السبت، 10 يناير 2015

مديرية المذيخرة



الثروات والكنوز الحضارية  والمدن التاريخية في محافظة إب
 مــديـــريـــة المذيخرة (مقر الملوك المناخيين، وعاصمة ابن الفضل)
مذيخرة تخضرُّ في زمن الشتا


وتزهو بأسنى بهحة وسرور

وفي بطنها الأنهار تزهو كأنها


سلوك لجين في بساط حرير

إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي                                                                                  
المقدمة:
إن معرفتنا بتاريخ بلادنا وجغرافيتها يساعدنا على معرفة واقع مجتمعنا، ويجعلنا قادرين على حل مشاكله الاجتماعية والاقتصادية، والتعرف على مكامن القوة والضعف فيها. وفي نفس الوقت سوف نتمكن من استغلال ثرواتنا الاقتصادية لتحقيق رفاهية اليمنيين، وأوجه نداءً لكل اليمنيين وعلى رأسهم السياسيين والمفكرين بأن يعملوا جميعاً على استغلال هذه الثروات بدلاً عن الصراعات السياسية، والتفكير في كيف نحكم بدلاً عن من يحكم، وكفى إهداراً لطاقاتنا ودمائنا في الصراع. وقد عُرفت اليمن خلال الفترة من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادي  بالثراء الفاحش في نظر العديد من المؤرخين الإغريق، وأبرزهم المؤرخ المشهور هيرودت،وهاهي مديرية المذيخرة بمحافظة إب تؤكد ما ذهبنا إليه بأن اليمن الخضراء بلاد البن والثروات الزراعية والنباتات المختلفة، والعسل ونبات الورس والمناظر الخلابة التي ألهمت الشعراء والأدباء والفنانين على مر العصور، وتؤكد مصداقية المؤرخ الإغريقي.
أخي القارئ الكريم ...
إن الكتابة عن مديرية المذيخرة ومدينة المذيخرة من الأمور الشائكة، ولاسيما ونحن ندعو إلى الوحدة الوطنية وإلغاء المذهبية والمناطقية والطائفية، وأي معلومات عن هذه المديرية ومدينتها إنما هي نتاج العصور التي ازدهرت فيها تاريخ وعمران هذه المديرية ومدينتها، وأن من مزايا مقالتنا الإشارة إلى المراجع، فمن أراد التوسع في معرفة تاريخ هذه المديرية عليه الرجوع إلى المراجع المذكورة في أخر هذا المقال.
مديرية المذيخرة
المذيخرة: من ذَّخر؛ بمعنى اختاره وقيل اتخذه، ويقال:اذتخر يذتخر فهو مذتخر. ويقال ذَخَرَ لنفسه حديثاً حسناً: أبقاه.
ومديرية المذيخرة كما جاء في (الموسوعة السكانية) للمخلافي، تقع في محافظة إب في الجزء الجنوبي الغربي منها، يحدها من الشمال مديرية العدين، ومن الجنوب محافظة تعز  مديريتا التعزية وشرعب السلام، ومن الشرق مديرية ذي السفال، ومن الغرب مديرية شرعب السلام (محافظة تعز). ومساحتها تبلغ 200كم2، حيث تضم 53قرية تشكل 14 عزلة هي: (الأشعوب، الأفيوش، بني علي، بني مليك، بني الورد، الجوالح، حزة، حليان، حمير، خولان، الزاملية، مذيخرة، المزهر، المغاربة). وبلغ عدد سكانها عام 2004م 78050نسمة.
وقد جاء في (الموسوعة اليمنية) أن المذيخرة منطقة جبلية تحيط بها المدرجات الزراعية الخضراء، كما تطل على عدد من الوديان المغطاة بأشجار وارفة لا تفقد اخضرارها طوال العام. ويعد البن أبرز محاصيل المنطقة، كما تكثر النباتات المختلفة وخاصةً نباتات الزعفران والرياحين، ونبات الورس؛ الذي تطحن حباته الصفراء وتستخدم لعلاج بعض الأمراض. وفي المنطقة نحل وعسل يمتاز بالجودة لتنوع الزهور الطبيعية والنباتات المختلفة.
وجاء في (مجموع بلدان اليمن وقبائلها): وجعفر المناخي الذي نسب إليه مخلاف جعفر هو جعفر بن إبراهيم بن محمد ذو المثلة بن عبدالله بن سلمة بن أكسوم بن سويد بن حسان بن مرة بن لهيعة بن حمير بن زيد بن شراحيل بن زيد بن سعفة بن زرعة ذي مناخ بن عبدشمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير. ومن أعمال المذيخرة حليان عزلة وبها بيت أبو ضربة وهم من بيت الشامي من ذرية الإمام الهادي بن علي بن الحسن الشامي.  وعزلة بلاد المليكي، وعزلة بلد شار، وعزلة حرة، وعزلة المغاربة، وعزلة خباز، وعزلة مذيخرة، وعزلة الجوالح، وعزلة حمير، وعزلة خولان، وعزلة جبل بحري، وعزلة بني مدسم، وعزلة بني زهير، وعزلة الأشعوب، وعزلة حقين، وعزلة المزهر، وعزلة الزاملية، وعزلة بن عبدالله، وعزلة الأجفون، وعزلة الأبقوم. وعزلة الأحبور، وعزلة الأسلوم، وعزلة الأحكوم، وعزلة المزارقة.

مدينة المذيخرة
مدينة المذيخرة – بضم الميم وقد تكسر وفتح الذال وسكون المثناة من تحت وكسر الخاء المعجمة ثم راء مفتوحة وهاء – تقع في قمة جبل ثومان، وقد جاء (في كتاب نتائج المسح السياحي) أنها مدينة مشهورة قديمة الاختطاط، فكان بها قصراً لملوك (الكلاعيين) في الجاهلية والإسلام – آل ذي مناخ – وقد قام باختطاطها جعفر بن إبراهيم المناخي، والذي ينسب إليه مخلاف جعفر، وذلك في حوالي مطلع القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، كما كانت عاصمة علي بن الفضل الخنفري القرمطي المتوفي عام 302هـ 914م، وذلك بعد أن أزال ما كان يعترض طريقه إليها من عقبات، ومنهم جعفر بن إبراهيم المناخي المتوفي عام 292هـ على يد علي بن الفضل الحنفري في واقعة وادي نخلة، فقد حارب الإمام أحمد بن منصور بن أبي المغلس صاحب حصن الدملؤة فحاصره حتى استنزله وقاتله حتى قتله ثم حاصر الأمير محمد بن إسماعيل الكرندي صاحب حصن حب وصاحب حصن السمّدان من المعافر ففتحها وقتل صاحبها المذكور.
وقد أخذت المذيخرة شهرتها من أنها كانت عاصمة إمارة (بني المناخي) الحميريين، التي كانت تحكم بلاد المذيخرة والجند والعدين، وكان يطلق عليها اسم (مخلاف جعفر) نسبةً إلى الأمير جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد المناخي، الذي قتله الداعية الإسماعيلي علي بن الفضل الخنفري وذلك سنة 292هـ بعد حرب جرت بينهما. فقد كان ابن الفضل قد حقق بعض الشهرة بعد قتله أمير لحج وعدن أبي العلاء، وصار طموحه يتجه إلى السيطرة على مدينة صنعاء وذمار وغيرهما، وقد رأى أنه إذا سيطر على المذيخرة فإنه يسهل عليه التوجه إلى المناطق المذكورة، لذلك كان يتحين الفرصة المناسبة لغزو المذيخرة، وقد جاءت هذه الفرصة بعد حادثة تمثلت في أن الأمير جعفر المناخي قام بقطع ثلاثمائة يد لبعض أبناء جبل دلال كعقوبة على تمرد حدث منهم، فانتهز ابن الفضل هذه الفرصة وكتب إلى جعفر يقول: إنما قيامي لإقامة الحق وإماتة الباطل. وقد بلغني ما أنت فيه من ظلم المسلمين، فادفع إلى أهل عُزلة دلال دية ما قطعت من أيديهم؛ وإلا فأنا قادم إليك. فلم يجبه جعفر بشيء، ثم جمع ابن الفضل جموعه وسار نحو جعفر حيث التقى الجمعان في نقيل البردان وذلك يوم 8رمضان من عام 291هـ وجرت بينهما معركةٌ شديدة أسفرت عن هزيمة ابن الفضل وعودته إلى يافع. ومكث ابن الفضل خمسة شهور يعمل جاهداً على إنشاء جيش ضخم قادر على قتال ابن المناخي حيث رأى أن سبب هزيمته في معركة البردان كانت نتيجة لضعف قواته. وفي شهر صفر من سنة 292هـ زحف بقواته نحو المذيخرة، أما ابن المناخي فقد غادرها إلى زبيد بعد أن رأى عدم قدرته على الصمود أمام تلك القوات، ولذلك تمكن ابن الفضل من دخول المدينة بدون حرب، ولكنه لم يمكث غير بضعة أيام حتى عاد ابن المناخي بجيش كبير أمده به أمير زبيد ابن زياد، وقد تلقاه ابن الفضل بمجموعة في وادي نخلة حيث نشبت المعركة الحاسمة والتي أسفرت عن قتل جعفر المناخي وعدد كبير من أنصاره وجنده، وكان لهذه الواقعة أثرها في اشتهار ابن الفضل واتساع نفوذه. ولما صار ابن الفضل بالمذيخرة اعجبته فأظهر بها مذهبه وجعلها دار ملكه.
وقد ذكر جدنا المؤرخ المرحوم القاضي حسين بن أحمد العرشي في كتابه (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملك وإمام) بتحقيقنا، أنه لما قويت شوكة علي ابن الفضل أخذ صنعاء وزبيد وغيرها، واستعمل على صنعاء أسعد بن أبي يعفر، وكان أسعد ينفر منه ومن مذهبه، ويخاف وثبته عليه. ولم يزل علي بن الفضل يعلو أمره، حتى قتله شريفٌ – يعرف بالطب – وصل من العراق إلى المذيخرة، فاستدعاه ابن الفضل ليفصد به عرقاً، فجعل هذا الطبيب على مبضعه سُمّاً وفصده، وخرج من تلك المحلة في سرعةٍ، فالتهب ابن الفضل ومات. وطُلب الشريف فأُدرك على الطريق فقُتل.
وقد وصف المذيخرة القاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع في تحقيقه كتاب (صفة جزيرة العرب) للهمداني، بقوله: المذيخرة: بضم الميم وفتح الذال المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت ثم خاء معجمة وآخره هاء: تعتبر المذيخرة روضة فواحة بالشذى، ذات ينابيع غزيرة وزروع وفواكه. وهي مقر الملوك المناخيين الحميريين، وعاصمة ابن الفضل.
وقد جاء في كتاب (طبقات فقهاء اليمن) بأن المذيخرة مدينة ذات أنهار ورياض واسعة من مخلاف جعفر وبها قلعة حصينة وقد اختط هذه المدينة – جعفر مولى محمد بن زياد أمير اليمن من جهة العباسيين في أول المائة الثالثة وإليه نسب هذا المخلاف. وجاء في (مجموع بلدان اليمن وقبائلها):وجعفر المناخي الذي نسب إليه مخلاف جعفر هو جعفر بن إبراهيم بن محمد ذو المثلة بن عبدالله بن سلمة بن أكسوم بن سويد بن حسان بن مرة بن لهيعة بن حمير بن زيد بن شراحيل بن زيد بن سعفة بن زرعة ذي مناخ بن عبدشمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير.
وجاء في (معجم البلدان) لياقوت الحموي: أن المذيخرة كأنه تصغير المذخرة بالخاء المعجمة والراء وهو اسم قلعة حصينة في رأس جبل صبر، هكذا حكى ياقوت وهو خطأ، فإن صبر هو الجبل المطل على تعز، ثم قال ياقوت: وفيها عين في رأس الجبل يصير منها نهر يسقي عدة قرى باليمن وهي قريبة من عدن يسكنها آل ذي مناخ، وبها كان منزل أبي جعفر المناخي. وقال عمارة بن أبي الحسن: المذيخرة من أعمال صنعاء وهو جبل بلغني أن أعلاه نحو عشرين فرسخاً فيه المزارع والمياه ونبت الورس وفي شفيره الزعفران ولا يسلك إلا من طريق واحدة وهو من مخلاف السحول، وذكر عمارة بن أبي الحسن بن زيدان اليمني في كتابه (المفيد في أخبار صنعاء وزبيد): "ولما ملك الزيادي اليمن واختط زبيد كما ذكرنا في زبيد وحج من اليمن جعفر مولى زياد بمال وهدايا في سنة 205 وسار إلى العراق وصادف المأمون بها وعاد جعفر هذا في سنة 206 إلى زبيد ومعه ألف فارس فيها مسودة خراسات سبعمائة فعظم أمر ابن زياد وتقلد إقليم اليمن بأسره الجبال والتهايم وتقلد جعفر هذا الجبل واختط به مدينة المذيخرة ذات أنهار ورياض واسعة والبلاد التي كانت لجعفر تسمى اليوم مخلاف جعفر، والمخلاف عند أهل اليمن عبارة عن قطر واسع، وكان جعفر هذا من الدهاة الكماة وبه تمت دولة بني زياد ولذلك يقولون ابن زياد وجعفر. انتهى ما ذكره ياقوت في المعجم.
وقد صحح المرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي)، حيث قال: المذيخرة بلدة عامرة في العدين من أعمال إب، وهي مركز ناحية، وليست في جبل صبر. وتقع إلى الشمال منه على بعد ستين كم تقديراً، كما أنها ليست قريبة من عدن فبينهما أكثر من ثلاثمائة كم تقديراً.
وادي نخلان
- نخلان: بفتح النون وسكون الخاء المعجمة آخره نون ويقال له وادي نخلان وهو من الأودية الكريمة وفيه قرى عامرة جميلة وقع في الشرق الشمالي من تعز على بعد 45كم وبمسافة نصف ساعة بالسيارة.
من هجر العلم في المذيخرة:
- شعبات: قرية صغيرة من عزلة حمير وأعمال المذيخرة، وتقع إلى الجنوب من جبل قُرْعِد المطل على المُذيخرة من الجنوب الشرقي بنحو ثلاثة كم تقريباً. وقد ترجم القاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لـ(7) من أعلامها.
ومن أهم المراجع التي رجعنا إليها: (صفة جزيرة العرب/للهمداني)، (مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)، (البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي/ للقاضي المرحوم إسماعيل الأكوع)، (معالم الآثار اليمنية/ إعداد المرحوم القاضي حسين بن أحمد السياغي)،  (الموسوعة اليمنية/الطبعة الثانية)، (الموسوعة السكانية/للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)،(نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م)، (هجر العلم ومعاقله في اليمن/ للمرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (طبقات فقهاء اليمن/لعمر بن علي بن سمرة الجعدي)، (تاريخ اليمن المسمى المفيد في أخبار صنعاء وزبيد/ لعمارة)، (بلوغ المرام في من تولى اليمن من ملك وإمام/ للقاضي حسين بن أحمد العرشي/ تحقيق الأستاذ محمد بن محمد بن عبدالله العرشي/تحت الطبع)، (لسان العرب/ للإمام العلامة ابن منظور/طبعة 2003م).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق