الخميس، 8 يناير 2015

القاضي العلامة الأديب أحمد مداعس



اليمن تودع أحد علمائها وقضاتها وأدبائها
القاضي العلامة الأديب/ أحمد محمد مداعس
المولود عام 1345هـ الموافق 1926م،المتوفي 8ذو القعدة 1434هـ الموافق 13سبتمبر2013م
إعداد/محمد محمد عبدالله العرشي
المقدمة:
أخي القارئ الكريم.. لصحيفة الثورة الغراء، إنني اليوم أنعي أحد رجال الأدب والعلم والفكر في اليمن، إلى الأمة اليمنية والعربية والإسلامية العلامة الأديب الكبير أحمد محمد مداعس، الذي كان من أوائل رجال الكلمة والصحافة، الذي ندد بالاستعمار البريطاني وجرائمه في جنوب اليمن العزيز في منتصف القرن العشرين وكان يبشر الشعب اليمني بقرب نهايته.
والقاضي أحمد مداعس كان من أوائل الأدباء والصحفيين والعلماء الذين عقبوا في صحيفة أخبار اليمن في تاريخ 11مايو 1964/ على خطاب المرحوم الرئيس جمال عبدالناصر الذي قال فيه: على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل.

أخي القارئ الكريم .. في صباح يوم السبت الموافق 8 ذو القعدة 1434هـ شيعت صنعاء بجميع أطيافها وقضاتها وعلمائها وأدبائها، القاضي/ أحمد محمد مداعس عضو المحكمة العليا سابقاً، الذي كان يعتبر من أحد أقطاب اليمن في الأدب والقضاء في عصرنا الحاضر.
والقاضي أحمد محمد مداعس من مواليد محافظة إب عام 1345هـ الموافق 1926م، حيث كان والده العلامة القاضي محمد يحيى مداعس يعمل في لواء إب في ذلك التاريخ، وكان القاضي محمد يحيى مداعس يعتبر أحد علماء اليمن المشهورين في عصره، وله العديد من المؤلفات منها: (البحث الحميد الجاري على محض التوحيد)، (تبصرة ذوي الأفهام في الرد على من أنكر علم الكلام)، (الكاشف الأمين عن جوهر العقد الثمين)، وقد توفي عام 1351هـ الموافق 1932م.
وقد درس القاضي العلامة أحمد محمد مداعس لدى العديد من العلماء أشهرهم: القاضي العلامة/ يحيى الإرياني، والمرحوم العلامة القاضي/ عبدالله السرحي، والمرحوم القاضي/ عبدالله الجرافي... وغيرهم من العلماء في عصره.
والقاضي أحمد محمد مداعس يعتبر صديقاً ملازماً للقاضي/ محمد إسماعيل العمراني – أطال الله عمره – وهو خريج المدرسة العلمية، وقد تخرج من شعبة الاجتهاد.
والقاضي أحمد مداعس كان في حياته يميل إلى الأدب والشعر، وهذه الخصلة هي التي جمعت بينه وبين صديق عمره القاضي محمد إسماعيل العمراني. والجدير بالذكر أن القاضي أحمد محمد مداعس قد أخذ الكثير من كتب أمهات الحديث عن القاضي محمد إسماعيل العمراني منها: الأمهات الست في الحديث، مثل: صحيح البخاري ومسلم، وسنن أبي داود،...إلخ.
ونظراً لاهتمام الأديبين القاضي محمد إسماعيل العمراني والقاضي أحمد محمد مداعس بالأدب فقد كانا أحد أعضاء المنتدى الأدبي في صنعاء، والذي أسسه الأديب والصحفي الكبير المرحوم السيد/عبدالكريم بن إبراهيم بن حسين الأمير.
وقد ذكر الأديب الكبير الدكتور/عبدالعزيز المقالح بأن القاضي أحمد كان يقوم بدور حمامة السلام بين المتخاصمين من أعضاء المنتدى الأدبي الذي كان مقره في منزل الأديب الكبير السيد عبدالكريم إبراهيم الأمير. وأشار الدكتور عبدالعزيز المقالح إلى أن القاضي أحمد كان مؤهلاً للقيام بهذه المهمة الصعبة، نظراً لتواضعه ودماثة أخلاقه، ولا سيما عندما يكون الخلاف بين رواد منتدى عبدالكريم الأمير الأدبي، وفي النهاية كانت آراء وأفكار الشاعر الكبير المرحوم عبدالكريم الأمير هي الصائبة في كثير من القضايا.
ونظراً لكثرة مجالسته للشاعر الكبير عبدالكريم الأمير فقد رشحه عبدالكريم الأمير سكرتيراً لتحرير جريدة الإيمان التي كان يرأسها (الأمير).
القاضي أحمد محمد مداعس مؤسساً للإدارة القضائية في شمال اليمن
عين القاضي أحمد وكيلاً لمطبعة صنعاء التي كان مديرها الأديب الكبير/ عبدالكريم الأمير، وبعد قيام الثورة عُين مديراً عاماً للمحاكم بوزارة العدل، وأسهم مع مجموعة من الخبراء المصريين في تأسيس المحاكم، وإعداد الكوادر والسجلات، وتنظيم أعمال الموثقين في المحاكم.
القاضي أحمد محمد مداعس صحفياً
وفي هذا الصدد فقد كتب الأستاذ/ علي عبدالله الواسعي – أطال الله عمره – تحت عنوان (اختطاف صحفي) ويقصد بالصحفي (القاضي أحمد محمد مداعس) الذي كان قبلها يعمل سكرتيراً لجريدة الإيمان ومحرراً فيها، ويقصد بالخاطف (وزارة العدل) التي قامت باختطافه، وتعين فيها مديراً للمحاكم. وقد كتب الأستاذ علي عبدالله الواسعي – أطال الله عمره – مقالاته في صحيفة الصحوة في الأعداد (1182-1183-1184-1185-1186)، وذلك تعقيباً على صدور كتاب (من بواكير حركة التنوير في اليمن .. المجموعة الأدبية والصحفية للقاضي/ أحمد محمد مُداعس)، والذي قمت بجمعه وتحقيقه والتقديم له.
ثم تعين القاضي أحمد بعد ذلك عضواً في مكتب رفع المظالم الشرعية التابع لرئاسة الجمهورية مع زميله القاضي العلامة محمد بن عباس زبارة – أطال الله عمره – والذي شغل وطيفة وكيل وزارة العدل لعدة سنوات، والمكتب كان برئاسة القاضي العلامة محمد إسماعيل العمراني – أطال الله عمره.
ثم تعين القاضي أحمد عضواً في المحكمة العليا، وقد مارس عمله القضائي بكل كفاءة ونزاهة ومقدرة وإخلاص، كما هي عادته في الوظائف التي شغلها والوظائف التي تولاها سواءً قبل ثورة 1962م أو بعدها، حتى تقاعد عام 2004م. رحمه الله رحمة واسعة.
القاضي أحمد محمد مداعس وحدوياً
وقد عرف عن القاضي أحمد إخلاصه لوطنه، فقد كتب مقالاً تحت عنوان (النهاية الحتمية للاستعمار البريطاني في جنوب اليمن المحتل)، والذي نشر في جريدة أخبار اليمن العدد (247) يوم الإثنين 29ذي الحجة 1383هـ الموافق 11 مايو 1964م، تنبأ فيه بقرب نهاية الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن الحبيب، وأنها بتصرفاتها الحمقاء من الفتك والقتل، والسجن والإرهاب، والطرد والتشريد، التي لا تدل إلا على ضعفها وعجزها وقرب نهاية احتلالها للجنوب الحبيب من اليمن، وذكر في المقال الرئيس جمال عبدالناصر واصفاً إياه ببركان الثورة المتفجر وصوت النضال المدوي، وقال إنه قريب من اليمن وسيصل بنفسه إلى أرض اليمن الثائرة.
وفي مقال آخر عن جنوب اليمن المحتل تحت عنوان (النصر لشعب الجنوب) نشر في جريدة أخبار اليمن العدد (262) يوم الإثنين 20 محرم1384هـ الموافق 1/6/1964م، سخر فيه من خبر أذاعه راديو لندن مفاده أن طائرة بريطانية أقلعت على وجه السرعة تحمل أربعة من الأطباء مزودين بكلى صناعية لإسعاف جندي بريطاني أصيب في جنوب اليمن المحتل آنذاك، معلقاً أن بريطانيا مازالت تعيش بعقلية لا تؤمن بالتطور، ولا بحقوق الشعب، ناعتاً إياها بالدولة العجوز، وأن إرسال الطائرات وعليها الأطباء والكلى الصناعية لإسعاف الضحايا من جنودها (أبناء التيمس) لن يجدي لأن الشعب اليوم قد عرف طريقه، وعرف كيف ينتزع حقه المسلوب، وحريته المغتصبة، وأنها أحوج ما تكون إلى اختراع جهاز لتحكيم العقل يمكنها من التمييز بين الخير والشر والحق والباطل، بدلاً من إرسال الطائرات لعلاج جنودها.
وكان القاضي أحمد محمد مداعس كمثله من أبناء الوطن اليمني الواحد سواءً في الشمال أو في الجنوب متأثراً كل التأثير بما يعانيه أبناء جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني، فكتب مقالاً آخر تحت عنوان (نداء الواجب .. إلى إخواني في اليمن المحتل) نشر في جريدة النصر العدد (177) بتاريخ 26 شوال 1377هـ الموافق 16مايو 1958م، بدأ مقاله الثائر بقول الشاعر (أخي جاوز الظالمون المدى .. فحق الجهاد وحق الفداء)، ثم بدأ بتوجيه كلمات مقاله إلى الأحرار في العالم العربي..  ثم إلى أبناء جنوب يمننا المحتل متسائلاً: ألم يحن وقت اليقظة ونزع الغشاوة عن أعينهم؟ وأن يفيقوا من سباتهم العميق؟، مذكراً لهم أن (الإمبراطورية المحتضرة) و (الإمبراطورية الهرمة) بدأت تهتز وترتعش لتقدمها في السن، فقد طُردت شر طردة من الهند وباكستان ومصر والسودان، وأنها على وشك الرحيل من عُمان وقبرص القطرين الصغيرين في العدد والعدة.. داعياً أبناء جنوب اليمن الحبيب إلى الانتفاضة القوية على (صاحبة الجلالة الإمبراطورية المسنة) ضارباً لهم مثلاً بالمناضلة الجزائرية (جميله بو حيرد) في قوتها ووقوفها ضد الاحتلال الفرنسي مستشهداً بقول الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه


ما لجرح بطيب إيلام

وكما كان القاضي أحمد محمد مداعس متأثراً وثائراً وطنياً في كتاباته الصحفية فقد كان أيضاً ثائراً قومياً عربياً تهمه الأحداث التي تقع في الوطن العربي والعالم، فكتب الكثير من المقالات التي تطرق فيها إلى الأحداث التي كانت تعيشها الدول العربية ومؤثراتها الخارجية والأجنبية. فكتب مقالاً تحت عنوان (ستقولها يا ديجول كما قالها نابليون من قبلك).. مردداً ما قاله نابليون بونابرت امبراطور فرنسا عام 1815م، عندما تم نفيه إلى جزيرة (سانت هيلانة) وبينما هو على ظهر السفينة الحربية البريطانية (نورتمبرلند) بعد احتلال بريطانيا لفرنسا. حيث قال ومرارة الآسى تخنق صوته المتهدج، وعبرات الحزن العميق تترقرق ملء عينيه: (وداعاً فرنسا.. وداعاً يا أرض الشجعان)، وقال أيضاً: أن بريطانيا أساءت معاملته وأنه تعرض للإهانة من البريطانيين عند إقامته في المنفى. وأورد القاضي أحمد قول نابليون من باب التذكير لديجول الذي كان رئيساً لفرنسا في ذلك الوقت – بأنه سيلاقي نفس المصير – والذي كان يقوم بأعمال وحشية ضارية ضد القطر العربي الجزائري، وأبطالها المقاومين ومنهم جميلة بو حيرد، وأحمد بن بيلا، الذين سجنوا في سجون فرنسا يلاقون فيها شتى أنواع الإساءة والإهانة والازدراء، ويتذوقون كل أشكال التعذيب فيها، وهذه السجون لم يدخلوها بمحض إرادتهم، بينما نابليون بونابرت نفي بإرادته إلى جزيرة (هيلانة).
ومن مقالات القاضي أحمد محمد مداعس التي أبتهرتني وأُعجبت بها إعجاباً شديداً، مقالاً عندما قرأته ظننت أن كاتبه لم يكتبه في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين بل في عصرنا الحاضر وأيامنا الحالية في القرن الواحد والعشرين، هذا المقال تحت عنوان: (إسرائيل المزعومة .. أدولة هي أم كلب صيد)، لخص القاضي في هذا المقال طبيعة دولة إسرائيل حيث شبهها بكلب صيد، متتبعاً لما قامت به منذ قيامها عام 1948م إلى تاريخ كتابة المقال (وأنا أضيف بل إلى عصرنا الحالي) في قلب العالم العربي وفلسطين المحتلة، مشيراً إلى أنها تقوم نيابة عن التحالف الأوروبي الأمريكي في تحقيق العديد من المهام الاستراتيجية، مثل الحيلولة دون تحقيق الوحدة العربية، وتكريس التخلف والفقر في الدول العربية من خلال خلق الصراعات واستنزاف الثروات العربية والعمل على إنفاقها في التسليح، والعمل على بذر الشقاق والخلاف بين الدول العربية، مستشهداً بالعديد من الآيات القرآنية التي تصف اليهود وتعريهم وتظهرهم على صورتهم الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه العزيز المرسل إلى نبيه الكريم قبل 1400عام.
والقاضي أحمد مداعس لم يكتف بالكتابة الثورية والوطنية والقومية فقط بل كتب الكثير من المقالات الصحفية الأدبية الاجتماعية والدينية و..و..الخ، فقد كتب مقالاً بعنوان (الويلات التسع وجراثيم المجتمع)، ربط في هذا المقال الويلات التسع للكاتب والأديب الكبير/جبران خليل جبران، وبين ما يحدث في جنوب اليمن المحتل آنذاك. مشدداً على الويلة التاسعة (ويل لأمةٍ عاقلها أبكم وقويها أعمى ومحتالها ثرثار)، والتي يرى القاضي أحمد أنها السبب في تقسيم جنوب اليمن في العام 1959م إلى العديد من المحميات والسلطنات، داعياً إلى العمل على وحدة جنوب اليمن ووحدة اليمن لمواجهة الاستعمار البريطاني.
مستشهداً بقول المرحوم على الجارم بهذا الصدد:
لا تنال العلى بليت ولكن


وعكوف الفتى على مرآته

آلة الفوز همة تطحن


الصخر وتسمو للنجم في سبحاته

وممن رثى القاضي أحمد محمد مداعس رحمه الله، الشاعر الكبير الأستاذ/ حسن عبدالله الشرفي بقصيدة عصماء معزياً لي (كون الفقيد خالي) ولأهل الفقيد وذويه وأقاربه، تحت عنوان (في رحاب الله)، نورد منها الأبيات التالية:
بِمَوْتِ العلْمِ تنْهار الشعوب


وتغرق في مدامعها القلوب

وما هذيْ الحياة سوى سرابٍ


وليس به لظمئانٍ نصيْبُ

وأين هي الْـحَصَافَةُ في خطانا


فتدريْ كيف نخطئُ أو نصيْبُ

ومنها أيضاً:
وهذا أحمدٌ منها توارىْ


وفي أَحواله الشأن العجيبُ

رأى الدنيا بوعيٍ مستنيرٍ


وفي يدها المثالب والعيوب

فَزَايَلَهَا بفطنة أَلْـمَعِيٍّ


وفي عينيه لَمَّاحٌ أديْبُ

كذلك همْ رجال الله شأناً


إذا قال المنادي من يجيبُ؟

قرأْتُ له البواكير العذارى


وَجَلَّ الثوبُ والنسج القشيب

أخي القارئ الكريم..
هذه سيرة القاضي العالم الأديب الصحفي أحمد محمد مداعس، أردت بالكتابة عنه ليعرف شبابنا الجهد الذي قام به غيره في تنوير مجتمعه وشعبه..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق