريكا أو في الحجار الخاضعة للمرحوم الملك حسين أن البريطانيين لن يسمحوا له بالوصول إلى صنعاء ومقابلة المرحوم الإمام يحيى بن محمد حميد الدين في صنعاء، وفعلاً لقد لقي العديد من الصعاب والمشاكل تكلم عنها بالتفصيل في كتابه (ملوك العرب)، حيث قال: "... عندما رأت الوكالة البريطانية أن لابد من الأذن اتخذت خطة أخرى فسعت بوساطة أصحابها، ومنهم أولئك العرب الذين يتكلمون اللغة الإنكليزية، أن تقنعني بأن السفر إلى صنعاء من الحديدة أسهل طريقاً وأقل خطراً. وقد ارادت بذلك أن أزور أولاً صديق الإنكليز السيد الإدريسي فأرى في تهامة ما قد يغنيني عن زيارة خصمهم الإمام يحيى فرفضت بتاتاً وكتبت إلى معاون الحاكم، جواباً على ما جاءني في كتابه إلى القنصل، أسأله أن يتفضل فيرفقنا بالحرس اللازم إلى حدودهم (أي الحدود الشطرية التي بين جنوب اليمن المحتل وشماله المستقل الذي يحكمه الإمام المرحوم يحيى) أي الحدود التي تنتهي عندها حمايتهم. فجاءني منه جواب يقول فيه، قد كتبت إلى سلطان لحج بخصوص طلبكم وسأعلمكم بما يجد."
ثم أردف قائلاً: "أقف عند هذا الحد في القصة لأرجع إلى مصدر أخر من مصادرها الغريبة. بعد أن زرت الوكالة البريطانية رحت أقصد وكالة أخرى سياسية. يممت في فوهة فم البركان ، في عدن القديمة، ومعي رفيقي قسطنطين،(أي كريتر حيث يسكن المرحوم القاضي عبدالله بن أحمد العرشي ممثل الإمام يحيى في عدن) بيت القاضي عبدالله العرشي وكيل الإمام يحيى وسفيره إلى الإنكليز في عدن. فلما وصلنا إلى دار السعادة اليمانية بادر إلى استقبالنا عند الباب رجل صغير نحيل في قميص من القطن قصيرة، تحتها قميص أخرى من الصوف زرقاء وفي رجله الخف، وعلى رأسه، وقد نزع العمامة، طاقية بيضاء. هو القاضي عبدالله سفير الحضرة الإمامية (هو عبدالله أحمد  بن صالح بن مصلح بن أحمد بن حسين بن عامر بن أحمد بن محمد العرشي: (1296 هـ ـ 1879م /1359 هـ ـ1940م) عبدالله بن أحمد بن صالح بن مصلح العرشي، عالم, قاض, سياسي، أحد قادة المقاومة اليمنية ضد التواجد العثماني..).
ويستمر الرحالة الريحاني بسرد أحداث زيارته فيقول: جلسنا على سجادة صغيرة في زاوية من غرفة تكاد تكون عارية إلى جانب مسند القاضي عدد من الجرائد المصرية والسورية وفيها جريدة نيويوركية أشار إليها فضيلته قائلاً: نعم الغيرة غيرة أبناء العرب في أميركا على الوطن واللغة. ولكنني أقف حائراً في مطالعتي هذه الجريدة عند ألفاظ وتعابير ليست من العربية بشيء. أفلا يقرأون النحو واللغة على أساتذة من العرب هناك؟... أما هذه وأشار إلى مجلة مصرية، فأسلوبها "ناهي" (جميل).. ومن الغريب يا حضرة الفيلسوف أن يوم وصلتنا برقيتكم من بورت سودان وصلت هذه المجلة وفيها مقال عنكم، طالعناه والإعجاب بكم يسابق الشوق إليكم. فشكرنا الله الذي حقق أملنا باللقاء... ومولانا الإمام هو عالم كبير وشاعر مجيد. وعنده مكتبة من الكتب المخطوطة لا مثيل لها في البلاد العربية كلها.. يوم وصلتنا برقيتكم يا حضرة الكامل أشعرنا بالسلك (تلغراف) حضرة الإمام. ومتى جاء الجواب نسارع إليكم به. نحن في خدمتكم. وهذا قليل تجاه من وقف نفسه على خدمة العرب..
وفي اليوم التالي جاء فضيلته، لابساً ثيابه الرسمية، راكباً السيارة، يزورني في الفندق. وكان في معيته كاتب سره واثنان من العبيد. دخل أحدهما عليَّ يقول: مولانا القاضي. فلبست عقالي وخففت إلى استقباله. ولولا العبد المبشر بقدومه لما عرفته لأول وهلة أين القميص والطاقية والخف من هذه المطارف الفخمة التي جاء يرفل بها. وهذا البرد اليماني المخطط بالأصفر والأحمر وقد طرحه على كتفه كأنه رداء روماني. وهذه العمامة العامرة الباهرة الألوان، والسيف يحمله بيده، والجنبية في زناره. هو ذا حقاً سفير الحضرة الإمامية دام نصرها..
والغريب أن القاضي كان في تلك الزيارة رسمياً في حديثه كما كان في ثيابه. فما أنعش لي املاً، ولا قال أنه زار كذلك صباح ذاك اليوم الوكالة البريطانية. فلا غرو إذا فتحت أذني لرواة الأخبار الذين قالوا أنه راح يستشير الحاكم في أمري، وأنه لا يقدم على عمل لا يُستحسن في دار الوكالة، وأنه يقبض منهم، لا من الإمام، المشاهرة. وقال بعضهم – بئس المفسدون – أنه يقبض من الإثنين، وأنهم، أي الإنكليز إذا شاؤوا أن يمنعوني عن السفر فلا يفعلون مباشرة إكراماً لقنصل أمريكا، ولكنهم يوعزون إلى القاضي عبدالله بأن يقول لي أن الطريق إلى صنعاء محفوفة بالأخطار، فلا يستطيع أن يرفقني بالحرس اللازم، وغيرها من الأقاويل. لله منك يا عدن ما أكثر الدسائس فيك والجواسيس.
جاءني بعد أيام كتاب من فضيلة القاضي "مجدداً للوعد مؤكداً للوداد" يبشرني فيه بوصول برقية من حضرة الإمام مجيباً بالإيجاب. ثم قال: فأي وقت تريدون أن تسافروا عرفوني فأرسل معكم أحد خاصتي إلى أمير الجيش في ماوية واعطيكم كتاباً إليه فيكرم وفادتكم ويرفقكم بمن يقوم بخدمتكم وحراستكم إلى السدة الشريفة. أنتم منا وعلينا واجب الحب والإكرام.
وصلني هذا الكتاب وأنا في لحج ضيف سمو السلطان عبدالكريم فضل انتظر الفرج من الوكالة البريطانية. وكنا على جميل ضيافة سموه وحفاوته بنا، في حالة تعددت همومها. فقد مرض أولاد الرفيق قسطنطين بالحمى ومرضت أنا بـ "القيل والقال" وكان داء الجدري متفشياً في البلد فخفن أن يكون قد اصيب رفيقي به. واطلعني السلطان ذات ليلة على كتاب من الحاكم: لا تأذنوا لفلان وفلان أن يتجاوزوا الحدود قبل أن يجيئهم الإذن منا. فإذا تمثل القارئ تلك الحال، وقد بقينا أسراء في القصر بلحج، يدرك شيئاً من سروري بكتاب القاضي عبدالله العرشي..
من المعالم الأثرية والتاريخية في مديرية كريتر
تشتهر كريتر بالعديد من المعالم والآثار والتي لا زالت قائمة إلى الآن، ناهيك عما أندثر من هذه المعالم، فالزائر لمديرية كريتر لا بد له أن يوجه بوصلة زيارته صوب صهاريجها الغارقة في القدم وفي الإبداع، التي ترسم في عيون ناظريها الدهشة من قدرة الإنسان اليمني وقوة صبره، وتصميمه في مواجهة مصاعب الحياة وفرض الحلول الجذرية لمشكلة شح المياه وقلتها.. ثم تنحرف بوصلة الزائر تلقاء نفسها إلى قلعة صيرة، ثم إلى منارة عدن، أو إلى مسجد أبان، أو مسجد العيدروس، أو متاحفها، أو حصونها "التعكر والخضراء"، أو جبل الحديد، أو ربما إلى كنيسة القديسة ماريا، ولا بد له أن يتمتع بمشاهدة العقبة (باب عدن).. والحديث عن هذه المعالم يحتاج إلى كتب، ونحن في هذه الأسطر المعدودة والمحدودة سنحاول أن نعطي هذه المديرية بمعالمها المتعددة والمتنوعة بعض ما تستحقه من تعريف...ومن أهم هذه المعالم:
1- صهاريج الطويلة – عدن: تقع صهاريج الطويلة بوادي الطويلة في امتداد خط مائل من الجهة الشمالية الغربية لمدينة عَدَن (كريتر)، وهي واقعة أسفل مصبات هضبة عَدَن المرتفعة حوالي (800قدم)، وتأخذ الهضبة شكلاً شبه دائري ويقع المصب عند رأس وادي الطويلة.. وتصل الصهاريج بعضها ببعض بشكل سلسلة، وهي مشيدة في مضيق يبلغ طوله سبعمائة وخمسون قدماً تقريباً، ويحيط بها جبل شمسان بشكل دائري باستثناء منفذ يؤدي ويتصل بمدينة كريتر، تقوم الصهاريج بحجز المياه المنحدرة من الهضبة من خلال شبكات المصارف والسدود والقنوات التي استحدثت بهدف تنقية المياه من الشوائب والأحجار. وتختلف المصادر التاريخية حول تاريخ بناء الصهاريج، ولم يجد الدارسون الأثريون أي سند أو نقش يتعلق بتاريخ بنائها، وأغلب الظن أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة... ولعل ما يلفت النظر وجود لوحة مثبتة على جدارٍ بالقرب من صهريج (كوجلان) مكتوب عليها (هذه الخزانات في وادي الطويلة مجهول تاريخها).. ويعلق الأستاذ عبد الله أحمد محيرز على ذلك بالقول : "ليس من الضروري البحث عن تاريخ لمثل هذه الصهاريج فوجودها ضروري في أي زمان ومكان خاصة في مدينة كعَدَن شحت آبارها، وتعرض أهلها بحكم موقعها لخطر الموت عطشاً إن هي حوصرت لزمن طويل بل لابد أن وجودها لخزن المياه – وتقوم الصهاريج بتلقف المياه وحفظها وخزنها ثم تصريفها لاكتمالها – ؛ وبذلك تكون آلية عمل الصهاريج وفقاً لهذا المفهوم المتعارف عليه كمصطلح بحسب ورودها في كتب المؤرخين، وكما وصفها الرحالة العرب في مشاهداتهم المدونة في كتبهم والتي صنفت فيما بعد بما يسمى أدب الرحلات.. وقد وردت الصهاريج في النقوش القديمة، فوردت في نقش قديم محفوظ بمتحف اللوفر في باريس بالرمز، (1H50 – 1) 4 ينص على التالي (قيلزد قد قدمت مسنداً للإله ذات بعدان تكفيراً عن خطيئة ابنتها بتدنيسها صهريج عَدَن)، لم يحدد في النقش أياً من العدنات اليمنية المقصود، كما أن الفترة الزمنية التي يتحدث عنها النقش غير مشار إليها في المرجع "الكتاب الذي ذكر فيه النقش"... كما ذكرت الصهاريج في كتابات المؤرخين والرحالة الإسلامية القدامى، فوردت عند الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" عند الحديث عن عَدَن (بها ذاتها بؤور) و بؤور تعرف قاموسياً بأنها الحفرة لخزن الشيء. وعند الرحالة والجغرافي العربي الإسلامي المقدسي عند حديثه عن عَدَن يقول: (ولهم آبار مالحة وحياض عدة) مما يفسر وجود أحواض تستخدم لخزن المياه. وعند ابن المجاور بقوله: (آبار ماؤها بحر عَدَن) (...والصهريج عمارة الفرس عند بئر زعفران، والثاني عمارة بني زريع على طريق الزعفران أيمن الدرب في لحف الجبل الأحمر...). وكلمة (صهريج) لفظة مستعربة من اللغة الفارسية كما ورد في معجم (المنجد في اللغة والأعلام وتعني: حوض الماء). وذكرها ابن بطوطة بقوله: (وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيام المطر...). وذكرها ابن الديبع بقوله:  "وامتلأت الصهاريج كلها حتى تفجرت وزاد الماء زيادة عظيمة حتى سال إلى البحر" وذلك في إشارة إلى حوادث عام ( 916هـ / 1510م) عندما نزل مطر عظيم شديد في عَدَن.
2- مسجد أبان: يعتبر المسجد من أقدم المساجد في عدن وينسب بنائه من خلال تسميته إلى (أبان بن عثمان بن عفان) توفي في (105هـ - 723م) بالمدينة المنورة، وقد كان من مشاهير التابعين، أقام في عدن فقيهاً يعلم الناس أمور دينهم، وبنى مسجده قبل عودته إلى المدينة المنورة، تاركاً فيها ولديه "الحكم" و "المكثر"،  ويعد مسجد أبان من المعالم الإسلامية القديمة ذات البناء البسيط الذي كان سائداً في القرون الإسلامية الأولى، والمتعارف عليه بين أوساط عامة الناس أنه مسجد مبارك مجاب فيه الدعاء، وقد تم ترميمه مرات عدة.. وجدير بالذكر أن الإمام أحمد بن حنبل قد قام فيه أثناء زيارته لعدن للقاء إبراهيم بن الحكم حفيد أبان للأخذ منه والنيل من معارفه وعلومه الدينية، وكان ذلك في حوالي (154هـ)..
3- جبلي التعكر والخضراء: وهما جبلان يفصل بينهما باب المدينة، أو بالأحرى سلسلة جبلية اخترق باب المدينة أوطأ أجزائها، فاتخذ بعض الجزء الواقع على يمينه للخارج من المدينة إسم (الجبل الأخضر)، والأخر إسم (التعكر). ويذكر الباحثون أن إسمي الجبلان كغيرهما، تكرار لأسماء حصون، وجبال في مواقع أخرى من اليمن، لعلها نقلت ضمن ما نقله الصليحيون، والزريعيون أثناء حكمهم لعدن.. وقد ذكر عمارة أن المكرم الصليحي (زوج السيدة بنت أحمد) كافأ ولدي زريع: العباس والمسعود – لمعروفٍ سبق من أبيهم في نصرة الدولة المستنصرية أيام أبيه على ابن الصليحي – فولاهما عدن: "وجعل تعكر عدن، وهو يحوز الباب، وما يصل من البر، وجعل لمسعود حصن الخضراء، وهو يحوز الساحل والمراكب، ويحكم على المدينة". وقد اختفى إسم التعكر نهائياً في عدن على الرغم من بقاء إسم نظيره في (جبله بمحافظة إب) متداولاً إلى اليوم. ويذكر الباحثون أنه المسمى الآن جبل الخساف... ويقع حصن الخضراء على جبل الخضراء والذي يعرف حالياً باسم جبل المنصوري ضمن سلسلة جبال المنصوري، وقد اطلقت عليه التسمية الجديدة في الفترة الواقعة ما بين خروج الأتراك والاحتلال الإنجليزي.. وتوجد بالقرب منه بوابتان من أبواب عدن الستة، هما باب حومة وباب السيلة (أو باب مكسور)..
4- باب عدن (العقبة): يقع الباب في ثنايا العقبة. ممر في منخفض من سلسلة جبلية تحيط بالمدينة إحاطة كاملة، عدا الجزء الشرقي منها. وقد ظل لزمن طويل المنفذ الوحيد للمدينة، والصلة التي ربطت عدن ببقية أجزاء اليمن.. ويقع باب عدن أسفل جبل التعكر، وهو الجبل الذي ثُقب بأصله باب عدن – باب البر – ، وأطلقت عليه تسميات أخرى وأيضاً مثل باب اليمن، وباب السقايين والباب الرئيسي – والأخير أطلق أيام الاحتلال الإنجليزي –، وقد وصفه المؤرخ الهمداني بقوله: (شصر مقطوع في جبل)، وتعيد بعض المصادر التاريخية بناء باب عدن إلى شداد بن عاد حيث تم ثقب باب في الجبل، وجعل عدن سجناً لمن غضب عليه!. ويحتل باب عدن (العقبة) موقعاً استراتيجياً هاماً، وقد كانت بوابته في السابق تفتح صباحاً وتغلق مساءاً وقد بنى عليه الإنجليز جسراً في يناير 1867م، وهدم ذلك الجسر مؤخراً في عام 1963م بهدف توسعة الطريق.. وتمت في البوابة خلال عهود الأتراك والإنجليز الكثير من التوسعات والترميم وسفلتة أرضيتها..
رجعنا عند إعدادنا هذا المقال إلى العديد من المراجع منها: (نتائج المسح السياحي في الفترة 1996-1999م)، (بلوغ المرام في شرح مسك الختام في من تولى اليمن من ملك وإمام/تأليف القاضي حسين بن أحمد العرشي/ تحقيق الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي)، (تاريخ ثغر عدن/ أبا محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد أبي مخرمة، مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل/ الطبعة الثانية 1407هـ 1986م/ منشورات المدينة -صنعاء، شركة التنوير للطباعة والنشر – بيروت)، (الأعمال الكاملة.. العقبة، صهاريج عدن، صيره/ عبدالله أحمد مجيرز/ دراسة تحليلية جغرافية وتاريخية وأبحاث متعمقة/ من مطبوعات صنعاء عاصمة الثقافة العربية200م)، (عدن تحت الحكم البريطاني 1839-1967م/ ر. ج جافن/ ترجمة محمد محسن محمد العمري/ الطبعة الأولى 2013م/ دار جامعة عدن للطباعة والنشر – عدن)،  (من بواكير حركة التنوير في اليمن، المجموعة الأدبية والصحفية للقاضي أحمد محمد مُداعس/جمع وتحقيق وتقديم الأستاذ محمد محمد عبدالله العرشي/ شارك في الإعداد القاضي العلامة محمد إسماعيل العمراني)...
alarachi2012@yahoo.com