الخميس، 15 يناير 2015

مديرية المخادر



الثروات والكنوز الحضارية والمدن التاريخية في محافظة إب
 مــديـــريـــة المخادر (السحول)
                                                                                                إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
إن معرفتنا بتاريخ بلادنا وجغرافيتها يساعدنا على معرفة واقع مجتمعنا، ويجعلنا قادرين على حل مشاكله الاجتماعية والاقتصادية، والتعرف على مكامن القوة والضعف فيها. وفي نفس الوقت سوف نتمكن من استغلال ثرواتنا الاقتصادية لتحقيق رفاهية اليمنيين، وأوجه نداءً لكل اليمنيين وعلى رأسهم السياسيين والمفكرين بأن يعملوا جميعاً على استغلال هذه الثروات بدلاً عن الصراعات السياسية، والتفكير في كيف نحكم بدلاً عن من يحكم. وهاهي مديرية المخادر من أراضي السحول بمحافظة إب تؤكد ما ذهبنا إليه بأن اليمن الخضراء بلاد القصور والقلاع والمواقع الأثرية والسدود والمناظر السياحية الخلابة التي ألهمت الشعراء والأدباء والفنانين على مر العصور.
أخي القارئ الكريم ...
كلما توغلنا في الكتابة عن مديريات محافظة إب وجدنا أنها جميعاً تمثل مجمعاً حضارياً متنوعاً يشمل الحصون والقلاع والمصانع والمواقع الأثرية والسدود التاريخية والمدن التاريخية والجوامع والمدارس الإسلامية والمئات من العلماء الذين أبدعوا في عصور الدول الإسلامية الصليحية والأيوبية والرسولية والطاهرية وفي كافة المجالات العلمية المختلفة، واستكمالاً للكشف عن هذه الثروات المختلفة سنتناول في هذا المقال مديرية المخادر: وهي بفتح الميم والخاء، وكسر الدال. وهي تقع شمال مدينة إب ويتوسط بينهما حقل السحول، وتقع المخادر على هضبة من جبل (عُقد). وقد كانت قديماً مقراً للسلاطين التبعيين الحميريين الذين منهم (آل ناجي) المشهورين في القرن السابع الهجري، وإليهم ينسب السحول فيقال سحول ابن ناجي، كما يضرب بهم المثل: (يا هارب من الموت، مامن الموت ناجي، ياهارب من الجوع، عليك سحول ابن ناجي) ويُروى هذا المثل شعراً شعبياً هكذا:
إن كنت من الموت هارب



ما حد من الموت ناجي

 وإن كنت من الجوع هارب



فاهرب سحول ابن ناجي






وتنسب السحول إلى السلطان بن ناجي وتسمى (سحول بن ناجي)، وينسب إلى السحول الحسن التبّعي الذي غرر بسعيد الأحول صاحب زبيد حتى قتل.
والسحول: السَّحْلُ: الثوب الأبيض، والجمع: سحول، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كفن النبي عليه السلام في ثلاثة أثواب سُحُولٍ كرسفٍ: أي عطب. والسحول بالفتح منسوب إلى السحول وهو القصّار لأنه يسحلها أي يغسلها أو نسبة إلى سحول وهي منطقة باليمن، أو إلى الجمع (سُحول) وهو الثوب الأبيض النقي، وكانت منطقة السحول في اليمن مشهورة بنسيجها. وقد ضبطها ياقوت الحموي في معجمه: بفتح السين وضم الحاء. وسميت السحول نسبة إلى سحول بن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف بن عدي.... ابن الهميسع بن حمير الأكبر.
وقد وصف الأديب الكبير والمصلح الإجتماعي المرحوم/عبدالعزيز الثعالبي السحول بعد زيارة لها، بقوله: "سلكنا سهول ابن ناجي ومنه إلى سوق السبت، وكان منظر الجهات جميلاً بهياً يأخذ بمجامع الأبصار والقلوب. ففي وسط الأرض مزارع من الذرة تغطي الراحلة، وعلى حافتي الطريق الأحراش وأكثرها من شجر الخنس والعمق والطلح الشائك وبينها أشجار الياسمين وزهر العشي وغيرهما من الزهور الطيبة الزكية". كما قال "أنه يزرع فيه أصناف الحبوب والبقول من قمح وشعير وذرة وعدس... وغيرها من الحبوب والخضروات والفواكه ومن الزهور والورد والياسمين والقرنفل وغير ذلك مما هو معروف في المناطق الباردة والحارة، بسبب اعتداله وكثرة مياهه." فبلاد السحول (المخادر) أرض إذا أقبل فصل الربيع فإنك تسمع تراتيل أطيارها في الصباح، وآذان تسبيحها في صلاة الفجر، وترى سندس أرضها والناظر لهذا المنظر العجيب يبتهج بحسن مناظرها، وشهيق عصافيرها، وتمايل أغصان أشجارها، وكأنها تتجاوب مع جمال الأرض الطيبة، الأرض المعطأة بخيراتها وثمارها وحبوبها وفواكهها.
ونورد أبيات نظمها الأديب الكبير القاضي العلامة/أحمد محمد مُداعس المولود عام 1345هـ الموافق 1926م – أطال الله عمره – مستوحاة من محافظة إب بمديرياتها المختلفة ومدينة إب كذلك، قال:
إب يا منبع الفتون ويا أم


الفراديس والجمال المجسد

يادياراً لناظري تتراءى


وربوعاً بخاطري تتردد

كيف أنسى وادي الظهار وأصوات


الأهازيج في الحقول تَرَدَّدْ

والعذارى الحسان فوق الروابي


الخضر تنشد وكأنه صوت معبَد

أرضه السندس الجميل وهمس


الدَّوح لحنٌ به الطيور تغرد

إب يا بهجة النفوس وَيَامَا


أطيب العمر في رباك واسعد

ومديرية المخادر كما جاء في موسوعة اليمن السكانية للدكتور محمد علي عثمان المخلافي، تقع في محافظة إب، يحدها من الشمال مديرية القفر، ومن الجنوب مديريتا إب وبعدان، ومن الشرق مديريات يريم والسدة وبعدان، ومن الغرب مديريتا حبيش وإب، ومساحتها 224كم2، وتضم هذه المديرية (10) عزل هي: (بضعة، بني سرحة، ذاري عثمان، السحول، الشرف، الصفى، عُقد، المحرم، المعشار، الوادي). وقد ورد في النتائج النهائية للتعداد السكاني للعام 2004م بأن عدد سكانها 113.892 نسمة وعدد مساكنها 16.097مسكن وعدد أسرها 15.740أسره، وقد أشتهرت مديرية المخادر بكثرة علمائها.
ومن أهم المعالم والمواقع الآثرية والتاريخية والعلمية بمديرية المخادر هي:
1- مدينة المخادر: ولاتزال عامرة وآهلة بالسكان وتبعد عن مدينة إب 25كم، وقد مدحها شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني بقوله:
أن الليالي في المخادر قد غدت


دراً على جيد الزمان لئاليآ

فلذا قضيت لها وكل مهذبٍ


قد بات فيها صار مثلي قاضياً

وقد أجاز البيتين المشار إليهما القاضي يحيى بن عبدالله البصير الإبي مع التورية بقوله:
هذا قضاء علامة العصر الذي


أحكامه مثل السيوف مواضيا

فأقول أخرجه البُخاري إذ غدا


البُلخي والمبرد راوياً

والبخاري والبُلخي والمبرد من العلماء المشهورين وفي نفس الوقت البخاري هي عزلة من ناحية المخادر والبلخي نبع يشرب منه الماء والمبرد وصف للماء البارد، وقد ذكر القاضي المرحوم حسين السياغي في كتابه (معالم الآثار اليمنية) أنه يوجد في المخادر العديد من الآثار بوادي المحفد وهي قرية عامرة في الشمال الشرقي من المخادر كما ورد في كتاب (المدارس الإسلامية في اليمن) للقاضي المرحوم إسماعيل الأكوع، ويوجد في المحفد بئر البلخي المشهورة بطيب مائها وهي أثرية ولها مجرى حميري محفور تحت الجبال والآكام. وقد أشتهرت مدينة المخادر بالعلم والعلماء ولاسيما في القرنين السادس والسابع الهجريين، وكانت من مراكز العلم التي يرحل إليها طالبوا العلم من مناطق مختلفة، وقد ترجم المؤرخ العلامة عبدالوهاب بن عبدالرحمن البريهي في كتابه (طبقات صلحاء اليمن) المعروف (بتاريخ البريهي) للعديد من علمائها منهم أشهرهم أبو بكر بن عمر بن منصور الأصبحي الشنيني نسبة إلى قرية شنين وهي قرية في السحول، حيث ذكر أنه قرأ على الإمام العلامة أبي إسحاق علي بن أبي بكر المقري، وأنه لازم جمال الدين الريمي، كما ذكر أنه قد سكن (المحفد) ثم أنتقل إلى قرية شنين البلدة المعروفة بالسحول، وقد وصفه بأنه كان يتحرى أن لايكون مأكله إلا من الحلال، وكان يقوم بتدريس تلاميذه العلوم، ويقوم بإطعامهم الطعام، وكان زاهداً في ملبسه يلبس إزاراً ورداءً ولايتعمم، وقد ترجم المرحوم القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن) لثمانية وعشرين عالماً في المخادر، وقد ذكر القاضي المرحوم محمد بن علي الأكوع في تحقيقه الجزء الثاني من (الإكليل) بأن السلاطين التبعيين هم الذين بنوا مسجد مدينة المخادر،وقد أوقفوا عليه أموالاً كثيرة. 
2-مدرسة شَنِين: وقد ضبط إسم قرية شنين الجندي في كتابه (السلوك) الجزء الثاني تحقيق القاضي المرحوم محمد علي الأكوع بأنها بفتح الشين وخفض النون وسكون الياء، وهي قرية من السحول على مسافة أربعة كم جنوب الدليل، وقد ذكر المرحوم القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه (المدارس الإسلامية) بأن الباني لمدرسة شنن هو عمر بن منصور بن زياد الحبشي، وقد ترجم له في كتابه (هجر العلم ومعاقله في اليمن ) ووصفه بأنه عالم فاضل وأنه من أعيان زمانه، وذكر بأنه درّس في هذه المدرسة العديد من العلماء منهم أبوالخطاب بن عمر بن مسعود بن يحي بن محمد بن المبارك المري، وقد وردت ترجمة له في كتاب (العطايا السنية والمواهب الهنية) للملك الأفضل العباس الرسولي تحقيق الباحث عبدالواحد بن أحمد الخامري طبعة وزارة الثقافة والسياحة 2004م، وأنه درّس بمدرسة شنين في السحول، وأنه كان فقيهاً محققاً عالماً مدققاً زاهداً ورعاً صالحاً، وأنه توفي مقتولاً من بعض قطاع الطريق سنة 713هـ، وممن درس في مدرسة شنين أبو العباس بن أحمد بن سليمان بن صبره الحميري المولود في سنة 658هـ وقد ترجم له في كتاب (العطايا السنية والمواهب الهنية)، وقد تولى قضاء إب وأُبعد منه، وقد حاول المجاهد الرسولي أن يعيده إلى القضاء فامتنع، وتوفي في سنة730هـ.
3- قلعة سمارة (صيد): وقد ضبط إسم جبل صيد (سمارة) ياقوت الحموي حيث ورد في كتاب (البلدان اليمانية عند ياقوت الحموي) للقاضي المرحوم إسماعيل الأكوع أنها بالفتح ثم السكون ودال مهملة، وقد وصفه بأنه جبل عظيم وعالي جداً في اليمن في أرض مخلاف جعفر، وهو مايعرف الآن بجبل سمارة ويقع وسط بين حقل يحصب وقاع الحقل شرقاً، ويبعد عن حقل ذمار بخمسين كم، وقد ذكر الهمداني في الجزء الثامن من الإكليل حيث قال: ونقيل صيد في سمارة وفي سمارة مسجد لمعاذ بن جبل، كما ذكر الهمداني في كتاب (صفة الجزيرة العربية) أنه يوجد مسجد لمعاذ بصيد. وقد ذكر المرحوم القاضي محمد الحجري في كتابه (مجموع بلدان اليمن وقبائلها) بأن ارتفاع سمارة عن سطح البحر ثلاثة الآف متر، وهو يقع في شمال شرق مدينة إب وعلى بعد 31كم وهو على رأس نقيل صيد بين مدينتي إب ويريم، والمسجد الذي ذكره الهمداني هو في قرية من قرى سمارة في طرف الحقل ولايزال هذا المسجد عامراً كما ذكر المرحوم القاضي محمد بن علي الأكوع في هامش الجزء الثامن من الإكليل، وقد ورد في نتائج المسح السياحي بأن قلعة سمارة كان يحيط بها من جميع الجهات سور حجري وتوجد في القلعة بركة كبيرة للمياه وذكر أن أحجار قلعة سمارة تتعرض للنهب من الأهالي.
4- شلالات وادي المحفد: ورد ذكرها في نتائج المسح السياحي في محافظة إب وهي شمال شرق مدينة إب بمسافة 28كم ومنها شلالات المهذور وتتساقط هذه الشلالات من ارتفاعات عالية وقد ذكر أنه يوجد في نهاية وادي المحفد طريق قديمة تاريخية في نهاية الوادي جزء منها مبني والجزء الأخر منحوت في الجبل وتؤدي إلى طريق نقيل سماره، ويقال أن الملكة سيدة بنت أحمد الصليحي هي التي قامت ببناء هذه الطريق.
ومن أهم المراجع التي رجعنا إليها: (صفة جزيرة العرب/ للهمداني)،(معجم البلدان/ لياقوت الحموي)،(الموسوعة اليمنية/الطبعة الثانية)،(مجموع بلدان اليمن وقبائلها/ للعلامة المرحوم محمد الحجري)، (معجم البلدان والقبائل اليمنية/للباحث الكبير الأستاذ/ إبراهيم بن أحمد المقحفي/ طبعة2011م)،(الموسوعة السكانية/للدكتور محمد علي عثمان المخلافي)،(نتائج المسح السياحي)، (نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت لعام 2004م)، (هجر العلم ومعاقله في اليمن/ للمرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (المدارس الإسلامية في اليمن/ للمرحوم القاضي إسماعيل بن علي الأكوع)، (التاريخ العام لليمن/ للمؤرخ محمد يحيى الحداد)، (طبقات صلحاء اليمن/ للبريهي/ تحقيق الأستاذ عبدالله الحبشي)، (اليمن الكبرى/للمرحوم الأستاذ حسين بن علي الويسي)، (مخاليف اليمن/للقاضي المرحوم إسماعيل بن علي الأكوع/ طبعة المجمع الثقافي في أبوظبي 2002م)، (من بواكير حركة التنوير في اليمن/ إعداد وتحقيق الأستاذ محمد محمد العرشي)، (الرحلة اليمنية 12أغسطس – 17أكتوبر1924م/ تأليف عبدالعزيز الثعالبي/ تقديم وتحقيق حمادي الساحلي)، (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم/ لمؤلفه اللغوي الإخباري القاضي العلامة نشوان بن سعيد الحميري/ تحقيق أ.د.حسين بن عبدالله العمري، أ.مطهر علي الإرياني، أ.د.يوسف محمد عبدالله).





هناك تعليق واحد: