الثلاثاء، 1 مارس 2016

مديرية الحداء (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة ذمار
مديرية الحداء (الحلقة الثالثة)
بينون معجزة الإنسان اليمني عبر التاريخ

                                إعداد/ محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم... يسرني أن أقدم لك على صحيفة الثورة الغراء الحلقة الثالثة عن مديرية الحداء، وقد عودتك أن أقدم لك نبذة مختصرة عن علم من أعلام اليمن، وعلمنا اليوم من مديرية الحداء هو المقرئ المشهور العلامة المرحوم محمد بن حسين عامر، ولي معه ذكريات لا تنسى والذي تربطني به علاقة روحية ومحبة في الله، وأول محطة تعرفت فيها عليه كانت في رحاب الجامع الكبير عندما كنت أدر
س القرأن الكريم في الجامع الكبير عند سيدنا علي الوتري، ومعي زميلي العلامة الأستاذ يحيى الحليلي – أطال الله عمره – وكنا نتدارس القرأن الكريم معاً وفي يوم من الأيام بعد ثورة سبتمبر 1962م حضر إلى الجامع الكبير مجموعة من علماء الأزهر وعلى رأسهم المقرئ المشهور محمود خليل الحُصَّري، وقد تجمع حوله العديد من المقرئين اليمنيين ومنهم المرحوم العلامة محمد حسين عامر وآخرين، وقد استمتعنا جميعاً بقراءة المرحوم الحصري، ولما انتهى من تلاوته قام العلماء من القراء اليمنيين بالتلاوة وأحداً بعد أخر وعندما انتهوا من تلاوتهم قال الشيخ محمود الحصري: هذا الشاب، وهو يشير بأصبعه إلى المرحوم محمد حسين عامر، هو أعلمكم بتلاوة القرأن الكريم.. وهذه شهادة أحببت أن أسجلها للتاريخ، وقد ظلت صداقتي به من ذلك التاريخ إلى أن توفاه الله  عام 1419هـ.. وأذكر أنه عندما توفي والدي القاضي محمد بن عبدالله العرشي ظل لمدة أسبوع يحضر إلى منزلي يجابرني وينشد التوشيحات اليمنية العذبة.. وقد ذكر المرحوم الأستاذ عبدالله البردوني في كتاب (محمد حسين عامر 50 عاماً في ظلال القرأن) أُعد هذا الكتاب في ذكرى تأبين المرحوم المقرئ محمد حسين عامر، ذكر في أسطر كتبها عن مقرئنا من صفحة 85 إلى صفحة 97 نبذة عن أسرة المرحوم محمد بن حسين عامر وأبائه ولا سيما والده الشيخ حسين عامر – أطال الله عمره – واستمر المرحوم الأستاذ البردوني في سرد ذكرياته المشتركة بينه وبين المرحوم محمد بن حسين عامر ولاسيما أنه يجمع بينهما مكان ولادتهما وهي مديرية الحداء، ويجمع بينهما معاناة فقد البصر، ومعاناة صعوبة الحياة، وفي نفس الوقت تجمع بينهما الشهرة وحب الناس لهما.. فلا شك أن الشيخ محمد حسين عامرهو من القراء المبدعين الذين أنجبتهم اليمن في تاريخها المعاصر، وأن الأستاذ عبدالله البردوني هو أيضاً من الأدباء في العالم العربي في القرن العشرين، والذي جعل المرحوم الشاعر الكبير سليمان العيسى أن يقول ما في اليمن إلا مدينة صنعاء القديمة والشاعر الكبير عبدالله البردوني..
من أشهر المعالم والكنوز الحضارية في مديرية الحداء
1- بينون: جبل، نفق، حصن، وقرية.. يمثل نفق بينون الجبلي المائي أحد أهم إنجازات الحضارة اليمنية في عهد الدولة الحميرية مطلع القرن الميلادي الأول. وتقع بينون شمال شرق ذمار مقابلة لكراع حرة كومان في مديرية الحداء وعزلة ثوبان جوار قرية النصلة وعلى مسافة (54كم) من مدينة ذمار. بينون ينسبها المؤرخ المرحوم بامخرمة إلى "بينون بن محمد بن عبد الله البينوني" روى عن "مبارك بن فضالة" وعنه "محمد بن عيسى بن الطباع" وطبقته، ويذكرها المرحوم المؤرخ الكيبر أبو الحسن الهمداني في كتابه (الإكليل): بأنها هجرة عظيمة وكثيرة العجائب وفيها قصر الصبايا وإن الملك الحميري "أبو كرب أسعد الكامل" كان يتخذها واحدة من قواعد حكمه. وبينون حصن من حصون حمير الشهيرة في أعلى جبل مستطيل، وفي ذلك الجبل طريق منقورة في وسطه قد تهدمت وهذا الجبل متوسط بين جبلين تفرق بين كل أرض فيها مزارع، وكان في سفح الجبل الشمالي عين تسمى غيل (نمارة) تسقي الأرض التي بينه وبين بينون، وفي الجبل الجنوبي طريق منقورة في بطنه على طول (مائتي ذراع) تقريبًا يمر منها الجمل بحمله، وهي باقية إلى الآن، وفوق باب الطريق من الجانبين كتابة بالمسند الحميري، ومن هذا الطريق ساقية قديمة قد تهدمت كانت تصل غيل هجرة إسبيل بالأرض الواقعة بين حصن بينون والجبل اليماني أي الجنوبي لتسقي هذه الأرض من غيل الهجرة؛ ولشهرة بينون ومبانيها فقد أتى ذكرها كثيرًا في أخبار حمير وأشعارهم، قال ذو جدن الحميري:
لا تهلكن جزعاً في أثر من ماتا
فإنه لا يرد الدهر من فاتا

أبعد بينون لا عين ولا أثر؟
وبعد سلحين يبني الناس أبياتا

ورغم شهرة هذه المدينة وتردد ذكرها في مسامع أهل اليمن في أوائل العصور الإسلامية وبعدها إلى حين، إلا أن ذكراها انقطعت بعد ذلك، وطمست من أذهان الناس، ولم يعرفها إلا أهلها الذين ظلوا أوفياءاً لتلك المدينة العريقة، ومعهم المهتمون بعلم الآثار والتاريخ تتألف بينون القديمة من واديين يتوسطهما جبل منفرج في وسطه، وأبرز قمم هذا الجبل (النصلة)، ومن أهم معالم بينون بقايا آثار وحجار منقوشة بخط المسند مزينة بزخارف جميلة ولكن أهم آثار بينون العجيبة كما وصفها القاضي المرحوم المؤرخ أبو الحسن الهمداني ثلاثة هي:
بقايا القصر: تدل آثار القصر على أنه كان مشيدًا بحجارة مستطيلة مهندمة ومتعددة الأنواع والألوان، وكان يمثل أروع مبنى في المدينة، ويقع في قمته حصن منيع يحيط به أكثر من سور، وقد ذكره القاضي المرحوم أبو الحسن الهمداني في كتابه (الإكليل) في أبيات من الشعر تنسب لأسعد تبع:
وبينون منهمة بالحديد
ملازبها الساج والعرعر

وشهران قصر بناه الذي
بنا بينون قد يشهر

النفقان: يعتبر هذان النفقان أعظم عمل هندسي في مجال الري والزراعة تم تنفيذه بطريقة نحت صخور جبلين، والغرض من النفقين إحكام مجرى تحويل السيول من وادٍ إلى آخر، ويعتبر هذا النفق (القطع في الجبل) من عجائب اليمن التي ليس في بلد مثلها، وتأتى المياه من وراء جبل النقوب عبر النفق إلى وادي الجلاهم لتجري إلى النفق الآخر عبر جبل بينون باتجاه وادي نمارة، وعندما تغادر النفق تجتمع في سد يقع في أعلى وادي نمارة الذي تمتد أراضيه الخصبة مساحات شاسعة. ويذكر الكثير من الباحثين والمتخصصين والمهتمين بآثار مديرية الحداء أن نفق جبل بينون مسدود بسبب انهيار مدخله، أما نفق النقوب فما زال على أحسن حال، ويبلغ طوله (150 متر) وعرضه (3 أمتار) وارتفاعه (4.5 متر)، وفي داخل النفق فتحات جانبية يعتقد أنها عملت لتثبت فيها ألواح أو أحجار لتنظيم سرعة تدفق السيول، وتخفيف اندفاع المياه قبل أن تخرج من النفق إلى ساقية الوادي.
الكتابات : وقد ذكرها صديقي العزي الباحث الأستاذ محمد الشعيبي – أطال الله عمره – أنه توجد نقوش مكتوبة بخط المسند – بخط غائر – في أعلى مدخل هذا النفق تتضمن أن النفق شق ليسقي وادي نمارة، وفي مدخل النفق نقشان آخران أحدهما مطموس أما الثاني فيمكن قراءة معظمه، ويدل محتواه على أنه دون نذرًا من أحدهم واسمه "لحيعثت بن زعيم" إلى معبوده (عثتر) بمناسبة افتتاح النفق، إلا أن أهم النقوش التي عثر عليها في بينون تذكر اسم "شمر يهرعش" ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات، وقد جاء في النقش ذكر سنة البناء بالتقويم الحميري المعروف وهي (420)، وتوافق هذه السنة بالتقويم الميلادي حوالي (305 ميلادية)، ويرجح الدارسون أن نهاية المدينة كانت في حوالي عام (525 ميلادية) عندما دخل الأحباش اليمن وأنهوا دولة حمير، ولكن تظل بينون بقصرها وأنفاقها شواهد مادية باقية على روعة إنجاز الإنسان اليمني وعلى هندسته البديعة في إنشاء المعالم الشامخة التي واكبت التطورات الحضارية الحديثة، وهو خير دليل على أن اليمنيين كانوا مقدار التطور والإبداع الذي كان يملكه اليمنيون في عصور قديمة..
2- قرية الحطمة: الحطمة بني حُدَيجة (حُدَيجة بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة) بلدة في الحداء إلى الشرق من قرية (حاجب) وجنوبًا وادي دهمان وجبل السايلة وشرقها وادي الزيادة وغربًا وادي وجبل غول عينه، ويورد القاضي المرحوم حسين السياغي في كتابه "معالم الآثار اليمنية" أن منطقة بني حُدَيجة غنية بآثارها العظيمة وفي أعلى قرية الحطمة بارتفاع (25 م) تقريبًا عن الوديان المجاورة شُيدت على أنقاض الموقع القديم قرية الحطمة الحديثة ولا يزال الأهالي يستخدمون الأحجار القديمة لغرض بناء منازلهم الحديثة حتى أن بعض البيوت أقيمت فوق أسس أبنية قديمة بأبعادها الأصلية، وفي واجهات بعض بيوت القرية صف من رؤوس الوعول الرمزية تحتها حزاوز عميقة تبدو وكأنها مستطيلات عمودية غائرة داخل أطر مستطيلة أيضًا، كما تنتشر في الموقع كثير من قطع الأحجار المهندمة والشقافات الفخارية مع أعمدة من حجر المرمر، كما يوجد ختم إسطواني لدى أحد أبناء القرية، عليه حروف بخط المسند، وعند أكتاف مرتفع من حجر رمادي اللون الضليعية شرق الموقع هناك كهوف منقورة في الصخر مختلفة المستويات في الارتفاع، ويشاهد في مدخلها نقوش بخط المسند، وفوق مرتفع الضليعية المكون من صخور الحبش يوجد حوض كبير يعرف باسم (بركة الزيادة) مربع الشكل تقريبًا، وفي وسطه عمود ذو أربعة أضلاع استخدم لقياس مناسيب المياه، وعلى واجهته الجنوبية كتابات بخط المسند غير واضحة، وعند أسفل مرتفع الضليعية يوجد نفق كبير منحوت بآلات حادة طوله (260م) يربط بين وادي غربي المرتفع ووادي غول، وعند فتحته الغربية وأمامها في الوادي زيادة تراكمات من أحجار كبيرة وصخور جيرية ربما كانت تشكل حاجزًا لتصريف المياه الفائضة عن استيعاب الوادي عبر النفق المذكور إلى وادي غول لوبار في الجانب الثاني من المرتفع عن طريق منفذين يشكلان الفتحة الشرقية للنفق، وهما مغلقان بأنقاض من الأحجار الكبيرة، والحقيقة أن مثل هذه الأنفاق العملاقة والمقطوعة لمسافات طويلة تحت المرتفعات الصخرية بطريقة النقر تدل على العزم والتصميم لدى اليمنيين القدماء.
3- سد العقم:العقم منطقة في بني زياد في مديرية الحداء، ويوجد فيها آثار سد قديم، وهو سد للماء على أرض متسق قد تهدمت جوانبه وبقي الوسط قائم البنيان حتى الآن وشيدت عمارته وفق تخطيط هندسي محكم وبعناية، وفي المنطقة عدد من الحصون الأثرية المنيعة. شيد السد في وادي ضيق تعرض لتعرية شديدة، وصل عمقها إلى الصخور النارية ذات اللون البني الغامق (15م)، ومتوسط ارتفاعه فوق قاعدة الوادي (14م)، كانت مساحة السد في الأصل (90)، ويستخدم لري الحقول الواقعة على اتجاه مجرى السيل وتصرف من خلال فتحة صغيرة تحت السد، وعلى جانب اتجاه مجرى الوادي في الناحية الجنوبية الغربية واجهتان لمبنى السد الواجهة الأولى شكلت من كتل حجرية كلسية وضعت أفقيًا في صفوف متراصة على شكل خطوط بارزه للأمام – وبطانة جسم السد عبارة عن حشوة من القطع الخشنة الغير متماسكة وهي دبش من الحجارة – أما الواجهة الثانية سمكها (3.5م) وهي ملامسة للاتجاه المضاد لواجهة السد الأمامية، وتبدو أنها إضافة متأخرة مبنية بأحجار ضاربة إلى الحمرة قطعت من جبل يبعد من السد بمساحة قريبة، وهو يوحي بأن السد لم يبق فترة طويلة من الزمن حتى يمتلئ كاملاً حتى أعلاه، ومحتمل ألاَّ يكون قد تعرض لتصدع في مرحلة مبكرة إلى حدٍ ما من تاريخه، وتبين أن مظهر الواجهة الثانية تعود إلى فترة متأخرة أفضل من كونه واجهة ثانوية، وربما كان بناؤها يمثل محاولة لتقوية السد المتداعي للانهيار أو لإعادة حجر الوادي، وفي هذه الحالة استخدم البناء كدعامة، وعمومًا فإن متوسط مساحة المنطقة التي كان السد يرويها تبلغ حوالي (60 - 90 هكتارًا).. وعقم أو عقمة في الأصل من مصطلحات الري والزراعة في اليمن قديمًا وحديثًا، وهي مشتقة من الجذر (عقم) بمعنى (حجز وسد)، ومنها معقم من مصطلحات البناء ويعني (عتبة الباب)، ولا نجدها بالمعاني المشار إليها في تراث اللغة العربية الفصحى، وغالبًا ما يكون في المواضع المعروفة باسم العقم أو العقمة إما سد قديم أو تكون كحاجز على وادٍ تجري فيه السيول في موسم الأمطار، وقد جاء عند العلامة المرحوم "نشوان بن سعيد الحميري" في كتابه "شمس العلوم" أن أهل اليمن يستخدمون في لغتهم (العقم) بمعنى السد، حاجز لحماية قطعة الأرض المزروعة، ولا تزال المصطلحات (عقم ومعقم) تستخدم حتى اليوم بالمعاني المذكورة.
4- قرية الجربتين: وتقع في وادي الجربتين الواقع تحت وادي حيكان من مخلاف بني بخيت التي منها الحكيم علي بن زايد المتداول كلامه عن الزراعة، والذي عاش في القرن السادس للهجرة، ولا توجد حالياً قرية تحت هذا المسمى فقد اندثرت ولم يتبق منها إلا ثلاث خرايب تسمى الأولى: خرابة علي بن زايد، والثانية تسمى خرابة حميد بن منصور، والثالثة تسمى خرابة اليهودي، وإذا كانت قرية الجربتين خالية من السكان اليوم فإنه يوجد الكثير من القرى الواقعة على جوانب وادي الجربتين الممتد من المخلابة ببني بدا إلى بني زيدان.
من أشهر أعلام مديرية الحداء
الشيخ العلامة الشيخ العلامة محمد حسين عامر: مقرئ, حافظ, منشد يعتبر أول مجدد للإنشاد في اليمن، ومن ابرز المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين، فهو صاحب الصوت الرخيم والعذب والذي ما يهل علينا رمضان إلا وهو أول المبشرين بهذا الشهر الكريم من خلال تلاوته للقرآن وكذلك التسبيح والدعاء والإنشاد. وهو من أشهر أعلام مديرية الحداء قرية (الظواهره)، ولد عام 1938م في قرية (الظواهرة), منطقة (حيد السواد), مديرية (الحدا), في محافظة ذمار، ونشأ فيها، وأصيب بالعمى في عامه الأول, وفي الشهر السادس منه تحديدًا. مكث في قريته 9 سنوات وبدأ من خلالها حفظ القرآن الكريم على يد والده العلامة حسين عامر – أطال الله عمره، ثم اصطحبه أبوه مع أخيه الأكبر (أحمد حسين) - وكان أعمى أيضًا - إلى مدينة صنعاء سنة 1366هـ/1947م، درس علوم القرآن الكريم على يد عدد من العلماء مثل: العلامة المرحوم (حسن شندق), و العلامة المرحوم (عبدالله الطائفي), و العلامة المرحوم (حسين مبارك الغيثي), و العلامة المرحوم العزي الجنداري وهو زوج خالتي المرحومة الفاضلة تقية بنت جدي لأمي المرحوم محمد بن يحيى مُداعس, و العلامة (أحمد بن حسين الخولاني). ثم انتقل إلى مدرسة (دار العلوم)؛ فدرس فيها علم القراءات السبع, ومن شيوخه فيها: الشيخ (حسين الجلال), و الشيخ (محمد علي الأكوع). ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة العلمية ودرس فيها بعض المتون مثل: متن الأزهار في الفروع ومتن الآجرومية وقطر الندى في النحو، وغيرها من العلوم. وقد حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره خلال سنة وأربعة اشهر. وهو ما شد انتباه مشائخ وعلماء الجامع الكبير في بداية الخمسينات من القرن الماضي، فقد جذبت تلك التلاوة  وذلك الأداء الكثير من هؤلاء العلماء والمشائخ.. وقد جاوز حد الدهشة والتعجب العلامة محمد محمد المنصور – أطال الله عمره – الذي أخرج قلمه من جيبه وكتب إلى المرحوم سيف الإسلام الحسن وقال: "ولدان ضريران صغيران مع والدهما يتدارسان القرآن إذا سمعتهما يذكر أحدهم الأخحر يأخذك بهما سرور وغبطة"؛ فكانت هذه الكلمات هي السبب في دخولهما المدرسة العلمية.. وإذا كانت تلك التلاوة قد جذبت  العلامة محمد المروني والأستاذ أحمد حسين المروني، يطالبا بضرورة ضم هذا الصوت للإذاعة.. ومن إذاعة صنعاء انطلق ذلك الصوت عبر البث المباشر في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وكان أول تسجيل للمقرئ المرحوم محمد حسين عامر في الإذاعة هو سورة الأنعام.. وكان مقرؤنا المرحوم شديد الإعجاب بالسيد أحمد موسى والعزي النعماني رحمهما الله وهما من أبرز المجيدين للتواشيح الدينية في صنعاء فانتقل الإعجاب إلى مرحلة الممارسة للتوشيح فأضاف إلى تسجيل القرأن تسجيل التواشيح؛ فكان أول توشيح سجل للإذاعة بصوته توشيح يقول مطلعه: من مثل أحمد في الكونين نهواه... وفي بداية الستينات أسس مدرسة لتحفيظ القرآن بمسجد النهرين، وتولى إدارتها. استقبل فيها الكثير من الطلاب الذين كانوا يأتون من كل مكان لتعلم القرآن والقراءات السبعية. وكان مقرؤنا من أشد المعجبين والمحبين للطيور، وكان كثيراً ما يشتري عدداً منها ويقوم بتربيتها بنفسه ولا تفارق منزله. بل كان في رحلاته إلى خارج اليمن أول ما مكان يقصده هو حديقة الطيور.. ثم عمل في تدريس القرآن الكريم, وأسس عددًا من مدارس التحفيظ في جامع (النهرين) في مدينة صنعاء وفي غيره من الجوامع والمساجد، وأسس مدرسة لقراءات القرآن السبع خاصة قراءة نافع، وقد تأثر بتلاوة المقرئ (يحيى الحدائي) إمام جامع المظفر بتعز، وحاكاه في التلاوة ونبرات الصوت وتفوق على القرّاء، وتميز بنبرات صوتية غير مسبوقة. تخرج على يديه الكثير من حفظة القرآن من أشهرهم المقرئ (يحيى الحليلي)، والعديد من طلبة العلم والمنشدين. كانت حياته حافلة بالعطاء وخدمة العلم، وقد اشتهر مقرئًا من خلال إذاعة وتلفزيون صنعاء وعدد من الإذاعات اليمنية, وعبر أشرطة الكاسيت التي انتشرت حتى صار من أشهر المقرئين اليمنيين. وفي بداية الستينات بدأت إذاعة صنعاء بالنقل المباشر لصلاة الفجر يومياً من الجامع الكبير بصنعاء كل شهر رمضان، فكان صوته العذب يدوي في مآذن صنعاء ومازال حتى اليوم تسجيلات صوته تتردد في الأفق. أصيب بالمرض, وظل يعاني منه حتى مات رحمه الله تعالى عن ولدين وذلك في مدينة صنعاء يوم السبت 15 من رمضان 1419هـ. وقد رثاه الكثير من رؤوساء الدول منهم الرئيس المرحوم ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين.. وهذه نبذة من سيرته العطرة بقلم ابن أخيه الأستاذ/ عبدالعزيز بن أحمد بن حسين عامر – أطال الله عمره – أورده في كتاب (محمد حسين عامر.. 50 عاماً في ظلال القرأن الكريم).
من المراجع التي رجعنا إليها في إعدادنا لهذا المقال: (الإعلان بنعم الله الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرأن/ تصنيف العلامة أحمد بن عبدالله السَّلمي الوصابي الشهير بالسَّانة/ تحقيق الأساتذة، محمد بن محمد عبدالله العرشي، علي صالح الجمرة، عبدالخالق حسين المغربي/المطبعة العصرية لبنان)،  (الموسوعة اليمنية)، (المدارس الإسلامية للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع)، (الموسوعة السكانية/ للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)، (نتائج المسح السياحي)، (ثلاثة مقالات للأستاذ الباحث/ محمد صالح البخيتي نشرت في صحيفة صنعاء اليمن الأعداد "65، 61، 62" في شهر مايو عام 2007م)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشأت للعام 2004م)، (معالم الآثار اليمنية/ للقاضي المرحوم حسين السياغي)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للمرحوم القاضي محمد أحمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (صفة جزيرة العرب/ للهمداني/ تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع)،(هجر العلم ومعاقله في اليمن/ القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (اليمن الكبرى/ حسين بن علي الويسي/ الطبعة الثانية 1991م)، (موسوعة للقلاع والحصون في اليمن "تحت الطبع"/ للأستاذ الباحث أحمد الغراسي)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق