السبت، 20 ديسمبر 2014

مؤتمر الحواس

أهدي هذا المقال إلى الأخوة والأخوات أعضاء لجنة الحوار، وكل عضو وعضوة معنيٌ بقراءة هذ المقال، لعله يجد فيه عبرة وعظة..
نامت إحدى العينان وأغمضت جفنها وبقيت الأخرى يقظانة وجفنها مفتوح , وبعد أن استيقظت النائمة, قالت النائمة للأخرى ما لي أراك مفزوعة وخائفة؟ ردت عليها وأنت مالي أراك فرحة وحالمة؟ يا سبحان الله عينان في جسم واحد ترى الواحدة مالا تراه الأخرى, قالت النائمة: لقد رأيت المستقبل والأرض خضراء ومزدهرة والأشجار مثمرة والأنهار تجري والغيول تتفجر ينابيعاً من شقوق الجبال, والشباب يعملون, وقالت الأخرى: لقد رأيت البيئة متدهورة والمياه أصبحت غائرة والصحراء تزحف رمالها على الأرض الزراعية فتغطيها برمالها، وأشجار السيسبان تزحف على الأرض الزراعية فتهلكها والشباب عاطلون عن العمل.
وتوقفتا قليلا وقالتا لو نتبادل الأدوار فيما بيننا؟ فتبادلتا الأدوار ورأت كل واحدة منهما ما رأت الأخرى, وبعد نقاش وحوار اتفقتا على أن الحلم لا يغير الواقع، بل لابد أن تعمل معهما باقي الحواس، واستدعيا بقية الحواس في الجسم فاجتمع العقل واللسان والعينان والإذنان والأنف والرأس واليدان والرجلان، وتحاور الجميع حيث شرحت العينان ما جرى بينهما من حوار وما رأيا في حلمهما. واتفقت جميع حواس الجسم أن تعمل متكاتفة لتغيير الواقع باعتبار أن الإنسان خليفة الله في الأرض و{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
فبدأ العقل يفكر ويبحث عن آلية للتغيير وبدأت الأذنان تسمعان خرير المياه، وحفيف الأشجار، وزقزقة العصافير، والحان الغناء، وأصوات الموسيقى، وغناء الفنانين، وأصوات الخطباء والشعراء والمذيعين، وبالمقابل بدأتا تسمعان ضجيج الآلات، وأصوات المرضى والمظلومين، وبكاء الأطفال، ونواح الثكالى، وأصوات دعاة السلام، وأصوات دعاة الحرب والدمار، وبدأت تسجلها وتحيلها إلى العقل ليقوم بدراستها وتحليلها لتساعده في إعداد آلية للتغيير.
وبدأت العينان تريا كل ألوان الطيف، وألوان الشجر والزهر والنباتات، واستمرتا تنظران إلى كل المناظر الجميلة، إلى كل ما خلق الله على هذه الأرض، وكيف تتحرك وتعمل الكائنات الحية في الظلام والنهار، وكيف تتعايش الحيوانات في الغابات والأدغال مع بعضها البعض، وكيف تعيش الحشرات وكيف تحافظ على نفسها، وتدافع عن حياتها، وبالمقابل استمرت العينان تريان ما يفعله الإنسان من تدمير الأرض والشجر والتربة ما أدى إلى القضاء على الغابات ونشر الحرائق والخوف، وكيف يقتل الناس بعضهم البعض لأتفه الأسباب، وواصلت العينان النظر في حياة الإنسان بإرسال كافة مناظر الحياة بأشكالها المختلفة إلى العقل ليقوم بدراستها وتحليلها لتساعده في إعداد آلية للتغيير.
وبدأ الأنف يعمل فقام باستنشاق كافة الروائح الجميلة للأزهار, للنباتات, للأشجار, للمواد, وبعد ذلك قام الأنف باستنشاق كافة الروائح الكريهة وتنبه أن معظم الروائح الكريهة هي من صنع الإنسان, وقام بإرسال ما توصل إليه إلى العقل ليساعده في إيجاد آلية للتغيير, وتساءلت الرجلان واليدان واللسان, وماذا علينا أن نعمله، وتحاورت طويلا عن ما يجب أن تعمله، ولم تتفق على أي عمل يجب أن تقوم به كل واحدة منهن، وبعد طول نقاش وأخذ ورد تم التوصل إلى أنه يجب الرجوع إلى العقل ليقوم بالتوجيه بالأعمال التي يجب أن تقوم به هذه الحواس, ولم تتنبه هذه الحواس أنها برجوعها إلى العقل قد توصلت إلى أهم قاعدة يجب أن تحكم نشاط حواس أفراد الإنسانية، وأن اللسان واليدين والرجلين لو رجعت إلى العقل في كل نشاط تقوم به لاستقامت حياة البشرية واستقرت, وتجنبت البشرية الكثير من الكوارث التي حدثت عبر العصور والأجيال، وأن أكثر المشاكل تكمن في تسرع اللسان واليدان والرجلان في ممارسة أعمالهن دون الرجوع إلى العقل، مما أدى إلى وجود الخلل في حياة البشرية .
واجتمعت الحواس في جسم الإنسان وعرضت كل حاسة ما عملت وقدمته للعقل إلا أن اللسان واليدين والرجلين شرحت للعقل عن توقفها واختلافها حول العمل التي يجب أن تقوم به والتي يجب أن تبدءا به.
وأجاب العقل لقد كنت متأكدا أن اللسان واليدين والرجلين سوف تتوقفان عن العمل, وترجع أليَّ باعتبار أن خُلق الإنسان السوي يستدعي أن يكون عمل اللسان واليدين والرجلين تنفيذياً لما يصدر العقل إليها جميعاً من توصيات وأوامر، وأن الخلل الموجود في حياة البشرية هو في عدم تقيد اللسان واليدين والرجلين بأوامر العقل وأن ما أصابته البشرية من نجاح منذ خلق البشرية إلى الآن هو التزام اللسان واليدين بأوامر العقل، فعمل العقل والأذنين والعينين يبدأ أولاً، وبعد ذلك يبدأ عمل اللسان واليدان والرجلان, وما أصاب البشرية من كوارث في كافة المجالات هي نتيجة تسرع اللسان واليدان والرجلان دون الرجوع إلى العقل.
واستمر مؤتمر حواس الإنسان في حوارٍ طويلٍ ونقاشٍ حول وظائف الحواس، والتوقيت والترتيب لعمل كل الحواس على التوالي والتوازي. وفجأةً سمع الجميع ضجيج وصوت مرتفع يحتج؛ لماذا تجاهلتموني؟ وبدأت الحواس تنظر إلى بعضها البعض وتتساءل من صاحب هذا الصوت لأن جميع الحواس متواجدة في مكان واحد، فجاء صوته معرفاً بنفسه: إني أنا الروح, وردت جميع حواس الإنسان الروح.. الروح. قال العقل: نعم لقد نسينا دعوتك للاجتماع، وربما أن غيابك هو أحد أسباب الخلل الذي نواجهه في عملنا. وكثيراً من الظواهر في سلوك الإنسان الذي نسكنه ولا نجد لها تبريرا مثل الحب والكراهية والحسد والغضب والفرح وغيرها من الظواهر والتصرفات السلبية والإيجابية في حياة الإنسان يمكن للروح أن يلعب دوراً إيجابياً في توجيه سلوك الإنسان، وضبط هذه الظواهر والتصرفات، وهي تؤدي وظيفة الكوابح لتصرفات الإنسان السوي.
وقام العقل بالنيابة عن حواس وأعضاء الإنسان بالاعتذار إلى الروح لعدم دعوته لحضور المؤتمر، ورحب به، وأستأنف المؤتمر أعماله. وقد قام الروح بالتأكيد بأن ما أصاب الإنسانية من دمار وخراب هو بسبب تخلي الحضارات الإنسانية عن الروح، وأن التاريخ البشري يشهد على ذلك، وتاريخ الحضارة اليونانية والرومانية والفرعونية والإسلامية والحضارة الغربية تؤكد أنه عندما تخلت هذه الحضارات عن الروح فإنها تدهورت وتدمرت، ودمرت غيرها بل ودمرت نفسها، وأن ما جرى في العصور الوسطى والقرن العشرين، وما يجري في بداية القرن الواحد والعشرين من حروب ودمار انتهت بكوارث كان ضحاياها ملايين البشر وتدمير كامل للبيئة وما فيها من مقومات الحياة، كل ذلك كان نتيجة لذلك. وإن التمسك بالمواثيق الدولية والأديان والأعراف جنب البشرية الكثير من المخاطر والمهالك , وتدخل العقل قائلاً: لا نستطيع أن ننكر ما يقوم به الروح في حياة الإنسان وهو الذي حافظ على إنسانيته وحال دون تحويله إلى حيوان، إلا أن العقل قد أسهم إسهاماً إيجابياً في تحقيق المئات من الإنجازات العلمية في الجوانب الصناعية والزراعية والطبية والتعليمية, وأصبح الإنسان المعاصر ينعم بالكثير من الإنجازات العلمية التي استطاعت أن تجعل الإنسان ينعم بالكثير من المنجزات التي لم يستطع الإنسان أن ينعم بها منذ خلقه الله سبحانه وتعالى في الكون. وأصبحت المعرفة والمعلومات التي لدى البشر والتي اكتسبها خلال الآف من السنين الماضية لا تساوي شيئاً أمام ما أكتسبه من علمٍ ومعرفةٍ خلال المائة السنة الماضية, وهنا تدخل الروح وقال: لا تنسوا أيضاً أن العقل وبالعلم أيضا قد اخترع الكثير من الاختراعات العلمية من وسائل الحرب والقنابل الذرية والكيماوية التي دمرت الإنسانية، والأرض وما عليها من مقومات الحياة، وهنا نستطيع أن نؤكد أن العقل والعلم بدون الروح هو دمار وهلاك.
ألم تعلم أن أربعمائة شخص يملكون من الثروة ما لا يملكه كل من سكان آسيا وأفريقيا وأمريكا وأستراليا.
وهنا تدخل العقل وقال: لا ننسى أن الروح إذا لم يعمل مع العقل والعلم فإن الحياة تصبح راكدة وجامدة, وأن الكثير من المجتمعات التي تخلت عن العقل والعلم أصيبت بالجمود والفناء, وهنا قال الروح: ونفس الشيء أن العقل والعلم إذا تخليا عن الروح تدمرت الحياة, وهناك الكثير من الشواهد تؤكد ذلك، وأن الحياة المعاصرة في عالمنا خير مثال على ذلك, وفي نفس الوقت أشار العقل إلى اللسان واليدين والرجلين وقال موجهاً كلامه إليهن: أعتقد أن الحقيقة أصبحت واضحة وجلية عن دور كل من الحواس التي في جسم الإنسان بالإضافة إلى العقل والروح، ومتى يجب أن تُمَارِس كل حاسة من حواس الإنسان وظيفتها، وما يجب أن يقوم به العقل والروح بحيث يتكامل عمل جميع الحواس مع عمل العقل والروح، ليستطيع الإنسان أن يكون خليفة الله في أرضه ويتجنب الكثير من السلبيات التي نتجت عن الإرتجال والتخبط في عمل الحواس وعدم التزامها بالتوقيت الذي يجب أن تلتزم به كل حاسة، بحيث لا يعمل العقل إلا بعد أن تجمع له العينان والأذنان والأنف المعلومات التي تساعده على اتخاذ القرار المناسب، بعد أن تعرضه على الروح وعلى الضمير وكما أنه يجب على اللسان واليدان والرجلان عدم التسرع والتخطيط للقيام بأعمالهن التنفيذية إلا بعد أن تصدر إليهن الأوامر من العقل المصادق عليها من الروح والضمير وبالتالي ستستقيم الحياة الإنسانية وينمو الخير ويتم القضاء على الشر.

وقد توصل مؤتمر الحواس إلى العديد من الحقائق وهي كالتالي:
أولاً: أن العقل والروح هما من يضبطا سلوك الإنسان، وهما من يتخذ كافة القرارات المتعلقة بسلوك الإنسان نحو نفسه ونحو مجتمعه ونحو غيره.
ثانياً: أن العينان والأذنان والأنف تجمع المعلومات المرتبطة بنشاط الفرد والمجتمع والأرض والبيئة وتقوم بإرسالها إلى العقل لتقوم بتحليلها وتتخذ القرارات المناسبة بشأنها وتعرضها على الروح والضمير للمصادقة عليها.
ثالثاً: أن عمل اللسان واليدين والرجلين هو عمل تنفيذي بحت، ويأتي بعد صدور التوجيهات إليها من العقل مصادقاً عليه من الروح والضمير.
رابعاً: أن أي عمل يأتي من اللسان واليدين والرجلين دون الرجوع إلى العقل تترتب عليه نتائج سلبية تؤثر على الإنسان نفسه وعلى غيره وعلى مجتمعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق